أرنب ذو مخالب


عماد البابلي
2011 / 12 / 5 - 13:57     

سأكتب لايهم لمن
سأكتب هذه الاسطر
فحسبي ان ابوح هنا
لوجه البوح لا اكثر
حروف لا مبالية … ابعثرها … على دفتر
بلا أمل بأنْ تبقى ..
بلا أمل بأن تنشر
نزار

طيبة مفرطة ورفق يلوح لمدار الخبث ، أرانب طيبة القلب أليفة جدا ، تخفي مخالب لوقت الحاجة ..
ذات صباح ، مكان مزدحم بالمرضى ، المرض في فلسفة الزمن العربي مقترن دائما بالجهل ومصاحب لقوى تسكن عوالم أخرى ، قوى تشفي وترزق وتميت .. دخل علي غاضبا حانقا وجهه مسودا بالانفعال على خلفية تاريخية ربما كنت أخذتها في دراستي عن البكتريا التي تعيش في محيط لا يلائم فعاليتها الحيوية ، ولأنه لا يختلف عن البكتريا في شيء ، راح جداره الخارجي يتصلب ويتصلب حتى صار حاله حال الصخور ، بانتظار فرج قادم بيد منقذ عادل ، أو سفينة تحلم ببداية جديدة ..
كان يحمل ابنه ذو الأربعة أعوام الذي كان يعاني من أعراض تشنجات أولية ، فكان لابد من فحص مفراس حلزوني ( C T Scan ) .. بكل أدب وبكل حيوية ( وأنا الملحد !! ) قلت له : مواعيد الفحص واصلة لمدة أسبوعين ولأنه طفل سأفحصك في اليوم التالي .
قال لي : هل تعرف من أنا ؟؟ المدير العام صديقي ، والشيخ الفلاني صديقي ( شيوخ الدين أصبحوا في مدينتي ذو مكانة كبيرة أداريا بعد شيوع المد الديني وطغيانه ) ،، أخبرته بأن هذا لا ينفع لأن مواعيد الفحص ثابتة وهي موصى عليها من أدارة المستشفى ،، لم ينفع وبعد دقائق رحنا نتشاجر أنا وهو وأصواتنا تعلى وتعلى حتى جاء المدير ، واخبرني بأن المدير العام فعلا صديقه لأن الشيخ فلان هو أبن عمه واتصل بي لهذا ..
طبعا تكيفت مع الحالة بسرعة وقلت لمديري بأن طلبه على رأسي ، دخل الشخص وأنا مبتسم ( ابتسامة صفراء تعرفوا نوعها ) .. رحل الشخص وهو يحمل علامات النصر والبهجة فقد فتح القسطنطينية بعون واحد أحد .. الشخص الواقع في بؤرتي هنا هو فقير الحال ومن طبقة اجتماعية من الدرجة الثالثة ( القاعدة ) ، وحتى الشيخ الذي أخبرني عنه كان جاره ، عرفت هذا لاحقا من اتصال مع صديق لي يعمل في أحدى المكاتب الدينية ، لماذا أخذ هذا الشخص هذا الحيز الكبير عند المدير العام وعند الشيخ الفلاني ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!! ليس الموضوع متعلق بالواسطة أو تطبيق أية ( ذو القربى ) ، لكن شيء محاك في علم نفس الأعماق ، شيء أعطاه تلك الهيبة والوقار ، جذر لشفرة معينة صغيرة ، كان هي السبب في كل هذا ..
يهتم علم نفس الأعماق بهذا المجال ، فهم تلك الكيفيات التي تتحكم بنا بشكل لا محسوس ، علم نفس الأعماق يشمل كل مدارس التحليل النفسي التي بدأت عند فرويد ويونغ ولاحقا عند أريك فروم .. يهتم هذا العلم متى وأين تنشأ الدوافع لمجمل سلوكياتنا ... نعود لصاحبنا وأزمته معي ،، تفسير الحالة يتعلق بالرفق المفرط الذي ناله عند المدير العام أو صاحبه شيخ الدين ، كانت حالة تنويم مزدوجة عاشوها معهم وعاشها معهم ، ( مسكين ، مسكين ، مسكين ) تكرار وتكرار حتى فعلا أقتنع واقتنعوا بهذا ، كانت كلمة مسكين بكل ماتحوي من معنى لغوي سيميائي هي الشفرة التي جعلته يلج في عوالم ليست من حقه ، ينادونه عليه بــ ( مسكين ) حتى تحول لكلب يطالب بحقوقه المسلوبة بحكم التناحر الطبقي بالعواء في مسامع الآخرين .. كان هذا الطيب القلب جزء من فئة بشرية اختارت الإبحار لما وراء الظواهر عبر تدمير حواسهم وذاتهم ( الملعونون حسب تعبير رامبو ) .. كانت حكاية من مليون حكاية وحكاية تحدث كل يوم من الجانب المظلم من وعي الشرق الكهنوتي ، حيث العجز والعطب والشلل والجسور المقطوعة وأزمة البحث عن الأصل تحت راية مغفل كبير أسمه الإنسان ..
شكرا لكم ...