هل هدا من الاختيار الديموقراطي ؟؟؟


محمد بودواهي
2011 / 12 / 28 - 00:55     

كيف يمكن الحديث عن الاختيار الديمقراطي عندما نلغي مفهوما كمفهوم العلمانية من قاموس الممارسة والعمل الديمقراطي؟ ففصل السلطة الدينية عن السلطة الدنيوية مبدأ العلمانية، وهي تابث مركزي من توابث الديمقراطية، إلا أننا يجب أن نعيد النظر في كل المفاهيم، فعندما تختلط المفاهيم ونتلاعب بها تفقد نظرتها ومكانتها المعرفية، إذن فخلط المفاهيم يعد قضاءا على مساحة المعرفة، وعندما ننتلاعب بالمفاهيم ونعطيها معاني غير معانيها، نخلع عنها ملابسها المعجمية والتركبية، "فعندما نتلاعب بالدين يتحول الى قوة سياسية مخيفة."(محمد أركون).

إن الديمقراطية بكل مبادئها لا يمكن الاستغناء عنها إذا ما كنا حقا نسعى الى الديمقراطية ... فهي أصبحت من المفاهيم التي ما فتئت لا تخلو من الحوارات الشخصية والنقاشات الطلابية والمخابر الاعلامية، والحملات السياسية والانتخابات والقنوات العالمية، ولكن لنطرح سؤالا جوهريا هل الديمقراطية منبع الحرية أم سياسة جديدة لغزو وإستعمار الشعوب؟

يشدّد المؤرّخ بيار روزنفالّون Rosanvallon على شعور المواطنين بـ«الرّيبة» من السّلطة السّياسيّة. من الآن فصاعدا تنضاف الى الدّيمقراطيّة التّمثيليّة « ديمقراطيّة معاكسة » تمارس سلطة المنع، وربّما يمكنها أيضا أن تمثّل وسيلة لإحياء حياة سياسيّة على وشك الموت. ليست الدّيمقراطيّة المعاكسة هي أن تكون ضدّ الدّيمقراطيّة بل هي أوّلا أن تعتقد أنّه يمكن ممارسة السّياسة بشكل مختلف ( في الشّارع، في المنظّمات غير الحكوميّة، علىالأنترنيت، الخ.)

كما أن ألان باديو وسلافوج زيزاك يمضيان الى حدّ القول إنّ الدّيمقراطيّة وهم، وإذا اعتبرنا كلّ شيء، فانّ نظاما استبداديّا معلَنا خير من ديمقراطيّة « رخوة » ومنافقة. بالاضافة الى ما يوحي بذلك عالم الاجتماع ايلريتش باك، فانّ المجتمعات الدّيمقراطيّة الّتي لم تعد تعيش حروبا صارت مسكونة بهاجس الخطر الى حدّ أنّ هذا الهاجس سيمثّل من الآن فصاعدا تهديدا خطيرا على الحرّيات الدّيمقراطيّة.

فما السبيل الى معرفة الواقع ، إن التحدي المستمر هو جوهر الحرية، لكن ما العمل؟ ماذا يمكن أن نفعل إذا ما أصاب خلل ما المنظومية التعليمية؟ إعتبارا أنها العمود الفقري لتطور وتقدم المجتمعات. لنضع تصورين إثنين وسببين إثنين نعرف من ورائهما الركود المعرفي والتخلف، الاول هو سياسي: إد أن مختلف صور الفساد والانحراف والتفسخ والانحلال إنما ترجع إلى اختلال التوازن بين السلطات الثلاث، ولا سيما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو إلى حلول الثانية (السلطة التنفيذية) محل الأولى، مما ينتهي إلى أسوأ العواقب....اما السبب الثاني، فهو تاريخي، يمكن أن نقول إنّه مكر التاريخ.
العالم كلّه متورّط في الهمجية ومسؤول عن نتائجها، والعالم المتمدّن والمتقدّم، بوجه خاصّ، يدفع دين حداثته الناقصة وقيمه المبتورة، دين العلمانية الناقصة والديمقراطية المبتورة، والعقلانية الأداتية، النفعية، بل الكلبية، بحصر المعنى. ونحن مسؤولون عن تخلفنا وانغلاقنا وتأخّر وعينا وفكرنا وركود حياتنا وتخشّب أيديولوجياتنا الشمولية والتفاضلية والتفاصلية، وندفع ديْنها وديْن ما نتج منها على كلّ صعيد.

إن العلمانية المثلومة والديمقراطية المبتورة والعقلانية الأداتية تتجلّى كلّها في ما يسمّى "احترام الخصوصيات"؛ "فإنّ ما يسمّى احترام الخصوصيات الإثنية أو الدينية أو المذهبية، أكثر من احترام الإنسان الفرد لإنسانيته وفرديته، موقف يضمر عنصرية مقيتة....

لكن لنفسر قليلا اصل كل شيء، عندما تتغنى على إيقاعات الالحان التي تمقتها فإن النفس تشمئز لها، الا أن الرقص على إيقاعات الالحان يعد في حد ذاته إستلابا، فما بالك عندما تتعرض للإضطهاد من طرف من هم خارجا يتحكمون بالبلاد ، عندما تم التأسيس والتسيس لمشروع القومية العروبية وتسخير كل شيء له ...فهوؤلاء القومجيون سعوا الى :"استعمال جميع الوسائل بما في ذلك الوسائل العسكرية وسيطرة الدولة الموحّدة..._الحزب الواحد-في إطار سياسي ومشروع قومجي ذو إيديولوجية ثنائية" العروبة والاسلام"_ ولزم عن ذلك أن انصرف الجهد إلى القوى العسكرية، وبدل أن تنتشر تنظيمات المناضلين وتتعدد نوادي المثقّفين للنقاش، انصرف الجهد إلى تصفيف الكتائب المدرّعة ....

إن العروبة لم تكن إلا واجهة زائفة تُردّ إلى قطرية ضيّقة ذات منزع توسّعي. أمّا الأنظمة فقد تزايد تسلّطها وعملت على إسكات أصوات منافسيها، الذين كان يحدوهم منزع توسّعي آخر وهم الأصوليون الإسلاميون. وللحد من تأثيرهم، جرت محاولة إرضاء الشرائح الاجتماعية التقليدية التي ينشطون في أوساطها، فكان أن تم وأد المشروع التحديثي.

فهل هذا من الاختيار الديمقراطي؟