تأملات / أنقيم صلاة الوحشة على هذه البلاد !؟


رضا الظاهر
2011 / 11 / 14 - 19:42     


تأملات
أنقيم صلاة الوحشة
على هذه البلاد !؟


كأننا أمام لوحة عنوانها نوائب بلاد الرافدين ورسّامها معلوم .. والأزمة في هذه البلاد ليست مؤقتة أو عابرة بل عميقة الجذور. فلسنا أمام حكومة مأزومة حسب، إنما أمام أزمة نظام حكم لابد أنها تشكل تعبيراً عن جوهر الأزمة الاجتماعية العميقة التي تعاني منها البلاد والتي نجد تجلياتها متجسدة، من بين مظاهر أخرى، في التدهور الأمني، والمعاناة المتفاقمة على صعيد الاقتصاد ومصاعب المعيشة وغياب الخدمات وتفشي الفساد والبطالة، وانتهاك الدستور والتضييق على الحريات، ناهيكم عن غياب الثقة بين القوى السياسية المتنفذة. ويرتبط هذا الواقع المأساوي بمأزق نظام الحكم المستعصي، وهو ما يؤدي، لا ريب، الى الشعور بالاحباط من جانب الملايين من الناس، وخصوصاً المحرومين، ويأسهم من امكانية إخراج البلاد من أزمتها، وهي الأزمة المتعاظمة التي يكمن أساسها في منهجية المحاصصات الطائفية والاثنية.
وجلي أن الأزمة بدأت تدخل مرحلة جديدة من الاستعصاء حيث تتعمق أزمة النظام وتمضي في طريق تفاقمها، بينما تمضي معاناة الملايين في الطريق ذاته، ويمضي السياسيون المتنفذون في طريقهم المحفوف بالمخاطر والالتباسات والصراع على المصالح الضيقة وجني المكاسب على حساب بؤس المحرومين واللامبالاة بمصائرهم، والتمسك بنزعة الاستحواذ وتهميش وإقصاء "الآخر"، والتشبث بنمط التفكير العقيم و"التسييس" حسب الحاجات المقيتة، والمضي في نهج غير محمود العواقب يدفع البلاد الى حافة الهاوية، وهو ما يجعل مزيداً من المحللين يحذرون من احتمالات توجه البلاد الى نمط جديد من الدكتاتورية يمكن أن يكون مقدمة لاعادة انتاج الاستبداد.
أما القوى السياسية المتنفذة التي توغل في ممارسة منهجية المحاصصات، وتلجأ الى المساومات وصفقات الكواليس وشراء السكوت المتبادل، فهي المستفيدة قطعاً من إدامة الأزمة، لأنها حاضنة المحور الرئيسي الحاسم الذي يدور حوله الصراع، ونعني به امتيازات السلطة والمال والنفوذ.
وعلى أن ممثلي القوى السياسية المتنفذة يحرصون على إعطاء مواقفهم ودعواتهم مظهر الحرص الشديد على المصالح الوطنية ومصائر العملية السياسية فان هؤلاء الممثلين يتفقون، على الرغم من كل اختلافاتهم، على حقيقة أنهم لا يبالون الا بامتيازات السلطة، ويرفضون الاعتراف بحقيقة أنهم، بمنهجيتهم ونمط تفكيرهم وسلوكهم، هم المسؤولون عن الأزمة وتداعياتها وعواقبها المأساوية، فهم الذين خلقوها وباتوا أدوات لإدارتها، وأنهم عاجزون عن إبعاد البلاد عن شبح المخاطر الجسام التي تهددها.
وفي حمى الصراع المتفاقم بين المتنفذين يتصاعد تبادل الاتهامات الى حد أن رئيس الوزراء نفسه يتهم شركاءه في الحكومة بأنهم يسلكون سلوك المعارضة، وتطلق التصريحات التي تكشف، على سبيل المثال لا الحصر، عن الأجواء المتوترة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، بينما يهدد البعض باقامة أقاليم على أسس تبدو طائفية.
وفي سياق تجليات الأزمة نجد أنفسنا أمام "زوبعة" الأقاليم حيث يبرز موقفان كلاهما انفعالي مسيس، مستهتر بالدستور والواقع، موقف الحكومة الاتحادية ذات النزعة المركزية المفرطة، وموقف حكومة صلاح الدين المحلية التي أخفقت، شأن سواها من حكومات المحافظات، في إنجاز مهامها والوفاء بوعودها. وقد أدى هذان الموقفان الخاطئان الى إثارة مطالب ليست في أوانها من جانب محافظات أخرى، وليس من دون "تعاطف" اقليمي ودولي.
ومن المؤكد أن"زوبعة" الأقاليم ليست معزولة عن عوامل عدة بينها حملة الاعتقالات ضد البعثيين، التي لم تخل من التباسات وانفعالات وتوظيف "سياسي" من قبل مختلف الأطراف المعنية. ويرى محللون، عن حق، أن هذه "الزوبعة" ستسهم في تعميق الصراع الطائفي، وهو تصعيد ناجم عن تراكمات مرتبطة بالتناقضات العميقة بين القوى السياسية المتنفذة في ظل سيادة منهجية المحاصصات. كما أنها ليست معزولة عن مشاريع اقليمية ودولية، بينها، على سبيل المثال لا الحصر، مشروع بايدن القاضي بتقسيم البلاد. وتأتي كل هذه التطورات وسط تصاعد الصراعات بين القوى السياسية المتنفذة، وخصوصاً دولة القانون والقائمة العراقية، والمواقف شديدة التباين من الانسحاب الأميركي، والمخاوف من عواقبه وتداعياته الخطيرة في ظل الاستعصاء السياسي الراهن.
إن الملايين يشعرون بالاحباط والخذلان جراء تفاقم الأزمة السياسية والاجتماعية وتعاظم معاناتهم وتجاهل إرادتهم. وليس من حق أحد، أياً كان، أن يطالب الضحايا الذين تطحنهم رحى المعاناة أن يواصلوا الاذعان للحرمانات والصمت على ما يقترف من آثام قلّ نظيرها.
* * *
هذه البلاد تركوها وحدها تواجه مصيرها، فقد تخلى عنها "حماتها" المنشغلون بصراعهم على الكراسي سعياً الى مغانمهم و"جنات خلدهم" ..
ما الذي يفعلون ؟ متى تنتهي اللعبة، ومتى يخرج المتصارعون من الحلبة ؟ أنقيم صلاة الوحشة على بلاد أثقلتها النوائب وظل أهلها من رافديها بلا نصيب ؟
يا للضمائر لا تصحو، ويا للمحرومين لا ينهضون من خنوع .. ما لهم لا يطلقون نداء التغيير، ويقرعون أجراس التحدي من أجل العراق !
هذا السخط المتعاظم ينبغي أن ينتقل الى الشوارع، ليتحول الى شرارة تشعل لهيب احتجاج متعاظم وفعل اقتحامي يهز عروش من لا يبالون بمعاناة الناس ..
من دون هذا السبيل ستظل البلاد ماضية الى حتفها .. وعلى الرافدين السلام !