المغيب ، أو السفر الى الداخل .


محمود الرشيدي
2012 / 1 / 7 - 19:44     

دَلًفْتُ عبر ظلام الليل ، في غفلة مني ، إلى غابة الصمت الموحش ، على نغمات أزيز الإعتصار ، بين أزمة ألإنتصار ، وروعة الإحتظار ؛ إحتظار بقدر أمد العمر .
ومن خلال ظلام الليل ، انغطست في ظلمات أعماقي .
انغطست فيها ، وأنا الغطاس البارع في دواخلي ، ملاذي كلما داهمتني زوابع الحياة القاهرة الجائرة ؛ أَنْكَمِشُ وأتَقَلَّصُ ، وأُسْكِنُ ظاهري في باطني . أُلَملِمُ شتات فُتًاتي من مزيج بقايا آخر جيوب المقاومة ، وبوادر الإستسلام ، ليس من أجل الإستسلام ؛ولكن قصد بناء عزيمة جديدة .
أُراوِدُ قدري بقدري ، وأحتال على عقلي بحِيَلِي . أو على الأقل أتجنب جَلْد نفسي بإرادتي ؛ فأعتز بالهزيمة ، مراوغا . وأُ لبِسُها لبُوس الإنتصار . أملا في طموحي الذي أعشقه ، وأنتظره على كل حال الى الأبد .
أُمارس هوايتي غورا ، عبر العروق الدقيقة ، والشعيرات الرفبعة ، هبوطا وصعودا ، ذهابا وإيابا ، في كيــاني .
طاقتي في ذلك ، أستمدها من بطارية المِحَن ، دات الشحن التلقائي ، والتوتر العالي ، مادتها الأولية الخام : تيارات ، إكراهات ، ضغوطات ، ودائقات من مزبلة السُّوقة وجهلها ، ومن حياة أُفرِغت من روحها ؛ في زمن سَطَت فيه المظاهر والقشور البراقة ، على القيمة الحقيقية لهذه الحياة .
خيوط الظلام ، وبَؤَرُالقتامة في أعماقي ؛ وأنا أسبح فيها ، أو بتعبير أصح ؛عندما تُمَوِّجُني بحركاتها الإنسيابية ،تزيدني نشوة وبهجة .
أملي في رحلتي ؛ نسْف ، وتجاهل كل أمنياتي ، من أجل تحقيق اللاشيء ، ومناجاة العدم ، بصمت القِدم .
ظلماتي أو ما فوق العمى...لكن بدون ارتطامات ، بدون تصادم ، ولاحوادت ، ولا حتى أصوات الصمت .فقط ؛ تموجات ، وتموجات ، إنه الموت ؛لكن بمعنى آخر ،غير المعنى العادي ؛ إنه سُبات لتمرير وتكوير الزمن المتوحش . إنه موت من أجل الحياة ؛ حياة ، لكن ليست كالحياة العادية ، أنها حياة بروح ...حياة لحياة حقيقية ...
ظلمات تُمَوِّجُني بتموجاتها الصامتة ، تحملني في اتجاهاتها المختلفة ، بدون حامل ومن غيررابط ولا بساط ؛ ذكرتني بالبسطامي ، وابن عربي ، والحلاج . ذكرتني بالسُّكر، بالتوحد ، وبالتجلي : وقد انكَمَشَت كل المثيرات من حولي وأُلْغِيت جادبيتها ، وأُفْسِح المجال لحركة حرة من نوع لم أعْتَدْه ، وكأني أتحكم في كل شيء ، ولا أتحكم في نفسي ، أو شيء من هذا القبيل ..لا أعرف على وجه الدقة والتحديد ، ولكنه ذكرني بالفراغ عند إسحاق نيـوتن ، وبقانون الجادبية وانعدامها .
يُشَاع عندي ، في هذه التموجات ؛خبر أنتحارالزمن ، كما يُشَاع أو يُخَيَّل إليّ تًنافُس وتَصارُع الثقوب السوداء من أجل البحث عن رفاته لتشْيِيئِها وطمرها في أغوار بدون قعر .
إنه المَغيب ،أوالسفر الى الداخل .
لم أتذكر ، كيف انقدفت الى الى ركوبه ..إنه عالم ساحر..إنه الممكن المستحيل... إنه السهل الممتنع ...لقد كان ذلك في غفلة مني ..
أما العودة منه ؛ فهي في الحقيقة ، أوعلى الأقل حسب حقيقتي أنا : عودة للتمثيل وتبادل الأدوار ، من ممثل الى متفرج . ومن متفرج الى ممثل . إنها الزيف والكذب . المريض على عِلّاتِه سَوي ، والسوي في الظاهر : علاته مزمنة ..وهلم جرا ...