حنا بطاطو والحركة الشيوعية العراقية [3-ب]


عزيز الحاج
2012 / 2 / 21 - 15:15     

يظهر أن هناك اتجاها لدى بعض التعليقات للخروج بنا عن موضوعي للدخول في سيرة الكاتب وفي سياسة ومصير القيادة المركزية. وهناك من يلومني لأنني لم أوضح هذه الحكاية أو تلك من الحكايات والإشاعات التي لم يكن لها من أساس، وكأني بالمعترض لم يقرأ سيلا من كتاباتي عن موضوع القيادة وسيرتي السياسية. وقد شرحت بالتفصيل كل هذه الامور في كتبي والعديد من مقالاتي الصحفية، سواء في القدس العربي او الحياة أو المؤتمر عشية الحرب، أو المواقع الألكترونية وغيرها. كما أن كمية الحكايات والإشاعات هي مما يمكن أن يؤلفوا عنها كتابا بعنوان [ مائة حكاية وحكاية عن عزيز الحاج]، و[ ومائة حكاية وحكاية عن القيادة المركزية]!! وكيف يمكن أن اعرف وأسمع كل ما قيل خلال حوالي نصف قرن، ولحد اليوم، وخصوصا بعد أن لخصت الأمور بكفاية وأوضحتها في كتابي " شهادة للتاريخ" الصادر في لندن عام 2002، ومن قبل في كتابي المحدود التوزيع " حدث بين النهرين" الصادر عام 1994. ولا ألوم من لم يستطع قراءة ما كتبت وإنما اللوم على بعض من يتنطعون بإلقاء المواعظ والدروس قبل التحري والتدقيق، سواء كان ذلك عن نية صافية أو غرض ما.

حركة القيادة المركزية لم تكن منقذة الشعب العراقي بل كانت واحدة من الحركات الثورية التي لها أمجادها ولها مطباتها وأخطاؤها الجسيمة. وليس الحاج هو وحده المسؤول عن إجهاض تلك الحركة، بل أولا القمع الوحشي والدموي. ثم تكالب بعض القوى السياسية وبثها الإشاعات التحريضية، وأما عن الضربات الأمنية، فبخلاف عامي 1948 و1949 التي جرت باعترافات من أعلى القيادة لأدناها، ففي حالة القيادة، فإن الاعتقالات بدأت من أسفل وتدرجت لكوادر متقدمة ثم لأعضاء في القيادة، تلاهم أعضاء آخرون، وكان الحاج هو المعتقل ما قبل الأخير وليس أولهم. وهذا مشروح بالتفاصيل في "شهادة للتاريخ" مع نقد ذاتي صارم كما وارد في الموسوعة الامنية بعنوان " أضواء على الحركة الشيوعية العراقية" وفي مصادر شتى. ولو أن المسئول الذي حل مكاني مؤقتا بقرار من الاجتماع الكامل قد قام بما عليه من ترتيب نقلي لكردستان لأتولى القيادة من هناك، لما تم اعتقالي ولما تم اعتقاله هو الآخر بسببي أنا، وسلسلة جديدة من الاعتقالات بسببه هو. وأقول أيضا إنني قدمت استقالتي من مركز المسئولية الأولى في اجتماع الكوادر الموسع ولكنها رفضت بالإجماع.

كتاب شهادة للتاريخ طبع في لندن ووزع جيدا. أما كتاب " حدث ما بين النهرين" فهو طبع استنساخ، وطبعت منه 50 نسخة فقط. ولا ألوم من لم يطلع عليه. وهذا هو فهرست ذلك الكتاب:

المقدمة....

الحزب الشيوعي ضميرا للشعب..

الوصاية السوفيتية..

الخلل في التكوين المعرفي والثقافي..

إشكالية الثورة والعنف السياسي..

الاستبداد الداخلي..المحاور الاساسية للصراع الداخلي عشية لانقسام..

بعض الخلفيات والأجواء..

الانقسام الحتمي..

مقدمات الحركة وتفاصيل تنفيذها..

فريق من الكادر..

نحن ومصطفى البرزاني..

الاجتماع الموسع لكوادر القيادة في يناير- كانون الثاني 1968

عدد من الإشكاليات : الحزب الشيوعي والأكراد الشيوعيون.. دور الشيوعيين اليهود..

الملاحق:

قرارات الاجتماع التأسيسي [ 17 أيلول 1967 ]

طائفة من البيانات وأعداد جريدة " طريق الشعب" السرية..

نماذج من المطبوع الداخلي " مناضل الحزب"..

النص الكامل لمحضر اجتماع كوادر القيادة في يناير 1968 وهذه وثيقة مهمة جدا وتنتشر لاول مرة وقد حفظها مناضل لم تشمله الاعتقالات فسلمها لي بعد خروجنا من المعتقل وكنت في الدفعات الأخيرة من المطلق سراحهم وبرغبة مني..

مساجلات مع اللجنة المركزية..

بيانات وقرارات اللجنة المركزية عن التحالف مع البعث..

رسالة فريدة من رائد القصة العراقية محمد أحمدالسيد في 1929 موجهة للشيوعي اللبناني البارز يوسف يزبك، ألخ..

وكم أتمنى لو استطاع أحد من بحوزتهم هذا الكتاب نشره ألكترونيا فإن إمكانياتي الفنية ضعيفة بهذا الشأن وحبذا لو تولى [الحوار المتمدن] هذا المشروع خدمة للتاريخ وللحقيقة.

كما ألفت النظر بقوة إلى أن لهجة الكتاب أحيانا قاسية في المساجلات مع مناضلي اللجنة المركزية وتستعمل أوصافا خشنة كالانتهازية والتحريفية وما شابه، مما كان رائجا عهد ذاك، وهو ما أرفضه اليوم، وقد تعلمت أن أكون هادئا ودقيقا أكثر، وان تخلو مساجلاتي مع أي فرد أو جهة من الغلاظة والانفعالية- وأقصد المساجلة مع من يريدون الحقيقة وليس مع عشاق المهاترات والتجريح ومن لا معلومات لديهم ولا مروا بتجارب وظروف قاسية ولكنهم ينصبون من أنفسهم وعاظا ثوريين ويوزعون شهادات التجريم والتكفير والتمجيد حسب الأهواء. يضاف أنني تراجعت فيما بعد عن مواقف هامة ومنها ما يخص موقف القيادة من الوحدة العربية وفلسطين وأمور أخرى باتجاه أكثر واقعية ومرونة وتطابقا مع موازين القوى الإقليمية. والدولية. وما دام الحديث عن الحكايات المنسوبة لي شخصيا فقد أوضحت ما سمعت منها مما يفيد التوضيح عنه وأما المهاترات والهجمات الشخصية فشعاري هو الصمت جوابا. وإن الشجرة المثمرة هي الأكثر تعرضا لحجارة عابري السبيل! وآخر حكاية أقرأها في الحوار المتمدن هي عن ضحكة استهزاء في ظهور تلفزيوني مشترك مع بيتر يوسف. وهذه حكاية باطلة جملة وتفصيلا لان مثل هذا الظهور المشترك لم يقع أصلا، مع ألف كلا، فما بالك بالسخرية من اسم شعبي وأنا الذي عشت في الأحياء الشعبية وكان لي جيران وأصدقاء لبعضهم أسماء غريبة[ منها مثلا زبالة]. ولم تعودني تربيتي العائلية وثقافتي السخرية من أحد لشكله أو لاسمه. والحكاية باطلة جملة وتفصيلا لأن بيني وبين الرجل حدثت منذ اعتقالي قطيعة تامة بعد أن دون في اعترافاته الخطية أمام المحققين بان السلطات البلغارية اعتقلتني أثناء عودتي للعراق بتهمة العمل للمخابرات الأميركية. وكانت تهمة قاسية تحملت الشدائد بسببها لمدة أسابيع وأضعفت طاقة تحملي وأعصابي وجرى التحقيق معي حولها مرات، وفي كل مرة كنت أقول للمحققين أن يراجعوا الحكومة البلغارية نفسها والحكومة الجيكية التي سهلت عودتي من براغ إلى سورية مباشرة بجواز مزور، ومنها سرا للعراق بتعاون من الحزبين الشيوعيين السوري والعراقي. وعشية سفري، كنا على مأدبة عشاء في براغ، ومن الحاضرين الراحلان زكي خيري والجواهري، والأستاذ نوري عبد الرزاق وغيرهم. بعد هذا وذاك فكيف أقبل بجلسة تلفزيونية مشتركة!!! ما أسهل الفبركات التي تفبرك من موقع الجهل او التعالم أو الحقد. وأذكر حكاية كنا نقرؤها في الابتدائية عن رجل في قرية شهد بان امرأة ولدت غرابا. فانتقلت الحكاية من قرية لأخرى ليصبح العدد مائة غراب. وأقل من هذا، فقد كان لي قط أليف كان ولدي وصديقي الوفي، واسمه ريمي. استغلت صداقتي لريمي سياسيا فأصدر أحدهم كراسا كاملا متحاملا في بداية التسعينات وعلى غلافه كاريكاتير للحاج والقط. وفي [القدس العربي[ ضرب أحد القوميين رقم 1 في 10 فصار ريمي عشرة قطط، وقال يخاطبني: " اترك الكتابة يا هذا وانصرف لقططك العشرة"/ مما يذكرني بما قاله فيالعام المنصرم معلق في الحوار المتمدن لأحد الكتاب" " اخرس" وكأنه يتعارك في زقاق بغداد ولسان حاله " إما أن تسكت وإلا فالويل لك!"

ولكي أختم هذه التداعيات التي فرضت علي دون أن أصل لموضوعي الأصلين قثمة القصة الطريفة والحقيقية التالية والتي تذكر ببعض ما يجري حاليا في سورية:

في منتصف التسعينات كنت أكتب بعض المقامات والقطع الشعرية الساخرة لينشرها الكاتب االسوري المبدع الراحل مصباح الغفري في مجلة باريسية كان يشرف على صفحتها الساخرة. وفي مرة سلمته قصيدة كتبتها بلا أية نية تعريض سياسي بأحد، ورد فيها:

[ عطس الهر ففر الأسدُ واتاني باكيا يستنجدُ

قال " يا مولاي ريمي قاتلي وأنا مستضعف مستوحدُ"

قلت " لا تبك فريمي عاقل فيلسوف وبه نسترشدُ"

انتفض مصباح قبل تكملة قراءة القصيدة، وقال بجد" هل تريد أن يمنعوا المجلة في سورية؟ سيتصورون أن القصيدة تقصد حافظ الأسد." وطبعا لم أنشرها. ألا كم في بلاد العرب من المضحكات!

أقدم مجددا أسفي لكوني لم أصل لتتمة المقال، أي عما كتبه بطاطو عن القيادة المركزية. فإلى التتمة.

22 شباط 2012

ملاحظة: قيل الكثير عن اليونسكو والمنصب مع أن القصة وما فيها أنه لم تكن هناك لا صفقة ولا يحزنون. خرجت من المعتقل مع أواخر الخارجين في منتصف الصيف من عام 1969 ، وطلبت العودة لوزارة التربية وأنا في مستشفيات باريس في أواخر صيف 1970 أي بعد عام كامل، وبعد أن عاد المئات من المفصولين لأسباب سياسية من موظفين وعمال ومن مختلف الاتجاهات. وكان ذهابي لباريس نفسه بالصدفة بعد أن اخترت برلين الشرقية لعلاج عيني المعطوبة بسبب ضربة جلاد، ولكن السلطات الشرقية عادت بعد أسبوع لتنذرني بمغادرة البلاد بحجة أنني " عدو للاشتراكية". وتبين أن بعض الشيوعيين العراقيين كانوا المحرضين. ومن المفارقة أنني لم أختر للعلاج دولة غربية بل دولة شيوعية. ولكن هكذا يكون المنطق المعكوس؛ أي عدت لوزارتي – التربية- التي كنت موظفا فيها عامي 1947 و1948 وليس للخارجية كسفير. وأما لقب سفير فهو درجة دبلوماسية تعادل درجتي في الوزارة كخبير تربوي. فالعاملون في المنظمات التابعة للأمم المتحدة ويمثلون بلدانهم يجب ان تكون لهم درجة دبلوماسية. وأما سيرتي اليونسكوية فكان من بين شهدوا لها مندوب فلسطين عام 1982 في مؤتمر صحفي باليونسكو أكد فيها أن الحاج هو من جمع العرب حول القضية الفلسطينية في اليونسكو. وشهد كثيرون بدوري لإعلاء الثقافة العربية. وسبق لي نشر الكثير عن مواقفي في تلك المنظمة وهي لم تخل أيضا من الأخطاء والمطبات من سياسية ومهنية وشخصية. ومعذرة للتطرق لهذه الأمور الشخصية.