تشكليل المجلس الوطني السوري ليست البطولة!


طلال عبدالله الخوري
2011 / 10 / 9 - 00:41     

تشكليل المجلس الوطني السوري ليست البطولة!
للاسف لدى الكثير من المعارضين العرب ومنهم السوريين فهم خاطئ عن العلاقات الدولية وتفاصيلها وحيثياتها وحساباتها الدقيقة والصعبة. ربما يعود هذا الفهم الخاطئ, من عدم وجود الخبرات العلمية الرفيعة بالسياسة والاقتصاد ضمن كوادر المعارضة, او ربما لكونهم ينتمون, اصلا, لبلدان استبدادية يتم فيها اختصار الدولة والشعب ومصلحته بمصلحة الحاكم واستقرار عرشه, وحيث تكون مثل هذه الحسابات سهلة للغاية وارتجالية توافق مصلحة الحاكم واستمرارية نظامه؟ اما في البلدان المتحضرة والتي لها ثقل عالمي والتي لديها آلياتها الديمقراطية مثل اميركا والغرب, فان هذه الحسابات تحتاج الى الكثير من المناقشة والتحليل الاقتصادي والسياسي على المدى القصير والمدى البعيد, من قبل آكاديميين ومعاهد للابحاث, للخروج بقرار سياسي او مجرد تصريح من مسؤل سياسي! وربما حتى يتطلب الامر الرجوع للبرلمان والتصويت!

من هذه المفاهيم الخاطئة, على سبيل المثال لا الحصر, ان يظن هؤلاء المعارضين بأنه لو خرج بضعة آلاف من الناس بمظاهرة سلمية تهتف ضد النظام, فيجب على الدول الكبرى, ومباشرة, ان تقطع جميع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري مثلا, وأن تطرد جميع السفراء السوريين لديها, وأن تفرض حظرا جويا, وأن تقطع جميع الاتفاقيات الاقتصادية والتي قد تؤدي في بعض الاحيان الى الكساد اذا لم تتم دراسة مثل هذه الخطوات من كل جوانبها, راجعوا مقالنا: التدخل الحكومي بالاقتصاد الحر, حيث اوضحنا كيف يمكن ان يحدث الكساد, وحيث ان حدوث الكساد هومن اكبر الكوارث التي يمكن ان تتحدى البشرية جمعاء, لما لها من اثار مدمرة, وقد تودي بحياة مئات الملايين من البشر وخاصة بعد ان اصبح الاقتصاد العالمي مترابطا ومتداخلا ببعضه البعض, ويتأثر ببعضه البعض وكأنه سوق واحدة .

كلا, ليس هكذا تورد الابل يا سادة! فمن المعروف ان أي جهاز مخابرات بالعالم يستطيع, وبحفنة من الدولارات, ان يخرج بضعة آلاف من الناس الغير راضين على النظام, في اي بلد بالعالم مثل روسيا او الصين او حتى بالوول ستريت باميركا؟ اليس هذا ما حصل عندما خرج حفنة من الرعاع المرتزقة من الفاشلين اليساريين الذين ارادوا ان يحتلوا رمز الاقتصاد الاميركي وهو الوول ستريت, من دون ان يكون لديهم مطالب شرعية مبررة او ان يكون لديهم ارضية شعبية تكفي لتشكيل حزب والفوز بالانتخابات الديمقراطية الحرة حتى ولو بمقعد واحد بالبرلمان! فهل على الدول ان تقطع علاقاتها السياسية والتجارية مع اميركا وان تفرض عليها حظر جوي.....الخ من هذه المطالب المبنية على الفهم الخاطئ؟؟ ما نريد ان نقوله هنا بان خروج المظاهرات ليس له اي رصيد من النقاط على مسرح السياسة الدولية, اما التأييد الدولي للمظاهرات السورية فقد اتى من ان النظام الوحشي السوري هو الذي سجل نقاط ضد نفسه بالمواجهة الدموية للمتظاهرين السوريين وعدم السماح للشعب بالتعبير عن رأيه سلميا؟

فهم خاطئ اخر نريد ان نشير له هنا, وهو تشكيل مجلس للمعارضة, كما فعلت المعارضة السورية حديثا؟ هذه الخطوة ايضا ليست ذات اهمية كبرى على مسرح السياسة الدولية, لانه من المعروف ايضا بانه يمكن لاي جهاز مخابرات بالعالم ان يستثمر حفنة من الدولارات لكي يشكل مجلس لمعارضة ما في اي فندق ما بالعالم؟ ما نريد ان نقوله هنا هو ان تشكيل المجلس ليست هي البطولة وليست هي النقاط التي يتم اعتبارها على مسرح السياسة الدولية! ولكن الذي يتم اعتباره بالواقع هو هوية هذه المعارضة! اي ما هو دستور البلاد الذي سيتم تبنيه من قبل هذه المعارضة عند وصولها للحكم, وما هو نوع هذا الحكم؟ ما هو النظام الاقتصادي الذي ستسير عليه البلاد؟ ما هو وضع حقوق الانسان؟ ما هو وضع الاقليات؟ ما هي العلاقة بين القضاء والسلطة التنفيذية, وهل هناك استقلالية للقضاء؟ ما هو الدور الذي ستلعبه الاحزاب الدينية وخاصة الاسلامية؟ كيف ستحكم البلاد فما لو انتخبت الاحزاب الاسلامية ووصلت للسلطة؟هل سيقولون طظ بسوريا وشعب سوريا وابو شعب سوريا كما فعل مرشد الاخوان المسلمين مهدي عاكف والذي يفضل بان يحكم البلد ماليزي مسلم على ان يحكم البلد وطني غير مسلم؟ راجعوا مقالنا: الوطنية كفر بالنسبة للمسلم.

في الواقع ان هذه التفاصيل والتي ناقشناها اعلاه من خلال المفاهيم الخاطئة للمعارضين العرب ومنهم السوريين هي التي تناقش عادة وراء الابواب المغلقة بين السياسيين وفي الامم المتحدة ومجلس الأمن.

نحن لا نريد هنا ان نسفه الخطوة التي قام بها المجلس الوطني السوري, ولكن نحن نعتبر توحيد المعارضة تحت المجلس هي الخطوة ما قبل الخطوة رقم صفر! أي ان المعارضة لم تنجز الى الآن الخطوة رقم صفر؟ والخطوة رقم صفر عادة هي الخطوة البديهية والتي لا يمكن البدء بالخطوة الاولى من دونها! والخطوة رقم صفر هي تحديد هوية المعارضة. راجعوا مقالنا: مشكلة الهوية للثورات العربية!

وبالفعل هذا كان بالضبط رد فعل الغرب واميركا على تشكيل المجلس الوطني السوري! حيث اجمع الدبلوماسيين الغربيين والاميركان بعد ان رحبوا بتشكيل هذا المجلس بانهم لا يعرفون ما هي هوية هذه المعارضة وما هي هوية هذا المجلس؟
ان التأخير بانجاز الخطوة رقم صفر وهوية المعارضة السورية حسب الاصول الدولية سيطيل بأمد الثورة وسيزيد من سيل الدماء الغير مبرر, وسيزيد من مآسي شعبنا, فهل تتقون الله بدماء شبابنا وتنجزون الخطوة الاهم وهي الخطوة رقم صفر ايها المعارضة السورية؟؟


الخطورة رقم صفر للمعارضة السورية وتحديد الهوية للمعارضة:

يجب ان يتم وضع دستور علماني شفاف لا يقبل التأويل والتلاعب, وفيه التأكيد على استقلالية القضاء, وان هذا الدستور العلماني المتحضر يحرص على تبني اقتصاد السوق التنافسي والذي يجرم الاحتكار. لان القضاء المستقل والدستور العلماني المتحضر, كافيان لقيادة اي بلد واي شعب الى الازدهار الاقتصادي والتقدم العلمي والثقافي والاجتماعي والفني وهذا ما يتم اعتباره وفهمه على مسرح السياسة العالمية.
اما الكلام العام والمستهلك الذي تلوكه المعارضة السورية, مثل دولة مدنية وديمقراطية وتعددية فلن يتم اخذ المعارضة على محمل الجد على اساسها على مسرح السياسة العالمية؟ فلا تظنوا بان العالم بهذه السذاجة لكي يستثمر جهوده وثرواته بناءا على الكلام فقط!!!
يعتبر كل من الدستور والقانون واستقلالية القضاء, الاعمدة الاساسية لنجاح اي دولة وازدهارها , وهي نقطة البداية التي تنطلق منها, وهي الضامن لكل مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية.

من الملاحظ بان جميع دساتير العالم المزدهرة اقتصاديا وعلميا واجتماعيا متطابقة فيما بينها , لذلك وكما يقال لا حاجة هنا لاعادة اختراع العجلة, وكل ما على المعارضة فعله هو تبني احد الدساتير والقوانين المعروفة بتطورها كالقانون البريطاني أوالاميركي وتقديمها كهوية للمعارضة السورية. وهنا يجب ان نؤكد على ان يتم تبني الدستور والقانون كما هو وبدون تعديل وبعيدا عن خرافة خصوصيتنا العربية والاسلامية, لأنه في بلاد الغرب يعيش مئات الملايين من المسلمين, ولم تتأثر خصوصيتهم العربية او الاسلامية باي شئ سلبي وعلى العكس فقد تطورا وازدهروا بجميع المجالات.

مما سبق نرى بأن تشكيل مجلسا من معارضين ليست البطولة, وان المعارضة السورية لم تسجل اي من النقاط لصالحها, وانما بالفعل فان النظام الاستبدادي السوري هو الذي سجل نقاطا ضد نفسه. ولكي تسجل المعارضة نقاطا معتبرة يتم احتسابها على مسرح السياس ة الدولية, فيجب ان تحدد هويتها اولا, وأن تحديد هذه الهوية لا يتم بكلام مستهلك عن الدولة المدنية والديمقراطية والتعددية, وانما تحديد الهوية يكون عبر آليات محددة تم تفصيليها بمقالنا: مشكلة الهوية للثورات العربية؟ فهل تعون يا ذوي الالباب لكي نوفر دماء شهدائنا الابرار؟

من هنا نرى بأن تشكيل المجلس الوطني السوري هي خطوة لن يكون لها اي معنى اذا لم يتم اتخاذ الخطوات ذات الاولوية الاعلى والاكثر اهمية لضمان التسريع بانتصار الثورة والانتقال بسورية الى الرفاه والازدهار وهي وضع الدستور, واختيار السياسة الاقتصادية, وضمان استقلالية القضاء. اما الاستعراض والتسول على ابواب الدبلوماسيات الغربية فلن يجدي بأي شئ. ونحن نؤكد بان ما انجزته المعارضة السورية الى الآن قليلا جدا وغير كاف لكي يهتم بها الغرب.

طلال عبدالله الخوري