أفتخر بكوني شيوعي


عدنان عاكف
2012 / 1 / 8 - 10:37     


كانت لحظة ميلاد العلم الحديث قد بدأت باكتشاف كوبرنيكوس لنظريته التي أطاحت بالأرض من مركزها البهي المقدس، الذ احتلته منذ عهد طيب الذكر العالم بطليموس وأجلس الشمس بدلا عنها .ومع ان الحضارة العربية الإسلامية لم يكن ينقصها إلا الوثبة الأخيرة لكنها عجزت عن القيام بها ؟ تُرى لماذا ؟ لماذا عجزت عنها، في حين تمكنت الحضارة الغربية من انجاب العلم الحديث ؟ هذا ما سوف يناقشه العالم الأمريكي توبي أ. هاف في كتابه الذي، ارتأينا قراءته سوية مع بعض القراء وبغض النظر ان كانوا يعتقدون بوجود الحضارة العربية الاسلامية ام لا. وقد ارتأيت تقديم هذا الكتاب بهذه المقدمة التي استلهمتها من تعليقات بعض الزملاء التي نشرت خلال الأسابيع الأخيرة والمتعلقة بالموقف من تلك الحضارة. هذا الكتاب يتحدث عن ما قدمته الحضارة العربية الإسلامية للحضارة الإنسانية في مجال علم الفلك. وقد ارتأيت أن أقدمه كمصدر لمن لا يزال يُكابر بعناد ليس له من مقومات سوى الجهل والتعصب لنفي تلك الحضارة والسخرية من منتجيها:
قبل بضعة سنوات طالب أحد الزملاء من الذين لمع اسمهم على موقع الحوار المتمدن بعزلي فكريا وسياسيا، وذلك لمجرد اني أكدت على ان علماء الطبيعة العرب والمسلمين والكثير من علماء الدين المشهورين كانوا يؤمنون بكروية الأرض. وجاء ذلك في سياق الرد على بعض الشيوخ السلفيين الذين ما زالوا يرفضون كروية الأرض، وكذلك للكشف عن بطلان ما يروج له أنصار الإعجاز العلمي. وبعد نشري لمقالة أخرى، تؤكد وفق شهادات مؤرخي العلوم في أكثر من بلد غربي، ان البيروني قام بقياس محيط الأرض وذلك للتأكد من القياسات التي تم الحصول عليها في عهد الخليفة المأمون، انبرى أحدهم ليطالب علنا بمنعي من النشر على موقع الحوار المتمدن. وحلت مرحلة من السبات بسبب انقطاعي عن المواصلة مع موقع الحوار، لأسباب شخصية بحتة . عُدت بعدها لمتابعة ما ينشر. ومن تعليقاتي الأولى بدأ الغمز بشأن وضعي المحير بسبب تأرجحي بين الشيوعية والإسلاموية، وكانت بعض التلميحات تشير الى ضرورة العمل للحجر علي في مستشفى المجانين.
على سبيل المثال كتب الزميل عمر علي، وبعد أكثر من تعليق اتهمني بالتزوير: " فكل من يزعم أن هناك حضارة إسلامية يزعم كذباً. الإسلام والعلم ضرتان لا يمكن أن يجمعهما سرير واحد ( كان ينبغي على السيد عمر ان بشير الى ان هذا التوصيف منقول عن مقالة د. النجار وبعكسه سيكون أمام تهمة سرقة الأفكار. وسأكون على استعداد لمقاضاته أمام المحكمة لصالح النجار ولن أطالب بأتعاب المحاماة ). طيب دكتور النجار كيف يستطيع الدكتور والشيوعي عدنان عاكف ان يوفق وهو يحمل في احدى يديه كتب ماركس وانجلس ولينين وفي اليد الاخرى قران محمد؟؟ وهذا السؤال اوجهه الى المفكرين الماركسيين فؤاد النمري وجاسم الازريجاوي؟؟ الدكتور عدنان متخصص بعلم الجيولوجيا ويبدوا لي متأثر بالدكتور زغلول النجار وهو دكتور بعلم الجيولوجيا إيضا ومتخصص بالإعجاز القرآني."
ماذا تفعل أيها القارئ العزيز مع من يبيعك الفكر وهو لا يجيد القراءة؟ قبل أيام معدودات فقط أشرت بكل فخر الى مقالة لي نشرت قبل أكثر من 30 سنة وكانت بعنوان “ مفهوم الزمن الجيولوجي عند البيروني “ في حينها عاتبني صديق عزيز وقال : لا يقدم على نشر مثل هذه المقالة وفي ظروف كهذه إلا انسان معتوه. فان فَلتََ من تهمة الشيوعية فلن تفلتْ من تهمة الالحاد ". لو كان الزميل المحترم مهتم حقا بمسألة الاعجاز العلمي وكان يتابع ما ينشر حولها لعرف ان عدنان عاكف كان من الأوائل الذين تصدوا لمسألة الاعجاز في العلوم الطبيعية، وخاصة ما يتعلق بعلوم الأرض وعلم الفلك. ولو أتعب نفسه قليلا لعثر على موقع الحوار المتمدن على أكثر من مقالة في هذا الشأن.
واليكم تعليق الزميل سلام صادق وهو يتحدث عنا نحن المغيبين عقليا وفكريا وعلميا. وهذا يعني ان الزميل يكاد يقولها بصراحة اني أفتقر الى العقل، وذلك تأكيدا لنظرية د. النجار التي عبر عنها جهارا من على منبر الجامع “ العلماني “ بقوله : ان الإسلام سلب المسلمين عقولهم منذ 1400 سنة. يقول السيد سلام:

" النجار المحترم.. اتعجب من المغيبين عقليا وفكريا وعلميا من اين جاءوا بمفهوم الحضارة و كيف كان للمسلمين حضارة و اين آثار هذه الحضارة اليوم؟ اين الدليل عليها؟ خصوصا اذا علمنا ان هذه الحضارة المزعومة لم يتعدى عمرها سبعة قرون و هي في اوجها في احسن الأحوال...".
ولكن المثل الملهم كان السيد رعد الحافظ، الذي نزل الى الحلبة وهو يزمجر ويعربد كالرعد الرهيب الذي وعد به جميع الآلهة يوم القيامة، ناسيا ان لقبه " الحافظ " سيرعانا ويحفظنا، نحن عباد الله الصالحين الطيبين من كل متكبر متجبر، ورد في ختام تعليق مطول موجه الى المعلم الأول، يطمأنه بان أصوات النشاز التي تصدر من هنا وهناك ليست سوى محاولات مشبوهة صادرة عن نكرات من متطرفين ومعقدين نفسيا ". لنقرأ معا:
" السيّد عاكف يُعاني من صراعات نفسيّة غاية في التعقيد
فهو شيوعي كما يُعلن ,وإسلامي متطرف من الداخل
تحياتي لعودتكَ ثانيةً أستاذي كامل النجار نوّرت الدنيا". وقد عقبت بالتالي:

"الأستاذ رعد الحافظ المحترم
تتهمني باني أعاني من عقد نفسية لكوني شيوعي وإسلامي معا.
أفتخر بكوني شيوعيا، فكريا وتنظيميا. وأفتخر بكوني مسلم وأحترم جميع الناس الطيبين من كل الأديان ". فجاء الرد ليقول : إمشي جنب الحيط وإلا !! يقول رعد:
" لكَ أن تفخر بحمل المتناقضات
ولنا أن نستعجب ذلك , ما دمنا نلتزم حدود أدب الحوار"
ليس لدي مشكلة مع الأدب والأخلاق من الناحية الشخصية،، فانا لا أبالي بما يقوله البعض بشأني ، ولست بانتظار تزكية من أحد، خاصة من مفكر يعتبر الحديث عن الحضارة العربية الاسلامية يتناقض مع الفكر الشيوعي. لكن المشكلة – وكما تبدو من تعليقاته - تكمن في انه لا يعترف أصلا بالحوار كي يلتزم بأدبه. ما دام عدنان عاكف يخالف ما يقوله المبجل ومعلمه الأول فهو بالضرورة عاق ، تخطى الخط الأحمر، ومختل عقليا، واسلامي متطرف. لو عاد السيد رعد الى الثورات العربية التي يتبجح بتأييدها فلا بد ان يتذكر جيدا ان اسلوب الحوار الذي يتحدث عنه منسوخ (ولكن مع تشويه ) من أدب الحوار الذي اتبعه الزعماء العرب الذين خُلعوا والذين ما زالوا يترنحون. بدأها الرئيس التونسي بالحديث عن دور الإسلاميين، ثم انتقل الى موجة أعلى في تهديد الغرب من مجيئ الإسلاميين الى الحكم. وسار مبارك على نفس النهج. ثم تبعه القذافي وصاحب اليمن وها نجد نفس الأسلوب لدى النظام السوري ورعد الحافظ وطلال الربيعي. ولكن والحق يقال ان الزعماء العرب كانوا أكثر حنكة وذكاء، لأنهم اكتفوا بتهمة " الإسلامي “. في حين ان السيد الحافظ أضاف اليها تهمتين، تستدعي الاستعانة بوكالات المخابرات الأجنبية ومكاتب التحقيقات الدولية للكشف عن أسرارها. فهو لم يكتفي بالإسلامي بل حدد الصفة أكثر بإضافة صفة " المتطرف " . أما التهمة الثانية والتي لو ارتبطت بالتطرف فالويل لك يا عدنان : اسلامي متطرف ومختل عقليا. لن تكفي كل الكلاب البوليسية ومكاتب التحقيقات الفدرالية المنتشرة في العالم لمتابعة هذا المجرم الخطير .
أعتذر للسهو. لقد ورد اسم السيد رعد الربيعي دون تقديم أية ايضاحات بشأنه. ومن أجل ان لا أتهم بالتشويه والتزوير ( كما اتهمني رعد الحافظ ) أتركه يقدم نفسه كما ورد في تعليقه الذي جاء كرسالة حب وتقدير للسيد النجار :
"ولا يسعني هنا ألا أن أتفق مع ألعزيز رعد الحافظ بقوله -السيّد عاكف يُعاني من صراعات نفسيّة غاية في التعقيد. فهو شيوعي كما يُعلن ,وإسلامي متطرف من الداخل-, وأضيف أن هذا ألوصف ينطبق أيضا على ألبعض ألآخر من ألشيوعيين, كما أسلف بعض السادة ألمعلقين أعلاه ".
ألا تلاحظ أخي القارئ كيف تسري النار في الهشيم؟ السيد رعد رمى طلقة في الهواء ( بالمناسبة من خلال متابعاتي لما يكتب، وخاصة ما يتعلق بتقديم آيات الطاعة والشكر لمعلمه الأول أو في ما يتعلق بالتهم الصاروخية الموجهة ضدي أدركت ان كل ما يقوله الرجل مجرد غيمة صيف، أو كما ورد في الأغنية الجميلة “ حجيك مطر صيف / ما بلل اللي يمشون “) فتلقفها البعض معتقدا ان الرعد حين يرعد سيأتي بالسيول التي من بعدها الطوفان. السيد الربيعي أضاف بعض الفلافل والبهارات الى ما قيل فأضاف ضرورة الحذر من الشيوعيين الآخرين.. احذروا أيها الشيوعيون !! ألم يسخر أحدهم من أنزه نساء العراق والعالم العربي المناضلة نزيه الدليمي، لمجرد ان أحد المعلقين رد على أحدهم مستشهدا بالرفيقة نزيهة لكونها كانت تؤدي فريضة الصلاة !!!
هذه مجرد نماذج من تعليقات اطلعت عليها خلال الأيام السابقة. أين هو الحوار؟ وبصراحة لم أعد أطمح بالسؤال عن الحوار المتمدن. وبوسع القارئ العودة الى التعليقات التي وردت على مقالة النجار الأخيرة عن الجبال وسيجد انها انحصرت في قضيتين لا غير: تقديم الشكر والتحية لهذه التحفة العلمية والفكرية، والكشف عن هذا الشسوعي الإسلامي المتطرف الذي يعاني من عقد نفسيه.
ويبقى على السادة من دعاة " العلمانية و " حرية الفكر " ان يعلموا ان تهمة العقد النفسية و التطرف الإسلامي التي يسعوا الى ترويجها على موقع الحوار المتمدن، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يدعوه من فكر تقدمي وعلماني. والحديث عن التناقضات التي أجمع بينها لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالحوار الفكري ؛ انها ليست أكثر من حملة ارهاب فكري، بلطجة فكرية، لن تنال من موقفي الذي كرست له سنوات طوال والذي يتلخص في بذل كل ما بوسعي من أجل إحياء تراث الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته القومية والدينية وفي مقدمتها التراث العربي الإسلامي. واذا كان أحدهم قد أشار، بشكل لا يمت الى أخلاقيات الحوار الفكري ، الى اني بكتابتي عن الحضارة العربية الاسلامية أحاول ان أساوم المتنفذين اليوم في العراق وأتزلف اليهم لكوني أكتب باسمي الشخصي، فاني أجيب: ان اهتمامي بالحضارة العربية الإسلامية كان بدافع المساهمة مع الكتاب التقدميين في العالم العربي من أجل إحياء التراث التقدمي في الفكر والثقافة والفلسفة والعلم. وزادتني الأوضاع الشاذة التي يمر بها العراق منذ1 عقود والأوضاع في العالم العربي إصرارا على الكشف عن ان بلاد الرافدين التي مزقتها القوى السياسية الطائفية المتنفذة ونشرت فيها ثقافة القتل والتخلف والتعصب كانت منذ القدم يلاد التسامح والتعايش بين مختلف الأمم والشعوب.
قلتها في تعليق سابق اني أفتخر بكوني شيوعي، ولي الشرف ان أكون مسلم، وأحترم كل الناس الطيبين من جميع الأديان. أما بشأن التناقضات التي كتب عنها البعض، فاني لا أنتظر منهم العلاج. بل فوضت أمري الى النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي، الذي أكد بوضوح على ان الحزب :
" يستلهم الإرث التقدمي لحضارات وادي الرافدين والحضارة العربية- الأسلامية وعموم الحضارة الأنسانية، فضلاً عن تراث القوميات والمكونات المختلفة لشعبنا العراقي ورصيدها النضالي..." !!!


في الحلقة التالية سوف نتعرف عن كثب على بعض ما ورد في كتاب " فجر العلم الحديث " للبروفيسور الأمريكي توبي أ. هاف. ارتأيت كتابة هذه المقدمة التي لا يربطها بالكتاب المذكور أي رابط بعد ان شعرت بان الخناق حول رقبتي أخذ يضيق. كل ما أردت قوله اني لست من أبدع الحضارة العربية الاسلامية التي تنكرون وجودها. فاذا كانت المقالات الثلاث الأخيرة التي نقلت لكم فيها رأي علماء ومؤرخين مشهورين من فرنسا وروسبا فقد تقبلون بشهادة هذا الأستاذ الأمريكي الذي قدم لي شهادة حسن السلوك مع تزكية من مكتب التحقيقات الفدرالية بانه ليس على أية علاقة مع أي تنظيم ارهابي اسلامي. ومن على موقع الحوار المتمدن أدعو الأخوة الذين يرفضون ما يكتب عن الحضارة العربية والإسلامية ان يتوجهوا مباشرة الى مؤلفات الباحثين والمؤرخين الغربيين ليبدوا يرأيهم بشأن ما توصلوا اليه. لقد عرضت قراءة في كتابين، لكنها أهملتْ كليا ومن قبل الجميع، وتم الاستعاضة عنها بحملة لا علاقة لها بالفكر والحوار. وهذا ما دفعني الى كتابة تعليق بعنوان " ما يقدر أبويه إلا على أمي ". وها هي قراءة أخرى في كتاب جديد. أتمنى ان يجد البعض، وخاصة د. النجار، الشجاعة الفكرية والقدرة العلمية ليترك أمي المسكينة الضعيفة في حالها ويواجه أبويه... والى اللقاء.