حتى لا يكون رئيس الجمهورية مجرد ظل


سعد هجرس
2012 / 2 / 9 - 22:33     

قرر المجلس العسكرى التعجيل بانتخابات الرئاسة وفتح باب الترشيح فى يوم 10 مارس المقبل.
ورغم أن هذا الخبر مازال غير مكتملاً حتى لحظة كتابة هذه السطور، حيث تنقصه تفاصيل ضرورية كثيرة منها المدة التى سيستمر فيها باب الترشيح مفتوحاً، ثم الفترة المخصصة للطعون، والفترة المخصصة للدعاية، ثم موعد إجراء الانتخابات، وموعد الإعادة،..، رغم ذلك فإن "نصف الخبر" الذى أعلنه المستشار عبدالمعز إبراهيم عضو اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة يكتسب أهميته من عدة زوايا، أهمها على الإطلاق أنه يأتى استجابة للمطالب الشعبية واسعة النطاق بسرعة تسليم إدارة مقاليد البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة.
وهو من هذا الزاوية موقف إيجابى من جانب المجلس الأعلى للقوات المسلحة يستحق التحية والتشجيع والتأييد.
***
لكن هذا لا يعنى غاية المراد من رب العباد، فهناك أمور كثيرة تستحق المناقشة والحوار الوطنى من أجل أن تكون انتخابات الرئاسة خطوة حقيقية إلى الأمام فى سياق متطلبات الانتقال من الدولة الاستبدادية إلى إرساء دعائم دولة الحق والقانون.
أول هذه الأمور وأخطرها قانون انتخابات الرئاسة ذاته، ومن حيث الشكل فإن هذا القانون يواجه مشاكل إجرائية حيث أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة منفرداً قبيل انعقاد مجلس الشعب ببضعة أيام أقل من عدد أصابع اليد الواحدة، وهو ما يعتبره البعض التفافاً على السلطة التشريعية وافتئاتاً على صلاحياتها.
ومن حيث المضمون توجد انتقادات متعددة على القانون ذاته، من بينها "تحصين" لجنة الانتخابات، وجعل قراراتها فوق مستوى المناقشة أو الطعن.
كما يرى بعض المحللين أن القانون الجديد "يعد استنساخاً لقانون 2005".
وإلى جانب القانون، والانتقادات الشكلية والموضوعية الموجهة له والمطالبة باضطلاع مجلس الشعب بدوره بهذا الصدد، يطالب البعض بأن تجرى انتخابات الرئاسة فى ظل حكومة "محايدة" توخياً لنزاهة هذه الانتخابات وتحررها من الضغوط من أى جهة كانت، وبخاصة المجلس العسكرى.
ثم إن هناك مخاوف "عملية" فى ضوء ما حدث فى انتخابات مجلس الشعب التى كشفت عن "بدائية" إجراءات وتفاصيل العملية الانتخابية المصرية عموما التى تحتاج إلى تحديث شامل، وربما تجعلنا نفكر فى تغيير النظام الانتخابى برمته وإنشاء هيئة مستقلة دائمة لها فروع فى كل المحافظات متفرغة لإدارة كافة الانتخابات، محليات وبرلمانية ورئاسية، ومسئولة عن العملية الانتخابية من الألف إلى الياء، أى بدءاً من وضع الكشوف الانتخابية وتنقيتها وتحديثها باستمرار حتى الفرز وإعلان النتائج. ومن المؤسف أن تمارس الهند التصويت الالكترونى بينما مصر مازالت تلجأ إلى الأساليب اليدوية العقيمة والتى تزداد فيها احتمالات التدخل والتزوير والتلاعب.
ولا ننسى بهذا الصدد أن هناك قضية متداولة فى القضاء الإدارى، رفعها عدد من المرشحين البرلمانيين فى مقدمتهم الدكتور إبراهيم مصطفى كامل، تتحدث عن تلاعب فى قاعدة بيانات الناخبين المصريين بـ "التكرار المقصود" لأسماء بعينها يصل إلى ما يقرب من تسعة ملايين صوت.
ولو صح هذا فإننا نكون إزاء أكبر عملية تزوير تشهدها البلاد.
ويجب التأكد من عدم حدوث ذلك فى انتخابات الرئاسة التى ستعتمد على نفس قاعدة البيانات التى تثار حولها الشكوك.
ويبقى بعد ذلك الهاجس الأمنى خاصة بعد النشاط المفاجئ لعالم الجريمة المنظمة أو ما يشبه الجريمة المنظمة فى الآونة الأخيرة.
***
ورغم كل هذه الهواجس وتلك التحفظات فإن الأمر المؤكد هو أن تبكير إجراء انتخابات الرئاسة موقف إيجابى يستحق المجلس العسكرى التحية عليه. ونرجو أن يستكمل هذا الموقف بالتفاهم مع مختلف القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنى على كيفية سد الثغرات وكيفية معالجة الكثير من التفاصيل الجزئية.. حتى لا يأتى الرئيس المنتخب لأول مرة فى مصر – انتخاباً حقيقياً – ظلاً لأحد أو واجهة لأى جهة فى الداخل أو فى الخارج.