لا أحد ينام فى مصر!


سعد هجرس
2011 / 10 / 26 - 17:52     

نقر ونعترف ونبصم بالعشرة على أن الانتقال من حكم استبدادى فاسد ابتليت به البلاد لسنوات وعقود طويلة، ليس مسألة هينة، وان هناك تحديات هائلة ومشكلات كبيرة تواجه هذا الانتقال.
كل هذا نعرفه ونسلم به.. لكن مالا نفهمه ان تمر تسعة شهور منذ اندلاع الثورة فى 25 يناير حتى الآن ونحن ندور فى نفس الحلقة الجهنمية المغلقة ولا نتقدم خطوة واحدة الى الأمام.
ورغم ان وضع "محلك سر" هو سيد الموقف فى كل المجالات، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية، فان هناك أمريكن لا يمكن قبول مزيد من التلكؤ أو التسويف فى معالجتهما.
الأمر الأول يتعلق بأحد الاحتياجات، الأساسية للانسان ألا وهو الاحتياج إلى "الامان" بمعناه الشامل، فحتى الحق فى الحياة مرتبط بمدى توفر الأمن إلى حد بعيد، ولا معنى للحديث عن انتخابات أو تحول ديموقراطى أو عمل سياسى بأى صورة من الصور دون استتباب الامن، ولا جدوى من الثرثرة حول دفع عجلة الانتاج واستعادة السياحة والحيلولة دون انهيار الاقتصاد أو اندفاع البلاد الى حافة الافلاس إذا كان الامن غائبا أو مفقداً، ولا مجال لاى نشاط انسانى – بالمطلق – فى ظل الفوضى والانفلات وغياب التطبيق الحازم والنزيه للقانون.
ومع وضوح هذه الحقيقة البديهية وضوح الشمس فإن النخبة الحاكمة وغير الحاكمة، ماضية فى الثرثرة حول كل القضايا الكبرى والصغرى غير عابثة بتحقيق تقدم ملموس فى معضلة الانفلات الامنى رغم الاعتراف العام بأن فاتورة هذا الانفلات الأمنى باهظة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فلماذا لا يحدث تقدم.. وإلى متى يستمر هذا الانفلات الخطير .. وعلى من تقع مسئولية هذه "الثغرة" التى لا تقل خطورة عن الثغرة الاسرائيلية أثناء حرب أكتوبر المجيدة.
المسئولية واضحة وتتحملها بصورة مباشرة حكومة الدكتور عصام شرف ويتحملها بصورة غير مباشرة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى عين هذه الحكومة، ثم أصر على بقائها رغم إخفاقاتها الكثيرة .
وإذا كانت حكومة الدكتور عصام شرف، واللواء الطيب منصور العيسوى غير قادرة على القيام بهذه المهمة فلماذا التمسك بها فى عناد يذكرنا بعناد حسنى مبارك ورفضه الاستماع إلى مطالب التغيير؟!
ولماذا التلكؤ فى نقل هذه المهمة التى لا تحتمل التأجيل، إلى من يستطيع القيام بها.. وما أكثر الكفاءات المصرية القادرة على ذلك؟
***
الأمر الثانى الذى لا يحتمل الانتظار أيضا هو الأول المعيشية للطبقات الشعبية المصرية، بل والطبقة الوسطى أيضا، التى وجدت نفسها فى وضع أسوأ مما كانت عليه قبل 25 يناير، وليس من المعقول مطالبة الناس باستمرار ربط الأحزمة على البطون فى انتظار انتخابات لا أحد يعلم إذا كانت ستحدث أصلا أم لا، وإذا بدأت هل تمر بسلام أم لا، أو فى انتظار حسم جدل لا نهاية له عن دستور منشود، ثم إجراء انتخابات رئاسية.
كل هذا مطلوب.. لكن هل يمكن ان نقول لملايين الفقراء تحملوا الجوع بروح رياضية، وغير "فئوية" حتى يتم ذلك كله؟
والخطوات المطلوبة كثيرة، من بينها إطلاق سراح آلاف الفلاحين المحبوسين بسبب قروض تافهة من بنك التنمية والائتمان الزراعى وإسقاط ديون الفلاحين، وإنشاء بنك للفلاح يساعد المزارع ويشارك فى تنمية القرية التى عانت طويلا من الإهمال والحرمان, ومن بينها تصحيح هيكل الأجور المختلف وإذا كانت الحكومة تتعلل بصعوبة تمويل زيادة ملموسة للحد الأدنى للأجور فما هو عذرها فى التقاعس عن إقرار حد أقصى لا يتجاوز عشرون ضعفا للحد الأدنى، ولماذا التلكؤ فى توفير موارد أخرى للموازنة العامة للدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية مثل الضريبة التصاعدية والضرائب على مضاربات الأموال الساخنة فى البورصة وغير ذلك.
إذن.. المسألة عجز الإمكانيات.. بقدر ما هى العجز فى الخيال والإدارة السياسية .. وهو عجز أخطر من العجز فى الموازنة العامة للدولة.
والحكمة العربية المأثورة تقول "اثنان لا ينامان.. الخائف والجائع".
ونتيجة الأداء السيئ لإدارة البلاد بعد 25 يناير فانه "لا أحد ينام فى مصر" – مع الاعتذار للأديب الجميل إبراهيم عبد المجيد ورائعته "لا أحد ينام فى الإسكندرية" – لأن الأغلبية الساحقة من المصريين إما خائفة لافتقاد الأمن وإما جائعة .. بسبب تركة حسنى مبارك وأداء حكومة شرف.