سجن أبوغريب علي أرض مطار القاهرة!


سعد هجرس
2011 / 10 / 21 - 16:39     

في الخامس من أكتوبر.. توجهت إلي مطار القاهرة الدولي بصحبة الشاعر الكبير سيد حجاب للحاق بالطائرة التي ستقلنا إلي العاصمة النمساوية «فيينا» لمشاركة الجالية المصرية هناك احتفالاتها بأول ذكري لحرب السادس من أكتوبر بعد ثورة 25 يناير. كان كل شيء هادئا.. والإجراءات تجري بسلاسة ويسر.. لكن موعد إقلاع الطائرة، الذي كان مقررا أن يكون في العاشرة والنصف صباحاً، تأخر.. وهذا أمر مألوف (لدينا نحن المصريين بالطبع). لكن التأثير عن حده.. ساعة.. ساعتين.. ثلاث.. دون تفسير! وأخيرًا.. جاء المسئولون عن الخطوط الجوية النمساوية وقالوا إن السبب هو عدم وصول الطائرة القادمة من فيينا بسبب إغلاق المجال الجوي لمطار القاهرة نظرا لإجراء بروفة لاحتفالات القوات الجوية في اليوم التالي بانتصار أكتوبر. وطالبونا بالصبر. لكن: لا بأس.. فلننتظر ساعة أخري.. لكن الساعة أصبحت ساعات!! ثم جاءنا تفسير جديد للتأخير علي لسان مسئولي الخطوط النمساوية أيضا. لأن المسئولين عن مطار القاهرة التزموا الصمت. والتفسير الجديد يقول إن المراقبين الجويين قرروا الإضراب عن العمل وبهذا تعطلت حركة الاقلاع والهبوط وأصيب المطار بالشلل. ماذا يعني هذا يا سادة؟ قال لنا المسئولون عن «النمساوية»: لا نملك شيئًا سوي انتظار أخبار أخري. وفي انتظار الأخبار.. تحول المطار إلي «سويقة».. الركاب من كل الجنسيات يفترشون الطرقات، والسيدات والأطفال حالهم «يصعب علي الكافر». ثم ظهر بصيص من أمل: المراقبون المضربون وافقوا علي إقلاع طائرة كل ساعة.. ووفق هذا الجدول ستقلع طائرتنا في العاشرة والنصف مساء، أي بعد 12 ساعة من موعدها الأصلي. وبعد أن رضينا بالمر.. لم يرض المر بنا.. فحتي هذا الموعد تحول إلي سراب. ولم يجد المسئولون في شركة الطيران النمساوية حلا سوي نقل الركاب إلي فندق قريب من المطار بعد أن حصلوا علي موعد جديد في التاسعة والنصف صباح اليوم التالي.. و معني ذلك إنزال الحقائب من الطائرة وحملها إلي الأتوبيس في السادسة والنصف صباحا.. ثم الذهاب إلي المطار والقيام بكل إجراءات السفر مرة أخري، مضافا إليها أن دخول المطار هذه المرة أصبح مهمة شبه مستحيلة بسبب الزحام الخانق. لكن كل هذا التعب يهون من أجل الوصول إلي الطائرة التي ركبناها بمعجزة ومع ذلك غادرناها مرة أخري بعد ساعتين من الانتظار داخلها في انتظار موعد جديد!! وأخيرًا.. حان موعد الإقلاع في الخامسة مساء.. وبعد أن اخترقت الطائرة السحاب وغادرت مطار القاهرة فوجئنا بتصفيق الركاب الأجانب وكأنهم غادروا معتقل جوانتانامو أو سجن أبوغريب!! ***** هذه التفاصيل المملة وغير المفيدة.. أزعجنا بها القارئ لعلها تعطيه صورة ـ ولو تقريبية ـ للعذاب الذي لقيه آلاف المسافرين من جميع الجنسيات، والذي لابد أنهم حملوا مع حقائبهم ذكريات غير سارة عن بلادنا. وليس السبب في هذه الانطباعات السيئة حدوث إضراب.. فكل مطارات العالم تحدث بها إضرابات. لكن المشكلة لدينا مزدوجة: فمن جانب المراقبين الجويين الذين قاموا بالإضراب.. نلاحظ أنهم لم يراعوا الأصول المتبعة في مثل هذه الحالات، من بينها الإعلان المبكر عن موعد الإضراب، ويكون ذلك في الغالب قبل الإضراب بأسبوعين أو أكثر، لإعطاء الفرصة ليس فقط للتفاوض حول مطالبهم وإنما أيضا للركاب لكي يرتبوا أمورهم سواء للسفر بوسائل أخري أو إلغاء السفر أصلاً. وعلينا أن نتصور مثلا أحد المرضي الذي حجز موعدا لإجراء جراحة عاجلة في أحد المستشفيات الأوروبية.. ماذا عساه يفعل في مثل هذه الظروف التي تحدثنا عنها؟!. هذا الواجب، لم يقم به المضربون.. وفوجئنا بإضرابهم رغم أننا من أهل الإعلام! ومن جانب آخر هناك واجبات علي المسئولين في المطار، سواء بالنسبة لعملهم علي عدم وصول الأمور إلي طريق مسدود لا يجد فيه العاملون بديلا عن الإضراب، أو سواء لمسئوليتهم عن تقديم المعلومات للمسافرين بشفافية وسرعة وتقديم بدائل، سواء من خلال توفير مطارات بديلة أو خلافه.. وهو ما لم يحدث حتي أصبح مطار القاهرة مثل إحدي محطات قطار الصعيد التي يعاني منها أهلنا الصعايدة منذ إنشاء السكك الحديدية وحتي الآن. والشكوي من سوء إدارة الأزمة ليست ما نقصده من هذه السطور، وإنما المطلوب هو محاسبة المسئولين عن هذه المهزلة من بدايتها إلي نهايتها، والفشل الذريع في التعامل الخلاق مع حلقاتها، مما أدي ـ ضمن ما أدي ـ إلي أن يصفق المسافرون الأجانب لمغادرتهم جحيم مطار القاهرة. وأظن أن هذه المسألة ليست مقتصرة علي المطار وإنما تمتد إلي السياسة والاقتصاد وإدارة عموم شئون البلاد التي سجلت فيها حكومات ما بعد الثورة فشلاً ذريعاً.. لا يمكن قبوله أو تبريره أو التسامح معه.