رد على خالد المهدي مرة أخرى حول مسألة التحالفات: مع من، بأي مضمون و وفق أي شروط ؟


يونس عبير
2011 / 9 / 3 - 10:08     

سأكون هذه المرة مركزا جدا لأن الحوار بيننا قد يصبح مملا وثقيلا وربما محبطا للقراء وقد يتحول إلى نوع من حوار الطرشان.
1) أعترف بأنني لحد الآن لم أنجح في إقناع السيد خالد المهدي بأن النهج الديمقراطي ليس له على الإطلاق أي تحالف مع العدل والإحسان سواء بشكل رسمي أو غير رسمي (بلغة السيد المهدي). ولكن محاوري مصر على العكس شأنه في ذلك شأن العديد من مناضلي اليسار الجدري الذين يبدو واضحا أنهم نسقوا فيما بينهم حيث أمطروا النهج الديمقراطي في الأسبوعين الأخيرين بوابل من "النقد" مركزين على هذا النقطة بالذات. فيا له من تحالف غير مقدس لا يجمعه سوى العداء ولا شيء غير العداء للنهج الديمقراطي يضم في صفوفه من لا رصيد لهم في العمل السياسي الثوري وحتى أصحاب الشيك بدون رصيد يطرح عليهم المناضلون في الساحة تساؤلات مشروعة حول مهنتهم وطبيعة عملهم ومصادر عيشهم وغيرها. والحق فان السيد المهدي جاء متأخرا، فقد سبقه إلى هذا الانجاز(=اتهام النهج الديمقراطي بإبرام تحالف مع العدل والإحسان) المدعو وديع السرغيني الذي نزل عليه الوحي مبكرا وتحدث عن تنظيم "النهج والإحسان" يفهم منه وجود وحدة اندماجية بين النهج الديمقراطي والعدل والإحسان. وأقول بأن هذا الإصرار وهذا "النقد" المنسق الذي يتضح من مضامينه أنه يهدف عبثا إلى إبادتنا قد تحول إلى نوع من الاستنطاق والإرهاب الفكري. وإن قبولنا إعطاء التوضيحات التالية هو فقط تقدير منا للعديد من المناضلين الذين يطلعون علينا بتهجمات هوجاء وحاقدة على النهج وعلى كل ما هو ثوري وديمقراطي حقيقي بهذه البلاد ومن جهة ثانية فإننا تأكدنا بما لا يدع مجالا للشك بتشكل طابور هاجسه الأساسي اجتثاث النهج وهو بذلك يقدم خدمة جليلة للنظام الذي جرب معنا العديد من الأسلحة منذ سنوات "إلى الأمام" لكنه فشل فشلا ذريعا.
إن عملنا مبني على الوضوح وخلاصة اللجنة الوطنية في اجتماعها الاستثنائي بتاريخ 13 فبراير 2011 التي تدارست العلاقة مع العدل والإحسان هي التنسيق الميداني معها في إطار الحركة وعلى أساس مطالب الحركة وهذا ما نقوم به إلى جانب باقي المكونات اليسارية الأخرى. وإذا كان المقصود بالتحالف هو الحركة نفسها وهي فعلا كذلك –وهذا ما يتحدث عنه الرفيق عبد الله الحريف- فان خالد المهدي ومن معه هو أيضا متحالف مع جماعة العدل والإحسان. وإننا واعون بان هذه الجماعة تواجه فعلا الاستبداد ولكن طبعا بمشروع مجتمعي نحن نختلف معه تمام الاختلاف ولا نحتاج لدروس من أحد في نقد الإسلام السياسي الذي شرعنا فيه منذ بداية الثمانينات. وإذا كان مشروع الجماعة لا يتعارض البتة مع الرأسمالية فانه يمثل في اعتقادي أوهام الطبقات الوسطى المتضررة من الاحتكار الذي تمارسه الكتلة الطبقية السائدة وبالخصوص المافيا المخزنية وليس "الغطاء الإيديولوجي لسيطرة البرجوازية الكبيرة والملاكين العقاريين" كما يدعي خالد المهدي وإلا لما كانت قواعدها حاضرة في الحركة وتتبنى مطالبها ومنها العدالة الاجتماعية وإسقاط الفساد. ولكن هذه مسألة يمكن تركها للمزيد من البحث. إن النهج الديمقراطي لو كان له تحالف مع العدل والإحسان لأعلنه للعموم بكل جرأة لا يخشى في ذلك لومة لائم ولكن شروط القيام بتحالف ما غير متوفرة الآن وهذه قناعة الرفيقات والرفاق في النهج الديمقراطي.
2) إن الحركة تخترقها العديد والعديد من التناقضات، تناقضات مختلفة ومتفاوتة الحدة ولكنها تبقي في نظري كلها من طراز التناقضات الثانوية. وما من أحد في النهج الديمقراطي في حدود علمي اعتبر في يوم من الأيام أن التناقضات الثانوية جامدة أو مهملة لا قيمة لها ، فكفانا من الافتراء. إن حل التناقضات الثانوية بطريقة سليمة وصحيحة جد مهم، لا بل حيوي، لأنه يسمح بالتقدم على طريق حل التناقض الرئيسي بين الامبريالية والكتلة الطبقية السائدة والنظام السياسي الذي تستند إليه من جهة وكل الطبقات الشعبية من جهة أخرى. ومن المعلوم فان التناقضات المختلفة من حيث طبيعتها يجب أن تحل بطرق مختلفة وهذا مبدأ أساسي يجب أن يتمسك به الماركسيون. وهكذا فالتناقض الرئيسي المشار إليه هو تناقض تناحري يتميز بصفة عدائية مكشوفة ولابد أن يتطور ليتحول أو للدقة لا بد أن نعمل على تأجيجه ليتحول إلى تناقض عدائي حتى يصل حد الانفجار. أما التناقضات في صفوف الشعب، في صفوف الحركة (حركة الشعب) فهي تناقضات ثانوية ،مرة أخرى متفاوتة، وحلها يجب أن يتم بطرق أخرى.عن طريق الصراع الديمقراطي الفكري والسياسي والنقد المسؤول والمحاسبة بدون نفاق ولكن دون عنف كما فعلت العدل والإحسان تجاه الطلبة التقدميين وهو عنف مدان ونحن هنا لا يمكن أن ننسى شهداء الحركة التقدمية الذين سقطوا على يد القوى الاسلاموية (عمر بن جلون، المعطي بوملي وبن عيسى أيت الجيد) ونحن لم نثير هذا الملف على تنظيم العدل والإحسان لأنه ليس لدينا تحالف معه ولا حتى حوار منظم حتى نشترط عليها الاعتذار عن تورطها في مثل هذه الجرائم وعلى كل حال فهذا ملف يجب أن تتضافر فيه جهود كل القوى الديمقراطية في حركة 20 فبراير وأنذاك سنتحمل مسؤولياتنا كاملة غير منقوصة. كما لا يمكن أن نسكت على العنف الذي مارسته ولازالت بعض الفصائل في الحقل الطلابي تجاه فصائل أخرى سواء تم ذلك تحت يافطة الماركسية-اللينينية أو هوية اثنية معينة. أما إذا انتقلنا إلى وضعية أخرى واتضح لنا بعد تشخيص التناقضات أن طرفا ما أصبح يتخندق ضمن التناقض الرئيسي فإننا لن نتردد في خوض صراع بدون هوادة ضده.
3) وما دامت الحركة مخترقة بمئات التناقضات فان الصراع بين أقطاب التناقضات سيستمر ولن يتوقف ويجب خوضه، ومن هذا المنظور فالصراع فعلا مطلق. وقد أشرت في ردي السابق للعديد من أوجه وأشكال الصراع التي نساهم بقسطنا في خوضها. ولكن أطراف مثل هذا الصراع أو الصراعات يجب أن تعي بان تناقضاتها ثانوية مقارنة بالتناقض الرئيسي، وعليها بالتالي خوض الصراع بالقدر الذي يحافظ على وحدتها كوحدة متناقضة. قلت "بالقدر" وفي ردي السابق قلت "ما أمكن" وهذا يعني أن الوحدة مشروطة. وهل يحتاج هذا إلى توضيح ؟ فنحن لا نتشبت بوحدة جوفاء دون مضمون بل بوحدة حركة شعبية ملموسة لها مطالب ديمقراطية معروفة يجب توفير الشروط للمزيد من تطويرها. وقد طرح النهج الديمقراطي مؤخرا فكرة أن الحركة يجب أن تشرع في تحديد رؤيتها للمستقبل وماذا تريد وليس فقط الاقتصار على رفض ما يأتي به النظام من إجراءات ومبادرات التفافية. وستكون هذه مناسبة لخوض صراع عميق حول طبيعة المجتمع الذي يتصوره كل مكون من مكونات الحركة. وقد اتخذ المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير مبادرة جيدة في تنظيم الحوار بين مكونات الحركة يجب أن تستمر وهو ما يمكن بالفعل من خوض الصراع بين مختلف الرؤى والتصورات. وقبل ذلك كانت هناك مبادرات ايجابية أخرى في مناطق متعددة من بلادنا ومنها تلك التي يشير إليها خالد المهدي بالرباط. وقد ووجه تدخل ممثل العدل والإحسان الذي اعتبر بأن "لا ديمقراطية بدون إسلام ولا إسلام بدون ديمقراطية" بمعارضة قوية من المنصة ومن القاعة وقد شارك عدد مهم من مناضلي النهج الديمقراطي إلى جانب كل الديمقراطيين في هذا الصراع الذي كان ديمقراطيا وحضاريا ومسؤولا وهادئا ارتاح له كل من تتبعه وساهم فيه، ولكن خالد المهدي لا يريد الاعتراف بدور مناضلي النهج الديمقراطي وأطره في ذلك لأنهم كالشوك في حلقه، لست أدري لماذا.
4) إن الاستعداد للحظات الفرز الكبرى من جهة الدفاع عن مشروع اليسار الديمقراطي والاشتراكي يتطلب بناء قوة سياسية وتنظيمية هائلة وكنت قد اقترحت على السيد المهدي في ردي السابق ما اعتبرته أمرا ممكنا وهو "أن مكونات اليسار الجدري يجب ويلزم عليها توفير جهدها وتوجيه طاقاتها إلى توحيد صفوفها في اتجاه انجاز مهمتين مترابطتين وهما بناء التنظيم السياسي للطبقة العملة وعموم الكادحين من حيث الهوية والبرنامج والشكل التنظيمي الذي أرجح أن يكون جبهويا والمساهمة في بناء جبهة للنضال من اجل الديمقراطية وضد الليبرالية والمتوحشة مع كافة القوى الديمقراطية". غير أن خالد المهدي خيب ظني كثيرا وربما كنت متفائلا أكثر من اللازم ووصل إلى نتيجة كنت أخشى عليه من التوصل إليها. فهو يعتبر أن قوى مثل "حزب الطليعة و حزب الاشتراكي الموحد والمؤتمر الاتحادي.. لا علاقة لها باليسار، اللهم أصولها التاريخية وليس الطبقية و لا البرنامجية" ويرفض - طويل اللسان هذا- وضع مجموعات التروتسكيين ضمن اليسار الجدري وهو لا يرى أي إمكانية لبناء التنظيم السياسي للطبقة العاملة وعموم الكادحين حتى (ولو كان ذو طبيعة جبهوية) مع النهج الديمقراطي لأنه في نظره تيار شرعي وأن الذي يحاوره مجرد ماركسي بين مزدوجتين...فيا لك من مناضل وحدوي. ويا لها من نزعة ذاتية متضخمة تذكرني ببطل فيلم هندي استطاع تحرير الهند من الاستعمار البريطاني لوحده. قل للقراء، وليس لي، مع من ستتحالف أيها الوحدوي جدا؟ واني أعتذر للنهج الديمقراطي وللقوى اليسارية التي تجرأ هذا المجاهد التكفيري من أصحاب "أهل الكتاب"على إخراجها من ملة اليسار، أعتذرعلى إقبالي على المشاركة في هذا النقاش أصلا.
5) لا نية لك،السيد خالد المهدي،في التحالف من أي طراز كان ولا قدرة لك أصلا على إبرام أي تحالف لأنك أنت بالضبط من يخشى التحالف وترتعد من التحالف مخافة ضياع مجيمعتك وأنت أصلا لا تعترف بالآخر. غالب الظن انك ومعك العديد من أمثالك فوجئتم بالموجات الثورية في العالم العربي وفي المغرب وبالشكل الذي انفجرت به عبر حركة 20 فبراير في بلادنا. ولكونكم من عبدة الكتب فتشتم ولم تجدوا الوصفة الجاهزة التي تحدد لكم خط السير في معمعان الصيرورة الثورية. فكل من فقد البوصلة مصيره التخبط وحتى تبرير تخلفه عن النضال بدعوى أن الحركة متخلفة وغير ثورية وبها الظلاميون والليبراليون والتحريفيون والانتهازيون ويعوزها أنبياء الثورة وحزب الطبقة العاملة غير موجود بعد...
ونقدك أنت، ومن نسقت معهم، وتدعي نقدهم والتميز عنهم، للنهج الديمقراطي بخصوص علاقة تحالف يختلقها مخك مع العدل والإحسان إنما ترغب من ورائه القذف بالعدل والإحسان خارج الحركة (وليس العمل معها داخل الحركة والصراع معها في نفس الوقت كما تدعي) ليبدأ بعد ذلك التطاحن بين مكونات اليسار وهكذا حتى تتحول حركة 20 فبراير إلى مجرد صفر. ولك في مهزلة المسيرة الوطنية المزعومة التي نظمت في فاس وحضرها حوالي 60 مشارك خير دليل. انك تنطلق في مناقشة إشكالية التحالفات من إطار نظري سديد ولكنك تخونه تماما في الممارسة والميدان فيما نحن ملتزمون به ونجتهد من أجل نقله إلى حيز الملموس وقد نخطأ في ذلك. وان الأيام بيننا، هي الكفيلة بتبيان من منا كان تقديره صحيحا أو خاطئا. وحتى لا نلعن التاريخ أنت وأنا، لنقل أننا متفقون على الأقل على أمور في النضال الميداني في بعض الإطارات الجماهيرية أترك لك صلاحية تحديدها وستجدنا ،لأننا رضعنا من ثدي منظمة "إلى الأمام" وكفاحاتها المجيدة، ستجدنا دائما رهن الإشارة في صف الجماهير واضعين مصلحتها فوق أي اعتبار.
يونس عبير