مقولات حول الديمقراطية والرسمالية


محمد سعيد العضب
2012 / 1 / 6 - 15:28     

على الرغم ما فرضتة التقنية الحديثة من تاثيرات,وما خلقتة عملية التحرر من القيود والتنظيمات الحكومية الصارمة,من ابعاد, وما نجم عن حركه انتقال راس المال النقدى والمالى من امكانات ,ظل انهيار الشيوعية, وما صاحبة من ثورة فى الاقتصاد, يشكل قوة دفع اضافية لتسير الاقتصاد العالمى.
بلاشك قاد الاختفاء المفاجئ للنظام الاقتصادي الاشتراكي الى تعاظم مناورات النظام الراسمالي , بالتالي اهتزت كافة التوقعات والتنبؤات حول المستقبل.
انطلاقا من الخطاب السياسي لعملية التحول والانتقال ببلدان اوربا الشرقية وروسيا , فلابد ان تتطورهذة البلدان, كما من المحتمل ان تتحول الى قوة منتجة منافسة جديدة ناهضة في السوق العالمى, خصوصا عند تمكنها تبنى التكنلوجية الغربية وتطويعها, والقيام بانتاج سلع بنوعية جيدة.
من هنا وضمن هذا الساق تثار تسؤلات منها مثلا:
هل ستتمكن صناعة الطائرات الروسية ان تطرح في السوق العالمى انواعا من طائرات جيدة النوعية ورخيصة الثمن ؟
اذن... ماذا سيكون مصير اتحاد شركات صناعة الطائرات –اير باص -؟
هل سيقود زيادة انتاج الحديد والصلب في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة الي خفض اسعار هذة المنتجات ,وبكل ما ينجم عنه من تبعات ؟
هل سيقود تكاثر عدد الاسماك الصغيرة الى اصطياد الاسماك الكبيرة وابعادها عن السوق ؟
جميع هذة التساؤلات وغيرها تحمل فى طياتها تبعات ونتائج اديولوجية عديدة وعويصة.
لقد انهزمت التطبيقات الاشتراكيه بالمنهج المركسي باعتباره البديل المحتمل والافضل عن النظام الاقتصادي الراسمالي ,
تاريخيا حملت الانظمه الاشتراكيه السابقه في طياتها سمات الطبيعيه الراسماليه الاستغلاليه, رغم قيام السلطات فيها استبعاد الطبقه الراسماليه ورجال الاعمال المبدعين , او القضاء علي هذة الشرائح في المجتمع, وعوضت عنها في ادارة الدوله والمجتمع شله من الكوادر الحزبيه الانانيه , مع ذلك ظت طبيعته تتسم باما يطلق عليه راسماليه الدوله ,وان اطلق وسم جزافا بالنظام الاشتراكي , حينما استحوذت نخبه علي الدوله والاقتصاد ,وحاولت تسييرة بشعارات مظله الامن القومي ورعايه الفقراء. .
مع سقوط الانظمه الاشتراكيه تمكنت الشله الحاكمه الاستحواذ علي الممتلكات العامه وجيرتها لحسابها الخاص , ويبدو انها عملت ليس فقط في انهاء الصراع الفكري في كيفيه حكم الامم والشعوب,بل حاولت انهاء الصراع الاديولوجي التي حصل عبر المعارك الكبرى ,التى حدثت على مسرح الاحداث خلال ال(150) السنه الماضيه .. علية تحولت فجاه كافة المجموعات السياسية السابقة –الطبقات الحاكمه المتسلطه و المرفهة , واصبحت راعيه حقيقه لموسسات القطاع الخاص ( التي وسمت سابقا بالرجعيه والطبقه المستغله ) فجأه قوى تقدمية حاملة لواء وراية الاصلاح, و تسعى بحماس شديد صياغة مستقبل البشرية.
علاوة على ذلك انتقل اليسار سواء من معسكر الديمقراطية الاشتراكية في البلدان الاوربية او من صفوف الحركة النقابية الامريكية, وتخندق في "جبهةدفاع" عن النفس, لضمان المحافظة علي مكتسبات متوارثة, او علي الاقل التمسك بالهياكل والبنى الاجتماعية القائمة.
مع ذلك ظل الجدل مستمرا لسنوات, كما يجرى حوارا فكريا جديدا بين صفوف الحركات الاشتراكية حول انماط او اصناف الاشتراكية الجديدة التي يمكنها ان تتلائم مع ما تحقق من مكتسبات ,اوما امكن تحقيقه من هياكل وبنى الاجتماعية مستديمه, التي تتلائم مع متغيرات العصر, وما فرضته العولمه من مستجدات هائله .
هذا ويبدو ان الحوار الفكري الان قد اخنزل ا,واصبح مختصرا فقط, بل يدور حصرا على نوع الراسمالية المرغوبة المحتملة ا والممكنة التى يجب علي القوي الاشتراكية تبنيها واسنادها.هذا ما طرحة بوضوح السيد ماك شي الان النائب العمالي في مجلس العموم البريطاني والقيادي البارز في الاتحاد العالمى لعمال المناجم والتعدين.
انطلاقا من المقولة اعلاة اصبحت الان كافةالحجج والبراهين قد استقرت في ملعب اليمين, واختصر الحوار حول انواع الراسمالية وانماط اوضروب
اطوارها المختلفة والمتنافسة. .
يسود الان فكر وممارسه حقيقه تهدف و تعمل باصرار علي ترويج نمط محدد لنظام اقتصادى عالمى, يتخطى الحدود القومية, ويستند على التحرير الكامل واالغاء الضوابط والتعليمات والقيود الوطنية الحاكمة للا قتصاد, كما يدعو تقليص التزامات راس المال اتجاة الدولة والمجتمع.اضافة لهذا التوجة, يسود فكرا قوميا متعصبا , يمثلة شلة من الشخصيات العالمية البارزة منها بيرلسكونى في ايطاليا اوالملياردير ميروت في الولايات المتحدة الامريكية او الاقتصادي الفرنسى الانكليزى جولد سميث, حيث جمعيهم يؤكدون على اولويه البلد القومي والاقتصاد القومى وضرورة تعزيز اساليب الحمائية.
في هذا الاثناء قدمت اسيا نوعا او شكلا اخرا من التنمية والتطور تجلى في ما يطلق علية (الراسمالية التسلطية),التى تسعى الي تشجيع وتنمية الرفاة الاجتماعي ,لكنها بذات الوقت تحجب عن سكانها انواعا من السلع المعنوية الغربية مثل ابداء الراىءالحر, او حرية التنظيم الحزبى ,التى هى واقعيا وعمليا غابت وانحسرت عمليا في ظل ممارسات نمط الراسمالية المتوحشه الامريكية الذي يختلف جذريا عن الاشتراكيه الاجتماعية السائدة في معظم بلدان اوربا الغربيه .
ان سنغافورة(الدولة/المدينة ) المستعمرة البرايطانية السابقة التى يقدر دخل الفرد فيها دولار 19300ويتجاوز الان مستوي دخل الفرد البريطاني شكلت مثالا هاما في هذا المجال .
عليه اثارت الانجازات الاسيويه هذه ,والتي تحققت من دون المساعدات الاجنبية او من خلال رفضها اعتماد او تبني النمط الغربي في اداره الاقتصاد والمجتمع , انتباة اواسط المال والاقتصاد في امريكا وغيرها . فهذة الدول الاوتوقراطية منها سنغافوره تمكنت بناء نظام رفاة اجتماعى فاعل ومتميز, حيث كفلت للمواطن غذاءا كافيا, ومسكنا لائقا واستمرت بذات الوقت ممارستها الرقابيه المشددة على الاعلام والحياة السياسية,كما حدت من الحرية الفردية من المنظور الغربي لهذةالامور .
ان اداعاءات الغرب بخصوص الحرية تظل هلامية لابتعادها فعلا عن الواقع المعاش فى بلدان ذات حضارة وثقافة مختلفة. فمثل هذا الارتباك والبلبة الفكرية بخصوص انماط الراسمالية المختلفة كشف عن سؤالا حقا, بما يتعلق بنمط او نوع التقارب الكونى بين الانظمة او البلدان المختلفة. . . وهل يجب على البلد والاقتصاد القومى ان ينفتح سياسيا واجتماعيا علي الاساليب الغربيه ,ام ان يعتمد طريقه الخاص حسب ظروفه ومعطياته الداخليه ,او ربما عليه ان يعتمد الحمائيه ليس فقط في مجال الاقتصاد, بل في ادارة وتسيير المجتمع ,خصوصا وان الممارسات الرا سماليه في الغرب والولايات المتحدة الاميركيه قد افرزت من الازمات والمشكلات واصبحت الان نعاني من احتمالات التراجع, بل بعضها قد اصبح علي حافه الافلاس والترهل الاقتصادي وتراكم مديونيه الحكومه والدوله من ناحيه وتصاعد الفجوه بين الاغنياء والفقراء بما يحمل في طياته من تصدع في السلام الاجتماعي ,كله اسفر عن قناعات مره بخطل النمط او الطريق الاميركي في التنميه المتوازنه والعادله ,وتعاظم التوكيد على ضرورة وجود حكومة منتجة كفؤءة فاعلة قويةتستلهم ايجابيات الية اقتصاد السوق وتسخيرها لتحقيق التنمية الاجتماعية الاقتصادية العادلة. بلاشك تحمل الاجابة في طياتها تعقيدات واسعة ليس من السهولة الاجابة عنها.
تتجلى احد اهم جوانب العولمةلما بعد عهد الحرب الباردة في اهمال الغرب والاقصاد الراسمالى العالمي كثيرا من قيمة التى سادت وتبلورت عبر نضال مرير وطويل منها حرية الفرد والشرعية السياسة القائمة على الانتخابات ,حيث اخذت تتراجع عن مثل هذة الالتزامات, وظهرذلك جليا في اهمال او التغاضى عن انتهاكات حقوق الانسان في بقاع عديدة, او ربما ايضا في البلدان الغربيه العريقه في الديمقراطيه ,حينما تم تقليص ا والحد من التنظيمات العمالية والتصدى لقوق الشيغله وتحجيم دورها في اتخاذ القرارات المصيريه التي تخصها , كل ذلك من اجل اجلال المصالح التجاريه والمضاربات الماليه في الاسواق الماليه العالميه التي اصبحت المحرك والمسير للنشاطات الاقتصاديه والمحافظه عليه . اندفعت مؤسسات متعددة القومية بثقة عالية وتفاءل من اجل اختراق الاسواق الجديدة مرورا بفيتنام و لغاية الصين ,التى تتميز حكوماتها بفرض الرقابة الشديدة على شعوبها او ممارستها اساليب القهر والاضطهاد.
لقد اضطر قادة الدفاع عن حرية الصحافة والراى العاملون فى وول ستريت جورنال او فى نيوز ويك والاكونمست اللندنية في تقديم الاعتذارات لحكومة سنغافورة, حينما اعتبرت حكومتها , مقالاتهم اهانة لهذا البلد الناهض والمسيرتحت ركاب الشركات عابرة المحيطات.
من هنا يثار التساؤل عن سبب انحراف وسائل الاعلام الغربى عن مبادئها العريقة .فهل قامت الحرب الباردة واستمرت هذة العقود الطويلة لاجل تحرير البلدان الشموليه -كما يعتقد الدمقراطيون الحقيقون-؟ او انها مورست ونفذت بطريقه خاصة,ليس من اجل اشاعه الحريه والرفاه لهذه الشعوب, بل استهدف منها حصرا مجرد ضمان النفاذ والوصول لاسواق البلدان المختلفة فى العالم, وهى حجة ترددت كثيرا ,كما طرحت دائما من جماعة نقاد الرا سماليه من المعسكر الماركسى .
بهذا جرى تميع اهداف ضمان حقوق الانسان, التى اعتبرت تقليديا مهمة وغاية سامية للفكر الرسمالي الليبرالي الذي اعتمد توليفه اقتصاد السوق والديمقراطيه . ان ادعاء انتصار عقيدة اقتصاد السوق الراسمالي التي شملت الكون كله ( علي الرغم من غياب الدليل التاريخي), ربما يحمل في ذاتة تفسيرا متناقضا. من المعروف تاريخيا ان الراسما لية الصناعية قادت عبر تطورها خلق وترسيخ الديمقراطية ,وهو الانجاز الذي يحاول انصار اديولوجية (اقتصاد السوق) اخفاء جوانبه او مبادئه الاخلاقية الايجابية .
من هنا اخذت تتعالى التبريرات القائلة ان التمتع الحقيقي بالحرية يتحقق فقط عندما يتمكن الفرد زيادة دخلة نتيجة التطور الصناعي. فمع مرور الوقت تنشأ طبقة وسطى موسوعة المال والجاه وتتمع بالنفوذ, كما تتمكن ابداء رايها الحر,علاوه علي التمتع بالسلطة ضمن اطار نظام ديمقراطي مستقر.
علية وحسب هذا المنظوريعتقد من ناحيه, انه من الحكمة والعقلانية تنشيط التعاون والتبادل التجارى وتعميق التلاحم الاقتصادي مع الانظمه السلطوية, وترك التاريخ ياخذ مسارة, حيث ان تراكم الثروة سوف يكفل وحده فقدان الحكام احتكارهم للسلطه .
لاجل تبرير المقولة هذه ,تم ايراد امثلة تجارب تايوان وكوريا الجنوبية التى اظهرت امكانية تطور نظمها الاستبداديه الي نوع او نمط ديمقراطي جديد يختلف عن النمط الليبرالي الغربي, حينما تتحول البلدان هذه, ومع مرور الوقت الى مجتمعات ديمقراطيه مفتوحه, رغم ما تعانيه من تصاعد الانتفاضات الشعبية التى
بدورها قد سارعت في دفعها نحو الديمقراطيه , واحتفاظها بانظمةاقتصادية اجتماعية شبه شموليه مغايره عما هي في الغرب . من ناحيه اخري يعتقد البعض ان التطور الصناعى قد لا يقود بالضرورة الى تطوير الديمقراطية, اوانه سيعمل تعميق الممارسات والسلوكيه الديمقراطيه في المجتمع .
ان بريطانيا ,او الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا مثلا تطورت الى مجتمعات ديقراطية برجوازية وحققت السيادة القومية, و تمكنت ترسيخ اسس حقوق الانسان عبر عملية بطيئة قاسية ومؤلمة كلفت الضحايا والالام ,كما اندفعت العملية اماما خلال صراعات عنيفة حول المطالب السياسية المتناقضة,التى استغرقت عشرات العقود.بداية شكل مجلس العموم البريطانى لجنة مثلت حصرا مصالح اصحاب وملاك الاراضى ووقفت ضد حقوق طبقة الفلاحين والعمال .فقط بعد الحرب الاهلية بالولايات المتحدة الامريكية,تم الاعتراف بحقوق الرجال (ظلت النساء محرومة من هذة الحقوق) ,كما ان ولادة الديمقراطية في فرنسا استلزمت ثورة سياسية, علاوة على ذلك قاد نشؤء الراسمالية الصناعية في المانيا واليابان الى ظهور الفاشية عوضاعن الديمقراطيه. فالدولة الاستبدادية التى تطورت عبر هذة الانظمة الاجتماعية استطاعت السيطرة علي القاعدة الاقتصادية المنتجة من دون الاهتمام بحقوق الفرد او التزامها بمسوؤليتها اتجاة الشعب الناخب . فمثل هذة الانظمة الفاشية لم تنتقل ذاتيا او تحولت طوعا الى الديمقراطية, بل حصل تغييرها قهرا وعبر الحرب- العالمية الثانية-
ان حالة اللاستقرار الناجمة عن التصنيع في روسيا او الصين قادت الى حلول سياسية مغايرة حيث تطورت المجتمعات الزراعية هذة الى شيوعية الدولة التى اخفقت انظمة الحكم البيروقاطية المركزية فيها من تطوير نظاما اقتصاديا حديثا.
متاخرا جدا بدت حقيقة التماثل والتشابهة الجوهرى بين الانظمة الاقطاعية الى سادت سابقا هذين البلدين (روسيا والصين)-
ففى الصين استمرت طبقة الماندرينا- زراع الحمضيات- تهيمن على مقاليد السلطة واطلقت على نفسها الشيوعية ,كما اخذت توصف ذاتها باشتراكية-اقتصاد السوق الاجتماعى بخصائص صينية.
استهدف سرد الامثلة هذة من اجل اخذ الحيطة والاحتراس ,خصوصا وان النظريات القاصرة حول حتمية الديمقراطية, اهملت ليس فقط ديناميكية خصوصيات الانظمة الاجتماعية المتباينة, بل تغاضت عن التفاعل المعقد بين الثقافة والبنى والهياكل الطبقيةالتى تؤدى تبنى سياسات تستند على حرية الفرد وترفض الدكتاتورية.
هذاو لابد التشكيك بالنظريات المدعومة من المؤسسات والشركات التى تحاول الاستفادة من الاسواق الرخيصة والضغط على مستويات الاجور بالبلدان التى تفتقر اساسا
للحقوق الديمقراطية .علية لايمكن التوقع بقيام المؤسسات متعددة القوميات من اسناد التحولات الاجتماعية او المساهمة الجدية في القضاء على الانظمة الاستبدادية ,خصوصا عند تبنيها استراتجية استثمارية تقوم ا ساسا على الاستغلال والاستفادة القصوى من المزايا الكلفوية والاعفاءات الضربية الممنوحة من قبل مثل هذة الحكومات الاستبدادية.
ان المسالةالسياسية الحاسمة للنظام الاقتصادى الكوني تتمحورفي نمط او نوع الطريق الذي يمكن اتباعة او سلوكة وهنا لابد من العوده الي اثاره السؤال الجوهري :
هل سيكون الطريق داميا كما حدث اثناء الثورة الصناعية السابقة ام سيتم سلوك مسارا اخرا.
هذا ورغم تقليل اهمية النزاعات الاديولوجية التى سادت عبر مسيرةالقرن العشرين , ظلت التناقضات الثورية لاجل عالم موحد تغرس بذور نزاعات اجتماعية اقتصادية جديدة.

المقاله مترجمه بتصرف والمصدر :

J.W. Smith, The Institute for Economic Democracy.