مصر:علمانية لا عثمانية


أشرف عبد القادر
2011 / 9 / 21 - 18:03     


كعادتي قضيت أجازتي السنوية في مصر،وعدت منذ بضعة أيام وسأقدم لقرائي ،كعادتي أيضاً، انطباعاتي عما ما رأيت وسمعت بعد ثورة 25 يناير التي أتمنى أن تكون مباركة على مصر والإقليم العربي والإسلامي. وهذا أول انطباع:
استقبل الإخوان المسلمون رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان في مطار القاهرة رافعين صوره وشعارات الترحيب به ممهورة بشعار جماعة الإخوان المسلمين، مرددين "أردوغان يا أردوغان.. ألف تحية من الإخوان"، "مصر وتركيا خلافة إسلامية"، "افرحى يا فلسطين.. أردوغان صلاح الدين"، "موتى غيظاً يا إسرائيل أردوغان فى أرض النيل".
في حوار أوردغان مع الإعلامية اللامعة منى الشاذلي قال:"إنه يؤمن بأن المصريين سيقيمون موضوع الديمقراطية بشكل جيد،وسوف يرون أن الدولة العلمانية لا تعني "اللادينية"،وإنما تعني احترام كل الأديان وإعطاء كل فرد الحرية في ممارسة دينه".اقتراح أوردغان الصائب أثار جنون الإخوان فانقلبوا في لمح البصر كعادتهم من الترحيب المبالغ فيه(أردوغان يا أوردغان ... ألف تحية من الإخوان)إلى الشجب و التنديد ،فقد قال الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل عضو الإخوان المسلمين ومرشحهم غير الرسمي للرئاسة:"أنا واثق من قدرة الشعب المصري على أن يقدم نموذجاً مصرياً يكون قدوة لدول العالم لا بفضل العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة" ورد عليه عصام العريان قائلاً:"نحن نستقبل بالترحاب أوردغان ... لكننا لا نعتقد أنه هو وبلاده يمكنهم أن يقودوا المنطقة أو يرسموا مستقبلها" .فأوردغان العقلاني يدرك تماماً الإدراك أن الشعارات التي يرفعها الإخوان لا تحل أزمة ولا تقدم أمة،ولكن تدغدغ فقط مشاعر البسطاء وأنصاف المتعلمين،وأدرك أن الحرية والديمقراطية والعلمانية هم الحل الناجع لمصر، كما كانت الحل الناجع لتركيا وباقي دول العالم،فلقد أكد أوردغان على أن 99% من سكان تركيا مسلمون،وهناك مسيحيون ويهود وأقليات أخرى،لكن الدولة في تعاملها معهم تقف على نفس المسافة.
كما خيب طيب رجب أوردغان آمال الإخوان لأنه استخدم مصطلحات تعاديها جماعة الإخوان مثل: "العلمانية"،و "الديمقراطية"،لأنهم كانوا يريدون منه أن يتحدث إليهم بلغتهم الخشبية الطوباوية من إعادة الخلافة العثمانية(مصر وتركيا خلافة عثمانية)،وعن اللحية والحجاب والنقاب ... إلخ .
موقف أوردغان هذا ذكرني باحتفالية كانت قد أقيمت وهو رئيس بلدية اسطنبول،وحضر هذا الاحتفال عدد من علماء المسلمين من عدة دول،وكان بعض الحاضرين من إخوان مصر،وتكلم كل وفد بحديث تقليدي كأنه في خطبة يوم جمعة،وجاء دور أوردغان للحديث،فتكلم ولم يستدل بآية أو حديث،إلا أنه قال للحاضرين ما قام به من جهود على أرض الواقع من شبكة كهرباء، ومن نظافة، ومن سياحة، وتأمين صحي،ومن تشغيل الشباب، ومن الصرف الصحي والغاز وما إلى ذلك.وعندما نزل من على المنصة قال له أحد الإخوان من الحضور:لماذا لم تتحدث عن الإسلام؟. تعجب أوردغان وقال للرجل:ولكني كنت أتحدث عن الإسلام !!!.
شتان بين فهم أوردغان للإسلام وفهم الإخوان المسلمين له،أوردغان يفهم الإسلام بمنطق أن"الدين جاء من أجل الإنسان ولم يأت الإنسان من أجل الدين"كما قال صديقي العظيم جمال البنا.فصحيح الدين عقلي وعملي يتفاعل مع الواقع ويتكيف معه؛دين يساعد المواطن على العيش السعيد الآمن، من كهرباء وتأمين صحي ونظافة وتوفير خدمات؛أما الإخوان المسلمون فيرونه خلافة إسلامية ونوافل ونقاب وحجاب ولحية وجلباب،وتكفير للآخر،وتهميش للمرأة واحتقار لغير المسلم، وغيرها من القضايا التي لا تقيم حضارة ولا تنهض بأمة،بل تهدم ألف حضارة وتعيق نهوض ألف أمة!.
فيا عقلاء مصر اسمعوا لنصيحة أوردغان الثمينة،وارسوا قواعد المجتمع المدني،أسسوا للديمقراطية، لا تكفروا العلمانية لأنها لا تعني "اللادينية" كما قال عظيم الشرق الأوسط وغرة الإسلام أوردغان، ولكن تعني عدم تدخل الدين في أمور الدولة،وعدم تدخل الدولة في أمور الدين،أسسوا لمبدأ "المواطنة" ساووا المرأة بالرجل والمسلم بغير المسلم في الحقوق والواجبات،لأن هوية مصر علمانية لا عثمانية ولو كره المتأسلمون.
ألف شكر سيدي أوردغان.
[email protected]