الفساد مصدره وعلاجه : الدولة


محمد بودواهي
2011 / 12 / 10 - 18:54     

احتفل العالم أمس الجمعة باليوم الدولي لمحاربة الفساد . ففي 9 ديسمبر عام 2003 أعلنت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد وبدور الاتفاقية في مكافحته ومنعه ، وفي ديسمبر عام 2005 دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ.

وتعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه إستغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة، أما البنك الدولي فيعرف الفساد بأنه "إساءة إستعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص".

يمكن تبين الفساد من خلال آليتين رئيسيتين اثنتين أولهما آلية دفع الرشوة إلى الموظفين والمسؤولين في الإدارات الحكومية وفي القطاع العام والخاص من أجل تسهيل عقد الصفقات وتدبير الأمور، أما الثانية فتتمثل في وضع اليد على المال العام والحصول على مواقع متقدمة للأبناء وأفراد العائلة والأقارب والأصدقاء في الجهاز الوظيفي ، وهذا النوع من الفساد هو الأكثر انتشارا في البلاد الشمال إفريقية والشرق أوسطية .

فالفساد يوجد عندما يحاول شخص وضع مصالحه الخاصة فوق المصلحة العامة أو المثل العامة التي تعهد بخدمتها على نحو محرم أو غير مشروع ، ويأتي على أشكال شتى ، ويتراوح بين الأمور التافهة والأعمال الكبيرة جدا ، فهو يشمل سوء استخدام أدوات السياسات العامة وتنفيذ القوانين والعقود ، وأصبح الفساد في بعض الدول مؤسسات منظمة.

وقد أشارت بحوث المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية إلى عمق الدمار الذي ألحقه الفساد بإقتصاديات الدول النامية وفي دوام أسباب المرض والجهل والفقر والجريمة ، كما أصدرت المنظمة تقريرا حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قبل نشوء الربيع العربى ، أكدت فيه إن المحسوبية والرشوة والمحاباة متأصلة بعمق فى الحياة اليومية ، لدرجة أن قوانين مكافحة الفساد القائمة لها أثر ضئيل جدا

ويعتبر الفساد الجريمة الأكثر خطرا من بين الجرائم التي تنال من قيم العدالة وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة ، ويعد العامل الأكثر تخريبا وتدميرا للمجتمعات الفقيرة والنامية وسبب مباشر في ضياع فرص التقدم و الرفاهية الإجتماعية ، وكذلك إحباط التنمية وفي زيادة الفقر،ويفقد الفساد الناس الثقة بمسئوليهم ومن هم بمناصب إدارية ومالية ، وقد أشارت بحوث المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية إلى عمق الدمار الذي ألحقه الفساد بإقتصاديات الدول النامية وفي دوام أسباب المرض والجهل والفقر والجريمة .

إن الفساد يأتي نتيجة قصور في أداء مؤسسات إدارة الحكم في المجالين العام والخاص، وهو يضعف الجهود المبذولة للحد من الفقروالبطالة وتحقيق الأهداف الإنمائية وتعزيز التنمية البشرية وأمن الإنسان. وقد أصبح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بداية التسعينات أحد المنظمات السبّاقة إلى تطوير وتنفيذ برامج متخصصة لمعالجة الفساد وكبح عناصره. واليوم يواصل البرنامج دوره القيادي في تقديم المساعدة التقنية في مجال مكافحة الفساد، وذلك من ضمن حقيبة خدماته الخاصة بالحكم الديمقراطي وفي إطار ما جاءت به إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

يكثر الحديث عن الفساد في العالم وتصاغ عنه نظريات وترصد حوله ظواهر وتجرى عليه مقارنات ودراسات وكأنه جرثومة مجهولة المصدر والعلاج ، ولا يلتفت أحد إلى أن السبب الحقيقي للفساد في أي دولة ، وهو فساد في نظام الحكم ، وفساد نظام الحكم هو فساد في علاقات سلطات الحكم الثلاث وتعطل نظام الكوابح والموازنات فيما بينها. فالدولة غير الديموقراطية التي لا يحكمها القانون هي مصدر الفساد ، كما أن غياب الديموقراطية بأدواتها الرقابية وموازناتها تشكل تربة خصبة تجعل من كل شخص مشروع فاسد ، ولو كان صلاح الأشخاص يواجه الفساد لكانت المدينة الفاضلة هي الوسيلة الوحيدة ، والمستحيلة في الوقت ذاته ، لمكافحة الفساد.

أما الصحافة وجمعيات المجتمع المدني، فإنها تقف من هذا المشهد موقفاً إشكالياً ؛ فهي ترصد الفساد من دون أن تضع يدها على الخلل الرئيسي ، وتبقى تدور في حلقة مفرغة من الإحصائيات والظواهر والنسب والمقارنات من دون أن تلحظ الفساد في النظام الذي يحكم الدولة، ومن دون أن تشير إلى فساد التشريع واستغلال الحكومة له ، بينما يكرَّس الفساد كأمر واقع لا نقاش فيه.

إن معالجة الفساد تكون بإرادة سياسية للدولة و بمنهجية شاملة تستهدف محاصرته والتعامل مع أسبابه ومكوناته، فالفساد أساسا يقع عندما يكون الاحتكار والقدرة على التصرف ولا تكون ثمة مساءلة ، والعلاج يقع في الشفافية الإدارية والمالية والمحاسبة والمتابعة واختيار الأمناء دائما وتعديل المكافآت والحوافز والعقوبات وتطوير أنظمة المعلومات والتحري . إنها ببساطة عزم الدولة وإرادتها .