حدث بعيد.. ورسالة تنضح بانسانية ماركس!!


رعد سليم
2011 / 9 / 16 - 13:21     


في بداية تسعينات القرن الماضي، کانت الحركة الشيوعية العمالية، كتيار سياسي وفكري، وليد حديث في کردستان العراق، ولديها صدی واسع وسط جيل الشباب . وکان هذا الترجيب العالي بادبيات المارکسية والشيوعية العمالية مبعث قلق النظام البعثي القومي بشکل عام والحرکات الاسلامية بشکل خاص. حاول النظام باشکال عدة صد و قمع الحرکات والجماعات الشيوعية. وشرع النظام بتنظيم حملات واعتقالات لعدد من الناشطين الشيوعيين العماليين. وفي الجانب الاخر، بدء الاسلاميون وخطباء المساجد بقيام بحملة اعلامية واسعة ضد الشيوعيين .
في احدى ايام الجمع، کنت مع احد اصدقائي نمر امام احد المساجد الکبيرة في مدينة السليمانية، وکان للمسجد خطيب معروف ، وسمعناه يتکلم علی شخصية کارل مارکس. تکلم خطيب الجمعة وبمکبرات الصوت، ليقول " الشيء الغريب لدی جيل الشباب "الکردي" في هذه الايام هو انهم يتوجهون للافکار المارکسية و الافکار الالحادية ، المعسکر الاشتراکي انهار، المارکسية انتهت . مارکس يهودي، "کانت شخصية "حقيرة" (!!) ليس لديه اي حب في قلبه، وحتی مع زوجته التي ضحت بحياتها من اجله. حيث كان مارکس يتعامل بشکل غير انساني معها، و في مرات عدة قام بضربها (!!) والخ. قلت لصديقي حينها: "‌‌من اي مصدر استقى هذا الخطيب معلوماته؟ يريد هٶلاء المتخلفون، باي شكل كان، تشويه صورة وشخصية مارکس الذي له انصار بالملايين في عالمنا المعاصر".
في تلك الايام، لم تكن لدي معلومات کافية عن الحياة الشخصية لمارکس، ولکن عرفت بان مارکس کان محب وعاشق لزوجته الوحيدة في حياته، وعرفت بان مارکس لم يتزوج لا اربعة ولا اكثر، لم يتزوج من القصر، وعرفت بان المارکسية تدافع بقوة من اجل حقوق المراة. لکن مسالة الحياة الشخصية لمارکس اصبحت تراود ذهني ، حتی بعد اطلعت علی کتاب کانت فيه مجموعة من الرسائل الشخصية لمارکس ، ووجدت الرسالة الثانية لزوجته جيني فون ويستالن ، عندما بدات بقراءة الرسالة بدا جسمي يرتجف ، وقارنت ما کتبه مارکس لزوجته بالکلام الساذج والمغرض لذلك الخطيب الحاقد ، وعرفت من خلاله مدی ونوع وانسانية الحب العميق الذي يكنه هذا الانسان العظيم لشريكة حياته، وعرفت مدی کراهية امثال الخطيب لحامل نداء خلاص البشرية من الظلم .
قبل فترة وقعت عيني على رسالة ماركس مرة اخرى، وتذكرت ذلك الحدث و الخطيب المعتوه ذاك، وعمق انسانية ماركس، ورغبت ان اشرك الاخرين بهذه الرسالة، رسالة ماركس التي تقطر انسانية.

ان هذه الرسالة بعثها مارکس الي زوجة جيني التي کانت قد ترکته مع بناتها الثلاث في زيارة لاهلها بالمانيا. وکان مارکس مع اسرته يعيش في انگلترا مهاجرا وفي ظروف قاسيه جدا...
"يا حبيبة قلبي ها انذا اكتب اليك ثانية لانني وحيد ولانني يخجلني ان احاورك دائما في الخيال، دون ان تعرفي او تسمعي شيئا ما احاورك به، ولا تستطيعين الرد عليّ. انني اراك امامي، احملك فوق يدي واقبلك من الرأس حتى القدمين، وأركع امامك، واتنهد.. مدام انني احبك... انني في الحقيقة احبك اكثر من حب مغربي البندقية (يقصد عطيل)، الشخص الخبيث والفاسد يعتبر كل الصفات خبيثة وفاسدة، من من مشوهي سمعتي واعدائي ذوي لسان الثعابين قد اتهمني مرة باني مؤهل لان اؤدي دور العاشق الاول في مسرح من الدرجة الثانية؟ ولكن هذا هو الواقع، ولو كان عند الاوغاد ذرة من النكتة لرسموا "علاقات الانتاج والتبادل" في جانب، وفي الجانب الآخر رسموني وانا عند قدميك، وكتبوا في قصاصة: انظروا الى هذه الصورة، ثم الى الصورة الاخرى، غير انهم اوغاد اغبياء، وسيظلون اغبياء ابد الآبدين. الفراق الاني جيد للتمييز بين الاشياء التي تتشابه اثناء الحضور، حتى الابراج تبدو قميئة على القرب، بينما الزهيد واليومي يأخذ بالتنامي لدى مراقبته عن كثب. وهكذا الامر مع العواطف. فالعواطف الكبيرة التي تأخذ عند قربها شكل عادات صغيرة تنمو وتأخذ حجمها الطبيعي ثانية بتأثير سحر الفراق، وهكذا هو حال حبي، يكفي ان تبتعدي فقط في المكان فأعلم ان الزمن قد خدمه مثلما تخدم الشمس والمطر النبات، أي للنمو. ان حبي اليك يبدو، حالما تبعدين، على حقيقته، عملاقا تركزت فيه كل طاقات فكري، وكل خواص قلبي، واني لاحس ثانية بانني رجل، لانني احس بالعواطف الكبيرة. ستبتسمين يا قلبي الحلو، وتتساءلين من اين لي فجأة كل هذه الفصاحة؟ ولكني لو استطعت ان اضم قلبك الناصع الحلو الى قلبي لصمت وما تفوهت بكلمة، ولما كنت لا استطيع ان اقبلك... وجب عليّ الكلام. في الواقع يوجد عدد كبير من بنات الهوى في الدنيا والبعض منهن جميلات، ولكن اين ألقى وجها حيث كل قسمة، وكل طية فيه تبعث في احلى واروع ذكريات حياتي؟ حتى اوجاعي التي لاحد لها وخسارتي التي لا تعوض اقرأها في محياك الحلو وأبعد الالم عني بالقبل، عندما اقبل وجهك الحلو. وداعا يا قلبي ألف قبلة لك وللاطفال. "
كارل ماركس 21 حزيران 1856