25 يناير والاستمرار في الثورة المصرية


محمد بودواهي
2012 / 1 / 26 - 17:26     

لقد مرت سنة كاملة على ثورات المنطقة ، التي اندلعت وأدت إلى سقوط الأنظمة السياسية في تونس ومصروليبيا ، و الأخرى التي لا زالت صامدة أمام آلة البطش والتقتيل وتحاول إسقاط الأنظمة الديكتاتورية في اليمن وسوريا والسودان والبحرين والمغرب ومناطق أخرى من العالم الشرق أوسطي والعالم المغاربي ، ولم تفعل شيئاً – حتى الآن- غير إسقاط الأنظمة السياسية الديكتاتورية الشمولية ، واستبدال حاكم بآخر، وإن تم دلك عن طريق مفاوضات موسعة أو انتخابات حرة ونزيهة ، إد ربما يكونأفضل ممن أسقطته الشعوب ، وربما يكون يشبهه على جميع الأصعدة ، وربما يكون أحسن حال منه . ويعتمد ذلك على الشعب نفسه والبلد ذاته ، وعلى توفر النخب السياسية الصالحة والقادرة على الحكم ، وعلى النخب المثقفة الملتزمة بقضايا الجماهير ، وعلى جماهير الشعب الواعية والمتيقظة ....

فكما هو معلوم لا تصبح الثورة ثورة بالمفهوم الصحيح ، إلا إذا استطاعت أن تحدث تغييراً جذرياً شاملا في السياسة والاقتصاد والثقافة والبنية المجتمعيتين .... ، وتأتي بالعدالة مكان الظلم ، والحرية مكان الاستبداد والكرامة للمواطنين بدل الاستعباد ، والديموقراطية عوض الاستغلال ، واحترام أفراد الشعب بدل إدلالهم ، وبالمساواة بدل التمييز والمحاباة ، و تحدث تغييراً جوهريا في مؤسسات الدولة القضائية والصحية والتعليمية وكل البُنيات الاجتماعية ، فتقلل من الفوارق الطبقية ، وتنقد الاقتصاد الوطني من الإفلاس والتدهور ، وتقلص من الأجور العليا بشكل كاف ، وترفع من الأجور الدنيا إلى المستوى الدي يشعر فيه العامل البسيط والفلاح الصغير وصغار الموظفين بالحياة الكريمة ، وتوسع من كتلة الطبقة الوسطى ، وتخفف من حدة غلاء المعيشة لتشبع الفقراء ، وتكسي الحفاة و العُراة ، وتشغَّل العاطلين والمعطلين على السواء ، وتجعل التعليم والمعرفة في خدمة العلم والتثقيف وليس للتلقين والشعودة و يؤمَّن لكافة الأطفال والتلاميد والطلاب بصفته تعليما مجانيا شعبيا ديموقراطيا علميا حداثيا ، ولكل المواطنين والمواطنات مستشفيات مجهزة بكل التجهيزات الهامة والضرورية والأطر الطبية الكافية والمتخصصة والمقتدرة والعلاج المجاني و لمدى الحياة ....

إن نجاح الثورات في مصر وتونس لا تعكسها عملية الاحتقان التي طالت كل المستجدات والمتغيرات السياسية والاجتماعية بتلك الدول ، وقد
يرى البعض ذلك طبيعيًّا إذ إن لكل ثورة أعداء يتربصون بها ، ولها مرحلة انتقالية صعبة من الضروري المرور بها ... حيث أن لكل ثورة أيضا استخلاصات خاصة تتوافق بالضرورة مع مخرجات الحِراك الشعبي الثوري فيها ، وتتناسب مع سياقات الرغبة في التجديد والرغبة في تحطيم كل حواجز الدكتاتورية والانتقال الى الديمقراطية المرجوّة في ظل أنظمة حكم جديدة تعمل على تحقيق مطالب الشعوب بكل اتجاهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وإن اختلفت في الرؤية والمنهج والأهداف ....
إلا أن مستجدات الواقع أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن الثورات ( خاصة في مصر ) التي خرجت من رحم الحراك الجماهيري الشعبي بكل أطيافه المختلفة ومكوناته المتعددة وطبقاته المتنوعة لم تتجه صوب تحقيق أهداف الثورة التي سطرتها جماهيرشعب كامل عمل من أجل التغيير الجدري الشامل ودمقرطة المجتمع والسلطة ، بل نحو مصلحة تيار واحد إسلامي التوجه لم يكن هدفه غير الوصول إلى السلطة ، ولو كان دلك عن طريق (الديموقراطية ) طالما أنه تم في إطار انتخابات موضوعية شفافة ونزيهة ( ممولة من الخارج لحساب فصيلهم ) ...، وهو ما يمكن اعتباره سرقة مفضوحة للثورة ، وإحالة المجهود الثوري لجماهير الشعب لحسابهم الخاص من أجل العمل على تأسيس دولة الخلافة الإسلامية ضدا على رغبة الشعب والمجتمع في الاتجاه نحو تأسيس الدولة الوطنية التقدمية الديموقراطية العادلة ....

كم تمنى الشعب المصري أن يكون 25 يناير عيدا للثورة وليس يوما وطنيا لاستكمال الثورة أويوما للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة التي تم الالتفاف عليها من قبل المجلس العسكري الدي يمثل استمرارا للنظام الديكتاتوري السابق ، بمنهجيته الفاسدة في الحكم وبنظرته الضيقة للمصالح ، وبجميع أجهزته القانونية والسجنية والمخابراتية والبوليسية القمعية والاستبدادية ... وبجميع مؤسساته الإدارية والسياسية والقضائية والتعليمية الرجعية المتخلفة .... والأداة التي بواسطتها تتحكم الإمبريالية الأمريكية والغربية في مفاصل الحياة السياسية الداخلية والخارجية لمصروفي رؤيته الاستراتيجية ... ومن قبل من يدعون أنهم مناضلين وثوار ونشطاء سياسيين وهم في الحقيقة ليسوا سوى عملاء يحصلون على الدعم من الخارج ويعترفون بمنتهى الوقاحة والفجور على العديد من شاشات الفضائيات بأنهم يتلقون مبالغ مالية ضخمة من بعض دول الخليج ، و تأتيهم التعليمات من جهات مشبوهة من اجل افساد كل ما هو حي في مصر ويقومون بها بكل تباه وافتخار، بل ويحاولون إستمالة الشعب لمشاركتهم اهدافهم القذرة تلك بدون أدنى حرج أو تأنيب ضمير ....

لقد تحولت الثورة من حلم بالتغيير ظل يراود اذهان شباب مصر وأحراره العلمانيين والاشتراكيين والديموقراطيين وحتى الليبراليين نساء ورجالا الي كابوس وخنجر مسموم طعن به قلب الوطن وفوق اشلائه رقص المخربون الإخوانجيون وحماتهم العسكريون واسيادهم الإمبرياليون فرحاً لإنتصارهم بما تحقق من رغباتهم الدنيئة وحمي الزعامة التي اجتاحتهم حتى اضاعوا دماء الشهيد واهداف الثورة الحقيقية وابدلوها بمصالحهم الخاصة واهداف خبيثة ، اهداف الثورة الحقيقية التي من اجلها خرج الجميع يطالب بالحرية والديمقراطية و العدالة الإجتماعية ، لا أن تأتي بمزيد من القهر والدكتاتورية والكثير من التخلف والسوداوية ...

إن شباب مصر وكادحيه ومثقفيه هم الذين قاموا بالثورة ودفعوا الثمن غاليا ثم جاء الاسلاميون ليسرقوا هذه الثورة ... ولهدا عادت جماهير مصر في عيد الثورة ليس للاحتفال بها ، بل للاستمرار فيها حتى تحقيق كل الأهداف .....