مبارك رئيساً لمصر بقرار من الديب !


سعد هجرس
2012 / 1 / 27 - 16:10     

كان ممكنا اعتبار مرافعة فريد الديب المحامى فاصلاً كوميديا، وإن يكن سخيفاً وممجوجاً، فى مشهد تراجيدي زاعق.
فمن ذا الذى يمكن ألا يعتبر من باب الهزل قول " الديب" أن حسنى مبارك لا يزال رئيساً للجمهورية حتى اليوم "بحكم القانون".
لكن هذا اللغو الذى يبدو قمة العبثية واللامعقول ليس منافياً لواقع الحال من بعض الأوجه للأسف الشديد، وليس من زاوية المحاجاة القانونية السفسطائية التى قدمها محامى حسنى مبارك.
وأول هذه الوجوه وأهمها أن نظام حسنى مبارك مازال قائماً، بسياساته ومعظم "شخوصه: وقياداته.
بل إن كلام فريد الديب هو فى حد ذاته دليل إضافى على أن نظام مبارك مازال قائماً. فلو أن هذا النظام قد تمت تصفيته وتقويض أسسه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية لما كان باستطاعة فريد الديب، أو غيره، ترديد مثل هذه السخافات.
فاليوم، الأربعاء، يوافق مرور سنة على اندلاع شرارة ثورة 25 يناير ومع ذلك نرى رموز نظام مبارك أينما وجهنا أبصارنا، ونعانى من وطأة سياساته المستمرة حتى الآن.
حتى محاكمة مبارك مازالت مستمرة.. الأمر الذى يعنى أنها جرت ببطء شديد لا يتناسب مع مرور البلاد بحالة "ثورية"، ناهيك عن أن إجراءات المحاكمة تشهد تجاوزات غير مقبولة لم تعرفها المحاكم المصرية من قبل. وهى تجاوزات وصلت إلى حد "تدليل" المتهمين ومعاملتهم معاملة "خاصة" وكأن على رؤوسهم ريشة بينما يتم التنكيل بالثوار وتكبيلهم بالكلابشات من الأيدي والأرجل حتى وهم فى المستشفيات البائسة يتلقون علاجاً تعيساً من الإصابات التى لحقت بهم. أما المتهم الأول والأكبر حسنى مبارك يوضع فى مستشفى "خمس نجوم" ويأتى من "محبسه" فى المستشفى الفاخر بطائرة هليوكبتر وتنتظره "تشريفة" هو وولديه ووزير داخليته وكبار مساعديه الذين يتحركون بحرية وخيلاء!!
ثم إن الاتهامات الموجهة لمبارك وولديه اتهامات هزلية.. فما معنى اتهامهم – مثلا – بالحصول على فللتين أو قصرين فى شرم الشيخ من رجل الأعمال الهارب حسين سالم بأقل من قيمتهما، بينما التهمة الرئيسية هى ترك البلاد بعد ثلاثين سنة من الحكم الاستبدادي تعانى من أمية 40% من شعبها، ومعدل فقر يقترب من 70%، وأسوأ نظام تعليم فى العالم، وإفساد للحياة السياسية وتزييف إرادة الأمة فى انتخابات مزورة، واعتقال الآلاف من المصريين وممارسة التعذيب الوحشى ضد معظمهم وانتهاك حقوق الإنسان المصرى، وخيانة القيم الجمهورية بمحاولة "توريث" البلاد الى نجل الرئيس السابق، وتقزيم مكانة مصر الإقليمية والدولية وإهدار هيبتها فى المحافل العالمية ورهن إرادتها بالتبعية للسياسة الأمريكية.. بل والإسرائيلية أيضاً حتى أن مسئولا إسرائيليا وصف خلع مبارك بأنه "خسارة كنز استراتيجيي" للدولة اليهودية.
هذه هى الجرائم الأساسية التى يستحق مبارك ونظامه المحاكمة عليها... وليس الحصول على شاليهين أو مائة شاليه.
*****
لكن فريد الديب – وكثيرون غيره – يتصرفون على أساس أنه لم يحدث فى البلاد ثورة أصلاً، ويشجعهم على ذلك التباطؤ – الذى وصل إلى حد التواطؤ – فى تنفيذ أهداف الثورة ومطالبها التى قال المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى بياناته الأولى أنها مطالب مشروعة ومقبولة.
ومع ذلك فإن المرحلة الانتقالية سارت فى الطريق الخطأ ... حتى وصلنا بعد سنة من اندلاع شرارة الثورة لنجد محامى حسنى مبارك يخرج لنا لسانه ويقول أن موكله مازال رئيسا للبلاد.
أليس فاصلاً كوميديا ثقيل الظل على خلفية مشهد تراجيدي يقطر دماء ودموعا؟!
الإجابة ليست محاجاة "قانونية" مضادة... وإنما هى الموجه الثانية من الثورة المصرية العظيمة التى تدخل اليوم عامها الثانى محملة بآمال تحقيق ما أخفقت فيه السنة الأولى .. وإذا كانت السنة الأولى قد نجحت فى خلع رأس النظام فان السنة الثانية تحمل مسئولية خلع النظام من جذوره.