كيف يسخّروننا جميعًا لبناء الهرم الرأسمالي

تمار غوجانسكي
2011 / 9 / 16 - 09:21     

*رسميًا، وبالتفصيل، يكشف تقرير جديد مدى سيطرة قلة ضئيلة على حجم هائل من الاقتصاد وأرباحه.. إنها 13 مجموعة رأسمالية تملكها عائلات (!)، تحوز 800 شركة وتسيطر على 26% من أرباح الاقتصاد*
في العام 2010 كان 40% من ممتلكات الجمهور (بقيمة اجمالية تصل 2,5 ترليون شيكل)، تحت سيطرة ثمانية اشخاص، هم اصحاب السيطرة على كبريات المجموعات في الاقتصاد

حصة المجموعات الـ 13 الكبرى من الارباح في الاقتصاد ارتفعت من 4% عام 2002 الى 26% عام 2008.. والمجموعتان الأكبر سيطرتا عام 2008 على 13% من اجمالي ارباح جميع الشركات في سوق الاقتصاد.
شركات المجموعات الراسمالية الـ 13 الكبرى تشغل 8% فقط من العمال في سوق الاقتصاد، على الرغم من انها تسيطر على 26% من الارباح!
كشف لينين مطلع القرن العشرين أنه مع ازدياد تركيز راس المال وظهور الشركات الاحتكارية والكارتيلات، فإن اصحاب رؤوس الاموال الاقوى باتوا يطردون المنافسين بغير وسائل التنافس!

تقرير مديرية مداخيل الدولة في وزارة المالية الذي تم كشفه مؤخرًا، يوفر معطيات موثوقة حول التضخم المتسارع في تركّز رأس المال بأيدي حفنة، وإسقاطات هذه السيرورة اقتصاديًا واجتماعيًا.
لقد تم، لغرض اعداد هذا التقرير، فحص معطيات 40 الف شركة عامة (من تلك المطروحة في البورصة) وأخرى خاصة تنشط في الاقتصاد الاسرائيلي. وهذا الفحص المفصّل هو الأول من نوعه.
استنادًا الى هذه المعطيات، كشف الباحثون كيف أن كبريات الشركات في السوق (والتي تتميّز ببنيتها الهرميّة) تتألف من "شركة أم" عادة ما تكون بملكية عائلة، وتسيطر على عشرات الشركات الفرعية من "بنات" و "حفيدات" وهلمجرا.. وهي تمتد على مختلف فروع الاقتصاد.
حتى نفهم مقدار الفائدة التي يحققها صاحب السيطرة على مجموعة رأسمالية من هذه السيطرة الهرمية، نورد فيما يلي المعطيات التي تم نشرها مؤخرًا حول مجموعة "اي دي بي" لصاحبها نوحي دنكنر.
بلغ الرأسمال الشخصي لأصحاب الاسهم في شركة "اي دي بي" 209 ملايين شيكل. قيمة الاسهم التي بحوزة اصحاب الاسهم في شركات اضافية ضمن هذا الهرم، بلغت 9 مليارات شيكل. ولكن من خلال السيطرة على شركات فرعية من فئة "البنات" و "الحفيدات"، سيطر اصحاب مجموعة "أي دي بي" عمليا على ممتلكات بقيمة 137 مليار شيكل. بكلمات أخرى، فقد حققوا مقابل كل شيكل استثمروه في الأسهم سيطرة مباشرة على 50 شيكلا، وسيطرة فعلية على 685 شيكلا.
يجب التوضيح هنا، أن الأسهم بقيمة 9 مليارات شيكل التي بحوزة اصحاب "دي بي أي" تم شراؤها من خلال اعتماد ماليّ حكومي سخيّ، تلقوها من بنوك وشركات تأمين ضمن الهرم، أو من أهرام اقتصادية أخرى. وقد جاء في تقرير وزارة المالية في هذا السياق ما يلي: "لقد نشأت سوق داخلية، تقوم الشركات في نطاقها بتجنيد أموالٍ الواحدة من الأخرى بتكلفة منخفضة ومن دون مخاطرة تقريبًا".


*اجتياح المركزانية*

لقد فحص تقرير وزارة المالية، ووجد انه تنشط في الاقتصاد الاسرائيلي 13 مجموعة كبيرة جدا، تسيطر معا على 800 شركة. أي ان كل مجموعة راسمالية تسيطر بالمعدل على اكثر من 60 شركة.
وهناك معطيات اخرى تتمّم الصورة: في العام 2010 كان 40% من ممتلكات الجمهور (بقيمة اجمالية تصل 2,5 ترليون شيكل)، تحت سيطرة ثمانية اشخاص، هم اصحاب السيطرة على كبريات المجموعات في الاقتصاد.
ان السيطرة على مئات الشركات في مختلف الفروع، العلاقات المميّزة مع البنوك ومصادر الاعتمادات المالية الاخرى، وامتصاص الارباح من الشركات الفرعية المختلفة – هي عوامل مكّنت مجموعات المال الـ 13 الكبرى من تضخيم ارباحها بسرعة.
ويجب أن يُضاف الى هذا ان ملكية الشركات المركزانية في الاقتصاد، ذات المكانة القوية في فرع اقتصادي محدد، تسمح للمجموعات الرأسمالية ايضًا برفع الاسعار اسرع، في حين تظل مصروفاتها على الاجور ترتفع بوتيرة بطيئة.
يبدو لأول وهلة في الاقتصاد الرأسمالي ضمن "السوق الحرة" ان كل واحد من الباعة يحاول "ضرب" المنافسين ودفعهم خارج السوق من خلال اسعار اكثر جاذبية، أي عبر اسعار ارخص. لقد كان هذا هو الواقع السائد في القرن التاسع عشر. ولكن، كما كشف لينين في مطلع القرن العشرين، فمع ازدياد تركيز راس المال وظهور الشركات الاحتكارية والكارتيلات، فإن اصحاب رؤوس الاموال الاقوى باتوا يطردون المنافسين، احيانا، خارج السوق ليس بواسطة الاسعار المنخفضة، وانما بوسائل اخرى: اغلاق اسواق امام المنافسين، الاعلان المنفلت، مصادر الاعتماد المالي المريحة والعلاقات مع السلطة. وهنا، بعد طرد المنافسين خارجًا او ابتلاعهم – تقوم مجموعات رؤوس الاموال الكبرى بفرض اسعار مرتفعة على المستهلكين. على سبيل المثال: شركة "تنوفا" و "ميكروسوفت".
ان معطيات تقرير وزارة المالية تدل الى أي حد تقوم شركات رؤوس الاموال الكبرى في اسرائيل باستغلال مكانتها، من اجل جرف قسم ضخم متزايد من الارباح الى جيوبها.
ان حصة المجموعات الـ 13 الكبرى من الارباح في الاقتصاد ارتفعت من 4% عام 2002 الى 26% عام 2008. وحين نفحص المجموعتين الاكبر، نرى انهما سيطرتا عام 2008 على 13% من اجمالي ارباح جميع الشركات في سوق الاقتصاد.
في عدد من الفروع، يبرز مدى قدرة شركات رؤوس الاموال الكبرى على جرف معظم الارباح: في فرع التجارة المالية (بنوك، شركات تأمين واستثمار)، تجرف هذه الشركات ما يزيد على نصف الارباح؛ وفي فرع الاتصالات حتى 84%.


نحن (المستهلكون، العمال) وهم
بالنسبة لنا، كمواطنين، فنحن نستهلك باستمرار منتوجات تلك الشركات وبالاسعار التي تفرضها، ونساهم في اثرائها. نحن جميعا نشتري لديها منتوجات غذاء ومواد تنظيف؛ ندفع لها مقابل الهواتف المحمولة؛ نودع اموالنا في صناديق التقاعد التي تديرها؛ ونشتري لديها الدور وهلمجرا.
ولكن هل هذه الشركات هي المشغّل الاكبر كما يمكن ان نعتقد؟ وهل شروط تشغيل عمالها ممتازة، كما يريدون لنا ان نظن؟
ان المعطيات التي كشفتها وزارة المالية تدل على انه في شركات المجموعات الراسمالية الـ 13 الكبرى يتم تشغيل 8% فقط من العمال في سوق الاقتصاد (على الرغم من انها تسيطر على 26% من الارباح). كذلك، فإن الشركات العملاقة تستوعب عمالا اقل مقارنة بسائر الشركات. عام 2008، استوعبت 2% فقط من العمال الذين انضموا الى سوق العمل.
بالنسبة للاجور، يجزم تقرير وزارة المالية: تدفع كبريات الشركات أجرًا اكثر انخفاضًا قياسا بسائر الشركات.
ان الاستنتاج الضروري الذي تشير وزارة المالية اليه هو: ارباح المجموعات الرأسمالية الكبرى الرئيسية تذهب الى اصحاب السيطرة والمديرين، فقط، ولكن ليس للعمال بأي شكل. في السنوات 2003-2008 ارتفع الاجر المتوسط للمديرين بـ 3,4 ضعفا، بينما لم ترتفع اجور العمال بالمرة.
لم تقم وزارة المالية بنشر التقرير عن كبريات الشركات، طوعيًا، وهذا ليس صدفة؛ فحين تم اعداد التقرير نهائيا، اندلع في اسرائيل الاحتجاج الاجتماعي الكبير. فلم تكن وزارة المالية معنية بأن تجسد للجمهور كيف ركزت مجموعات رؤوس الاموال الممتلكات والارباح بيديها وساهمت بالتالي في تعميق انعدام المساواة المتفشي. كذلك فإن وزارة المالية لم ترغب في توفير ارضية للمطلب القائل: فككوا هرم رأس المال وارفعوا الضرائب على الشركات والاثرياء.