الانتخابات .. وثقافة الاستهانة


سعد هجرس
2011 / 11 / 15 - 16:02     

أحد عشر يوماً فقط لاغير.. تفصلنا عن اليوم الموعود، حيث من المفترض ان يتجه المصريون الى صناديق الاقتراع للإداء بأصواتهم فى أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير، وبعد عقود طويلة من تزوير إرادة المصريين و"طبخ" الانتخابات. وكان هذا التزوير الفج، أحد الاسباب الرئيسية لعزوف الغالبية الساحقة من المصريين عن المشاركة السياسية بكافة صورها، وفى مقدمتها العزوف عن المشاركة فى مهزلة الانتخابات.
بيد أن تحالف الاستبداد والفساد الذى حكم البلاد وتحكم فى العباد فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك استمرأ الاستخفاف بإرادة المصريين ووصل هذا الاستخفاف الى درجة "الاستهانة".
وهذه الحقيقة المريرة الأخيرة، مثلما كانت أحد أسباب الاستقالة الجماعية للمصريين من الاهتمام بالشأن العام سنوات وعقود طويلة فإنها كانت السبب فى اندلاع ثورة 25 يناير، وهذه هى الفكرة المهمة التى رصدها الدكتور سمير نعيم أحمد، أستاذ علم الاجتماع المرموق وأحد العلماء الذين أثروا البحث السوسيولوجى العربى على مدار أكثر من نصف قرن بالعديد من الكتب والدراسات النقدية الهامة، وهذا الإسهام الاكاديمى النزيه والشجاع يضع الدكتور سمير نعيم – عن جدارة واستحقاق – ضمن كوكبة صناع الثورة أو الغارسين لبذورها. وفى أحدث كتبه الذى صدر منذ أيام عن دار "انسانيات" بعنوان "ثورة 25 يناير وثقافة الاستهانة" يرى ان المصريين يثورون مثل غيرهم من شعوب العالم عندما تبلغ درجة استهانة نظام الحكم بهم كبشر حداً لا يمكنهم تحمله والصبر عليه، وعندما يتسع نطاق استهانة النظام الحاكم ليشمل كل مقدرات الوطن وامكاناته ومكانته وأيضا تاريخه وحاضره ومستقبله فنصبح إزاء ثقافة الاستهانة التى تشكل تهديداً لبقاء المجتمع واستمراريته. حينئذ يفقد الحاكم ونظامه مشروعيته.
وتطبيقا لهذا المفهوم يرى الدكتور سمير نعيم ان القاسم المشترك بين ثورة 23 يوليه 1952 وثورة 25 يناير 2011 هو "ان السبب الرئيسى لقيام الاثنتين هو استهانة النظام الحاكم بالانسان المصرى ومقدرات الشعب ونشره لثقافة الاستهانة بحيث تصبح نمطا للحياة فى المجتمع". وتفسيراً لذلك يرى عالم الاجتماع الكبير أن أوضاع مصر عشية 25 يناير عام 2011 تتشابه مع أوضاعها عشية 23 يوليه 1952 من حيث وصول الاستهانة بالانسان المصرى ومقدرات الوطن مداها، فقد انتشر الفساد فى كل مناحى الحياة فى مصر وأصبح فساداً مؤسسيا وبلغ الفساد السياسى مداه حتى وصل الى لتزوير العلنى لانتخابات المؤسسات التشريعية والى فجور أعضاء مجلس الشعب والشورى من الحزب الوطنى وارتكابهم جرائم الرشوة ونهب أموال البنوك بالقروض والتربح من مناصبهم.
***
وبوضع هذه التجارب المريرة فى الاعتبار فانه كان من المفترض ان يكون إجراء أول انتخابات بعد الثورة وبعد اجبار الرئيس السابق حسنى مبارك على التنحى ثم دخوله قفص الاتهام، ودخول كبار ترزية القوانين ومهندسى تزوير الانتخابات الى سجن مزرعة ليمان طرة.. كان من المفترض ان تكون هذه الانتخابات عيداً وطنياً مبهجاً.
لكن الملابسات المحيطة بهذه الانتخابات المنشودة أطاحت بالفرحة وزرعت الشكوك بدلا منها، لدرجة جعلت الكثيرين يظنون – وليس كل الظن إثم – أنها لن تبدأ أصلا، وإذا بدأت فانها لن تكتمل، وإذا اكتملت فإنها لن تكون معبرة تعبيرا حقيقيا ونزيها عن إرادة الامة فضلا عن أنها ستكون معرضة للطعن فى عدم دستوريتها، ومن ثم لالغاء البرلمان الشائه الذى أسفرت عنه..
وغنى عن البيان انه ليس المهم فقط إجراء الانتخابات، وإنما الأهم أيضا أن يكون هناك "رضا" جماعى عن نتائج هذه الانتخابات، و"ثقة" فى هذه النتائج من جانب المهزومين قبل الفائزين.
فما بالك وان هذه الانتخابات التى نساق إليها بعد أحد عشر يوما تجرى فى ظل انفلات أمنى لم تشهد البلاد له مثيلا، فضلا عن أن هذه الانتخابات تجرى وفق قواعد ليست فوق مستوى الجدل أصلا، أن لم نقل أنها كانت – ولازالت – موضع معارضة الغالبية الساحقة من "اللاعبين" والأعجب هو السماح لقيادات حزب حسنى مبارك بدخول المعمعة مسلحين بكل المزايا التى ورثوها، أو نهبوها، فى ظل نظام الاستبداد والفساد، وهو أمر لم يحدث فى أى ثورة فى مشارق الأرض ومغاربها، وكان الوضع الطبيعى أن يتم إصدار قانون للعزل السياسى لكل من ساهم فى إفساد الحياة السياسية قبل 25 يناير.
ورغم ان حكومة الدكتور شرف أعلنت مرارا وتكرارا ان هذا القانون سيصدر فى غضون ساعات إلا أن الشهور مرت دون أن يتحقق هذا الوعد الحكومى ودون أن يحسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة هذا التردد.
والنتيجة أننا أصبحنا على مشارف انتخابات لن يكون مفاجئا أن تسفر عن برلمان يهيمن عليه فلول حزب حسنى مبارك.
فهل لهذا مسمى أخر سوى ذبح الثورة بسلاح الانتخابات؟!