الإسلام بين كامل النجار وصادق العظم


عدنان عاكف
2012 / 1 / 14 - 10:09     

تناول د. كامل النجار في مقالته " نعود الى الجبال مرة أخرى " بعض ما ورد في مقالتي " قوموا انظروا كيف تزول الجبال " عدد من النقاط المطروحة بالنقد. وقد أوصلته مناقشته الى درجة أعلى من النقد، حيث انتقل من مناقشة آرائي الى استنتاجات في غاية الأهمية تتعلق بالحضارة الإسلامية، التي تبين – حسب رأيه – ان لا وجود لها إلا في ادعاءات من " يزعم كذبا "، حسب تعبيره. سوف أترك العديد من النقاط المهمة التي أثارها الى حلقة قادمة، وسأحاول التركيز على السؤال التالي : عن أي إسلام اعتاد الكاتب ان يحدث قراءه، بصفته مفكر علماني وناقد ديني؟ لنقرأ معا :
" يقول السيد عدنان (التاريخ يؤكد أن المسلمين كانوا من أول من نادوا بقدم الأرض وقد سبقوا الأوربيين في ذلك بأكثر من ثمانية قرون). أين هو التاريخ الذي يؤكد هذه الحقيقة؟...". حري بمن كتب الكثير من المقالات التي تسخر من معتقدات المسلمين بشأن الأرض وشكلها وبنيتها وعمرها ان يعرف أين يجد التاريخ الذي يؤكد ان المسلمين سبقوا الأوربيين في التأكيد على قدم الأرض. وزميلنا النجار يعرف هذه الحقيقة جيدا، وسبق له ان توقف عندها وناقشها، وناقش مفهوم كلمة " الايوم " الذي طرحه بعض العلماء المسلمين الذين نادوا بقدم الأرض، وقد رفض هذا المفهوم، في مقالة له ناقش من خلالها العالم الفرنسي بوكاي ( لم أعد أتذكر عنوان المقال ). لكن د. النجار يفضل الحديث عن أيام الخلق التي وردت في القرآن ويقدمها على انه الرأي الوحيد الذي آمن به المسلمون. هل حقا ان الكاتب لا يعرف ان غالبية علماء الجيولوجيا ( وليس بسطاء الناس فقط ) في أوربا بقوا متمسكين بأيام الخلق التي ورد ذكرها في التوراة، وان عمر الأرض لا يزيد عن سبعة آلاف سنة حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر؟ في حين ان بعض العلماء المسلمين وفي مقدمتهم البيروني واخوان الصفا وابن سينا والمسعودي والكندي والدمشقي أكدوا على بطء العمليات الجيولوجية التي تحدث على السطح والتي تؤكد بدورها على قدم الأرض، وأكدوا على تبادل مواقع البر والبحر . وقد حدد اخوان الصفا ان كل دورة فلكية من الدورات التي تمر بها الأرض تقدر بست وثلاثين ألف سنة. أتمنى ان تكون هذه الحقائق مقنعة بما فيه الكفاية.
ويواصل الدكتور في الفقرة التالية : " فالمسلمون لم يسبقوا الأوربيين في أي مجال من مجالات العلم. أما ترديد الكليشيهات المعروفة من شاكلة " لقد أثبت العلم الحديث" أو " لقد أكد العلماء الغربيون"، لن يفيد قضية المسلمين بأي شيء. أما عندما نتحدث عن الثقافة الإسلامية، ولا أقول الحضارة، فهي الثقافة التي جاء بها القرآن والأحاديث كما رواها ابن عباس وغيره من صحابة محمد...".
حتى هنا يجد النجار ان من الضرورة ان يختزل ثقافة الإسلام فيما قاله ابن عباس وابن كثير بشأن الأرض التي تقف على الحوت والحوت الذي يقف على الصخرة والصخرة التي تقف على الريح ،الأرض التي دُحيت والجبال التي أرسيت وخُسفت ونُسفت. ليست هذه هي الثقافة الإسلامية كما يدعي الكاتب، بل هي الثقافة التي يعجز عن رؤية غيرها، أو بالأحرى لا يريد رؤية ثقافة سواها عند المسلمين منذ نشأتهم وحتى عصر " بوس الواوا ليك الواوا ". هذه الثقافة الإسلامية في واقع الأمر لا يتذكرها سوى نوعين من الناس. نوع يحاول ان يسحبنا قسرا معه الى الأيام السالفة التي تخطاها أجدادنا منذ زمن ولى، والنوع الذي يحاول ان يسلبنا ماضينا المضيء وكل ما في حضارتنا من قيم انسانية وثقافية ومعرفية، والعجيب انه يتحدث باسم " الحداثة " و " العلمانية "، والديمقراطية. أما أنا فالثقاغة الإسلامية بالنسبة لي فهي " " الكلُّ المركَّب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات. انها مجموعة من الاتجاهات المشتركة, والقيم, والأهداف، والممارسات التي تميز جماعة أو أمة أو شعب "... واذا كان النجار مغرم بثقافة الحوت والصخرة سأسمح لنفسي ان أقدم له هذه الفقرة المعطرة برائحة الفن والموسيقى اقتطفتها من بستان الثقافة العربية الأندلسية الأصيلة. يقول الفقيه ابن عبد ربّه الأندلسي (860/939 م)؛ وهو الأديب والشاعر الموسيقي صاحب "العِقد الفريد :
" قد يتوصّلُ بالألحان الحِسان إلى خير الدّنيا والآخرة، فمِن ذلك أنّها تبعث على مكارم الأخلاق مِن اصطناع المعروف، وصِلة الأرحام، والذوذ عن الأعراض والتجاوز عن الذنوب ".
طيب فرجيني يا دكتور كيف يمكن لهذا الفقيه والرجل المؤمن الصالح – بشهادة أهل عصره – نبغ رغم الإسلام ؟
ابن عبد ربّه الأندلسي (860/939 م)؛ الفقيه الأديب والشاعر الموسيقي صاحب "العِقد الفريد"الذي نبغ رغم الإسلام ومشايخه وفقهاءه .
يشكل جزءا يسيرا ويسيرا جدا من مكونات الثقافة الإسلامية. من سوف يشترى دواوين البحتري والمتنبي والمعري وأبي تمام والفرزدق والأخطل الكبير ومن بعده الصغير، وماذا سنفعل مع التوحيدي وكتبه التي سلمت بعد ان أحرق معظم مؤلفاته، وماذا عن الجاحظ وابن خفاجة وابن رشد وابن طفيل وماذا عن الصاحب ابن عباد وتهافت الفلاسفة وتهافت التهافت والسهروردي والحلاج والنظام واخوان الصفا؟ وكيف سنمحي أثر الثقافة العربية والموسيقى العربية على الموسيقى الاسبانية؟ وكيف سيتخلص الاسبان من مئات الكلمات ذات الأصل العربي؟ وكم سيكون من الصعب رمي كتاب " الأغاني " في المحيط الهادي ...
من الصعب تقديم تعريف محدد ودقيق لمفهوم الثقافة، مثل ما هو صعب أيضا تقديم تعريف دقيق ومحدد لمفهوم الحضارة أو العلم أو السعادة، ولكن لا أظن اني سوف أشطح بعيدا عن الحقيقة لو قلت ان الثقافة هي فان كان د. النجار ينكر على المسلمين حضارتهم التي أقرها العالم المتحضر منذ أكثر من ألف عام، ويريد استبدالها بكلمة " ثقافة " فعليه في البداية ان يهتدي الى تعريف واضح للثقافة يقره " العلم الحديث " أو " العلماء الغربيون " الذين كما يبدوا لم يعودوا من الشهود المعتمدين. أنا لن أكف عن الاستعانة بهم والرجوع اليهم ما دمت بحاجة الى علمهم وما دمت أشعر ان ما أكتبه سيكون أنضج وأكثر دقة وأعمق فكرا لو استندت اليهم. وهذا ما تعلمته خلال دراستي الجامعية وخلال حياتي العملية، وهذا ما تعلمته أيضا من كتب الفيلسوف والعالم الكبير الكندي، رضوان الله عليه. فقد قال - وقوله حكمة يأخذ بها جميع العقلاء باستثناء من يُحَرِمْ الاستعانة بالأفكار الهدامة والثقافة المستوردة :
" لا نستح من الحق واقتناء الحق من أين يأتي، وان أتى من الأجناس القاصية عنا، والأمم المباينة لنا، فانه لا شيء أولى بطلب الحق من الحق ولا التقصير بقائله ولا بالآتي به..." .
د. النجار يستكثر على من يخالفه الرأي ان يستشهد بالعلماء الغربيين ليثبتوا للقارئ ان ما يدعيه بشأن نكران الحضارة الإسلامية واتهام من يتحدث عنها بالكذب، ليس سوى ادعاء لا يمت للعلم بصلة وانه قفز على الحقيقة التاريخية التي أثبتها الغربيون أنفسهم نراه يلجأ في نفس المقالة الى أحد علماء الغرب الكبار محاولا استغلال اسمه وشهرته ليثبت للقارئ ان من أبدع العلم والحضارة في العصر الوسيط لم يكونوا من العرب بل من الفرس، وان هؤلاء العلماء نبغوا رغم الإسلام. وأنا أتساءل هنا أليست هذه الفكرة البهلوانية " العلم في الإسلام نشأ بالرغم من الإسلام " مستوردة من عالم غربي أيضا؟ أتمنى ان أكون مخطئا !!
أتفق مع الكاتب بأن الكثير من الكتاب الذين اعتادوا الكتابة عن دور العرب والمسلمين في تطور العلم والحضارة غالبا ما يلجئون الى " الكليشيهات " التي أشار اليها دون ان يقدموا أية إضافة نافعة الى الموضوع الذي يناقشوه. غير ان هذه الحقيقة لا يمكن ان تكون مبررا لرفض الرجوع الى ما يقول به العلم الحديث والعلماء الغربيين عن دور العرب والمسلمين. لكنا نجده يعطي لنفسه الحق بطرح فرضيات ونظريات " علمية " لمجرد انه يريد ذلك. لقد أدلى بعدد من التصريحات التي ترقى الى مستوى النظرية " العلمية " دون أن يكلف نفسه عناء تقديم ولو مؤشر عابر على مصداقية ما يتقدم به.
على أية حال دعونا الآن نبتعد عن العلماء الغربيين كما أمر بذلك وسوف أستعين بشهادته هو ولا أظنه سوف يرفضها. لو عاد القارئ الى الجزء الأخير من مقالته سيجد قائمة طويلة بأسماء مجموعة من العلماء المسلمين وبعض من انجازاتهم العلمية، وقد أشار بقلمه العريض الى ان بعض هذه الانجازات قد سبقت الأوربيين. أما كون هؤلاء لم يكونوا من العرب بل من الفرس فهذا لا يمنع انهم مسلمون. أما كونهم نبغوا رغم أنف الإسلام ،كما يقول، فهذا أيضا لا ينفي كونهم من العلماء المسلمين. بعد ان استشهدنا بما أورده د. النجار أصبح من الواجب علينا ان ندعم معلوماته بشهادة عالم غربي هو البروفيسور توبي هاف الذي أشار في كتابه " فجر العلم الحديث "، الذي قدمت لفصله الثاني في المقالة السابقة التي نشرت على موقع الحوار المتمدن :
" وإنما يعنينا الحقيقة انه منذ القرن الثامن وحتى نهاية القرن الرابع عشر، كان العلم العربي – على الأرجح – أكثر العلوم تقدما في العالم، وقد تجاوز كثيرا ما كان عليه في الغرب وفي الصين، في كل ميدان للبحث، في الفلك والكيمياء والرياضيات والطب والبصريات، وهكذا كان العلماء العرب، أو بالأحرى أفراد من منطقة الشرق الأوسط يستخدمون اللغة العربية بالدرجة الأولى فيهم عرب وايرانيون ومسيحيون ويهود وآخرون كانوا واجهة التقدم العلمي، وكانت الحقائق والنظريات والأبحاث العلمية في مؤلفاتهم أكثر تقدما منها في أي مكان في العالم، بما في ذلك الصين...".
أما بشأن رفضه الحديث عن الحضارة الاسلامية فلا يغير من واقع الأمر شيئا، ولا ينفي وجود تلك الحضارة، لأن نفيها يتطلب شطب أكثر من خمسة قرون من تاريخ الانسانية، ولا بد من حرق عشرات الآلاف من الكتب والأبحاث العلمية التي ما انفكت تتحدث، بمختلف لغات العالم، عن هذه الحضارة منذ أكثر من ثلاثة قرون. هل يمكن حرق هذا الكم الهائل من الأوراق؟ التاريخ يقول ان أعداء الثقافة والحضارة حرقوا أكثر من ذلك عبر مراحل مختلفة.
وكعادته يتوقف عند مجموعة من الشروحات والتفاسير لعدد من الرواة والمفسرين المعروفين ، مثل ابن عباس، وعكرمة ابن عباس وابن كثير. كان الحديث عن تصورات هؤلاء عن شكل الأرض وبنيتها وأوتاد الجبال وعمرها، ليخلص فيما بعد الى :
" هذه هي الثقافة الإسلامية التي سيطرت على عقول المسلمين منذ أن بدأ الإسلام. أما الفورة العلمية التي حدثت في عهد المنصور والمأمون لم تكن بسبب تعاليم الإسلام، وإنما بالرغم من تعاليم الإسلام، كما سوف أبين لاحقاً. فكل من يزعم أن هناك حضارة إسلامية يزعم كذباً. الإسلام والعلم ضرتان لا يمكن أن يجمعهما سرير واحد "....
منطق معكوس يقف على رأسه. النقد الموضوعي والبحث العلمي يفترضان ان يقدم الباحث حيثيات الموضوع ومنها يمكن التوصل الى الاستنتاج. منذ البداية يصدم القارئ بنظريته الثورية التي غيرت الكثير من المحطات في تاريخ العلم والحضارة ( ولهذا هي ثورية ) بدون ان يكلف نفسه بتقديم ولو جملة قصيرة لدعم نظريته، سوى وعد بانه " سيبين ذلك لاحقا ". طبعا لم يقدم فيما بعد أي توضيح. متى ستحل هذه " اللاحقا "؟ موت يا حمار ؟ سمة مميزة أخرى تطبع الكثير من كتاباته. لاحظت، وعسى ان تكون ملاحظتي مجرد وهم، ان النجار يلجأ في حالات العجز الفكري الى اسلوب الصدمة، مستعينا بالحكمة القائلة " الهجوم خير دفاع " ويدعمها بالمقولة الرائجة " ضربني وبكي ، سبقني واشتكى ". لنتوقف من جديد عند قوله : " . أما الفورة العلمية التي حدثت في عهد المنصور والمأمون لم تكن بسبب تعاليم الإسلام، وإنما بالرغم من تعاليم الإسلام، كما سوف أبين لاحقاً. فكل من يزعم أن هناك حضارة إسلامية يزعم كذباً".
الكاتب يقر ويعترف بان فورة علمية ما حدثت في عهد المنصور المأمون ( بالمناسبة دامت هذه الفورة أكثر من خمسة قرون ). لكنه، كما يبدو محرج جدا لأن كل من المنصور والمأمون من خلفاء المسلمين المعروفين وليسوا خلفاء يونانيين أو زرداشتيين. ويدرك جيدا ان تفسير الفورة العلمية التي قام بها علماء مسلمون في عهد خلفاء مسلمين وبالرغم من الإسلام والمسلمين أمر يحتاج تمريره على العقول الصاحية والعيون الناعسة الى معجزات وجهد سحرة وساحرات. لذا ليس بين يدي الكاتب سوى سلاح الهجوم المباغت، من خلال طرحه للنظرية العلمية " الثورية " الثانية وهي : " فكل من يزعم أن هناك حضارة إسلامية يزعم كذباً".
كما نعلم ان عدنان عاكف كان من بين من زعم بوجود حضارة عربية اسلامية، ومقالة الكاتب جاءت في جزء كبير منها كرد على هذا الزعم. أمامي خياران لا ثالث بينهما. إما ان أواصل زعمي فأبدو أمام القراء اني كذاب، بعد أن تمت احالتي الى مستشفى الأمراض النفسية، وقدمت للمحاكمة بتهمة " سيوعي إسلامي متطرف " أو أتراجع عن عنادي وأشطب من دماغي كل ما علق به من أثر لتلك الحضارة المزعومة. ما العمل ؟ سأقبل بنصيحة القراء الكرام ان أعجبتني، وهذا وعد !!
الاستشهاد بمن " يزعم كذبا " خطيئة :
فجأة وبدون سابق انذار ينتقل د. النجار الى مقولة مطولة للمفكر السوري صادق جلال العظم فيقول :
" يقول الدكتور جلال العظم في كتابة (نقد الفكر الديني) إن السواد الأعظم من الموفقين (الذين يحاولون التوفيق بين الإسلام والعلم الحديث) يجهلون كل فروع العلم الحديث ولكنهم مضطرون إلى محاولة جعلها جزءاً من الإسلام لأنهم يستفيدون منها كل يوم في حياتهم الفردية دون أن يفهموا كيفية عملها. ولكن عندما يأتي الأمر إلى تدريس هذه المواد في المدارس نجدهم يقولون (ما لم يكن الغرض الأساسي من المناهج الدينية بالثانويات خاصة – هو تحري مواطن الخطر ومكامن الألغام فيما يدرسه الطالب في المواد الأخرى كنظرية التطور في العلوم، والحريات العامة في التاريخ، الثورة الفرنسية خاصة، ودوران الأرض أو كرويتها في الجغرافيا، ما لم يكن منهاج الدين الحارس الأمين اليقظ الذي يعد العدة لكل ما يهجم من جيوش الإلحاد) انتهى. "!! ويعقب الكاتب :
" فإذا كان هذا ما يكتبه فقهاء الإسلام في القرن العشرين، فماذا كان حالهم في القرنين السابع والثامن عندما عيّن المتوكل "صاحب الزنادقة" ليقتل كل من تفلسف فتزندق؟ أصحاب الزنادقة هؤلاء هم الذين أجهضوا على محاولات البيروني الذي استشهد به السيد عدنان عدة مرات ...".
لنتوقف عند تساؤل د. النجار ونقول : ابحث عن الجواب عند جلال العظم نفسه، وسوف يخبرك ان العيب فيك يا دكتورنا العزيز، وفي النظارات التي ترتديها والتي تمنعك من رؤية الحقيقة بكل جوانبها وتجلياتها، بل أخطر من ذلك انها لا تُريكَ إلا " الحقيقة" التي ترغب برؤيتها أنت. حتى وانت تستشهد بالعظم تحاول ان تلف حول المعنى الذي أراد الكاتب ان يوصله للقارئ، وان تخلق من نصه نصا ينسجم مع طروحاتك أنت . العظم يتحدث عن بعض المسلمين في وقتنا الراهن، وليس عن جميع المسلمين في كل زمان ومكان كما أوحيت بذلك . لا يخفى على النجار مواقف العظم الصريحة وآراءه في موضوع العلاقة بين الإسلام والعلمانية والديمقراطية والتي كتب بشأنها أكثر من مقالة نشرت خلال العشر سنوات الأخيرة. هنا يحاول النجار ان يوحي للقارئ غير المطلع ان العظم يتفق مع نظريته التي تنادي بان الاسلام والعلم ضرتان في خصام أزلي.
لنقرأ معا ما كتبه العظم قبل نحو أربع سنوات حول نفس الموضوع :
" إن أبرز ما لفت نظري في المناقشات والحوارات التي أجريتها في الغرب، هو الميل الواضح وشبه التلقائي للرأي العام الغربي المثقف إلى الاتفاق بصورة شبه كاملة مع الأجوبة الأصولية عن أسئلة من نوع هل ينسجم الإسلام مع العلمانية أو مع العلم الحديث أو مع الديمقراطية إلى آخره؟ بدلاً من أن يكون هذا الرأي العام الغربي المثقف أقرب إلى نوع الإجابات التي نجدها في فكر عصر النهضة ونجدها عند محمد عبده والكواكبي وأحفادهما، مثلاً، من مفكرين ومنظرين. تكونت عندي قناعة، إذن، بأنه لأن الغرب لا يريد أن يرى إلا الأسوأ في الإسلام، في هذه المرحلة على أقل تقدير، فإنه يميل تلقائياً ولا شعورياً تقريباً - عند طرح أسئلة حول الإسلام والديمقراطية والعلمانية والعلم الحديث - إلى النوع الأصولي الأسوأ من الأجوبة ويتحالف معها ويروج لها...".
لا أعتقد ان العظم بحاجة للعودة الى بلاد الغرب ليجمع بعض الأسماء ليثبت وجهة نظره، ولا أظنه سوف يعثر على أمثلة جلية كمقالة النجار وما ورد فيها من آراء بشأن الموقف من الحضارة الإسلامية. لنبتعد عن التعميم ونركز على ما ورد في مقالة اليوم. فقد اختار مجموعة من رجال الدين ومفسري القرآن، وفي مقدمتهم ابن عباس وابن كثير وقدم لنا وجهة نظرهم بشأن شكل الأرض واستقرارها وما يحدث على السطح وقدمها لنا على ان هؤلاء هم الذين يمثلون الحضارة العربية الإسلامية التي كانت سائدة، ولا يتردد باعتبارها ما زالت سائدة حتى اليوم. ليس بين هؤلاء على الاطلاق من سبق ان اهتم أحد من علماء الطبيعة بتفسيراته بشأن الأرض وذلك لسبب بسيط : كانوا بعيدين عن الطبيعة والأرض وعلم الهيئة. النجار أهمل الرأي السائد الذي أكد على كروية الأرض، وهو رأي العشرات من علماء الفك ( وبينهم الكثير من الأسماء الذين ذكرهم في مقالته على انهم علماء من فارس وأصبحوا علماء رغم الإسلام ) والعشرات من علماء الجغرافيا وجميع العلماء الذين اهتموا بالأرض وما يحدث عليها وفي باطنها، وغالبية علماء الدين المُعتد برأيهم، وأختار ان يكون من مجموعة ابن كثير وابن عباس ، وذلك لسبب واحد: لأنه لا يريد ان يرى إلا الإسلام المنغلق المتخلف .
في الحلقة القادمة سنتناول بالتحليل مواقف د. النجار المتعصبة.