ليالي -الثورة- في فيينا


سعد هجرس
2011 / 10 / 15 - 17:40     

منذ 38 عاماً أذهل المصريون العالم بأداء بطولي وإبداعي رائع في السادس من أكتوبر حققنا بفضله "عبوراً" عظيماً. ليس فقط لقناة السويس وخط بارليف وإنما أيضاً لوصمة الهزيمة وصلف العدو الإسرائيلي واستهانة حلفائه الاستراتيجيين.. ثم حدثت "الثغرة" والإدارة السياسية السيئة التي أهدرت الكثير من المكاسب الكبيرة التي حققها الجيش المصري العظيم ومن ورائه الشعب بأسره. ثم أدي التخبط السياسي إلي تداعيات متلاحقة وتدهور متسارع انتهي بتراجيديا اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات كما هو معروف.
ثم جاء حسني مبارك في هذه الظروف الغامضة ليجلس علي عرش مصر. وعبر ثلاثين عاماً من حكم تحالف الاستبداد والفساد تحول الاحتفال السنوي بذكري حرب أكتوبر إلي مناسبة مملة جداً. حيث تم تزويد بطولات هذه الحرب واختزالها في "الضربة الجوية الأولي" وشخص مبارك وتجاهل ما عدا ذلك. ثم الاكتفاء بعرض فيلم "الرصاصة لا تزال في جيبي"!
هذا العام تغيرت الأحوال.. فهذه أول احتفالية بذكري حرب السادس من أكتوبر تأتي بعد ثورة 25 يناير وخلع حسني مبارك في نفس اليوم الذي ودعت فيه الملايين من المصريين سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة أثناء الحرب وأحد أبطالها الأساسيين الذين أبعده السادات وسجنه مبارك.
ومثل حرب أكتوبر التي حققت "العبور" الأول جاءت ثورة 25 يناير لتعطي الأمل في "عبور" ثان من الاستبداد والفساد إلي إرساء دعائم دولة الحق والقانون.
وعلي المستوي الشخصي شاءت المصادفات رفع سقف إثارة الاحتفال بأول ذكري لحرب أكتوبر بعد ثورة يناير. حيث تلقيت دعوة- أنا والشاعر العبقري سيد حجاب- لمشاركة الجالية المصرية في فيينا الاحتفال بهذه المناسبة.. ومنذ لحظة وصولنا إلي مطار القاهرة تأهباً للسفر وحتي لحظة كتابة هذه السطور كانت كل التفاصيل موحية وبالغة الدلالة.
***
في مطار القاهرة كان كل شيء هادئاً في البداية صباح يوم 5 أكتوبر.. وبعد تأخير ساعتين عن موعد الإقلاع دخلنا إلي الطائرة. لكن الانتظار طال حتي جاءنا صوت "الكابتن" ليخبرنا بأننا سنهبط مرة ثانية لأن المجال الجوي مغلق بسبب بروفات الاحتفال العسكري بالسادس من أكتوبر في الغد. ثم زاد الموقف تعقيداً بسبب إضراب المراقبين الجويين. وكانت نتيجة ذلك كله انتظار امتد 25 ساعة. الأمر الذي يعني تأخرنا عن اللقاء الأول المقرر لنا في النمسا مع المصريين.
***
المهم.. أننا وصلنا بعد عناء وقام المسئولون بتعديل جدول المواعيد.. وفي اليوم الأول كان اللقاء في مقر المكتب الثقافي المصري بحضور السفير المصري خالد شمعة والقنصل العام شريف لطفي والملحق الثقافي الدكتور مرسي أبويوسف. وكانت المفاجأة الأولي أن القاعة اكتظت بالمصريين الذين قال بعضهم إنهم كانوا يقاطعون الحضور إلي هذا المكان "الحكومي" من قبل. لكن كل شيء تغير بعد 25 يناير.
المفاجأة الثانية هي المشاركة الواعية في الحوار وطرح قضايا بالغة الأهمية. وأظن أن التفاعل مع أبناء الجالية المصرية في هذا اللقاء الأول كان رائعاً ومفيداً.
في اليوم الثاني كان اللقاء في مقر رابطة الثقافة العربية برئاسة مصطفي عباس ابن الفيوم الذي يقوم بدور عمدة المصريين في فيينا بعفوية وتلقائية وتواضع. وهنا أضيفت كوكبة من الشخصيات العربية إلي الوجوه المصرية. من بينهم المفكر الفلسطيني الكبير فيصل الحوراني علي سبيل المثال.. وبالتالي اتسع الحديث من الربيع المصري إلي الربيع العربي.
وفي اليوم الثالث كان اللقاء في مقر الاتحاد العام للمصريين في النمسا برئاسة الدكتور حسن موسي. الذي استضاف المناضل الأردني الليث شبيلات وعدداً من رؤساء الجاليات العربية.
وقبل أن نبدأ الحديث عن الحضور وصلتنا الأنباء المحزنة والمخيفة لصدام ماسبيرو الدامي بكل أبعاده المروعة.. وكان طبيعياً أن يفرض هذا الحدث الخطير نفسه علي اللقاء. وربما لم يكن بمقدور كل التحليلات التي قيلت إن تحقق عشر معشار الأثر الهائل لقصائد الشاعر الكبير سيد حجاب. وبخاصة تلك المقاطع العبقرية عن الوحدة الوطنية ومنها:
آن الأوان من النهادرة نبقي أحرار بجد
وما حد فينا يدوس علي حق حد
ولا خلاف ولا شد
بين اللي بيصليها جمعة واللي صلاها حد
الكل إخوة أمس واليوم وغد
وآن الأوان نبقي أحرار بجد
***
فهل نحن إزاء "عبور" جديد تهدده "ثغرة" ثانية؟! وما هو الشيء الذي يمكنه أن يبدد هذا الحزن الذي غمر الوطن بأسره وبدد الفرحة بأول احتفال بذكري السادس من أكتوبر بعد ثورة 25 يناير؟! وكيف يمكن استعادة "روح أكتوبر" و"روح 25 يناير"؟!
للحديث بقية