تأملات / قانون لتكبيل الأحزاب !


رضا الظاهر
2011 / 8 / 22 - 17:38     


تأملات
قانون لتكبيل الأحزاب !

أنهى البرلمان، مؤخراً، القراءة الأولى لمشروع قانون الأحزاب بعد ما يقرب من عامين إذ ظل ينتظر كل هذه الفترة المديدة لمناقشته.
ولم يكن مثيراً للاستغراب أن تتكرر الطريقة نفسها التي تعد بها مشاريع القوانين، وهي طريقة تتسم، من بين ثغرات أخرى، بالعجالة والتناقض في المواد والركاكة اللغوية والمفردات الغائمة حمالة الأوجه، ناهيكم عن عزل معنيين وخبراء وإقصائهم عن المشاركة في إعداد قوانين تخصهم، بسبب غلبة نزعة الكواليس لدى الحكام المتنفذين وخشيتهم على سلطة المال والنفوذ.
وبوسعنا أن نتذكر، على سبيل المثال لا الحصر، مشروع قانون النفط والغاز الأخير الذي ظل معلقاً لسنوات بسبب الخضوع للصراعات السياسية. وعندما اجتهدت لجنة الطاقة في البرلمان، مؤخراً، في إعداد مشروع هذا القانون ثارت ثائرة متنفذين لأنه لم يأت من خلال الحكومة، وانسحب نواب من جلسة البرلمان احتجاجاً، ثم جاء مشهد "التسييس"، كالعادة، فسوّيت الأمور تحت خيمة التواطؤ المتبادل، وتوقفت حتى القراءة الأولى بانتظار موقف الحكومة ورأيها ومشروع قانونها.
ويمكننا في هذا السياق الاشارة الى جملة من الحقائق التي تعكس العقل المهيمن على المشهد السياسي. فالمشروع انعكاس للثقافة السائدة ونمط تفكير السلطة وتكريس لنزعات الخوف من الديمقراطية الحقيقية، وهو جزء من الصراع السياسي والفكري في المجتمع.
وبصمات الحكام المتنفذين واضحة في صياغة المشروع، وهم اللامبالون بصياغة برامج لانهاء معاناة الناس المريرة وإخراج البلاد من أزمتها ووضعها على طريق التطور الاجتماعي الحقيقي.
ولكن ما سر إبقاء القانون على رفوف الانتظار لمدة عامين ؟
هناك بالطبع أكثر من سر لغياب القانون منذ إقرار الدستور عام 2005. وهو ما يجسد خللاً فاضحاً في العملية السياسية تجلى في النتائج الوخيمة للانتخابات والتجاوزات الخطيرة خصوصاً في مجال تمويل الأحزاب وإفراغ العملية الانتخابية من محتواها الديمقراطي وفرض هيمنة المتنفذين وتكريس المحاصصات نهجاً للحكم وتعمق الأزمة الاجتماعية في البلاد.
ومن الجلي أن السياسة التشريعية تتعمد البطء والمماطلة وتفتقر الى الرؤية الواضحة. وقد حق لمحللين اعتبار هذا السلوك مقصوداً لخلق بيئة سياسية مضطربة توفر شروط استمرار النهب والاستحواذ على المغانم. ولا غرابة في أن "تتحفظ" أحزاب متنفذة على تشريع هذا القانون خشية الحد من صلاحياتها ونفوذها وإعاقة استثماراتها المالية والدعم الخارجي الذي تتلقاه. ومعلوم أن أحزاباً رئيسية متنفذة تمتلك أموالاً طائلة، بينما بات بعض قادتها يمتلكون موارد هائلة في إطار الظاهرة المالية الطفيلية بالتزامن مع نشاط تجارة تمتد من تهريب النفط، وتمر بصفقات إعادة الاعمار وسواها، ولا تنتهي عند امتلاك قنوات فضائية مسخرة لمآرب أخرى.
وكان من الطبيعي أن يثير مشروع قانون الأحزاب الجدل بسبب ثغراته الجدية التي تشكل انتهاكاً فظاً للدستور وما نص عليه من ضمانات للحريات. ولسنا هنا بصدد مناقشة تفصيلية لكل ثغرات القانون، فقد أضاء مختصون ومعنيون مثل هذه التفاصيل، لكننا سنركز على الانتهاكات الأخطر.
وأول هذه الانتهاكات تشكيل "دائرة الأحزاب السياسية" لتتبع وزارة العدل ويرأسها موظف بدرجة مدير عام. وهو ما يكشف عن مدى التدخل السافر الذي يمارسه "الرقباء" و"السدنة" الحاكمون في شؤون الأحزاب. وفي ضوء هذه المادة يصبح بوسع "تقرير" يعده موظف في هذه "الدائرة" إيقاف نشاط أي حزب ... وعلى "الديمقراطية" السلام !
ومن بين هذه الثغرات الخطيرة في المشروع أنه يتعامل مع الحزب كجهاز من أجهزة الدولة لا كتنظيم سياسي مستقل. أما أنماط التعصب الطائفي أو القومي (الديني لا يذكر) التي لا يجوز تأسيس الأحزاب على أساسها فلا يعلم طبيعتها أو مداها الا الراسخون في العلم !
أما من يحدد منح إجازة الأحزاب فمحكمة القضاء الاداري التابعة للسلطة التنفيذية. وأما من يشارك في تأسيس حزب فيجب أن لا يكون دون سن الخامسة والعشرين، وهو ما يفرض تقييدات تعسفية على الشباب.
* * *
من المثير للسخط والأسى أن تجري صياغة مشاريع قوانين خطيرة تمس مستقبل البلاد السياسي وسيادتها وثروتها الوطنية بمعزل عن البرلمان، وبتجاهل مقيت لدور الناس ومنظمات المجتمع المدني.
ومن المؤكد أن هناك حاجة الى معالجة جذرية للأسس التي قامت عليها العملية السياسية باتجاه إصلاحها لتوفير مناخ بناء مقومات نظام ديمقراطي بما في ذلك نظام انتخابي تشكل قوانين الأحزاب والمفوضية وسواها جزءاً أساسياً منه.
أما ما يجري خلف الكواليس ليخرج بطريقة مشوهة فلن تنفع معه التعديلات الترقيعية لأن الجوهر سيبقى في ظل برلمان خاضع أساساً للقوى ذاتها التي صاغت مشروع قانون الأحزاب. فهذا البرلمان أداة طيعة بيد المتنفذين ويقف عاجزاً أمام الانتهاكات بل ويسعى الى تمكين صفقات المحاصصة والتسويات من البقاء على حساب معاناة الملايين ومصالحهم.
كل حديث عن "ديمقراطية" ودولة مؤسسات حقيقية ... مجرد أوهام، والغاية الأولى والأخيرة حفاظ سدنة الواقع المهيمن على امتيازاتهم. فبدون التخلي عن نهج المحاصصات وتغيير العقل السياسي القاصر تستمر الكواليس والتضليل والضحك على الذقون وشراء السكوت المتبادل وسط أجواء مآسٍ طاحنة وأزمة عميقة تعصف بالبلاد.