الخيار الثالث هو الخيار الثوري


حزب دعم العمالي
2011 / 12 / 6 - 08:38     

منذ انعقاد دورة اللجنة المركزية في يوليو الماضي، هزت حركة الاحتجاج التي اندلعت من تل ابيب الساحة السياسية وغيرت الخطاب الجماهيري في البلاد، وكشفت بل وفضحت الطبيعة الرأسمالية المتوحشة للنظام الذي يخدم قلة قليلة من رؤوس الاموال، او ما صار يعرف في الولايات المتحدة بمعادلة 1% على حساب ال99% من المجتمع. ما كنا لنولي اهمية خاصة لهذه الهبة الجماهيرية الاستثنائية في اسرائيل، لو انها لم تقع متزامنة ومتأثرة بالثورات العربية التي طوت صفحة في تاريخ الشعوب العربية وتبشر بعهد تاريخي جديد.

تبنى حزب دعم العمالي منذ تأسيسه عام 1995 "الخيار الثالث"، والذي لم يكن قد تبلور في حينه. في نفس الوقت كان اليسار العربي والإسرائيلي يتخبطان بين الخيارات المتوافرة، فكانا تارة مع معسكر امريكا وتارة اخرى مع المعسكر الذي ادعى مقاومتها ويشمل مزيجا من الانظمة من فنزويلا بامريكا اللاتينية مرورا بايران وسورية وحتى كوريا الشمالية. اما في الساحة الفلسطينية فكان الانعكاس لهذا المناخ العام، هو في الانقسام بين معسكري فتح والسلطة الفلسطينية من جهة وبين حماس من الجهة الاخرى.

وفي اسرائيل كان الخيار بين اليمين المتطرف المتمثل بحزب الليكود وبين ما اصطلح على تسميته "اهون الشرّين" أي حزب العمل. رفضنا المبدئي للقبول بفرضة اهون الشرين وضرورة تأييد احد طرفين كلاهما سيئ، كان في صلب قرارنا تأسيس حزب دعم وترشيحه للانتخابات لأول مرة عام 1996، حينها نادينا بالتصويت بورقة بيضاء لرئاسة الحكومة من منطلق رفضنا دعم مرشح العمل بيرس واليمين نتانياهو لرئاسة الحكومة، وكانت هذه انطلاقتنا التي طرحنا من خلالها ضرورة بناء "البديل الثالث".

سيطر مناخ المعسكرين ردحا طويلا من الزمن لم يكن خلاله أي متنفس للبديل الثالث. وليس هذا فحسب، بل احتد الصراع بين الخيارين خاصة بعد هجمات القاعدة على نيويورك في 11 ايلول 2001 والحرب التي شنتها امريكا على العراق. فقد ادت هذه الاحداث الى تسعير غضب الجماهير ودفعهم باتجاه التمسك تلقائيا بالمقاومة التي ادعت القدرة على دحر الاستعمار ووضع حد للآفات التي يسببها من فقر وظلم وقهر.

وكانت اول طلقة في هذا الصراع انتفاضة الاقصى وأحداث اكتوبر عام 2000، والتي احدثت شرخا كبيرا جدا بين اليهود والعرب داخل اسرائيل، وادت فيما بعد الى حرب لبنان الثانية عام 2006، ثم الحرب على غزة بعد عامين. كان علينا مرة اخرى ان نختار احد معسكرين، فإما ان نقف في صف ايران، حزب الله، سورية او ان نقف في صف امريكا، مصر وإسرائيل. لم يكن أي خيار ثالث مطروحا، ومع ذلك تمسكنا بموقفنا عدم دعم أي من الطرفين، والاستمرار في الموقف الداعي الى بناء بديل ثالث خارج المعادلة الثنائية، لا يقبل الانسياق والتبعية لامريكا ولا يمارس مقاومة متطرفة مغامرة.

ولم يبق موقفنا "نظريا" ولم نتحجج بعدم وجود بديل عمالي ثوري لنقف مكتوف الايدي ونتبنى منحى انتظاريا، بل بدأنا بالمساهمة في صنع هذا البديل بأيدينا وطاقاتنا المتواضعة، وذلك من خلال تأسيس نقابة معا لتنظيم الطبقة العاملة التي بقيت مهمشة، مستغلة وبعيدة عن اهتمامات الاحزاب "الوطنية" التي ولفرط انتهازيتها دعمت حزب العمل والسلطة الفلسطينية والمقاومة الاسلامية في ذات الوقت. من خلال عملنا اليومي الدؤوب في صفوف العمال والعاملات اكتشفنا زيف الشعارات التي غطت على المصالح الاقتصادية لشريحة ضيقة من المجتمع سيطرت على قيادة الاحزاب، وتجند العمال والجماهير لأجندتها حفاظا على هذه المصالح.

من الملاحظ ان ظاهرة ال1%-99% لم تكن مقصورة على اسرائيل فحسب، بل هي النمط السائد في الدول العربية، من الضفة الغربية وغزة وحتى آخر الدول العربية يضاف اليها ايران، وبغض النظر عما اذا كان النظام تابعا لأمريكا او "مقاوما" لها، فهو دائما وأبدا يخدم شريحة ضيقة متنفذة في المجتمع.

ولكن تبين ان "الخيار الثالث" كان موجودا دائما ولكن بشكل مبطن، حتى ظهر بكل وضوحه منذ ديسمبر 2010 في تونس ثم انتقل بقوة الى مصر ومنها الى ليبيا، اليمن، سورية والبحرين. مع انفجار الثورات العربية تبين ان المقاومة لم تكن سوى اداة بيد الانظمة لتبرير قمعها للشعب وتثبيت حكمها عليه ونهبها ثرواته. في المناطق الفلسطينية استغلت حماس خيار المقاومة لضرب فتح وكشفها كمتواطئة مع اسرائيل وامريكا، ونفس الشيء فعل حزب الله في لبنان ضد تيار المستقبل برئاسة الحريري، والنظام السوري استغل نفس الاسلوب ليغطي على استبداده حمايةً للامتيازات التي تمتعت بها العائلة الحاكمة والنخبة الرأسمالية المرتبطة بها.

منذ بداية السنة الحالية لم تتغير الساحة السياسية العربية فحسب، بل العالمية ايضا. فما بدأ في تونس واستمر في ميدان التحرير بالقاهرة انتقل الى اسبانيا ثم الى نيويورك حيث ظهرت حركة "احتلوا وول ستريت" الاحتجاجية التي نصبت الخيام في احد المتنزهات المركزية بالمدينة.

حزب دعم وجد نفسه بشكل طبيعي جزءا فعالا ونشطا في الحراك الاحتجاجي في اسرائيل، على اعتبار ان هذا الاحتجاج هو امتداد وإن جزئي ومحدود لحركة الاحتجاج العالمية التي تبنت أفكار ومبادئ ومطالب تنادي ب"العدالة الاجتماعية" ومراعاة مصالح العمال والطبقات الوسطى، الامر الذي يتماشى وينسجم مع موقف وبرنامج حزب دعم.

ان ما يجمع بين كل حركات الاحتجاج في كافة المواقع العربية والأوروبية سواء في اسبانيا، اليونان، بريطانيا وحتى امريكا، مع اختلاف ثقافاتها وديمقراطية او استبداد النظم فيها، هو اولا، النظام الاقتصادي والسياسي القائم على اقتصاد السوق الحرة والذي يفيد النخبة ويدفع الاغلبية نحو الفقر والبطالة؛ وثانيا الزواج غير المقدس بين رأس المال والسلطة. برلوسكوني، اوباما، الاسد، مبارك، ابو مازن ونتانياهو فقدوا جميعهم ثقة الشعب، لأنهم يخدمون اصحاب الرساميل الاغنياء. فلا فرق حقيقي بين نوحي دانكنر الاسرائيلي ورامي مخلوف السوري، بين احمد عز المصري وغولدمان زاكس الامريكي؛ جميعهم احتكروا الاقتصاد والسلطة معا مما أفقد الجماهير ثقتها بالنظام السياسي ودفعها نحو الاحتجاج وحتى الثورة عليه.

قيادة الاحتجاج تصل لطريق مسدود

تشكلت قيادة الحراك الاحتجاجي في اسرائيل، كما في مواقع اخرى من العالم، من خلال شباب "الشبكة الاجتماعية" الفيسبوك، ومع هذا ارتأت التوجه منذ البداية نحو الطبقة الوسطى في اسرائيل، المكوّنة بأغلبيتها من اصحاب المهن الحرة الشكناز. وإذا كان الشباب المصري والتونسي والعربي عموما يتميزون بروح ثورية واندماج كلي مع الفقراء والعمال ويعمل لاسقاط الانظمة، فان الشباب الاسرائيلي لا يضع نصب عينيه هدف قلب النظام، بل يطالب ببعض الاصلاحات التي من شأنها ان تسهل على الطبقة الوسطى. وكان المطلب الاساسي إعادة توزيع الثروة القومية بشكل اكثر عدلا من خلال رفع الضرائب على الاغنياء وتوجيه ميزانيات خاصة لحل ازمة السكن وخفض رسوم التعليم العالي ومعالجة مرافق الرفاه الاجتماعي الاخرى.

وقد تبيّن بشكل واضح الفرق بين الشباب المصري والشباب الاسرائيلي في الجانب السياسي، حيث حرص الشباب الاسرائيلي على الحفاظ على الاجماع الايديولوجي الصهيوني كيلا يتهم بالانتماء لليسار، وذلك لجذب وتوحيد الطبقة الوسطى التي تميل عادة نحو المركز واليمين المتمثل بحزب كاديما وحزب العمل. وقد حددت حركة الاحتجاج أنها تمثل الطبقة الوسطى التي يدفع افرادها الضرائب ويخلصون للدولة من خلال الخدمة العسكرية، ولكن الدولة تفضل الاغنياء ولا تبالي بهم ولا بإمكانيتهم ممارسة مستوى معيشتهم الراقي بسبب غلاء الاسعار الذي شمل السكن والتعليم.

كان موقف حزب دعم من بداية الاحتجاج ان على الحركة تبني موقف سياسي واضح يحمّل الحكومة المسؤولية عن السياسة التي قادت للفجوات الاجتماعية، ويعمل على إسقاطها والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة. ولكن قيادة الاحتجاج تمسكت بموقف عدم الخوض في السياسة، ورفض النداء لإسقاط الحكومة بحجة ان هذا لن يغير الوضع لأن كل الاحزاب نفس الشيء. موقف الامتناع عن السياسة الذي يميز اغلبية الحركات الشبابية في العالم، يبقي الساحة مفتوحة امام هذه الاحزاب التي يحتجون عليها، ويقود بالتالي الى طريق مسدود. في اسرائيل ذهب المحتجون إلى مطالبة رئيس الحكومة بالاستجابة لمطالبهم، بدعوى انه ملزم بخدمة الشعب الذي فوّضه للحكم. هذا الموقف الساذج استطاع ان يجمع مئات آلاف المتظاهرين في الشارع، ولكنه أعجز هذه القوة الجماهيرية الجبارة عن إحداث تغيير سياسي ملموس، عندما ابقى مفتاح التغيير بيد من سبّب الأزمة بسياسته الرأسمالية المفرطة.

في اللحظة التي عيّن فيها نتانياهو اللجنة برئاسة البروفسور تراختنبرغ للبت في مطالب الحركة الاحتجاجية، دخلت قيادة الحركة الى وضع غير مريح وشكلت كرد فعل لجنة مضادة لطرح مطالبها دون ان تكون لها الادوات لتحقيق هذه المطالب. من مطالب الحركة يمكن ان نرى ان الايديولوجيا التي تتبناها هي اشتراكية ديموقراطية، مؤسسة على دولة الرفاه. اما نتانياهو فيمثل الايديولوجية الليبرالية الجديدة والسوق الحرة المبنية على الاقتصاد المخصخص وتفضيل رأس المال على حساب العمال. وعليه، فان توصيات لجنة تراختنبرغ لا تتجاوز الاطار العام للموازنة العامة، وبينما استجابت لبعض مطالب الطبقة الوسطى في مجال التعليم، الا انها أبقت النظام الاقتصادي القائم دون تغيير جذري.

بعد تفكيك الخيام في جادة روتشيلد بتل ابيب، وبعد ان اتضح ان الحكومة مصرة على موقفها ومستعدة لتغييرات شكلية فقط، لم يبق امام قيادة الاحتجاج ذخيرة اضافية في حربها ضد الحكومة. وسائل الاعلام التي تخدم رأس المال وتبنت في البداية بل وتجندت لصالح الاحتجاج وحوّلت بعض قياداته الى نجوم، انقلبت على موقفها بعد نشر توصيات لجنة تراختنبرغ وتوجهت بطلب واضح وصريح لقيادة الاحتجاج بوقف المظاهرات والقبول بالتوصيات التي تستجيب ولو بشكل جزئي لمطالبها. قادة الاحتجاج الذين راهنوا على كسب دعم الاعلام وصاغوا شعاراتهم بطريقة تلائم صناع الرأي العام في اسرائيل، فقدوا اهم اوراقهم عندما أدار هؤلاء الإعلاميون ظهرهم لهم.

بعد ان امتنعت عن اتخاذ موقف سياسي من الحكومة ووصلت الى طريق مسدود، لجأت أخيرا قيادة الاحتجاج الى رئيس الهستدروت، عوفر عيني، لينقذها من وضعها وينفخ فيها الروح من جديد. وبعد ان ادعت انها ضد السياسيين، بدأت بسلسلة من اللقاءات مع وزراء، بداية مع وزير الداخلية من حزب شاس ايلي يشاي ثم مع وزير الدفاع ايهود براك، اللذين استغلا اللقاء لاغراض دعائية سياسية بحتة. اما الخطوة الاكثر اهمية وهي التوجه الى عوفر عيني، احد الرموز السياسية الاقل مصداقية، لتحويله الاطار النقابي الى اداة للتدخل في العمل السياسي. ويعتبر عيني المهندس الاساسي لتشكيل الحكومة اليمينية الحالية، وذلك عندما توسط بين رئيس حزب العمل في حينه براك وبين نتانياهو. كما وضع مؤخرا كل ثقله لدعم شيلي يحيموفيتش التي نجحت في الانتخابات الداخلية لرئاسة حزب العمل، بعد ان انشق براك عنه.

في وقت سابق عندما كانت حركة الاحتجاج في أوجها، اقترح عليه عوفر عيني التعاون، ولكنه جوبه بالرفض. والآن بعد ان تراجعت الحركة، جاء عيني ليستغلها لصالح مآربه السياسية، وأعلن عن اضراب عام في البلاد في 1/11 القادم. وقد اختار عيني موضوع عمال المقاولين كحجة لاعلان الاضراب وطرح مطلب التخفيف "قدر الامكان" من ظاهرة التشغيل بالمقاولة في المكاتب الحكومية. انضم لهذا النداء قادة الاحتجاج ومعها نقابة "قوة للعمال" التي شاركت بفاعلية في حركة الاحتجاج.

وتماشيا مع موقفنا تجاه حركة الاحتجاج، وموقفنا من عوفر عيني وقيادة الهستدروت، رفضت نقابة معا العمالية الانضمام للاضراب. وقد تم تفسير موقفنا في عدة منابر بينها ملحق صحيفة هآرتس الاقتصادي "ذي ماركر"، وفيها حمّلنا الهستدروت مسؤولية التواطؤ مع الحكومة وأرباب العمل في دفع مئات العمال الى ايدي شركات القوى البشرية والمقاولين، ومن هنا عدم ثقتنا بان النداء للاضراب يحمل صفة نقابية بحتة. ان التعاون بين قيادة الاحتجاج وعوفر عيني له صفة اكثر سياسية منها مطلبية، وهي تصب في سعي حزب العمل والهستدروت لاستغلال الاحتجاج لمصالحهم السياسية. هكذا، ولفرط تجنبهم دعم السياسيين، وجدت قيادة الاحتجاج نفسها تعمل لصالحهم وتخدم أهدافهم.

أثار موقفنا هذا جدلا في صفوف اليسار الاسرائيلي الذي تساءل لماذا لا نشارك في موضوع مهم مثل الاضراب تضامنا مع "عمال المقاولين". لذا كان علينا فضح الطبيعة السياسية للنداء للاضراب، موقفنا من الهستدروت وموقفنا من حركة الاحتجاج نفسها. وقلنا ان الزواج بين قادة الاحتجاج وبين الهستدروت من شأنه ان يُبعد كثيرين ممن منحوا ثقتهم بقيادة الاحتجاج التي ادعت انها لا تنحاز لأي حزب، ثم انحازت لعوفر عيني الرجل السياسي والشريك في المسؤولية عن أزمة عمال المقاولين، مما يمكن ان يضرب مصداقية شباب الاحتجاج ويمس بإمكانيتهم إعادة تجنيد الناس بأعداد جبارة.

الربيع العربي يغير ملامح الشرق الاوسط

أثناء كتابة هذه الوثيقة نُشر نبأ مقتل الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي، الذي طوى فترة تاريخية كاملة في حياة ليبيا والشرق الاوسط. اننا امام واقع سياسي جديد لا بد من التعمق في مغزاه في محاولة لفهم ابعاده وتداعياته. ان حزب دعم ومنذ البداية أيد وضم صوته الى صوت الشعوب العربية الطالبة بالحرية. ان الثورة العربية الحديثة التي لا تميز بين نظام استبدادي موالٍ لأمريكا او معارض لها، أثارت جدلا في صفوف اليسار وتحديدا في صفوف الحزب الشيوعي الاسرائيلي. ليبيا هي النموذج الذي يتمسك به من يعارض الثورة العربية بحجة ان هذه الثورة تفتح المجال للتدخل العسكري الامريكي المباشر، ولذلك على اليسار ان يؤيد الانظمة الاستبدادية المعارضة لامريكا، وذلك للحيلولة دون عودة الاستعمار.

حتى الآن لم تخرج في الوسط العربي داخل اسرائيل حركة سياسية منظمة تدعم الثورة العربية. الفرضية القائمة هي ان هذه الثورات تفتح باب الشرق الاوسط واسعا امام التدخل الامريكي او لسيطرة الاخوان المسلمين على السلطة. في كل من مصر، تونس وحتى سوريا تتمتع حركة الاخوان المسلمين بنفوذ كبير، ويحتمل ان تنجح في الانتخابات الحرة التي ستجري في الدول التي تخلصت من الاستبداد. ومن هنا، وحسب ادعاءات اليسار القديم التقليدي، ما يحدث في العالم العربي من تغييرات ليس عملا ثوريا بحد ذاته، بل انجرارا من الشعوب المضلَّلة وراء المؤامرة الامبريالية الامريكية-الصهيونية الكبرى التي تطمح للتوسع في كل الاقليم العربي.

ان موقف الحزب الشيوعي من الثورات العربية، يتماشى مع موقف الحكومة الاسرائيلية التي تدعي ان الثورة المصرية لن تنتهي بنظام ديموقراطي بل باستيلاء حركة الاخوان المسلمين على السلطة، كما حدث في مناطق السلطة الفلسطينية عندما فازت حماس باغلبية المقاعد في الانتخابات للمجلس التشريعي. هذا الخوف من الاخوان المسلمين ليس جديدا، بل استغلته الانظمة العربية الفاسدة لتحظى بدعم الغرب من جهة واليسار العربي التقليدي من جهة اخرى. في مصر مثلا دعم حزب التجمع اليساري (الذي يضم شيوعيين)، نظام مبارك على اساس معادلة "أهون الشرين"، كذلك تحالف الحزب الشيوعي السوري مع نظام الأسد الأمر الذي يبرر وقوفه الحاد ضد الثورة.

ان ما يحدث في العالم العربي ليس انقلابا بل ثورة بكل المعايير. انها ثورة لا تقتصر على دولة او منطقة بعينها، بل تشمل الاقطار العربية بشرقها وغربها. انها تعبر عن طموحات مشتركة للشعوب العربية للديموقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن يحركها هي كل شرائح وطبقات المجتمع، من عمال، فلاحين، شباب وطبقات وسطى. ثورة من هذا القبيل لا يمكن ان تكون نتيجة لمؤامرة خارجية، فأمريكا وإسرائيل عارضتا الحركة الثورية في مصر، اما في سورية فتخشى اسرائيل من الهبة الشعبية وتفضل نظام البعث الذي يضمن الهدوء لجبهتها الشمالية. ان عمق الثورة واتساعها من جهة، والمشاركة الشعبية العريضة من جهة اخرى، تدل على اننا امام تغيير جذري وثوري للواقع، وعلى كل حزب ثوري ان يتماشى مع التاريخ بدل التفرج من بعيد ودعم الاستبداد الرجعي.

حزب دعم الذي يتبنى النظرية الماركسية تابع منذ انشائه التحولات التاريخية في العالم الذي تشكّل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. وكان واضحا لنا من البداية بان النظام الرأسمالي الحديث الذي طبق نظام السوق الحرة سيحدث فجوات اجتماعية كبيرة جدا وسيؤدي الى ازمات اقتصادية كونية يمكنها ان تقود الى ثورة على النظام ككل. ومن منطلق النظرية الماركسية، فان الثورة في المنطقة العربية ليست محض صدفة او مؤامرة، بل نتاج حتمي للواقع الموضوعي الذي ادت اليه سياسة النظام الرأسمالي بقيادة امريكا. انها ليست مؤامرة من الامبريالية بل هي ثورة على مفاهيم الامبريالية وسوقها والدمار الذي جلبته.

لقد نضجت الظروف للثورة، والتقت عدة عوامل موضوعية مثل الازمة الاقتصادية الكونية، عجز الأنظمة الاستبدادية عن الاستجابة لأبسط حاجات الشعب بسبب تطبيق سياسة الخصخصة، وانتشار الثورة المعلوماتية التي غيرت قوانين اللعبة ونزعت من الانظمة احتكارها للمعلومات، وحررت الشعب من قيودها ورقابتها.

لذلك، لا يخشى حزبنا من الاخوان المسلمين او امريكا، بل يرى ان الثورة اكبر بكثير من امكانية اية جهة السيطرة عليها واحتوائها. لهذا ايضا اعتبرنا موقف الشباب الثوري في مصر المعارض للانتخابات خوفا من فوز الاخوان المسلمين، خطأ فادحا لانه يمنح الجيش وأنصار النظام البائد بالتلاعب بمكاسب الثورة وحتى الانقلاب عليها. على الثورة ان تختبر الاخوان المسلمين وعليهم ان يثبتوا للشعب اخلاصهم له وليس لرأس المال واحترامهم لحرية الرأي والديموقراطية. وإذا تمكن الاخوان من الوصول الى السلطة، فسيكون ذلك بفضل الثورة التي دفع الشعب فيها دما غاليا، وليس بفضل النظام البائد لذا سيكون عليهم التفكير جيدا قبل محاولة فرض نظام استبدادي جديد.

ان ما يعزز ثقتنا بمستقبل الثورة العربية، هو وقوفها في طليعة الشعوب كلها التي تتمرد اليوم على انظمتها، بما في ذلك امريكا، موطن النظام الرأسمالي وقلبه. الملاحظ انه في حين تُتهم امريكا بالتدخل لإسقاط النظام "المناهض" لها في سورية، نجدها بنفسها تواجه حركة احتجاج داخلية تحذو حذو العرب وتطالب هي ايضا بتغيير النظام بعد ان خيّب اوباما آمال الشعب. والسؤال هو من يتآمر على من، امريكا على العرب ام العرب على امريكا؟ ومن هنا، فلا بد من التأكيد على ان الثورة العربية تتماشى بل وتقف في طليعة الثورة في العالم ضد النظام الرأسمالي الجائر، اما حركة الاخوان المسلمين فليست اكثر من ضياء نجم بعيد انطفأ منذ زمنن مرحلة انتقالية، لا تعبر باي حال عن المستقبل.

من منطلق موقفنا الماركسي، أكدنا من اليوم الاول لتأسيس حزبنا ان مصير الشعوب العربية مرهون بمصير الشعوب في الدول المتطورة الصناعية وعلى رأسها امريكا. ومصير الدول الصناعية وإمكانية التغيير فيها مرهون بإمكانية الطبقة العاملة بناء حزبها الثوري وطرح البديل الثالث لنظام يعتمد على حزبين كبيرين، سواء الديموقراطي والجمهوري في امريكا، او المحافظين والاشتراكيين الديموقراطيين في مختلف دول الاتحاد الاوروبي. وإذا استطاع ال99% قلب النظام الرأسمالي وإنشاء نظام اشتراكي وديموقراطي حقا، سيكون بمقدور الشعوب العربية وكل شعوب العالم اللحاق بها. اننا امام تطور تاريخي ثوري جديد سيستغرق حقبة تاريخية كاملة، ستتخللها تطورات سياسية منها فوز الاخوان المسلمين بالاغلبية في البرلمان، ولكن لن يكون هذا نهاية المطاف بل محطة نحو تحرر الناس من وهم الدين، الارهاب الفكري الجهل والآراء المسبقة التي تعتمد عليها كل الاحزاب الدينية، يهودية كانت او مسيحية او اسلامية.

حزب دعم يقوي هويته

تعززت مكانة حزب دعم في الساحة السياسية بفضل الثورة العربية وحركة الاحتجاج في اسرائيل. هذه النقلة النوعية ناتجة عن الظروف الموضوعية التي تمنح برنامجنا، مواقفنا، شعاراتنا، ونشاطنا العملي مغزى جديدا، مفهوما أكثر من السابق للجماهير وللطبقة العاملة منها خصوصا.

ان الخيار الثالث هو الخيار الثوري، خيار الطبقة العاملة والشباب، الذي لم يعد ملموسا فحسب، بل يسيطر على الساحة السياسية ويحظى بإجماع جديد ويعتمد على العصرية، الديموقراطية، العلمانية، والعدالة الاجتماعية. هذا هو البديل الذي يعارض التبعية لأمريكا من جهة وينأى عن النهج القومي الاسلامي من جهة اخرى. هذا هو البديل الذي يتبناه حزب دعم منذ يوم تأسيسه.

لا شك ان اسرائيل تأثرت وستتأثر كثيرا بما يحدث في محيطها العربي من جهة، وبالاستياء العارم الذي تفجر داخلها ضد المعتقدات الاساسية للحكومة بكل ما يتعلق بالنظام الاقتصادي والاجتماعي من جهة اخرى. وكانت صفقة تبادل الأسرى بين اسرائيل وحماس اثباتا اضافيا على التغيير الحاصل في المنطقة. لقد تأثرت مكانة حماس بعد اندلاع الثورة في سورية وإسقاط نظام مبارك، مما ادى بقيادتها للتنازل عن مطلبها الحازم بالإفراج عن قياداتها في السجون مثل ابراهيم حامد، عباس السيد وعبد الله برغوثي. وتسعى حماس الى البحث عن مكان جديد لها في المنطقة، وتخفيف الحصار عن غزة لتثبيت سلطتها فيها.

من اليوم الاول لم يطمح حزب دعم لقيادة الحركة الاحتجاجية التي تمثل الطبقة الوسطى في اسرائيل، وحذر من ان اسلوب القيادة الشابة سيقود الى طريق مسدود. ومع ذلك، أيدنا وشاركنا بكل طاقاتنا في هذه الحركة لأننا اعتبرناها ذات اهمية قصوى للطبقة العاملة التي بقيت جماهيرها خارج الحراك حتى الآن. شاركنا في الحراك على اساس كوننا الجناح العمالي الثوري فيها، وسعينا للبحث عن التحالف والتعاون مع كل من يريد الانضمام والالتزام بقضية الطبقة العاملة ونضالها من اجل العدالة الاجتماعية.

حددنا بشكل واضح اممية الحزب، وكونه حزبا يدافع عن مصالح العمال العرب واليهود على اساس المساواة، وقمنا بنصب الخيام اليهودية العربية في تل ابيب ونتسيرت عليت والقدس، كما شاركنا دائما ككتلة يهودية عربية في كل المظاهرات، تارة مع عدد من رفاق "شباب التغيير" من الناصرة وتارة اخرى مع وفد من العمال والعاملات من منطقة المثلث. ان الزيارة التي نظمتها نقابة معا الى قرية طوبا زنغرية بعد إحراق المسجد فيها، بمشاركة يهود وعرب لم تكن للتعبير عن التضامن مع سكان وعمال هذا البلد فحسب، بل لإبراز الصفة اليهودية العربية للحزب والنقابة.

ما رأيناه من خلال نشاطنا المكثف في مواقع الاحتجاج المختلفة، في تل ابيب والقدس والناصرة، هو الاهتمام المتزايد بموقف حزب دعم. وقد جذبت كتلة دعم في المظاهرات الضخمة عددا كبيرا من النشيطين الذي انضموا الى كتلتنا العمالية اليهودية العربية. وفي ندواتنا التي نظمناها في ميدان الحراك بتل ابيب، شارك مئات الناس الذين تعرفوا على حزبنا ومواقفه لأول مرة. ان الموقف السياسي والعمل النقابي الملموس وتحديدا الاضراب في كسارة سلعيت، أبرز هوية حزبنا الذي يمتاز بروحه الثورية عن بقية الاطر والاحزاب.

المقالات التي ننشرها في موقع "اتجار" (تحدي) بالعبرية، تلاقي اهتماما كبيرا، نظرا لوضوحها السياسي من جهة ولاهتمام متزايد لدى اوساط معينة من الجمهور بالسياسة. وقد تحولنا منذ تفكيك الخيام في تل ابيب الى عنصر فعال في "بيت الشعب" الذي يجمع مختلف نشاطات الحراك الاحتجاجي. وصار المركز مهما لاجتماعاتنا النقابية والسياسية، ويحظى بإقبال متزايد مما يشكّل اعترافا بدورنا. كما كنا بين المبادرين لتشكيل تحالف بين منظمات عمالية ونقابية مختلفة مما قاد الى تعاون عيني مع نقابة "قوة للعمال"، "حاخامين من اجل حقوق الانسان" و"خط للعامل".

النقاش الدائر مع الحزب الشيوعي الاسرائيلي بصدد الثورة السورية، وفضح موقفه المؤيد لنظام الأسد يخلق حولنا جوا جديدا. فهو يكشف ان من اتهمنا بالانغلاق والفئوية يؤكد اليوم انه بعيد جدا عن تطلعات الشعوب، وانه يتبنى موقفا ستالينيا رجعيا ويقف مع الاستبداد بحجة مناهضته المزعومة للاستعمار، وفي نفس الوقت يواصل تحالفه غير المبدئي مع حزب العمل والهستدروت، يدعم العائلية والطائفية ورؤوس الاموال في الوسط العربي. كما انكشف ان هذا الحزب يتكلم بلغتين متناقضتين مع العرب واليهود، ولا خط سياسي واضح يربط بين الموقفين.

يقف حزب دعم امام مرحلة سياسية جديدة. ان تأسيس اللجنة المحلية في منطقة الخضيرة، انضمام اعضاء جدد في تل ابيب، وإمكانية تجنيد المزيد من النشيطين الذين يرون في حزبنا اطارا لهم يدل اننا امام مرحلة جديدة، مما يفرض علينا ان نكون اكثر نشاطا وثقة بأنفسنا وبرنامجنا وعدم اضاعة هذه الفرصة الثمينة.

ان التحدي الكبير امام الحزب هو تعبئة العمال العرب واليهود وإشراكهم في حركة الاحتجاج، سعيا لممارسة دور قيادي في الحركة ودفعها باتجاهات اكثر راديكالية. الامتحان الكبير هو بناء نقابة معا كقاعدة عمالية واسعة، وتجنيد الراديكاليين من بين هؤلاء النشيطين النقابيين الى صفوف الحزب. ان كل نشيط نقابي ملتزم وعضو في لجنة عمالية، مرشح للانضمام لحزب دعم. ان بناء نقابة عمالية كفاحية يستلزم كوادر عمالية واعية وثورية والحزب هو الاطار الانسب لتثقيف هؤلاء الناشطين النقابيين.