وعصارة العمر الطويل أثام


محمد علي محيي الدين
2011 / 9 / 18 - 20:24     

نشر المناضل الكبير والكاتب النحرير والمفكر الخبير والشيوعي القدير الأستاذ جاسم المطير قراءة للحلقة الخاصة بعملية الهروب من سجن الحلة عام 1967 بثتها قناة الفيحاء الفضائية الوطنية الشريفة تحت عنوان "الطريق إلى الحرية" من إعداد الإعلامية نبأ القاضي مديرة مكتب الفيحاء في الحلة .. انتقد فيه الحلقة والقناة نقدا نظيفا!! جاعلا من نفسه خبيرا فنيا ومقوما أدبيا ومصححا تاريخيا وهو بعيد عن هذه المجلات غير مختص بها ولكنه الغرور في أن يكون الإنسان كل شيء ليصبح لا شيء.
ولست هنا بمقام الرد على آرائه الفنية، فلعله تعلم فنون الإعداد والإخراج والتقديم من خلال عمله في مجلة الإذاعة والتلفزيون زمن البعث المقبور فاكتسب خبرة فنية سينمائية تجعله في مقدمة المعنيين بشؤون السينما والمسرح والتلفزيون، فقد أتحفتنا مدرسة البعث بكثير من الفنانين والمخرجين والمسرحيين والمغنيين والطبالين، وما يعانيه الفن العراقي الآن نتيجة لهذه الفترة من خراب للذائقة العراقية مهد للظلاميين إنهاء مرتكزات العراق الفنية.
لقد وزع الأستاذ شتائمه على جميع المشاركين في البرنامج والعاملين على إنتاجه تمهيدا للنتيجة الكبرى في النيل مني :
وما أراد سوى شيخ بمفرده لكنه خاف منه حين ينفرد
والمقال موجه بشكل أو آخر للتوهين والتجريح لما كتبت وهو ما سأناقشه تفصيلا لنتركه أمام أنظار الناس ليعرفوا الغث والسمين مقتديا بالجواهري الكبير عندما خاطب سهيل إدريس في مؤتمر الأدباء العرب :
تركتها لعيون الناس تخزرها خزر الصقور فتستثني وتبتعد
بيني وبينك أجيال محكمة على ضمائرها في الحكم يعتمد
وأود أن أبين ابتداء أن المعلومات التي صورت وسجلت كثيرة ومتشعبة وساعات التصوير كانت أكثر من أربع ساعات إلا أن تقيد معدة البرنامج بالوقت المخصص للحلقة حال دون أخراج باقي المشاهد وابتسار كثير من المعلومات التي فيها من الجدة والطرافة ما لم يتناوله احد وهو ما يبين خطل رأي المطير بان المشاركين لا يعرفون شيئا فاثنان منهم شاركا بالعملية فعلا لا قولا والآخرين أسهموا في التحضير لها أو ما تبعها من أمور لذلك من الغبن أن يطعن المطير "بمباهج الشرف والضمير " طاعنا بضمير وشرف المتحاورين.
ولا ادري كيف لمن يطلق على نفسه مفكرا كبيرا ومناضلا قديرا أن يستهين بآخرين أو يسفه آرائهم وهو لا يعرفهم أو يعرف عنهم شيئا، معتمدا على قدرته ب"التسفيط" والتزويق وأجادت التلاعب بالمفردات وتسويق آرائه بإطار فني جذاب، وليس من شيم وأخلاق الباحث والكاتب هذه النرجسية المقيتة التي عليها المطير ومن هم على شاكلته في تربع منزلة الاعلمية والأستاذية والوصاية على الآخرين، ومهما كان حجم المطير – وعهدي به ضئيل الجسم- من المعيب عليه أن يتعالى على الآخرين، لأن السنابل الفارغة هي التي ترفع رؤوسها بكبرياء ولا أعتقد أنك وصلت للفراغ إلى هذه الدرجة.
يقول متحدثا عن الحلقة" شارك في الحديث التلفزيوني شخصيات على نوعين : النوع الأول ضم اثنين من السجناء الهاربين.
النوع الثاني ضم أربعة من الإخوان الآخرين أو خمسة ، ممن لا علاقة لهم بالحادث الذي وقع قبل مجيئهم إلى الحياة."
أولا بالنسبة إلى النوع الثاني الذي هو مدار امتعاض واستهجان المطير فهؤلاء هم الرفاق سامي عبد الرزاق الجبوري وعبد الوهاب الجبوري وعبد الأئمة هادي منهم من شارك في العملية أو ساهم في جوانبها الأخرى وكان على المخرج أن يشير إلى ذلك فهم ليسوا باحثين والباحث هو أنا فهل يستطيع المطير إنكار هذه الصفة أو إبعادها وقد الفت (25) كتابا في مختلف الجوانب السياسية والأدبية والتاريخية طبعت ووزعت داخل العراق وخارجه أم يرى في نفسه الوحيد الذي يستحق صفة الكاتب والباحث والمؤرخ والمفكر أو الفيلسوف .
ويقول عن هؤلاء الأربعة المبشرة بالجنة إن الحادث وقع قبل مجيئهم للحياة وسأبين له تجنيه وتطاوله على الحقائق ليعرف القراء حقيقته في الوضع والتدليس.
الأول: هو الرفيق سامي عبد الرزاق "أبو عادل" من مواليد الحلة 1941 ناضل في صفوف الحزب الشيوعي العراقي أوائل خمسينيات القرن الماضي وليس كما تقول انه لم يولد بعد وهو احد المعتقلين في صبيحة الثامن من شباط الأسود عام 1963 ولعله نال من الشرف ما لم ينله كثيرون ممن صنعوا لأنفسهم أمجادا وهمية في النضال ووالده الشخصية الوطنية المعروفة عبد الرزاق الملا إبراهيم الملاك الكبير في الحلة وقد سميت منطقة كبيرة في الحلة باسمه هي محلة الإبراهيمية كانت ضمن أراضيه وقد زار الرفيق الخالد فهد والرفيق حسين محمد الشبيبي والد الرفيق سامي في داره وعقد اجتماع حزبي هناك وقد قال له لماذا لا تنتمي للحزب الشيوعي وأنت الذي قدمته له كثير من المال والعون فأجابه " احسبني شيوعيا مؤجلا" وهذه الأسرة قدمت للحزب الشيوعي العراقي كثير من العون والإمداد وانتمى أبنائها للحزب وكانت بيوتهم ملاذ آمن للشيوعيين ومقر لاجتماعات قيادة الفرات الأوسط لعقود من السنين وتبرعوا بجزء من أملاكهم لتكون مقرا للحزب وبإمكانك الاستفسار من القيادات الشيوعية القديمة والجديدة عن الأسرة وأبنائها وآخر ما قدموا عمارة أصبحت مقرا لمنظمات الحزب الجماهيرية .
ولو كان سامي عبد الرزاق من طلاب السلطة والجاه لقنع بأملاك والده الممتدة لمسافات شاسعة في قلب مدينة الحلة واستغل عماراتهم وعقاراتهم ولكنه ترك كل شيء من اجل إيمانه الشيوعي وترك العراق بعد الهجمة الصدامية على الحزب وكان من أواخر المغادرين لأرض الوطن يوم كنت تعيش في رغد ونعيم في دار النشر العالمية"بتاعتك" لم ينالك شيء من رذاذ بفضل علاقاتك الحميمية مع أركان النظام،وعمل مقاتلا في قوات الأنصار في كردستان العراق ولو كان من طلاب المناصب لأصبح عضوا في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية ولكنه اكتفى بشرف العضوية الذي لا زال محتفظا به لأكثر من ستة عقود على عكس الآخرين ممن باعوا ولائهم لجهات أخرى وحصلوا على المكاسب والامتيازات وهناك كثير من المعلومات التي أعرفها عنه لا أود الإشارة إليها لعلمي أنه يرفض الأجهار بها، لذلك من المخزي النيل من هذه القامة الشيوعية الشامخة أرضاء لنزعات وعقد شخصية.
الباحث الآخر هو الدكتور عبد الوهاب عبد الرزاق الجبوري أستاذ القانون الدولي في جامعة موسكو من مواليد 1944 ولد شيوعيا بحكم انتماء أسرته وترك العراق بعد الهجمة الصدامية محتفظا بشرفه الشيوعي وعمل في قوات الأنصار ولا زال لصيقا بالحزب عاملا في صفوفه لم ينقطع عنه أو يطرد منه لخيانة أو تقصير وكانت مساهمته في العملية عندما طلب منه عمه تهريب مدير سجن الحلة المطلوب للسلطة آنذاك وقد أركبه سيارتهم المعروف للسلطة وأوصله الى مكان أنطلق منه الى بغداد مما يكذب أدعائك بأنه لم يكن مولودا وأن عمره دون العشرين بقليل ويستحق لقب الباحث لحصوله على درجة علمية.
والثالث هو المناضل عبد الأئمة هادي"أبو نصار" مواليد 1934 احد السجناء السياسيين في سجن الحلة حكمت عليه المحكمة بالسجن عشر سنوات لانتمائه للحزب الشيوعي وعدم إعطائه البراءة وكان مسؤول الخط العسكري قبل الانقلاب وواكب نضال الحزب وشارك في انتفاضة 1948 ولا زال عضوا في الحزب الشيوعي العراقي ويسهم في نضاله ولم يكن غير مولود كما يوحي المطير مما يظهر عقم طروحاته وعدم استنادها لواقع سليم وقد لا تختلف عن كل ذكرياته التي كذبها كثيرون من المعاصرين لها وأعطت انطباعا سيئا في بعدها عن الواقع وافتئاتها على الحقيقة.
والشخص الرابع هو السيد عزيز الحسيني كان أمرا للحرس القومي بعد شباط 1963 وكانت له ادوار معروفة تلك الفترة إلا انه تبعا لعقلية جديدة أو شعور بالندم أسهم في إخفاء احد الهاربين وهو ما لا يعرفه المطير أيضا ويعد إضافة لما كتب عن سجن الحلة تفردت الفيحاء بالإشارة إليه وهو دليل على أن المطير يلقي الكلام جزافا ولا يستند في أقاويله للحقائق ويضفي هالة من الشك على جميع ما أورد المطير من حوادث عن سنين النضال!!!
والجديد في الحلقة الذي تغاضى عنه المطير هو تدوين شهادات من أسهم بمساعدة الهاربين بعد عملية الهروب ودور منظمة الحلة الذي يحاول المطير إنكاره ليخدع القارئ بان هذا العمل لقيادته المركزية المنهارة وهو بيت القصيد في جميع ما ذكره المطير ومحاولة للتغطية على ماض مليء بكل ما يشين.
أما عني فانا أول من نبه المطير لهذه العملية فلم يكن المطير أول من كتب عنها آو أشار إليها وبفضل ما كتبت اندفع المطير لتأليف روايته عن النفق المضيء التي يقول عنها عقيل حبش أنها سرقة مفضوحة لما كتبه هو عن سجن الحلة لان المطير لا يعرف بالكثير من التفاصيل التي أوردها في روايته، أي أن بحثي أنا كان وراء لهاث المطير ليأخذ لنفسه مكانا في هذه العملية اعتقادا منه إن شخوصها طواهم الموت ليكون هو لولبها والمحرك لها والعامل الرئيس في نجاحها ولكن فأله خاب بظهور الأحياء منهم وكشف الحقيقة الناصعة عن العاملين بها والمخططين لها وفي مقدمتها مذكرات حسين سلطان التي كانت الأسبق من جميع الروايات عن عملية الهروب.
يتبع