تجديد اليسار والاشتراكية وافاقهما المستقبلية


رسميه محمد
2004 / 12 / 20 - 13:33     

من الجدير الاشارة اليه أن مفهوم اليسار ذاته قد شهد تشكيكا متزايدا في فاعلينه الوضيفية في العقدين الاخيرين, والزعم بعدم جدوى التمييز التقليدي بين اليمين واليسار, وذلك بالاستناد الى حجج عديدة من بينها الزعم بموت الايديولوجيات , وقد حاول العديد من المفكرين دحض هذه الحجج ومنهم المفكر الايطالي بوبيو حيث أكد أن وصول المشاريع التغييرية التي حملتها قوى يسارية معينة الى طريق مسدود لايعني في نظره موت ايديولوجية اليسار. وأن معيار التمييز بين قوى تناضل من أجل ضمان المساواة بين البشر وقوى تسعى من أجل الحفاظ على أشكال اللامساواة القائمة بينهم , يظل هو المعيار الوحيد للتمييز بين اليسار واليمين الذي صمد أمام الزمن. ومن ناحيته لاحظ عالم الاجتماع الان تورين أن الصمت التاريخي الذي يحيط بنا لاتفسره قوة السيطرة التي تلف العالم فحسب ,بل هو ناتج ايضا عن قصور اليسار عن تقديم مقترحات ملموسة(1) . .مما تقدم نخلص الى أن المهام التاريخية الراهنة تبدو أكبر من قدرة اليسار في المدى الزمني المنظور. أي أن اعادة تكوين اليسار عملية مرتبطة بهذه المهمات ذاتها , فلكي يكون قادرا على لعب دوره التاريخي يحتاج الى تجديد يطال كل بناه الفكرية والسياسية والتنظيمية, واهم نقطة على جدول أعمال هذا التجديد انما تطال كما يشير د مروه ثلاثة امور—
الامر الاول- الديمقراطية, فالديمقراطية التي هي عملية صعبة, هي بالنسبة لليسار الان المسألة الاساسية. .أن عملية التجديد والمقرطة للاحزاب الحاملة لمشروع التغيير ضرورية وحاجة موضوعية باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى , لان الاحزاب كمؤسسات على الطراز اللينيني لم تعد صالحة لحركة التغيير في العصر الجديدهنا يصح التساؤل عن مفهوم الحزب من طراز جديد وتأتي الاجابة على السؤال من قبل بعض الباحثين والمفكرين والمؤمنين حقا بالتغيير,هو الحزب الذي يكون ديمقراطيا بالمعنى الدقيق للكلمة في حياته الداخلية.الامر الثاني الواقعية- فالواقعية تعني ,هنا عدم القفز فوق الظروف الموضوعية, وفوق المراحل و والالتزام ,في صياغة الخطط النضالية, بالمعرفة الدقيقة للواقع, لكي نكون قادرة على تغيير هذا الواقع نحو الافضل, وتوفر كل الشروط الضرورية لذلك. الامر الثالث- الفكر. والمقصود بالفكر هنا الفكر الاشتراكي , كفكر للتغيير , يستند الى العلم , اذ لابد من جهد لكي تصبح الاشتراكية , في ان معا أهدافا ممكنة التحقيق ,وطموحا للتغيير الكبير يجري النضال لتحقيقه في المدى الابعد(2). وفي هذا المجال أود ان اشير الى ان تجديد الاشتراكية باتت قضية مصيرية على صعيد الحزب نفسه من جانب وعلى صعيد المجتمع من الجانب الاخر, اذ أن قدرة التيار العلمي المبدع على التعبير عن نفسه وفرض مواقفه تضعف بل تمحو كلا من التيار العدمي والتيار المحافظ داخل الحزب. وفي جميع الاحوال برهنت التجربة أن التيار الاخطر بينهما هو التيار الذي يتوقف النضال ضده. لقد كانت البيروسترويكا مناسبة لانتعاش التيار العدمي الذي قامت القوى الاشتراكية الحقيقية بنضال جدي ضده . ومع انهزام هذا التيار نتيجة لتطور الحياة نفسها يمكن أن يظهر على السطح خطر التيار الثاني اذا لم تستطع قوى الاشتراكية العلمية أن تملأ الساحة وأن تجيب على الاسئلة التي تطرحها الحياة اليوم.من جانب اخر أن غياب البديل العقلاني المتمثل بالاشتراكية , عن الثقافة السياسية في المجتمع يساعد على نمو الحركات الرجعية التي تحتضن الامراض كالعنصرية والتفرقة بين الجنسين والاصولية باتجاهاتها التدميرية الحالية . اننا محكومين بالبحث عن الوسائل التي تعيد الى حركة الاحتجاج ضد الظلم والقهر والاستغلال بوصلتها ,وتحرر هذه الحركة من العناصر المدمرة فيها لصالح العناصر البناءة ولصالح العناصر الواعية فيها ضد العناصر العمياء.مما يجعل الدعوة الى نظام اجتماعي مختلف جوهريا أكثر ضرورة من أي وقت(3)
الافاق المستقبلية
ان قراءة مستقبل اليسار والاشتراكية يستوجب علينا كما يشير ميليباند,أولا- الاجابة على السؤال الاساسي التالي- ماهو العيب الجوهري في الرأسمالية . أولا- أن رفض الرأسمالية ينطلق من عوامل اقتصادية, اجتماعية , سياسية واخلاقية, وثييقة الترابط فيما بينها. ثانيا- وهو الاهم ,هناك البرهان على أن القضايا التي تدين الرأسمالية والنظام الاجتماعي الذي يحتضنها تشكل جزء جوهريا من نظامها,وذلك مهما بلغت التحسينات التي بأمكانه تحقيقها. ولذلك تعد فكرة ( رأسمالية ذات وجه أنساني) فكرة مشكوك فيها . فمن الممكن بالتأكيد تخفيف أشد مساوئ ومظالم النظام الرأسمالي ولكن من غير الممكن ازالة اللاانسانية المتأصلة فيه.لان لاانسانيته تكمن في جوهره(4). فالنظام الرأسمالي يتحدد ويتسم بثلاثة تناقضات اساسية هي باختصار. 1-علاقة انتاج أساسية (العلاقة الرأسمالية) تحدد وضعية معينة لاستلاب العامل ووضعية للقوانين الاقتصادية الرأسمالية.2- استقطاب عالمي لاسابق له في التاريخ. 3- عجز عن الحد من تدمير الموارد الطبيعية مما يهدد مستقبل البشرية. أن هذه التناقضات تجعل الاستمرار اللامحدود للانتشار الرأسمالي أمر مستحيل لعدم امكانية الرأسمالية التغلب عليها. حيث تحرم أولى هذه السمات المجتمع من الحد الادنى من التحكم في مستقبله بسبب اعطاء سلطة القرار ل(اليات السوق مما يدمر حكما الحياة الاجتماعية وتفرض على الشعوب القيود التي تتسم كلها بقانون المال من أجل المال وليس من اجل البشر(5) ويبقى التناقض جوهريا بين الوعد الذي يحمله التطور الهائل لقوى الانتاج من جهة,وبين الواقع اليومي الذي يواجهه العاملون باجور من جهة أخرى .لقد خلقت الرأسمالية, لاول مرة في تاريخ البشرية, امكانية ضمان حد أدنى لحياة كريمة امنة ماديا وكريمة أخلاقيا لجميع سكان الكوكب, ولكنها عاجزة ,بسبب جوهر طبيعتها وغاياتها ,عن تحويل هذا الوعد الرائع الى واقع(6). أن التحدي الحقيقي الذي تتصدى له الشعوب يتلخص في مقولة مفادها ضرورة تجاوز حدود الرأسمالية من أجل بقاء الانسانية. والخيار الحقيقي قد أصبح اليوم كالتالي أما أن تتيح النضالات الاجتماعية تجاوز منطق اليات الرأسمالية , وفي غياب ذلك سيؤدي فعل هذه الاليات الى انتحار جماعي للانسانية وتدمير الكرة الارضية(7) يشير ميزاروش أن الاتجاهات الحالية لتطور العالم , متجسدة بظواهر واضحة تستوجب النضال الجدي لوقف فعلها التدميري خلال العقود القادمة. ويؤكد أن مفهوم الطريق الثالث للديمقراطيين الاجتماعيينفي أوربا ليس الااوهام الاماني للحفاظ على نظام لايمكن تبريره,فالاستقطاب الاجتماعي بات في واقعنا الراهن أشد منه في أي زمن قبله. مما يدحض توقعات الديمقراطيين الاجتماعيين بزوال اللامساواة, أوعلى الاقل تقليصها عن طريق الضريبة التصاعدية. ويستنتج أن للحركات الراديكالية مستقبلا في كل العالم , بل أن الانسانية لامستقبل لها الا اذا كان لمثل هذه الحركات مستقبل. ان فناء البشر في نهاية المطاف سيتم عن استمرار الدمار الذي يحدثه رأس المال وحينذاك لن يكون العالم صالحا الا لحياة الصراصير, اذ يقال أن بوسعها تحمل الاشعاع النووي(8). أن المرحلة الانتقالية التي نحن فيها هي مرحلة صعبة وخطيرة ومعقدة لكن القوى الثورية في بلداننا وفي العالم لاتزال تمتلك رغم الهزات والخيبات والاحباطات القدرات الفكرية والنضالية على تجاوزها والخروج من أزمتها الراهنة. وكان مطلب المساواة الذي هو حجر الزاويةفي مفهوم اليسار, وراء انتزاع الحقوق الاجتماعية الاساسية, ولم ينته الامر عند هذا الحد,فقضية عدم المساواة بين الناس في كل بلد على حدة وعلى مستوى العالم ككل مازالت تطرح نفسها كمشكلة جدية , يظهر بعدها المأساوي في العالم الثالث خصوصا, لايمكن كما يقول بوبيو, أن نغمض أعيننا عن رؤية ثلثي أو أربعة أخماس أو تسعة أعشار سكان العالم يعيشون في حالة فقر . لهذا مازال تحدي الشيوعية قائما رغم سقوط نظمها , لان جوهر الصراع الذي يدور حول العدالة الاجتماعية أعمق بكثير من جولات التاريخ والسياسة في مواجهة هذه الحقيقة , يخلص بوبيو الى ان مثال المساواة هو النجم القطبي الذي يهدي اليسار في مهمته التي لم ينجزها بعد , ويكاد لم يباشر بها(9
الهوامش
1- د ماهر الشريف ث ج 292ص19 2- د مروه اليسار العربي وقضايا المستقبل عن الحوار المتمدن
3- الطريق اللبنانية العدد6 ص11
4- ميليباند-الاشتراكية لعصر ضحاك ص22
5- د سمير امين- نحو تجديد المشروع الاشتراكي-ص302 - 6- مصدر سابق 7- ث ج عدد 29 ص56 - 8- اشتفان ميزاروش-ث ج عدد 294 ص102 9- كامل شياع ث ج عدد293 ص 57