تغيير وحذف اسم الشيوعية ام العودة السافرة لحضن البرجوازية!


رعد سليم
2011 / 10 / 5 - 21:43     

في الفترة الاخيرة، اثار الحوار المتمدن سؤالا وفي الحقيقة ملف تحت عنوان" هل تعتقد ان علی الاحزاب الشيوعية العربية تغيير اسمائها وازالة کلمة- الشيوعية- منها؟ و لماذا؟". وددت عبر هذا المقال ان ابين وجهة نظري بالموضوع ارتباطاً باليوم، وليس على العموم.
الكل يعرف، وفي الحقيقة اكتوت الاغلبية الساحقة من العمال ومحرومي المجتمع بنارها- ان ازمة اقتصادية عالمية تهز اركان النظام الراسمالي. ان سؤالاً بسيطاً يطرحه المرء، ماذا رافق هذه الازمة من الناحية الفكرية، افلاس كل النظريات والافكار الداعية لخلود النموذج الليبرالي واقتصاد السوق او الحر الذي طبلت له ابواق الراسمالية الغربية "المنتصرة" على انه "النموذج الخالد" و"النموذج النهائي" الذي بلغته البشرية، ولهذا تحدثت عن "نهاية التاريخ" وسكونه ووقوفه عند هذا النموذج "المنتصر"، وفي الحقيقة انه منتصر على نموذج راسمالي اخر، الا وهو راسمالية الدولة المسمى زيفاً بالاشتراكية.
انه نقاش جديد-قديم، حول موضوعين مرتبطان ببعض سواء شئنا ام ابينا: الشيوعية وامکانية تحقيق الشيوعية في عالمنا المعاصر (اصل القضية)، ومن هناك موضوعة تغيير الاحزاب الشيوعية لاسمائها و ازالة کلمة "الشيوعية" (احدى تبدياتها)، وهي ظاهرة وموضوعة عالمية وليست محلية.
بعد سقوط جدار برلين و انهيار المعسکر الشرقي، مايسمی بالاشتراکي، شنت الراسمالية العالمية هجوماً لاتوصف شراسته علی الاشتراکية و الافکار الشيوعية، وتحت هذا الضغط، اثير هذه النقاش و بدات تحولات جدية وعميقة، وفعلا قام عدد کبير من الاحزاب الشيوعية في اوربا و العالم سواء التابعة للمعسکر الشرقي او المنتقدة له بتغيير اسمها او ازالة کلمة الشيوعية منها، و رکبوا قطار الديموقراطية والسوق الحر الغربي بوصفه المودة الجديدة. في تلك المرحلة، لم يتم التضييق علئ الحرکات الشيوعية فحسب، بل تم فرض التراجع علئ مجمل الافکار الداعية للمساواة و التحرر والايمان بامکانية المجتمع علی المضي نحو العدالة الاجتماعية . وفي هذه المرحلة، شهدنا سقوط العديد، من اناس کانوا يعرفون انفسهم في المرحلة السابقة تقدميين، تحرريين، دعاة للمساواة، ومٶثرين ايجابيا علی المجتمع. شهدنا تحولهم الي ضحايا لهذه المرحلة، بل حتی راحوا يلهجون خلف ادعائات الراسمالية بان العالم کان ‌هکذا، وسيبقی هکذا.
و في تلك المرحلة وبعد تحولات کبيرة، ابقت عدد من الاحزاب الشيوعية التقليدية علی اسمها دون تغيير وذلك للحفاظ علی قاعدتها و تاريخ نضالها ووجود نوع من شيوعية على العموم داخل صفوف انصارها. لکن هذه الاحزاب بقت في مکانة ضيقة، دون اي نقد جدي لافکارها و برنامجها وحتى لطبيعة ماجرى.
يعزو الکثير من المشارکين في تلك الحوارات و المناقشات اسباب تراجع شعبية الاحزاب التقليدية الشيوعية التابعة للمعسکر الشرقي القديم في العالم العربي الي وجود کلمة الشيوعية، لذلك يطالبون بازالة هذه الکلمة. يقولون هٶلاء بان المجتمع العربي مجتمع اسلامي او محافظ او تقليدي ولا يقبل بهذه الکلمة . او تحت اسم الشيوعية لايمکن ان تجمع الناس تحت ستار حزب او منظمة . ويوجد اخرون يقولون ان الاسم ليس هو المشکلة، وانما الشيوعية نفسها اثبتت بانها لاتتناسب مع الواقع ، وان افکار الشيوعية مستحيل تطبيقها علی ارض الواقع ، او حتی ‌يقولون بان الشيوعية حلما وتحقيقها عمليا هو امر بعيد المنال.
ان لهذه المناقشات جوابين مختلفين: اذا کان الکلام عن الاحزاب الشيوعية التقليدية العربية التابعة للمعسکر الشرقي القديم و الاحزاب الماوية وغيرها ، فمن الضروري لهذه الاحزاب ان تغير اسمها، فهي لم تحمل من الاساس اي شيء يخص الشيوعية الا اسمها، وازالة صفة الشيوعية عن اسمائها، لانه لم تكن من الاساس ثمة صلة بينها و بينها و بين الشيوعية. ان النقطة التي تتميز فيها الاحزاب الشيوعية الحقيقية عن سائر الاحزاب الاخری هي تمثيلها المصالح المستقلة و العامة للطبقة العاملة، وفي مختلف مراحل نضال الطبقة العاملة ضد الراسمالية تمثل دائما المصالح العامة لهذه الحرکة.

ان قطب معسکر الشرقي، اي قطب الراسمالية الدولة او بمعنی اخر الاشتراکية البرجوازية، ان هذه القطب سمى نفسه بانه الشيوعية ومن الناحية تاريخية کذلك ثبت نفسه في مرحلة معينة بوصفه القطب الرسمي للشيوعية. وتراجعت الحرکة الشيوعية العمالية الحقيقية امامه في تلك المرحلة. وان هذا القطب کان في صراع طويل مع القطب الاخر ، اي القطب الراسمالي او السوق الحر، من زاوية الشكل وليس المحتوى، فكلاهما راسماليان .
اذا كانت الهزيمة هزيمة اقتصادية لنموذج رأسمالية الدولة والانتصار الذي حققته رأسمالية السوق عليها. ان مجمل النقاشات والتعليقات التي تقوم بها وسائل الاعلام الغربية وتجد صداها في الرأي العام حول أنتصار الديمقراطية على التوتاليتارية و "نهاية الشيوعية" وأنتصار الغرب، ليست سوى اشكال تشير الى الحقيقة الاقتصادية ذاتها.
كان على ‌ الاحزاب اليسارية و الشيوعية العربية، الاشتراکية البرجوازية، ان تراجع نفسها بعد انهيار ذلك القطب اللاشيوعي ، وذلك لانه اصبح اسم الشيوعية عبئا عليهم . ان الشيوعية بالنسبة لهم لم تكن قضية سلطة الطبقة العاملة او بناء الاشتراکية، اي الغاء نظام العمل الماجور . لقد كانت الشيوعية بالنسبة لهم من اجل تحقيق المسائل القومية و الديموقراطية و الاصلاحية و التنمية الصناعية و الاقتصادية والاستقلال من نير الاستعمار. وتلقفوا مودة الديمقراطية والقومية، جذورهم الاجتماعية والفكرية الاساسية.
اما اذا كان الکلام عن ان الشيوعية لاتتماشی مع مجتمعاتنا و ان الشيوعية حلما و من الصعوبة تحقيقها ، فان لدينا رد وتحليل مختلف عن هٶلاء . ان هذا الکلام و التحليلات هي تبليغات و ادعائات البرجوازية بهدف تثبيت سلطتهم القمعية، انها دعاية حرب اكثر منه بحث سياسي. لماذا الشيوعية لا تتناسب مع واقع مجتمعاتنا العربية؟ هل مجتمعاتنا ليست راسمالية، و لايوجد فيها عمال او صراع الطبقي؟ هل مجتمعاتنا خالية من الظلم و الاستغلال ؟ الاشتراكية هو ارساء مجتمع لايبقى فيه مكان لظلم الانسان للانسان.
ان المجتمع العربي مثل سائر مجتمعات العالم، يمضي يوميا الملايين لسوق العمل لبيع قوة عملهم من اجل تامين لقمة عيشهم، او من اجل بقائهم، في مقابل تتعاظم ثروات اقلية طفيلية من المستغلين من البرجوازية علی حساب الاغلبية الساحقة للمجتمع. اغلبية تواجه ابشع انواع الاستغلال و الفقر . و اقلية مستغلة تحاول باشکال عدة ومتنوعة، من الدين الى الثقافة والفن ، من الاعلام وغسل الدماغ الي الشرطة والجيش ، ان تفرض سلطتها و بقاء نظامها . ان واقع عالمنا العربي ليس الا ذلك.
الشيوعية تعني تنظيـم الحرکة الاحتجاجية اليومية لطبقة العاملة بوجه البرجوازية ونظامها، ان الشيوعية تعني الغاء نظام العمل الماجور وتحقيق الاشتراکية کنظام بديل ، وذلك من خلال تنظيم الطبقة العاملة وحزبها المارکسي الثوري. على الحزب الشيوعي ان يستجيب لمتطلبات الطبقة العاملة و نضالها وتنظيم صفوفها . اذا لاي حزب شيوعي هذه الاجندة الاساسية بامکانه ان يصبح قوة اساسية وکبيرة في المجتمع، وعليه ان عراقيل مثل الدين والثقافة والتخلف ستصبح مسائل جزئية وبالامکان بسهولة تحييدها.
ان العالم مقلوب وباق في مکانه، وان الظلم والاستبداد والاستغلال مازال قائما . ان المشاهد اليومية لقتل الناس و الوقوف مسلوبي الارادة تجاهها، البطالة والفقر والهجرة والجوع، انعدام الامن ، انتهاك حقوق المراة و الاطفال، انعدام الحرية و المساواة، هي مميزات اساسية لعالمنا المعاصر. ولهذا نقول ان الشيوعية ضرورة حياتية ملحة ، و ان الاهداف الاشتراکية و الامل بعالم افضل هو امر مرتبط بالبشرية جمعاء. اذ حتى لو شطبنا مارکس و افکاره في هذه العالم ، فان هذا العالم غير قابل للدوام على هذه الشاكلة، ولهذا يحتاج للتغيير، ولهذا يحتاج ماركسه وحكمته، والا يصبح عالمنا المعاصر غابة بكل معنى الكلمة . يقول منصور حکمت:
"لقد كان انهيار الكتلة الشرقية التي لم تطلق عليها دعاية اكثر متحدثي حلف وارشو والناتو كذباً وزيفاً ودعاتهم الخبلين سوى اخيراً اسم "المعسكر الاشتراكي"، زلزال سياسي واجتماعي هز العالم باجمعه. ان زوال قطب من عالم ثنائي القطبية كان بحد ذاته حدث يقلب الامور ظهراً على عقب، عالم قد اقيم كل شيء فيه ولعقود من الاقتصاد والانتاج الى العلوم والفنون على اساس المجابهة بين هذين القطبين. ان ما كان حاسماً في ميدان الفكر والافكار هو حقيقة ان حكام العالم وجماعاتهم الواسعة من المتحدثين والدعاة المأجورين في الجامعات ووسائل الاعلام قد تمكنوا من تصوير انهيار الشرق على انه انهيار الشيوعية ونهاية الاشتراكية والماركسية. لم يطول عمر هذه الترهات اكثر من ستة اعوام، وان جميع المؤشرات اليوم تدلل على ان مرحلة الخداع قد بلغت خاتمتها. على اية حال، كانت ستة اعوام هزت العالم. لم تكن نهاية الاشتراكية، بيد انها كانت لمحة لما يكون عليه حقاً انتهاء الاشتراكية من كابوس. اي مستنقع سيكون عليه العالم بدون نداء الاشتراكية، بدون امل الاشتراكية، وبدون "خطر" الاشتراكية. لقد اصبح واضحاً ان العالم- الحاكم والمحكوم- قد قرن الاشتراكية بالتغيير. لقد اعتبروا نهاية الاشتراكية نهاية التاريخ. تبين ان نهاية الاشتراكية نهاية التطلع للمساواة، نهاية حرية الفكر والتقدمية، نهاية التطلع للرفاه، نهاية الامل بعالم افضل للانسانية. لقد فسروا نهاية الاشتراكية السلطة المطلقة لقانون الغاب وعنت مبدأ القسر في الاقتصاد والسياسة والثقافة. وفاحت فوراً عفونة الفاشية، العنصرية، النزعة الذكورية، الشوفينية، الدين، الاستئساد والقسر من كل منفذ في المجتمع".
"منصور حکمت ،تاريخ غير المهزومين:بضعة كلمات في ذكرى ثورة 1979"