مخاطر كثيرة .. وبوليصة تأمين واحدة


سعد هجرس
2011 / 11 / 25 - 14:47     

مصر رايحة علي فين؟! هذا هو السؤال الذي يتردد علي ألسنة جميع المصريين الآن ولا أحد يستطيع أن يزعم أن لديه إجابة يقينية. فهناك سيولة كبيرة جدا في الموقف العام. وسرعة فائقة في تطور الأحداث وأطراف كثيرة مشتركة في الصراع السياسي المحتدم. وبعض هذه الأطراف تتغير مواقفها وتكتيكاتها وتحالفاتها بين يوم وآخر. وأصابع القوي الإقليمية والدولية- وأموالها- ليست بعيدة عن المشهد. بل هي حاضر بصورة ظاهرة حينا وتتحرك خلف الكواليس وفي الخفاء أحيانا.
وليس هذا كله بالأمر المستغرب لأن مصر- كما قال "فستر فيلي" وزير خارجية ألمانيا في تصريح له علي خلفية الأحداث الجارية "تعتبر رمانة الميزان بالنسبة للعالم العربي وما يحدث بها يلقي بظلاله علي المنطقة بأسرها".
***
إذن.. محصلة تفاعلات وتضاغطات ما يجري حاليا هي التي ستشكل مستقبل مصر. بل ومستقبل المنطقة العربية بأسرها.
ورغم أن كل الاحتمالات قائمة. ولا أحد يستطيع أن يجزم بترجيح سيناريو بعينه في ظل هذا التعقيد الشديد لخريطة الصراع القائم. فإن هناك "حقائق" أثبتت وجودها علي أرض الواقع. وينبغي وضع هذه الحقائق في الاعتبار عند إجراء أي حسابات.
أول هذه الحقائق أن الثورة التي اندلعت علي أرض مصر في 25 يناير الماضي ليست زوبعة في فنجان وأنه من الصعب- إن لم يكن من المستحيل- التلاعب بها أو اغتيال أهدافها.
مثل هذه الأوهام راودت البعض الذي تصور- أو تمني- أن الثوار يمكن خداعهم. أو سرقة ثورتهم.
ونتيجة لتعاطي هذه الأوهام رأينا ما رأينا علي ضفتي النهر:
فمن ناحية رأينا تباطؤاً يصل إلي حد التواطؤ في تطهير المؤسسات والهيئات من ذيول النظام السابق. وتباطؤاً يصل إلي حد التواطؤ- في محاكمة كبار رموزه. وتخاذلاً في استعادة الأمن. ومراوغة في تطبيق العزل السياسي علي من ساهموا في إفساد الحياة السياسية والاقتصادية في الوقت الذي يتم فيه تقديم الثوار إلي القضاء العسكري.
ومن ناحية ثانية رأينا قوي سياسية ودينية تحاول فرض وصايتها علي خلق الله. وركوب موجة الثورة وتوجيهها حسب أهوائها. رغم أن بعض هذه القوي كانت تتفنن في إصدار الفتاوي التي تستهدف تكفير الثوار بدعوي أن الخروج علي الحاكم- حتي لو كان ظالما- كفر والعياذ بالله. أما بعضها الآخر فقد ركب قطار الثورة متأخراً بعد أن تأكد من نجاحها قفز منه مبكراً بحثاً عن تحالف مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة والحصول علي جزء من الكعكة أو علي نصيب من "الغنائم"!
***
هؤلاء وأولئك حاولوا وضع عمامة علي رأس ميدان التحرير والثورة بأسرها.. وتصوروا أن الناس عليهم سوي "السمع والطاعة".
وجاءت الصدمة الكبري لجميع الأطراف عندما رأوا الثورة تنبعث من جديد. وتستجمع قواها. وترفع راياتها وشعاراتها ومطالبها.
وعندما حاول "الأوصياء" دخول ميدان التحرير "المتجدد" جاءتهم الرسالة الصريحة من المصريين البسطاء- لكن غير الأغبياء- "نريدها دولة مدنية.. لا عسكرية ولا دينية".
وهذا هو ما يبعث علي الطمأنينة للمستقبل. فرغم أن الآفاق مفتوحة لكل الاحتمالات فإن أهم ما حدث في الأشهر العشرة الماضية- في رأينا- هو أن المصريين سحبوا استقالتهم الجماعية من الاهتمام بمستقبلهم ومستقبل بلادهم. وكسروا حاجز الخوف. وخلعوا رداء السلبية والعزوف عن المشاركة.
***
لقد أصبح الناس رقماً حقيقياً. بل الرقم الأهم. في المعادلة السياسية.. والموجة الثانية للثورة المصرية- بصرف النظر عن التفاصيل- رسالة لكل من ي همة الأمر.