التضليل بين العلمانية والاسلام


محمد البدري
2012 / 2 / 3 - 23:13     

كيف يعامل الغربيون عالم العرب والمسلمين، فعناوين صحفهم تنقل ما لا يتفق ومفاهيمهم السياسية والاجتماعية, وهو أمر طبيعي فالبشر الاسوياء يكتشفون المعرفة مما لا يعرفونه. والعكس صحيح ايضا، فالجاهل يخاف مما لا يعرف فيتحاشاه. ولعل هذا هو السبب في ان أمة العرب والمسلمين هي أمة الجهل والفقر المعرفي لكونها تردد ليل نهار ما تدعي انها تعرفه وتخاف من التعرف علي ما تجهله. فصلاتها ونسكها ومحياها ومماتها التي هي لله رب العالمين لم تحقق لها شيئا سوي الانحدار لتكون في ذيل الامم.

وهناك ما هو افدح، فعلماء الجماعات الاسلامية لا تكتفي بالهروب من اكتشاف المعرفة، بل تزييف ما لدي الاخر وتنشره علي اتباعها علي انه اكتشاف يستحقون عليه جنة عرضها السماوات والارض، فيظل الغموض والتشوش مسيطرا علي عقول العرب والمسلمين فيبقي الجاهل جاهلا والامي اميا ويبقي علماء الامة علماء.
فالحوارات عالية النبرة والصوت بين الحركات الإسلامية حول العالم عن دور الدين والشريعة فى الحياة وعلاقتهما بالدولة، جعلت علمائهم الربانيين يطرحون موضوعات مدي السماح بارتداء البكينى على الشواطئ أو إباحة الخمور كاولويات في دولة الاسلام، ثم تاتي قضايا فرعية مثل حرية التعبير والحريات الشخصية والحريات العامة وهل للفن دور أم انه حرام. ولم يتطرق احد كيف يكسب اناس عوائدهم ومن اين تأتي ثرواتهم؟ وللآن ليس هناك ما يؤخذ علي العقل الاسلامي علي قاعدته العربية العريضة لكونه محصورا فكريا في المحرمات ومحشور غرائزيا في المسافة بين الركبة والسرة عند الرجل ويتلصص دون بوح علي ما بين فخذي المرأة رغم اصراره علي تغطيتها بالكامل لكونها عورة من اخمص قدمها الي شعر رأسها. فكما يهرب عالم الامة الرباني من مواجهة الغربيين بتكفيرهم (الكفر هو تغطية الشئ) ومن اكتشاف قيمهم الاجتماعية والسياسية رغم تطفله بحثا بنهم سبقي علي تكنولجيتهم علاجا واستخداما ورفاهية واستمتاعا، يهرب ايضا من المرأة وينفي وجودها بتغطيتها ثم يتلصص علي مناطقها الاكثر اثارة جنسيا فيها للتلذذ بها سرا في قصورهم الفارهة المسكونة بالمثني والثلاث والرباع.

وفي أحسن الاحوال يتبرع أحدهم ببعض الحرية مؤقتا كصدقة جارية لمن سيحكم بالاسلام بالسماح للبكيني والخمور حتي يجري تربية المجتمع اسلاميا مستشهدا بان التدرج في تطبيق الشريعة هي سنة ربانية فيأتي بما قيل في القرآن عن الخمر مثالا. التركيز على أسلوب التدرج هو عماد تكتيك جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين علي السواء لكن هدفهم استراتيجيا هو منع كل شئ، فالمرأة الساذجة التي انصاعت لاقوالهم وتحجبت، أو خافت اكثر من نار جهنم فتنقبت، ستختفي وتقر في البيت ولن تظهر بعدها ابدا. فالنص هو الحاكم في نهاية المطاف. أما في مجال السياسية فحدث ولا كذب لأنها أكثر تعقيداً. لهذا اتبعوا معها اساليب وتكتيكات تبعث بهم هم الي نار جهنم وبئس المصير.

لم يبقي أمام الاسلاميين من قوي سياسية سوي الليبراليين. فالاشتراكيون واليساريون في حاجة الي عمليات نقل دم أو غرف إنعاش رغم ان الكارثة الاقتصادية كفيلة بقيامهم من سباتهم. أما القوميون العروبيون ففي حاجة الي صدمات كهربائية بعد ان اكتشفوا ان الاسلام، الذي هو أحد منجزات العرب في غفلة من التاريخ، اصبحت له الكلمة العليا بعد ان صالوا هم وجالوا ولوحوا بسيوفهم الخشبية علي مدي قرن كامل من الزمان في وجه الاستعمار والامبريالية. فبماذا يقاتل الاسلاميون الليبرالية؟
كتب احد الباحثين البريطانيين أن للعلمانية صيت سيئ فى العالم العربى، وبالذات لدى الإسلاميين منهم. وتسائل بخبث: من يمكنه لومهم؟ ألم تكن حكومات مبارك والأسد وبن على العلمانية هى التى سجنت وعذبت الإسلاميين وجعلتهم يفرزون أفكارهم الجهادية داخل السجون المصرية؟

مثل هذا الكذب لم يشغل بال علماء الجماعات الاسلامية الربانيون، لسبب بسيط انه يصب في طاحونتهم ويغذي افكارهم ويزيد رصيدهم رغم الكذب الواضح والفج فيما قاله الباحث البريطاني. فالكذاب للكذاب كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. فلا مبارك أو الاسد أو بن علي كانوا علمانيين. اللهم إلا إذا كانت العلمانية هي الفساد، وهو ما ليس كذلك. ففي زمن (علمانية) هؤلاء الفاسدين المزعومة وصل منسوب الاسلمة برعايتهم الي اعلي مستوياتها. فتم انشاء الاف المعاهد الازهرية واقيمت المساجد علي اوسع نطاق واصبح الاعلام مصبوغا بكل الوان الطيف الديني المتشدد والمتسامح واصبح الناس يسألون ليل نهار المشايخ كمرجعيات عن حلول اجتماعية واقتصادية وسياسية من ارضية الدين وانشئت البنوك اسلامية بل وانشئت شركات اسلامية وامتنعت كثير من الشركات والمصانع من تشغيل المرأة او من غير المسلمين بل كان البعض يفضل الملتحين وعلقت ايات القرآن واسماء الجلالة في مكاتب المسؤوليين وفرشت البسط في طرقات المقار الحكومية لاداء الصلاة في مواقيتها وامتنع العاملين عن اداء مهامهم وقت الصلاة وغلقت المحال التجاريةعملا بالقول "فاذا نودي للصاة فذروا البيع" وروعييت الشروط الاسلامية في الاعمال الفنية والدراما التليفزيونية فلم نعد نري زجاجات الخمر أو اذرع النساء ولم يعد هناك باب مغلق بين رجل وإمرأة في خلوة، ربما لان كاتب السيناريو لن يجد شيطانا لاداء دور الثالث المرفوع لاكمال المشهد حسب الحديث الشريف. كل هذا تم برعاية النظم الشمولية الفاسدة.
فمظاهر الاسلمة في عهود الفساد فاقت مثيلاتها في مكة بعد فتحها، مما يعطي انطباعا ان ما انجزه الفاسدين هو بالفعل الفتح المبين. فلماذا يا تري كل هذا العداء الظاهري علي لسان علماء الامة الربانيين لمبارك وغيره؟ رغم تشدقهم بفتح مكة المتواضع.

ما لم يقله مبارك والعلماء الربايين والباحث البريطاني، علي السواء، ان تقسيم العمل (الكعكة السياسية والاجتماعية والاقتصادية) برعاية نظم الفساد تمت شرط الا تجترء الجماعات الاسلامية علي السلطة وكرسي الحكم مقابل أن يترك لهم الشارع ليلتهموه. فالوعي المفقود لدي المواطن إبعادا له عن مصالحة تأسيسا علي تعاليم دينية هو ذاته الذي سيسمح للفساد بجني اعظم الارباح للسلطة ولنظام الحكم. اي تم توظيف الكذب ثلاثي الابعاد لصالح الجميع الا المواطن. فهل يمكن إذن فهم لماذا كل هذا الحنق من علماء الامة علي النظم المتخلية عن السلطة بفعل الثورة في ضوء المعادلة الثلاثية هذه؟
من سقط أو انخلع أو هرب جراء ثورات الربيع العربي هم حلفاء الجماعات الاسلامية، لهذا وجد هؤلاء انفسهم الورثة الحقيقيون لهم اليس الاقربون اولي بالمعروف او أولي بالصدقة وبالميراث شرعا. ولم يبقي لا السير في زفة الثورة حتي حيازة السلطة ثم يبدا تجريم الثورة وتجريم الفعل الثوري وهو ما يجري حاليا بالفعل في قنواتهم الفضائية.

وعودة الي العلمانية الليبرالية ، فلانها الاقرب للدين وموائمة له حيث لا مشكلة بين العلمانية والدين بدليل ما تاسست عليه بريطانيا وامريكا واوروبا فانها تصبح اكبر عائق امام تاسيس مجتمع مغلق اسلاميا، فهي ستقبل الجميع علي قدم سواء وسيكون الجميع في ظلها متساوون واولهم المرأة ولن يفقد احد وصايته علي البشر، فاقدي الاهلية لفهم من اين اتي الفساد ومن هم اعوانه وحلفاؤه في السر والعلن، سوي علماء الامة الربانيين. فمساحة الحرية في العلمانية الليبرالية مثل جنة الله وسعها وسع السماوات والارض، تتسع لحرية التعبير والفن والخمر والبكيني والتقوي والورع والصلاة والحج والشريعة والنقاب واللحية واي قانون وضعي لمن لا يقبل بتمييز الرجل عن المرأة في الميراث أو بوضعية افضل لمسلم علي مسيحي ... الخ التمايزات التي هي اهم عائق للتقدم وللحيوية المجتمعية ولتنشيط الثروات البشرية.
فالعلمانية الليبرالية ليس لها صيت سيئ السمعة في عالم الاسلام العربي الا لانها ستساوي بين الجميع لتصبح القاعدة: من كل حسب جهله ولكل حسب كذبه هي قواعد العدالة الاجتماعية في أمة الاسلام بعلمائها الربانيين.