حول الموقف من الانتخابات الرجعية


عزالدين بن عثمان الحديدي
2011 / 10 / 17 - 17:12     

إن الموقف الماركسي اللينيني من الانتخابات الرجعية لا يتمثل في المقاطعة بصفة مطلقة ومهما كانت الظروف ولا في المشاركة فيها بصفة مطلقة ومهما كانت الظروف. عندما يشارك التنظيم الشيوعي البلشفي في انتخابات رجعية يجب أن تكون مشاركته في تلك الانتخابات مشاركة ثورية، وعندما يقاطعها يجب أن تكون تلك المقاطعة ثورية. الموقف يحدّده التحليل الملموس للواقع الملموس، أي تحليل ميزان القوى بين الطبقات في ظرف معين، وحالة النضال الجماهيري هل هو في حالة مدّ أم في حالة جزر؟،وهل تمّ إنشاء حزب الطبقة العاملة الثوري الذي يحقق وحدتها الإديولوجية والسياسية ويضمن عدم تفسخ وخيانة العناصر المرشحة ( لنتذكر جيدا خيانة بعض المناضلين في إتحاد الشغل وتحولهم إلى زعماء بيروقراطيين)...الخ

عندما يقرر التنظيم الشيوعي البلشفي المشاركة في انتخابات معينة يعلن موقفه بكل شجاعة ثورية ويستعدّ لتلك المشاركة حتى تكون ثورية حقا. وما معنى أن تكون المشاركة في الانتخابات ثورية؟ المشاركة الثورية في الانتخابات الرجعية تعني استخدام الحملة الانتخابية والأطر العلنية التي تتيحها من أجل الاتصال المباشر بأوسع الجماهير وممارسة التحريض والتشهير السياسي من أجل حثّ تلك الجماهير على مواصلة النضال الثوري. وإذا "نجح" بعض كوادر التنظيم الثوري في الوصول إلى المجلس الرجعي، تكون مهمتهم فضح المناورات والمؤامرات التي تحاك في ذلك المجلس وتبليغها إلى أوسع الجماهير حتى تقتنع برجعية ذلك المجلس وتنخرط بصورة أوسع في النضال الثوري. ولتحقيق هذه المشاركة لا بدّ من تشكيل قائمات من عناصر ثورية حقا لها قدرات على التحريض الجماهيري ومضمونة من حيث إخلاصها للبرنامج الثوري لا قائمات أغلبها مكون من إصلاحيين و"متدينات متحجبات" !!!! هؤلاء سيكونون عاجزين على ممارسة التحريض الثوري، وإذا "نجحوا" في الانتخابات ستكون قابليتهم لخيانة برنامج التنظيم كبيرة. قد يتحجج البعض ويقول لنا عندما يكون التنظيم ضعيفا من الأحسن عدم المجازفة بكثير من العناصر. ولكن هذا القول مردود على أصحابه لأن مثل تلك القائمات الإصلاحية-المتدينة الممزوجة ببعض العناصر "الثورية" تشوه سمعة التنظيم الثوري ولن تحقق المطلوب وهو المشاركة ثورية مثلما ذكرنا. في هذه الحالة يكون الموقف الصحيح عدم المشاركة وتدعيم بعض القوائم الديمقراطية التقدمية وإن كانت لا تملك الوضوح الثوري، باعتبار أن العدو الرئيسي هوالامبريالية وحلفائها ممثلي البرجوازية الكمبرادورية وكبار الملاكين العقاريين.

عندما يقرر التنظيم الشيوعي البلشفي مقاطعة الانتخابات الرجعية فإن ذلك ينتج عن تحليل ملموس للواقع الملموس، كأن يكون النضال الجماهيري في حالة مدّ وبالتالي المطروح يكون تصعيد ذلك النضال وتوسيعه وإعطاؤه طابعا ثوريا لا قطعه وتهدئته بالانتخابات التي تلجأ إليها القوى الرجعية للالتفاف على انتفاضة الجماهير وتجميل نظامها القمعي العميل. كذلك يقاطع التنظيم الشيوعي البلشفي الانتخابات الرجعية عندما يلاحظ أن القمع البوليسي والتضييق على الحريات هما إلى درجة تمنع استغلال الحملة الانتخابية لفضح المهزلة الانتخابية وتحريض الجماهير على النضال الثوري. قرار المقاطعة يكون ثوريا عندما يتخذ في الإبان أي قبل موعد الانتخابات بمدة كافية حتى يتسنى للقوى الثورية الدعاية لموقفها وشرحه للجماهير وتحضير تلك الجماهير للمقاطعة وتحريضها على مواصلة النضال الثوري وكنس الانتخابات الرجعية.

إنه لمن أبشع أنواع الانتهازية والجبن السياسي الخليق بالبرجوازيين الصغار، ذلك الموقف الذي تتخذه بعض التنظيمات اليسارية من " انتخابات المجلس التأسيسي " في تونس والذي يمكن تلخيصه كما يلي : "هذه الانتخابات مهزلة، سنشارك فيها في قائمات مستقلة مع بعض الاصلاحيين والمتدينات لكي نفضحها... وربما نقاطع تلك الانتخابات في آخر لحظة".