ثورة الاقتصاد:الفريضة الغائبة (4)


سعد هجرس
2011 / 9 / 11 - 01:19     

ستظل ثورة 25 يناير تراوح مكانها، تتقدم خطوة لتتراجع خطوتين، ما لم تتضافر ثورة السياسة مع ثورة الاقتصاد.
ومن غير المعقول أن يتركز الجدل حول استحقاقات إرساء دعائم نظام سياسي جديد علي أنقاض النظام السابق، بينما يتم تكريس النظام الاقتصاد الذي خلّفه الرئيس المخلوع حسني مبارك وإعادة إنتاجه.
وهناك الكثير الذي يمكن ـ ويجب ـ فعله بهذا الصدد، اليوم قبل الغد.
فيجب ـ أولاً ـ اتخاذ خطوات سريعة ومترابطة تحقق »الإصلاح الزراعي الثاني«، بعد أن انهارت أوضاع الريف والفلاحين بفضل سياسات مبارك ويوسف والي التي اغتالت »الإصلاح الزراعي الأول« الذي أقدمت عليه ثورة 23 يوليو ،1952 بعد أقل من شهرين من قيامها.
وهناك خطوط عريضة للإصلاح الزراعي الجديد المطلوب.
أولها إعادة النظر في ملف الملكية.. فمن غير المعقول، ومن غير المقبول، أن يعود الإقطاع في صورة ملكيات شاسعة وغير محدودة حتي لغير المصريين الذين حصلوا علي »تسهيلات« ـ تصل إلي حد التفريط ـ في آلاف الأفدنة، وتمليكها لهم بينما الفلاح المصري محروم من عشر معشار هذه التسهيلات.
ثانيا ـ إعفاء الفلاحين من سداد الديون المستحقة عليهم لصالح بنك الائتمان الزراعي، والذي كف عن أن يكون بنكا لتشجيع التنمية الزراعية ومساندة الفلاح، وتحول إلي بنك تجاري يسعي إلي جني الفوائد والأرباح بأي صورة حتي لو كان ذلك علي حساب تدمير الإنتاج وتحطيم حياة أهلنا في الريف.
ومن غير المعقول بهذا الصدد أن يعمل النظام السابق علي إسقاط جزء كبير من مديونية رجال الأعمال المتعثرين بينما دأب علي صنع أذن من طين وأخري من عجين حتي لا يسمع صرخات الفلاحين الذين لا يصل إجمالي مديونياتهم إلي عشر معشار مديونية رجل الأعمال، علما بأن تعثر آلاف الفلاحين عن سداد هذه المديونيات المتراكمة يعود في الأغلب الأعم إلي فساد السياسات الحكومية تجاه الزراعة، سواء فيما يتعلق بمعدلات الفوائد، أو في أسعار مستلزمات الإنتاج من بذور وأسمدة وخلافه، أو في سياسات التسويق، أو في توقف سياسات الإرشاد الزراعي، وإلغاء الدورة الزراعية،... إلخ.
والأمر يتطلب اليوم قبل الغد صدور قرار بإسقاط مديونية الفلاحين، وتبني حزمة من السياسات الرشيدة التي يكون من شأنها تعزيز الإنتاج والإنتاجية الزراعية ومساندة الفلاح وتطوير الريف المنسي والمحروم من أبسط الحقوق، علما بأن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وكثيرا من دول العالم الأخري لا تبخل بالدعم لمزارعيها.
والأمر يتطلب أيضا إعادة النظر في أراضي الإصلاح الزراعي وأحقية الفلاحين في ملكيتها علي خلفية النزاع القائم مع الأطراف الأخري التي تدعي الملكية، وكذلك أحقية الفلاحين في ملكية المساكن التي يقطنونها والأراضي التي يفلحونها، وتعويض المستأجرين الذين طردوا من أراضيهم عام 1997 بسبب تطبيق القانون 96 لسنة 1992 وتعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر للأراضي الزراعية.
والأمر يتطلب كذلك تعديل قانون التعاون الزراعي بحيث يزيل العراقيل أمام تشكيل الفلاحين لروابطهم وجمعياتهم المستقلة عن الدولة، فضلا عن ضرورة تشجيع الجهود الرامية إلي تشكيل نقابة مستقلة للفلاحين للدفاع عن مصالحهم.
> > >
إن الفجوة الغذائية الموجودة حاليا تشكل ثغرة رهيبة تعمق أزمة الأمن الغذائي وتثقل كاهل الاقتصاد المصري ككل، بينما لا تحقق سوي مصلحة حفنة من المستوردين المستفيدين من هذا العجز.. ولا سبيل لعبور هذه الفجوة إلا بإعادة الاعتبار إلي الزراعة المصرية.. وهذا بدوره لن يتحقق إلا باللجوء إلي العلم والبحث العلمي في مجال الزراعة من جانب وإنصاف الفلاح من جانب آخر.
والأبحاث العلمية بهذا الصدد كثيرة جدا، ومتاحة، وتؤكد كلها أن تحقيق ثورة حقيقية في الزراعة المصرية ممكن.. ولا يحتاج سوي إرادة سياسية.
والمفترض أن ثورة 25 يناير فتحت الباب أمام تفعيل هذه الإرادة السياسية الغائبة حتي الآن.
وللحديث بقية.