الغريب والمثير في .. عبد المطلب بن هاشم


عماد البابلي
2011 / 11 / 9 - 12:50     

( 1 )
مستشفى المدينة يعلن على مناقصة بأمر وزاري قادم على وجه السرعة من وزارة الصحة ( هذا النوع من الأوامر يأتي بسرعة وينفذ بسرعة !! ) المناقصة تتحدث عن تكليف شركة مقاولات لتنظيف المستشفى ، رست المقاولة على مقاول يلقبونه بالسيد ( أي ينتسب للحسين بن علي ومن ثم لعبد المطلب ) ، المقاول السيد باشر بالتنظيف وطبعا لم أقل بأن عمله غير جيد ، بل كان المستشفى براقا من ناحية النظافة ، لكن هناك شيء غريب ، أغلب عمال التنظيف والبالغ عددهم 160 عامل ممن يعانون من نسب ذكاء منخفضة تحت ألــ 40 % في مقياس ألــ IQ .. البلادة واضحة جدا عليهم والحمدلله ، كانوا يعملون كل شيء وأي شيء في ضحكات رائعة ( العبيد ) ، أكلهم كان من فضلات أكل المرضى ، المقاول يعطيهم بالشهر حوالي 120 دولار ....... هل كانت صدفة ؟؟ أم ترتيب مسبق تم في تلافيف دماغه القريشي الذكي ؟؟

( 2 )
قال عبد المطلب : إني نائم في ( الحجر ) إذا أتاني آت فقال أحفر طيبة ، قلت ما طيبة ؟ ، ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال : احفر برة ، قلت وما برة ؟ ، ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال : احفر زمزم ، قلت وما زمزم ، قال : لا تنزف أبدا ولاتذم ، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم عند نقرة الغراب الأعصم ، عند قرية النمل )
السيرة النبوية – بن هشام – صفحة 167
الحلم جاء على طريقة سجع الكهان ، اللغة المليئة بالرموز والألغاز ، اللغة الأقوى تأثيرا في النفوس والعقول ، رنين مقنع جدا يرغم المستمع على الاستجابة له .. هذا الحلم الذي جاء لعبد المطلب ، وعبد المطلب من الشخصيات الرائعة في التاريخ العربي ، حيث كان سيدا من سادة قريش يجمع بين القداسة الدينية والأمارة الدنيوية ، كان عبد المطلب في موضع أخر يدين بالحنفية وهي كما تتحدث عنها كتب التاريخ ليست دين واضح المعالم ولكن مجمل تعاليم أخلاقية خاصة تؤكد على الصفاء مع إله واحد وحسن الخلق وتطبيق ماجاء في الوصايا العشر لموسى من الوفاء بالنذر ومنع نكاح المحارم وتحريم الزنا وكان يمنع بشدة في مكان أخر الطواف حول الكعبة دون ملابس ، أنتشر طقس التعري أثناء الطواف في المائة الأخيرة من قبيل ولادة النبي محمد ، ولكنها اختفت واضمحلت دون أن يلحقها النبي ويعايشها ، كان الأحناف يتعبدون طوال شهر رمضان في كهوف معزولة عن مكة ، يقتضي هذا التعبد ممارسة طقوس قاسية من العزلة ، من هذا وتجمع كتب التاريخ كلها أن عبد المطلب كان رجلا صاحب عقيدة وتلك السمات التي ذكرناها عنه لم تكن مستعارة أو مصطنعة ...

( 3 )
ولكن !!!! هناك فكرة يجب أن أوردها قبل أن كمل باقي المقالة ، لايوجد خير مطلق أو شر مطلق ، الحياة التي نعيشها وعاشها عبد المطلب أو حتى في أزمن ما هي نسيج معقد من التداخل في الدراما ، الخير في هذه اللحظة ولكن قد يتحول في يوم أخر لشر ، وطبعا بعض محبي الجدل قد يتسألون عن ماهية الخير والشر أصلا وكيف تتم عملية التحديد ؟؟ هنا ليس موضوعنا في المقالة ولكن علميا ( الديالكتيك الماركسي ) يؤكد على عدم الثباتية واللادقة ( من المفهوم الفيزيائي الشهير لهاينزبرك ) ، اللادقة هي مفتاح فهمنا للكون ، وتبقى اللحظة الزمنية هي المقياس الحقيقي والمطلق للأشياء ( حسب باشلار ) وحسب أينشتاين في موضع أخر تتغير الأجسام كثيرا في كيفيتها حسب عامل الزمن ( مثلا ( الإليكترون في الثانيةA هو غيره في الثانية B ) .. هذه الفكرة قد تساعد على فهم التناقض الكبير في هذه الشخصية المعقدة بين أفكارا متناقضة في خيرها في موضوع وشرها في موضع أخر .
لنكمل باقي الحكاية ..

( 4 )
نرجع مرة أخرى لعبد المطلب وقصة حلم أخر مرت بها هذه الشخصية الغريبة التي كانت البداية لولادة قريش كحزب سياسي مزج بين الدين والسياسة ، الحلم الثاني هو كالأتي : أني رأيت الليلة وأنا نائم كأن شجرة نبتت وقد نال رأسها السماء فضرب بأغصانها المشرق والمغرب ومارأيت نورا أزهر منها ، أعظم من نور الشمس بتسعين ضعفا ، ورأيت العرب والعحم ساجدين لها وهي تزداد كل ساعة برقا ، ورأيت رهطا من قريش قد تعلقوا بأغصانها ورأيت قوما من قريش يريدون قطعة منها ، فإذا دنو منها أخرهم شاب لم أر قط أحسن منه وجها ولا أطيب منه ريحا ، فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم ، فرفعت يدي لأتناول قسما فقال لي : لانصيب لك منها ، فقلت : ومن له نصيب ؟ فقال : النصيب لها ولمن تعلقوا بها وسبقوك أليها ، فانتبهت مفزوعا )
الوفاء بأحوال المصطفى – الأمام الجوزي – صفحة 79
ذهب عبد المطلب في صباح اليوم التالي لكاهنة قريش لتفسر له هذه الرؤيا الغريبة ، قالت له بأن يخرج من صلبك رجلا يملك المغرب والمشرق .. هذا الحلم الثاني من سلسلة أحلام عبد المطلب التي أستخدمها في أعطاء هالة سماوية مقدسة لقريش فيما بعد .

( 5 )
نأتي لحلم أخر وهو الأخير ضمن ما روي عن عبد المطلب وقد تكون هناك أحلام غيرها ولكن لم تأتي لنا خبرها ( !!! ) ، الحادثة الثالثة ولم تكن حلما بل نذرا من هاتف سماوي أمره في لحظة صحو هذه المرة ، النذر كان بأن عبد المطلب يذبح أحد أولاده أذا أكتمل عددهم للعشرة ، ومع السنين صار عند عبد المطلب عشرة ذكور وكلهم من شجعان العرب وفرسانهم ، حان الوقت للوفاء بالنذر القاسي على عبد المطلب ، طبعا هو متردد في قضاء مافي الذمة ، لكن عبد المطلب خرج من المأزق ببراعة كبيرة ، أخذ أحد أبنائه وبيده سكينة وبشكل معلن وبالقرب من أهم أصنام قريش ( أساف ونائلة ) ، أجتمع القوم عنده وطبعا منعوه وتحكموا للكهنة فأخبروه بذبح كبش مكان أبنه ( !!!!!!!!! ) ، القصة مشابه جدا لما حدث مع إبراهيم وولده الذبيح ( إسحاق أو إسماعيل ) ، لفهم العلاقة أكثر بين القصتين هو أن أم عبد المطلب كانت من بني الخزرج ، وتلك القبيلة كما هو معروف كانت تقيم مع اليهود في يثرب ، هنا تسربت القصة في الثقافة اليهودية لأم عبد المطلب إليه ، إعجابه اللاشعوري بالقصة كان هو السبب في كل هذه المسرحية التي حدثت في لاوعي عبد المطلب ( البحث عن القداسة كمطلب لطفولة غير متحققة عند عبد المطلب حسب التحليل النفسي ) .. الغريب في قصة الذبح هو أن عبد المطلب كان موحدا حنيفا يرفض الشرك بالله ، فلماذا ذهب لنائلة أذن ؟؟!! .. تلك الحوادث الثلاث تثبت لنا كم كان عبد المطلب ذكيا وحكيما في التعامل مع الناس ، عرف من أين تؤكل الكتف تماما ، كانت حياته هي تمهيد جليل لدولة قريش التي حكمت العرب من القرن السابع الميلادي ولحد هذه اللحظة ، الإمبراطورية القريشية خالدة أبد الدهر كما جاء في الصحف القديمة والحديثة ، من عبد المطلب وحتى أخر السلالة من الحكام العرب الذي أنتسب أغلبهم لبني هاشم .

( 6 )
يتيح الجهل للمرء مجال واسع من الخيارات
جورج أليوت
كاتبة وروائية أنكليزية