من أجل -جبهة ثقافية ديمقراطية ...-


رشيد قويدر
2011 / 9 / 12 - 15:05     

ونحن نحتفي بـ "المنتدى الثقافي الديمقراطي الفلسطيني" مخيم اليرموك - دمشق، نشيد بالسنوات القليلة من عمر المنتدى الشاب؛ بالعودة إلى تجربته في نشاط الثقافة والتنوير، ونشيد بالخطوات التي مشيناها معاً وسوياً؛ لنؤكد أنه لا يمكن للثقافة والتنوير أن تخطو دونما عمل جماعي وحوار، ونحن في هذا الزمن نقرع ناقوس الخطر على قضيتنا وعلى العرب عموماً ...
• تتكالب اليوم قوى الشر الاستعماري والصهيوني وقوى التخلف والظلام على كل ما هو وطني وديمقراطي إنساني فلسطيني وعربي، بدءاً من عدوانها على تعددية الثقافة وحق الاتفاق والاختلاف، والتراث الوطني الإنساني، بهدف خنقها وتصحيرها، وخنق جريان نهر الثقافة الفلسطينية ـ العربية في طاقتها الأسطورية، فلسطينياً نحن مدعوون من رفع جذوة الثقافة المتوهجة أبداً، على الرغم من غياب الاتحادات على بيروقراطيتها وبطالتها المزمنة، وطالما أن الإبداع الفلسطيني في تجلياته المتنوعة هو ليس وليد الأمس القريب، بل يمتد بجذوره إلى الماضي السحيق في عمق التراث، إلى كنعان والكنعانيين ...
• ونحن نشهد اليوم أن الاستعمار لم يعد يحتاج إلى "ضباط اتصال" محليين في أوطانهم، فلم يعد يستعمل الأساليب القديمة ذاتها، بل بالخلط بين الأصيل (الوطني) والمتدخل، فالاستعمار ذاته عين حراسه بشكل أو بآخر حراساً على مناطق النفط، هم بيننا ومنا، لكنهم حقاً يقيمون في عاصمة المتروبول، ويحملون صفات حكام "عرب" كناية عن أمراء ومشايخ وشيوخ، يستولون على تسعين بالمئة من الأموال النفطية "تكاليف حراسة، فنادق ومطاعم"، وجيوب مثقوبة على الملذات، ... وما اتفق مع هؤلاء من المرتزقة ومكافآت "المؤلفة قلوبهم"؛ من منظرين ومسبحين وكهنة إيديولوجيات للتضليل والعمى. نعم ... سوق نخاسة، هم اليوم عبر كهنتهم واقلام السلطان وتحالف السلطة والمال يدخلون البيوت الفقيرة عبر المرئيات ... في إنهاك ما بعده إنهاك ...
• الفقر والفقراء وشعوب مفقرة، والفقر يعني أن تكون بلا مساحة ولا حجم، أن تخاف من الأبنية العالية والزجاج النظيف اللامع، أن تمر من هذه الشوارع مسرعاً، تطلب التوق والرحمة، لأن الأغنياء يكسبون من قناعة الفقراء: بـ "كسرة خبز، وخبزنا كفاف يومنا"، يُراد أن يكون "الرزق على الله" في العقلية الفقيرة موطناً، الفقراء تراهم في عموم شوارع العواصم والمدن العربية وقد جففتهم الشمس على عرباتهم وأكياسهم المحمولة على ظهرهم، مثلما بوعزيزي تونس، وغيره من باعة البلاستيك الصيني والعطور الرخيصة والأمشاط السوداء والبرتقالية على أرصفة الشوارع، حالة أقسى مما يشاهد في بنغلادش وسيريلانكا وكمبوديا، لأنها تقع في أماكن ثريّة؛ خاصةً في احتياط النفط والطاقة الأول في العالم ...
نعلم الآن ومن فقرنا؛ لماذا وُصفت الجنة بالأنهار والأشجار والثمار ؟ لماذا يكره الفقراء مداولة الفصول الأربعة ؟ بما تحمل من فاكهة تأتي وترحل ولا تستقر إلا على موائد الأغنياء، ونتساءل لماذا الفقراء كائنات دهنية ... والأغنياء كائنات بروتينية وفيتامينات ... إن قناعة الفقراء هي المصيبة الأولى ... طالما نظّر لهم العواهر واللصوص بأن وجودكم في هذه الدنيا هو مؤقت ... لأنكم ستحصلون على كل ما تحلمون به هو في العالم الآخر الدائم الأبدي والأزلي ...
• في الفعل المرئي لفضائيات البترودولار على جانبين: الأول قوى ظلامية لا علاقة لها بالدين والأديان، والثاني: ذاتها لكن على نقيضها، في اتفاق ثنائي على تعميم ثقافة الانحطاط والتصحر في الحياة، حيث يعمل الثاني على تسليع التهافت في الذائقة وإثارة الغرائز، في ثقافة "الجينز"؛ وتبلغ الرتابة الانحطاطية نقيضين وحدّين لكل منهما، يجتمعان على التعبير والتعميق لإضعاف الإحساس بقيمة الحياة والجمال، بل رفض الحاجة إليها وإشاعتها في المناخ الثقافي ... عدوان جارف ما بعده عدوان، لتفكيك عرى الروابط الاجتماعية، ويعبر عنه بالارتفاع المخيف في معدلات الجريمة، والعتمة الموجعة ضد كل ما هو ثقافي جميل يفتح على العقل ومناخاته، والمستهدف أولاً هم المبدعون الحقيقيون، وعموم الذي يعبرون عن مواهب إبداعية في عموم ألوان ومناحي الثقافة "الشعر، الموسيقى، الغناء، السينما، الفنون التشكيلية (مُحَرّمة)، ولهذا نقول: "إن المنتدى معني تماماً برعاية هذه العناوين، والبحث في الظواهر الاجتماعية، والحقوقية للمرأة، ولماذا تشيخ سريعاً ومبكراً وتكتئب في بلداننا ...
• الثقافة الديمقراطية، ثقافة العقل، الحداثة والمعاصرة "فيلق الدفاع الأول عن الأوطان"؛ ونحن نشاهد ما يدور في غابة من الفضائيات تتخصص في ثقافة الانحطاط، ما يدفعنا ويدفع كل من يشعر بالحدود الدنيا من المسؤولية، بالعمل على تنقية الثقافة وتنقية مظاهر الحياة،. والثقافة بكل تمظهراتها؛ بكل ما يمكن أن تلعبه من دور في إعداد وتوجيه حركة ذائقة الناس، وتنمية الثقافة النقدية، وإنعاش مزاج الحياة الاجتماعية من خلال الجمالية الجاذبة ...
أن يكون المنتدى رائياً ومعمماً للتجليات الفلسطينية، الثقافية والأخلاقية والوطنية. نحن نحتاج إلى الطاقة الجبارة لرافعات الفعل الثقافي، وما أحوجنا لها، ذلك بسبب الخراب الذي تُحدثه قوى الظلام وبقايا القرون الوسطى وعواهرها في المنطقة، فضلاً عن غول الاحتلال. إن ما يوقف مدرعات الخراب هو: "الجبهة الثقافية وحدها"، قياساً بوحشية الظرف العام، في غياب الحياة الثقافية والخطط الحديثة التي تناسب العصر، وتحديات الكارثة التي تنشط على مدار الساعة، والتي من أهدافها الإغلاق بوجه الثقافة لعموم نوافذ الحركة...
نريد أن ينفتح المنتدى على الطاقات الشابة الخلاقة في الثقافة، بأن نفتح على مخيال الإبداع ... على شلال الإبداع، بتكريس حالة ثقافية تقوم على الحوار، كما تؤكد "اللائحة الداخلية للمنتدى"، فلا ثقافة بدون حوار، نحو أن يكون الحوار علامة مسجلة للشخصية الفلسطينية العامة، لا يمنع بنائها معيقات الظرف أو أية اعتبارات أخرى مادية على فقرها. بل إن عموم الظرف القائم يؤكد على ضرورات الحوار لمواجهة المعيقات ... وعبر الحراك الثقافي نصارع الاحتلال ووحشيته ويباسه، بكل ما ينبغي أن نصارعه بروح ديمقراطية تعددية فلسطينية خصبة مبدعة، طالما علمتنا على ابتكار الجمال وتصديره عبر الفرز والتقييم والعقل الناقد، والتقييم الشعبي؛ فهو الحكم والفصل وميزان الثقة لِنُثبتْ الأمور في نصابها الصحيح، في سياق المسؤولية الوطنية والأخلاقية، والموازنة العلمية والتناغم المحسوب لروح الثقافة المعاصرة، ولكل ما هو إنساني ... فالثقافة هي المبشرة بالزمن الآتي ...
أخيراً نختم بالتالي:
وحيث لا يمكن عزل اللحظة الفلسطينية ـ العربية عموماً، بكل تعقيداتها وإشكالاتها عن بعضها البعض، وعن شروط صناعتها التاريخية، أي شروط توليدها وإنتاجها بما فيها معاكساً إنتاج أوهامها الكبرى، لذلك نريدها حركة دائمة ... أن نتخلص من أوهام سائدة ما فتئت وظلت تقتل الحياة ... نريدها حركة تجدد دائمة في أفق النور والإبداع الذي ينطوي في داخلهما روح وعقل متنور وشامل، نحو أفق نتكامل به ... نحو عوالم ثقافية نبيلة وشفافة ومرهفة، تكرس المحبة كقيمة عليا ... تضيء الواقع بفرح وثراء عقل الإنسان الصاعد ... أي نتكامل بمفاهيم الإبداع والمسرّة والحب والكرامة ... بأن نحيا في النور "قول الصوفية" ... في حياة خالية من الخزعبلات والأوهام ... بعيداً عن الإرث الميت في جسد الماضي، الذي يؤجل الحياة إلى ما بعد الموت، وبقدرٍ كبير من إدراك ومعرفة الذات الجماعية ...
نحتفي اليوم ونقدم تكثيفاً لما نريد؛ فالثقافة هي المبشرة بالزمن الآتي، بمعنى آخر نحن معنيون برعاية الفعل الثقافي بألوانه، وتهيئته في مناخات صحية، من خلال التفاعل والتكافل والتلاقح والنشر، نحو التفاعلي الوطني القومي، الانساني ... نحو التأثير والفاعلية، ونقول لمن يقيس الأمور بالثقافة بحسب المسافة التي تشغلها قدماه، بأنه واهم، لأن مقياس التطور ورحابة المنظور الإنساني، لا يتجلى إلا بعمق الثقافة والإبداع، ما نحلم به ونتمناه خدمة للإنسان والوطن ...
هذا هو نهجنا، نهج الثقافة الناقدة على مدار التاريخ، فمن سحيق التاريخ ... الإبداع وحده ... هو ما يبقى، ويجري الحديث عنه راهناً بالفعل المضارع "المتواصل"، إن الناشئة من المبدعين الشباب هم غايتنا وهم من نبحث عنهم ... الجزء الحيوي من دورة الوجود المُشع، وتحقيق تفتحه وجماله وتكامله على أرض ثقافية لا تحكمها ظلامية الخرافة وكهوف الغبار والانتماء الكلي المقطوع للماضي إرثاً ومقولات ... فمعنى الحياة الأعمق هو الجمال الخلاّق، في سياق تقديس الانفتاح والتطور وحرية الاختيار واحترام الآخر دونما إكراه ... هذه هي السيمفونية الإنسانية الصاعدة، التي تنشد مجد الإنسان، السيمفونية الإنسانية المسالمة المطهرة من الخطايا كما يسميها "الإشراقيون" من الصوفية، في توجهها "للجميل العادل" بدلاً من تأجيل الحياة إلى ما بعد الموت ... فالنور عدلاً ... والسعادة عدلاً ... وحرية الإنسان أولى العدالات ...
أُلخص "نحو جبهة ثقافية ديمقراطية ..."
• من مداخلة ألقيت في الجمعية العمومية الخامسة لِـ "المنتدى الثقافي الديمقراطي الفلسطيني" يوم 14/8/2011 دمشق، مخيم اليرموك ـ قاعة الشهيد خالد نزال.