تطبيع العلاقات مع المجلس العسكرى!


سعد هجرس
2011 / 12 / 27 - 21:00     

مناطحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالرأس ليس هواية مبهجة، بل أنها بالعكس مسألة خطرة تكاد أن تكون نوعاً من أنواع "إلقاء النفس فى التهلكة" .. فمن ذا الذى يحب أن يضع نفسه أمام الدبابات والمدرعات.. وليس القطار فقط؟!
وأظن أن الغالبية العظمى من زملائنا الصحفيين والإعلاميين الذين وجهوا انتقادات حادة للمجلس العسكرى مؤخرا فعلوا ذلك على مضض ولم يكونوا سعداء بأن يشهروا أقلامهم فى وجهه إرضاء لضمائرهم ودفاعا عن الحقيقة.
وإذا كان هناك مسئول عن توتر العلاقة بين المجلس العسكرى وبين قطاعات واسعة من الصحفيين والإعلاميين، فان أفعال المجلس هى المسئول الأول.
ولذلك فان "تطبيع" العلاقات مع هذه المؤسسة البالغة الأهمية واجب وطنى عاجل قبل ان يتسع الخرق على الراقع.
لكن النوايا الحسنة لا تكفى، والكلمات المعسولة لا تحل ولا تربط، وإنما يحتاج بناء جسور الثقة إلى "أفعال" ملموسة ومحددة.
والأفعال المطلوبة موجودة فى عهدة المجلس العسكرى الذى يمتلك سلطة رئيس الجمهورية وسلطة البرلمان فى آن واحد, فضلاً عن أنه هو الجهة الرئيسية المسئولة عن التجاوزات والانتهاكات الكثيرة التى أدمت قلوب الغالبية الساحقة من المصريين.
وحسنا فعل المجلس العسكرى مؤخرا عندما أصدر أوامره للقوات الموجودة فى منطقة مقر رئاسة الحكومة، أو على مشارفها، بالتوقف عن استخدام العنف ضد المعتصمين والمتظاهرين، ونرجو أن يكون هذا الأمر دائماً وليس مؤقتاً.
وحسنا فعل أيضا عندما أبدى "أسفه" عن "موقعة ذات النقاب" .
ولعل كثيرين قد فوجئوا برد الفعل الغاضب من المصريين عموماً ومن نساء مصر خصوصاً ضد هذه الفعلة الحقيرة، حيث خرجت الآلاف المؤلفة من المصريات الغاضبات فى مظاهرات احتجاجية حاشدة كانت بمثابة "قبلة الحياة" للثورة والثوار.
لكن من فوجئوا من هذه "الانتفاضة" الثورية لا يدركون أن المصرى – والمصرية – يثور من أجل "الكرامة" الإنسانية وكرامة الوطن قبل أن يثور من أجل رغيف الخبز، فهو قد يتحمل الجوع لكنه لا يتحمل الإهانة.
لكن هل "أسف" المجلس العسكرى يكفى لمسح هذه الإهانة التى شعر كل مصرى، ومصرية، أنها لحقت به هو شخصيا؟
الاجابة بالقطع: لا.
الأسف لا يكفى.. بل يجب أن يكون هناك "اعتذار" واضح وصريح.
والاعتذار الذى يشفى غليل المصريين يعنى الكشف عن أسماء هؤلاء الذئاب، والقائد الذى أعطاهم هذه الأوامر الشاذة، أو الذى ترك لهم الحبل على الغارب ليعيثوا فى الأرض فساداً.
يجب أن نقرأ أسماء هؤلاء.. وأن نعرف رتبهم.. وأن نرى وجوههم .. وأن نسمعهم وهم يحصلون على حقوقهم فى الدفاع عن أنفسهم أمام قاضى مستقل خلال محاكمة علنية عاجلة.
بدون ذلك لا معنى للأسف أو الاعتذار الكلامى.
***
ثم إن "موقعة ذات النقاب" ليست هى التجاوز الوحيد أو الانتهاك الأوحد، بل إن هناك قائمة طويلة.
فلماذا لم تظهر حتى الآن نتائج التحقيقات فى أحداث البالون، ثم التحقيقات فى مجزرة ماسبيرو، ثم التحقيقات فى جريمة شارع محمد محمود، وأخيرا – أو ما نتمنى أن يكون أخيراً- التحقيقات فى جرائم شارع القصر العينى ومجلس الوزراء.
علماً بأننا نتحدث فى كل "موقعة" من تلك المشار إليها عن شهداء من أبنائنا وبناتنا تم قتلهم بدم بارد أو التصويب على عيونهم من أجل إلحاق أكبر قدر من الأذى بهم.
كل هذه الدماء التى سفكت لم يتم كشف النقاب عن متهم واحد بإراقتها؟
ناهيك عن أن قتلة الثوار فى الفترة من 25 يناير حتى 11 فبراير مازالوا مطلقى السراح، وتسير محاكمة المتهمين فى هذه القضية بسرعة السلحفاة، ومن كان محبوساً على ذمة التحقيق – من رجال اللواء حبيب العادلى – تم الإفراج عنه، بل ان بعضهم قد عاد إلى عمله فى استفزاز واضح للثوار واسر الشهداء والمصابين.
أضف إلى ذلك أن محاكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك أصبحت مثل النكتة البايخة وهى كلها أمور تثير الشكوك وتبعث على الارتياب.
***
فإذا كان المجلس العسكرى يريد استعادة العلاقات الودية مع الشعب المصرى، الذى رفع منذ اليوم الأول للثورة شعار "الشعب والجيش ايد واحدة"، فان عليه ان يقدم مبادرات محددة مشفوعة بأفعال ملموسة تبدد هذه الشكوك.. علماً بأن هذه جبهة واحدة من جبهات متعددة تتطلب كل واحدة منها أسلوبا جديداً فى التعامل من أجل إعادة بناء الثقة وإنقاذ مصر.. ووضعها على مسار تحقيق أهداف الثورة.