صدمة أردوغان


أمير خليل علي
2011 / 9 / 15 - 14:45     

يعاني الإسلاميون في مصر حاليا مما نسميه "صدمة أردوغان"

وهي صدمة أعقبت تصريحات أردوغان التي أكد فيها أن الدولة العلمانية ضرورية للمجتمع المسلم، وأن نموذج الدولة الإسلامية والخلافة لم تعد نماذج مقبولة للمجتمعات المعاصرة. وأن الأفضل للمسلم أن يعيش في دولة علمانية.

انظر الرابط: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=196130143797436&set=a.103652329711885.5178.103622369714881&type=1&ref=nf


وهي التصريحات التي عدها الإسلاميون المصريون خطيرة للغاية.

وفي إطار هذه الصدمة، وصف حازم صلاح أبوإسماعيل تصريحات أردوغان بأنها "مفاجئة". بل وقد وجه أبوإسماعيل أيضا انتقادات لأردوغان.

انظر الرابط:
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=492556

كذلك طلع علينا عصام العريان، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة الذي أسسته الجماعة، ليوجه انتقادات مماثلة لأردوغان. بل وليضيف إليها تحذيره لأردوغان من محاولة الهيمنة على المنطقة. حيث بثت وسائل الإعلام انتقادات جماعة الإخوان المسلمين لأردوغان تحت عنوان: الاخوان المسلمون بمصر تحذر تركيا من السعي للهيمنة على المنطقة.

انظر الرابط:
http://ara.reuters.com/articlePrint?articleId=ARACAE78D0K920110914


ومن الواضح جدا أن موقف التيارات الإسلامية قد انقلب 180 درجة ضد أردوغان، بعد أن كان يهلل له.

فبعد الحماس الشديد والشوق العارم لاستقبال أردوغان وحرارة استقبال الإسلاميين له لحظة وصوله في المطار بهتافات "أردوغان أردوغان.. تحية كبيرة من الإخوان"، وكذلك بعد قيام كثير من الإسلاميين المصريين بتغيير صور بروفايلاتهم على الفيس بوك ليضعوا مكانها صور أردوغان ..

انظر الرابط:
http://www.facebook.com/photo.php?fbid=215102281884569&set=a.185765638151567.48353.185332328194898&type=1&ref=nf


نقول أنه بعد هذا الحماس والشوق العارم كله لأردوغان .. انقلب الشوق العارم إلى كراهية ولوم وانتقاد وتحذير ورفض، خلال ليلة وضحاها.

وكانت هذه الليلة هي نفس الليلة التي صدرت فيها تصريحات أردوغان الصادمة عن ضرورة الدولة العلمانية، وهو ما يؤكد عدم صلاحية نموذج الخلافة الإسلامية للدولة المعاصرة.

وقد رصدت بعض المواقع على الفيس بوك صدمة الإسلاميين من تصريحات أردوغان.

انظر الرابط: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=168631043217626&set=a.125110314236366.31405.125000227580708&type=1&ref=nf

كما رصدت بعض مواقع الفيس بوك تعليقات الإسلاميين وردود غير الإسلاميين عليهم حول تصريحات أردوغان بخصوص ضرورة الدولة العلمانية.

انظر الرابط:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=196110443799406&set=a.103652329711885.5178.103622369714881&type=1&ref=nf


وقد تعجبت أغلب وسائل الإعلام المصرية والدولية من سر تغير موقف التيارات الإسلامية من أردوغان، واستغربت كيف ينقلب موقف الإسلاميين نحو أردوغان بهذه السرعة المفاجئة من التهليل والتطبيل إلى الانتقاد والرفض والتحذير.

أما حل السر، فهو يكمن في تصريحات أردوغان الصادمة للإسلاميين حول عدم صلاحية الخلافة الإسلامية للدولة الحديثة، وأن الدولة الحديثة يجب أن تكون دولة علمانية.


تحليل دلالة الصدمة؟

إنقلاب الإسلاميين تجاه أردوغان من المواقف المرحبة والمدافعة إلى المواقف المستنكرة والرافضة والمحذرة، إنما يعبر عن ما يلي:

عجز الإسلاميين الفكري عن فهم كيف يمكن للإسلام أن يجمع بين الإٍلام وبين العلمانية المعاصرة. وهو ما يشير إلى أن هؤلاء الإسلاميين – بما فيهم القيادات – عاجزون عن فهم معني ما يروجون هم أنفسهم له من القول بفكرة "المرجعية الإسلامية"، باعتبارها بديل عن فكرة دولة الخلافة الإسلامية وعن فكرة الأحزاب الدينية الإسلامية.

فيبدو أن الإسلاميين يرون أن فكرة "المرجعية الإسلامية" التي يقصدونها تختلف تماما - بل وتتعارض - مع ما طرحه أردوغان عن التجربة التركية العلمانية الحالية التي تعتمد على الدولة المدنية العلمانية بمرجعية إسلامية تركية.

ويعني هذا أن ما يفهمه الإسلاميون المصريون من مسألة "المرجعية الإسلامية" هو وجود تعارض بين مسألة "المرجعية الإسلامية" وبين مسألة العلمانية. وهو ما يجعل الإسلاميون يرفضون الدولة العلمانية المدنية، بدليل رفضهم واستنكارهم لما طرحه أردوغان بهذا الصدد.

وهذا يعني أن مسألة "المرجعية الإسلامية" التي يطرحها الإسلاميون المصريون إنما هي مجرد "احتيال" و"إلتفاف" على نفس الرؤية القديمة القارة بخصوص دولة الخلافة الإسلامية، حيث ترفض الدولة العلمانية ويطغى حل الدولة الإسلامية الرافضة لمدنية المعاملات وعلمانية التنظيم في الدولة.
فلو لم تكن مسألة "المرجعية الإسلامية" التي تطرحها التيارات الإسلامية هي مجرد "حيلة" لتمرير أحزابها إلى الإنتخابات، فما الذي يفسر صدمة أغلب القيادات الإسلامية من تصريحات أردوغان؟

فإن كان ما يقصده اردوغان بالمرجعية الإسلامية قريب مما يقصده الإسلاميون المصريون من نفس المرجعية الإسلامية، فما سبب "صدمة" الإسلاميين المصريين من تصريحات أردوغان؟

التفسير الوحيد هو وجود خلاف جوهري بين ما يقصده الإسلاميون المصريون بالمرجعية الإسلامية، وبين ما يقصده أردوغان حول نفس المسألة.

فمن الواضح أن ما يقصده الإسلاميون المصريون من "المرجعية الإسلامية" إنما يقوم في جوهره على على رفض الدولة العلمانية ورفض الدولة المدنية، مع المطالبة بالعودة إلى نوع من دولة الخلافة الإسلامية، والتي رفضها أردوغان. ومن هنا يكون استنكار الإسلاميون المصريون لتصريحات اردوغان إنما يدل على عدم تغير أفكارهم الأساسية الداعية إلى دولة خلافة دينية رافضة للدولة المدنية ورافضة للعلمانية بشكل تام، ولا يهادنوا حتى أردوغان في هذا الرفض.

وهكذا تكون زيارة أردوغان وتصريحاته، قد أدت إلى إنكشاف "تحايل واحتيال" التيارات الإسلامية المصرية في قولها بما أسمته "المرجعية الإسلامية"، وكأن التيارات الإسلامية تريد "التدليس" على جماهير الناخبين المصريين لتمرير نفس مطالب التيارات الإسلامية المتشددة بإقامة دولة خلافة إسلامية في مصر، لكن تحت شعار ظنوه أهدأ وأقل استفزازا وأكثر احتيالا هو شعار "المرجعية الإسلامية"، كبديل عن شعار "الخلافة الإسلامية".

وهذا يدل على أن غاية التغييرات والتعديلات التي زعمت التيارات الإسلامية المصرية أنها قامت بها مؤخرا بعد ثورة 25 يناير وقبلها، اقتصرت على تغييرات شكلية طالت فقط الشعارات التي يرفعونها دون أن تطال جوهر البرامج السياسية التي يتبنونها.

فالبرامج السياسية للتيارات السياسية المصرية ما زالت كما هي لم تتطور ولم تتغير، بل كل ما فعلته هو أنها أضافت إلى برنامجها نوع من "التقية" في الشعارات، بحيث تنطلي على جماهير الناخبين المصريين، وتخدعهم بهدف إختيار نفس البرامج الإسلامية، لكن بشعارات أخف حدة وأقل استفزازا، وهو ما يرقي إلى كونه عملية "احتيالية" إعلامية وشعاراتية، على جماهير الناخبين المصريين الرافضين لجوهر برامج التيارات الإسلامية المصرية، كونها خالية من المضمون الاقتصادي والسياسي الحقيقي، مثابل تركيزها على المضمون الديني بشكل حصري.

ولا يفيد في هذا الصدد مجرد إجراء تغيير شكلي واحتيالي على الشعارات المرفوعة، من إبقاء جوهر البرامج السياسية على ما هي عليه من قصور أثبت عواره فيما مضى بحيث استشعر القائمون عليه ضرورة إخفاء هذا العوار، حتى ولو من خلال إخفاء اسمه الحقيقي.

فدلالة محاولة الإخفاء والتدليس هذه تعني رفض جماهير الناخبين لحقيقة هذه البرامج. وبذلك يصبح من التدليس تقديم نفس البرامج لنفس الناخبين، مع الاكتفاء فقط بتغيير المسميات وتعديل الشعارات دون تغيير البرامج نفسها.

هناك عجز آخر يعاني منه الإسلاميون ويتمثل في عجزهم عن فهم المشاريع الفكرية والحضارية الجدية التي تطرحها أسماء إسلامية مهمة معاصرة مثل مهاتير محمد ورجب طيب أردوغان.

فهذه المشاريع الإسلامية الحضارية الجديدة تجمع بين العلمانية جنبا إلى جنب مع الإسلام.

وهذا الجمع الذي يمكن أن نسميه علمانية إسلامية، هو بالنسبة للإسلاميين المصريين أقرب إلى الخرافة، بحيث يصعب عليهم تصور حدوثه. وذلك رغم تبلور هذه النماذج "العلمانية الإسلامية" في الواقع بالفعل في تجربة ماليزيا وتجربة تركيا.

هذا العجز الفكري لدى الإسلاميين المصريين يدل على أنهم عاجزين عن فهم ودرس هذه النماذج المهمة للعلمانية الإسلامية.

في مقابل ذلك يظهر أنهم مشغولين حصريا بنماذج إسلامية أخرى أثبتت فشلها مثل النموذج الباكستاني والنموذج الإيراني. وهي النماذج التي تبتعد عن العلمانية وترفضها كما يفعل الإسلاميين المصريون وتسقط في السلطوية والعسكرية والاستبداد وولاية الفقيه.

إن تحليل التحولات المفاجئة في موقف الإسلاميين المصريين نحو تصريحات أردوغان، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أن النموذج الذي يداعب خيال إسلاميو مصر هو بعيد جدا عن االنماذج الناجحة في تركيا وماليزيا .. وقريب جدا من النماذج الفاشلة في باكستان وإيران.

فالعلمانية ضرورة استراتيجية لكن الخلاف هو حول ما هو نوع العلمانية المطلوبة؟
هي العلمانية التي لا تتنكر لمنجزات حضارة الإسلام بل وتدمج هذه المنجزات في مشروعها الحضاري الجديد الذي يعتمد العلمانية والمدنية والديمقراطية، باعتبارها الإطر العامة المكونة للدولة.

وللأسف فإن هذا النوع من "العلمانية الإسلامية" غير مفهوم سواء لدى أغلب الإسلاميين المصريين أو لدى أغلب العلمانيين المصريين.

والسبب في ذلك هو أن أغلب العلمانيين مثلهم مثل أغلب الإسلاميين في مصر .. هم سلفيون في طريقة التفكير والتصرف .. بمعنى أن الاثنين (العلمانيين والإسلاميين) عاجزان عن فهم كيف يتم التلاقي بين العلمانية وبين الإسلام .. دون أن يفترس أحدهما الآخر .. رغم أن هذا التلاقي قد تم بالفعل في تجربة ماليزيا وتركيا.

ومن هنا سقط كل من الإسلاميون والعلمانيون المصريون في سوء فهم ما يعنيه أردوغان والنموذج التركي بشكل عام.

ومن هذا المنطلق فربما يمكننا القول بكل صراحة أن زيارة أردوغان إلى مصر قد صار مصيرها الفشل، ليس لأن نموذج تركيا فاشل، بل لأن المصريين (بعلمانييهم وإسلامييهم) ما زالوا مصرين على التمسك بالنماذج الفاشلة ورافضين لأن يتعلموا أي مسار جديد ربما ينقذهم من الفشل.