ظاهرة الاتجار بالبشر مع إشارة خاصة إلى العراق(1)


هاشم نعمة
2011 / 8 / 19 - 20:00     

نبذة تاريخية
الاتجار بالبشر ظاهرة لا إنسانية قديمة اقترنت بالانقسام الذي حدث في المجتمعات إلى فئات مالكة وأخرى غير مالكة أو معدمة. وكانت معروفة من قبل عدة شعوب أوروبية، مثل الرومان وآسيوية مثل العرب والأتراك والفرس والهنود. وهناك من يرى بأن العبودية وتجارة الرقيق تمثل الجذور التاريخية للاتجار بالبشر الذي يمارس حالياً. وقد توسعت أكثر خلال فترة الإمبراطورية الرومانية، ولاحقاً ترك الإرث الذي خلفته هذه الإمبراطورية آثاره في الممارسات اللاحقة لتجارة الرقيق في أوروبا وأمريكا الشمالية. وطبقاً للقانون الروماني كان الرقيق يعتبر كالممتلكات الخاصة العائدة للمالكين أو السادة. واستخدم بشكل شائع كخدم أو جواري، وحراس، وطباخين، وفي الجنس والدعارة، وكعمال في صناعة الفخار، والزجاج والمجوهرات الخ. وكانوا في المعتاد يعيشون تحت ظروف قاسية ولا يتمتعون بشخصية قانونية. وقُبيل نهاية الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس والسادس الميلادي، تراجعت ممارسة العبودية وتجارة الرقيق بسبب أن السادة والمالكين بدأوا بعتق عبيدهم. بعضهم فعل ذلك لأسباب أخلاقية نتيجة تأثره بالمسيحية. وآخرون بسبب ارتفاع كلفة امتلاك الرقيق. فيما استطاع بعض العبيد من تحرير أنفسهم من سادتهم بدفع ما تراكم لديهم من بعض الأموال.( )

وشهدت أفريقيا منذ وقت مبكر تجارة الرقيق، لكنها كانت بأعداد محدودة. و بلغت ذروتها في القرون التالية عندما اشترك فيها الأوروبيون حيث كان البرتغاليون هم أول من مارسها. إذ كانوا ينقلون الرقيق إلى أوروبا ومن ثم إلى أمريكا. وحدثت الحركة الكبرى للسكان، وخاصة من غرب أفريقيا إلى الأمريكيتين ومنطقة الكاريبي، خلال الفترة من القرن السادس عشر إلى التاسع عشر، حيث قدر بأن ما بين 15-20 مليون أفريقي نقلوا عبر المحيط الأطلسي. وهناك تقديرات ترفع العدد إلى 50 مليون.( ) رغم أن هذا العدد قد يكون مبالغ فيه، إذا أخذنا في الاعتبار البطء الشديد لنمو السكان خلال تلك الفترة.

وطيلة ثلاثة قرون، كان الرقيق يمثل أهم صادرات أفريقيا، والتي مارسها البرتغاليون والهولنديون والفرنسيون والسويديون والدنمركيون. وفي القرن السابع عشر، أصبحت التجارة بالإنسان الأسود أمراً معترفاً به، ونوعاً من النشاط التجاري. وهذا واضح من تصريح دار تماوث وزير المستعمرات البريطانية عام 1775، الذي قال فيه "إننا لا نستطيع أن نسمح للمستعمرات أن توقف أو تقاوم- إلى أي حد- تجارة مربحة لهذه الدرجة لشعبنا". ورغم تحريم بريطانيا لتجارة الرقيق فيما بعد طبقاً لقانون 1807، إلا أن هذا لم يؤثر كثيراً، فقد اندفعت دول أخرى لهذه التجارة.

ولقد تعرض الزنوج إلى أسوا ما يمكن أن يعامل به بنو الإنسان، حتى في المناطق التي نقلوا لها قسراً، حيث كانوا يعاملون بالقسوة والتمييز العنصري، ويعتبر وضعهم في أمريكا الجنوبية أكثر حظاً، حيث اختلطوا بالسكان، لكن في أمريكا الشمالية، لم يحدث هذا وكانوا يباعون ويشترون مع الأرض. ففي عام 1705، صدر قانون امتلاك السود واعتبارهم جزء من الممتلكات الشخصية، إلى أن الغي قانون الرق عام 1865، بعد الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في أمريكا( ) لكن مع ذلك أستمر التمييز العنصري ضدهم على أشده إلى أن بدأ يخف نسبيا في العقود الأخيرة نتيجة النضالات التي خاضها السكان السود للمطالبة بالمساواة.

الاتجار بالبشر حالياً

كان الاتجار بالبشر ولفترة طويلة على رأس الأجندة السياسية في الكثير من الدول، وكذلك بالنسبة للكثير من المنظمات الدولية. حيث يوفر البحث في الاتجار مصدراً مهماً للمعلومات تساعد في تبني السياسات المطلوبة لمعالجته. ورغم توسع البحث خلال العقد الأخير، لكنه أيضا ترافق مع الدعوات للحاجة لدراسات مبتكرة أكثر ومنهجية جديدة في البحث وجمع المعطيات من أجل تجاوز طريقة السرد التي ترد على لسان الضحية وإنتاج خلاصات يمكن تطبيقها على كل عينة محددة. وخلص المسح الحديث إلى أن معظم البحوث التجريبية تعتمد على المنهج النوعي أو الكيفي باستخدام عينات قليلة، والتي تجعل من الخروج بالتعميمات والاستقراء عملية تنطوي على إشكاليات. لذلك يوصى باستخدام بحوث مبتكرة ومناهج بحثية مناسبة للوصول إلى مفتاح المعلومات التي تشمل العاملين في بيوت الدعارة، والمدراء، والمهربين أو من يمثلهم. وقد شرعت الأمم المتحدة في جنوب شرق آسيا عام 2007 بمشروع لإيجاد مناهج مبتكرة لتقدير أعداد ضحايا الاتجار في منطقة جغرافية معينة و/ أو في قطاع معين( ) ويفترض الاستفادة من هذه التجربة في البحث لتعميمها على نطاق أوسع.

حاليا هناك فجوة أساسية في المعرفة البحثية حول الطلب على ضحايا الاتجار بالبغاء. وفي الواقع، حتى الآن، ركزت أهم المؤلفات بشكل رئيسي على الدعارة والتجار والطرق وآليات الظاهرة وزبائن الدعارة العامة لكن تقريبا لا شيء بُحث فيما يتعلق بالطلب على الدعارة المتاجر بها. حيث هناك دراسات محدودة حول هذا الجانب بسبب أن البحث في هذا الميدان ركز بشكل كامل، تقريباً،على تحليل عرض ضحايا الاتجار بالبغاء. هذه العوامل الفاعلة أهملت من قبل الدراسات العلمية والتي تلعب دوراً حاسماً في تطور الظاهرة. ومن الواضح، بدون الطلب على ضحايا الاتجار فإن هذا الجزء من سوق الجنس لن يكون له وجودا.( )

وحسب تعريف الأمم المتحدة يعني الاتجار بالبشر استخدام، أو نقل، أو تحويل، أو إيواء أو استلام الأشخاص، بوسائل التهديد أو استخدام القوة أو أشكال أخرى من الإكراه، وكذلك ممارسة الاختطاف، والغش، والخداع، وإساءة استخدام القوة أو جعل الأشخاص في موقف ضعيف أو أعطاء أو استلام مبالغ أو منافع لإتمام موافقة شخص يمتلك السيطرة على شخص آخر، لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، على الأقل، الاستغلال في الدعارة لصالح الآخرين أو أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي، والعمل القسري أو في الخدمات، وممارسة العبودية أو ممارسات تشبه العبودية، والاستعباد (الأسر) أو نزع الأعضاء البشرية لغرض المتاجرة بها. ( )

وقد صنفت الدول إلى ثلاث رتب طبقا لدرجة استجابة الحكومات لمعايير الحد الأدنى في الكفاح ضد الاتجار. وقد احتفظت كل من البحرين والكويت ولبنان والسعودية بالمرتبة الثانية بعد أن أزيلت من المرتبة الثالثة وهذا يعود لجهودها المهمة للاستجابة لمعايير الحد الأدنى. وهذا يوضح أن بعضا من دول مجلس التعاون الخليجي بذلت جهودا أكثر في مكافحة الاتجار بالبشر. ورغم ذلك تظل المكان الأول الذي يتجه له الاتجار. وتصبح إسرائيل، بشكل متزايد، هدفا شائعا لمثل هذه الممارسة. وذكرت التقارير أن نساء من مولدافيا وروسيا وأوكرانيا ودول أخرى من الإتحاد السوفيتي السابق يتم تهريبهن إلى إسرائيل لغرض الاستغلال الجنسي التجاري. كذلك الأشخاص الباحثون عن عمل تجري المتاجرة بهم حيث يعملون في ظروف عمل إجباري ويتعرضون للإيذاء الجسدي وأشكال عمل قاسية أخرى. الكثير من العمال الأجانب ذوي الخبرة القليلة تحبس جوازاتهم وتغير عقود عملهم ويعانون من عدم دفع رواتبهم لمدد مختلفة وبدرجات مختلفة. وقد جلبت الشركات الإنشائية والمشاريع التجارية الأخرى عمالا من الذكور من الصين وبلغاريا إلى إسرائيل للعمل في ظروف مساوية للعبودية أو الأشغال الشاقة غير الطوعيةْْ.( )

اقتصادياً، تجار البشر المشاركون في سوق المنافسة يعرضون إنتاجهم في أشكال كثيرة. السعر الذي سيستلمه التاجر يعتمد على توفر العرض البشري المرغوب، ومميزاته، والأعداد المشابه المتوفرة، وفطنة التفاوض للمتاجر بالبشر. وتكون الأسعار المنخفضة جداً، غير مرغوبة للتجار حيث لا يتمكنون من خلالها من توفير النساء بسبب أن التكاليف ستفوق العائدات. وإذا لم تتغير التكاليف، فإن الزيادة في السعر تقود إلى ارتفاع الأرباح ومن ثمة زيادة عرض النساء( ) بطريقة لا إنسانية.

تشير إحصائيات الأمم المتحدة إن الربح السنوي من الاتجار بالبشر يقدر بـ 8 مليار دولار، وأن ما يقارب 27 مليون شخص في العالم هم ضحايا الاتجار من ضمنهم 50% تحت سن 18 سنة، وهناك مليون طفل يتم الاتجار بهم لغرض الاستغلال الجنسي، عالميا، وفقا لليونيسف والأمم المتحدة, كما إن 12.3 مليون شخص يعملون في أعمال قسرية وأعمال من أجل رد الدين وما يطلق عليه العبودية الجنسية.( ) كما أكدت منظمة الهجرة الدولية تفاقم مشكلة الاتجار بالبشر لغرض الاستغلال الجنسي أو الاستغلال في العمل. وأشارت عند إطلاق حملتها لمكافحة هذه الظاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) 2009 إلى التزايد المستمر في أعداد ضحايا ذلك الاتجار. وذكر تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية حول الموضوع عام 2009 أن تقديرات منظمة العمل الدولية تشير إلى إن 56% من ضحايا العمالة الإجبارية هم من النساء والفتيات.