رسالتان إلى الأسد والمعارضة الديموقراطية:لا خيار لسوريا.. إلا الحوار


خالد حدادة
2011 / 9 / 9 - 11:11     

تحية الى كمال الصليبي وهمدان

مر شهر آب، ليضيف شهراًًً جديداًًً على روزنامة الحدث العربي التاريخي، وليضيف حقائق جديدة على طبيعة الصراع الجاري اليوم في المنطقة، وبالتالي على أطراف هذه المواجهة المستمرة منذ أن فجر محمد البو عزيزي الصمت العربي المخيف ومنذ أن استكمل شباب تونس وعمالها وشعبها، وبعدهم مصر والبحرين وليبيا واليمن وسوريا، ومقموعو السعودية ولبنان، تحركات التغيير الديموقراطي...
إنهم ثلاثة أضلاع للحدث، الأول هم أولئك الذين صنعوه بحراكهم الثوري وبوعيهم لقضاياهم ولحقوقهم بالحرية والكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، فأطلقوا حراكهم من أجل دولة ديموقراطية تلغي منطق القمع والقهر والموت الذي وسم الأنظمة العربية منذ عدة عقود..
الثاني المقابل تماماًً هو الهجمة المضادة التي تقودها الولايات المتحدة وينخرط فيها الحلف الأطلسي وحلفاء أميركا الاقليميون وفي مقدمهم تركيا، التي وإن سجلت إيجابية قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني، فإنها وضعت هذه الإيجابية بمهب خطيئة جعل تركيا قاعدة متقدمة للأطلسي في وجه حقوق العرب، وخاصة حق الشعب الفلسطيني، واليهما تضاف عشائر الخليج من السعودية الى قطر وأخواتها، تلك الدويلات المقايضة لوجودها بالثروة العربية الأساسية الممنوحة لأميركا ولدول الأطلسي... وإليها أيضاًً بعض تجار السياسة في الخارج الذين يركبون ركوب المعارضة، مطالبين كما عبد الحليم خدام وبعض أشباهه بالتدخل الأميركي والأطلسي لمساعدة «ثوراتهم الافتراضية» ونصرتها.
أما الضلع الثالث فهو الأنظمة التي حولت نفسها بإرادة أو بدون إرادة الى ستار، يحتمي خلفه الخارج ليبرر عبره التدخل في شؤوننا والالتفاف على مطالب الحركة الشعبية، وبالتالي، كما حاكم ليبيا الفار، يتعاون مع المخابرات الأميركية والبريطانية حتى اللحظات الأخيرة من حكمه، ويستعد للتنازل والتبادل بين نفطه ونظام الحكم، على حساب حق الليبيين في دولة مدنية، ديموقراطية وعادلة.


*****



وعلى وقع استمرار المواجهة بين حق الشعوب والهجمة المضادة المحتمية والمستقوية بنهج الأنظمة، ومن موقع الالتزام بحق الشعب العربي بالحرية والديموقراطية والعدالة، ومن موقع الالتزام بمواجهة المخططات الاستعمارية الجديدة لأميركا والأطلسي، وفي الوقت الذي وصلت فيه هذه المشاريع الى ذروتها في مواجهة سوريا وموقعها، من موقعنا هذا، نتوجه برسالتين مختصرتين علهما تفعلان.
الأولى، للرئيس بشار الأسد... مؤكدين تقديرنا للموقع الوطني لسوريا في مواجهة المشاريع الخارجية وفي مساندة مقاومة الشعوب العربية من العراق الى فلسطين ولبنان بالتحديد.
نحن على ثقة، بأنك منذ أن أتيت الى سدة الحكم، بغض النظر عن ظروف مجيئك، وأنت تعلن التزامك بمنهج إصلاحي على المستوى السياسي... ونحن ايضاًً على ثقة بأن المستهدف في سوريا من قبل أميركا والغرب والخليج ليس الأسس الأمنية للنظام، بل الموقع والموقف الوطني لها والمزعج للعدو الصهيوني والداعم للمقاومة في وجهه... ونحن على ثقة ايضاًً بالصعوبات الموجودة داخل النظام نفسه والذي يسعى للحفاظ على مكتسباته وعلى حساب حق الشعب السوري في التقدم والديموقراطية... وعلى ثقة ايضاًً بأن بعض البدائل المطروحة ليست بدائل ديموقراطية، وأكثر من ذلك، ربما يشكل بعضها خطراًً على المستقبل الديموقراطي والمدني لسوريا... ونحن على ثقة ايضاًً بأن النظام لا يزال يتمتع بقوة تمكنه من الاستمرار لفترة مقبلة.
وأكثرمن ذلك، فنحن يا سيادة الرئيس، لسنا بحاجة لمن يعبئنا ويقنعنا بالمخطط الأميركي- الصهيوني، ليس ضد سوريا فقط، بل ضد العالم العربي ومن أجل أمن اسرائيل ومصادرة الثروة العربية... وكذلك لسنا بحاجة لاكتشاف أن بعض قوى المعارضة، وخصوصاًًً في الخارج، يستدرج التدخل الخارجي ليكرر تجربتي ليبيا والعراق، ليأتي الى الحكم على متن دبابات الأطلسي. وللمفارقة يا سيادة الرئيس أن معظم هؤلاء من الأركان السابقين في النظام، ومنهم من هو رمز لكل خطايا النظام في الداخل وتجاه الشعب اللبناني، مثل نائبك السابق عبد الحليم خدام.
نحن نرى معك يا سيادة الرئيس كل ذلك، ولكن،
أما حان الوقت للاقتناع بأن ما يجري ليس وليد التدخل الخارجي وحده، وبأن درجة التناقضات الداخلية للنظام على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تلعب اليوم دوراًً يكاد يعادل أو يفوق احياناًً درجة التناقض الرئيسي مع المؤامرات الأميركية - الصهيونية.
ألا ترى معي، بأن هذا الشعب، في الأعوام التي تلت غزو العراق، وحتى ما بعد حرب تموز 2006، وبينهما اغتيال الرئيس الحريري، هذا الشعب التف حولك وتحمل الجوع والقهر والحصار الاقتصادي وحمى الموقف الوطني والقومي لسوريا.
وبالتالي ألا ترى يا سيادة الرئيس بأن هذا الشعب الملتزم بالقضية الوطنية والقومية يستحق منكم ان تتنازلوا له ولحقوقه، وله فقط، وأن تعيدوا معه ترميم شبكة الأمان والحماية للموقف الوطني، وذلك لا يتكون إلا عبر إعطاء الثقة للمعارضة الوطنية الديموقراطية في سوريا والتي أثبت موقفها الرافض للفتنة والمتصدي لمحاولات تشكيل «مجالس انتقالية» تستدرج التدخل الخارجي... وبالتالي اعتبارها فريقاًً للحوار من أجل رسم وجه سوريا المقبل الذي يجمع الى الخط الوطني العدالة الاجتماعية والديموقراطية والثقة بقدرات الشعب السوري.
ربما أنتم حتى الآن في الموقع الأقوى، وعظمة القرار تكون من هذا الموقع، والمطلوب مجدداًً التنازل للشعب السوري وإشراكه عبر معارضته الديموقراطية، حتى لا تجد نفسك مضطراًً للتنازل أمام الخارج أياًً كان هذا الخارج.


*****

أما الرسالة الثانية فهي للمعارضة الوطنية الديموقراطية في سوريا.
لكم أيها الرفاق والأصدقاء الذين نعرفكم جيداًً ونعرف فيكم الالتزام الوطني والوعي الديموقراطي، نعرف أنكم، وأنتم في أسوأ ظروف القمع الذي تعرضتم له، ترفضون مقايضة التزامكم الوطني والقومي والمقاوم مقابل إغراء الشعارات البراقة للولايات المتحدة ومشروعها التفتيتي وللحلف الأطلسي وأطماعه... ونعرف أيضاًًً أن ظروف الصراع الداخلي في سوريا، وخاصة بين النظام والمعارضة التي تدفع باتجاه مشاريع مشبوهة في الداخل والخارج، هذا الصراع جعل من موقعكم أقل تأثيراًً وفعالية.
ولكن في المقابل، من واجبنا مصارحتكم بأنكم، رغم تاريخية الوضع الذي تمر به سوريا، فإن غيابكم عن ساحة الفعل الشعبي المستقل يشكل ثغرة اساسية على مستويين، مستوى بلورة برنامج موحد للمعارضة الشعبيية الديموقراطية في الداخل يصيغ خطة واضحة للانتقال السلمي والديموقراطي باتجاه الدولة المدنية الديموقراطية، وأيضاًً في بلورة خطة تضعكم في قلب مواجهة التدخل الخارجي واستهدافه وحدة سوريا ودورها وموقعها.
في ظل هذا الظرف الذي تتقاطع فيه مخاطر الهجمة الخارجية، وانفجارالتناقضات الداخلية، وخاصة الأمنية منها، نتفهم صعوبة موقف اليسار السوري وقواه الديموقراطية، هذا الموقف الذي لا يمكن أن يكون إلا في قلب حركة الشعب السوري من أجل التغيير والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن جهة أخرى لا يمكن أن يكون إلا في موقع المتصدي للهجمة الأميركية الصهيونية على سوريا وموقعها.
ولكن برغم هذه الصعوبة، ورغم موازين القوى غير الملائمة لقوى اليسار والديموقراطية، فإن المسؤولية التاريخية تفترض منها موقعاًً أكثر مبادرة وفعالية، باتجاه فتح أفق التغيير الديموقراطي عبر الحوار مع المبادرات التي تطلق وخاصة من الرئيس الأسد.
إن المبادرة المنتظرة من الرئيس ومن قوى المعارضة الديموقراطية هي الطريق الوحيد لخروج سوريا من أزمتها، باتجاه دولة مدنية ديموقراطية ومن أجل الحفاظ على موقعها الوطني في مواجهة المخططات الأميركية الصهيونية، الأطلسية الممولة من عشائر الخليج.

*****

رحل عنا الشهر الماضي، رجل هز بفكره واكتشافاته، سلم المفاهيم «الصهيونية» وايضا سلم مفاهيم التعصب الديني، وفتح الطريق أمام مواجهة فكرية مع الصهيونية خاصة، رجل لم يستطع القمع الرجعي والصهيوني إخفاء صوته هو المؤرخ كمال الصليبي. وبالتزامن رحل من صرخ بصمته عبر التزامه بحرية المقاوم من أجل التحرير والتغيير، رحل صاحب النقاء والالتزام الطبقيين الرفيق السيد همدان مهدي... فتحية لذكراهما