المالكي وعلاوي عرقلا تطور العملية السياسية


بهاءالدين نوري
2011 / 8 / 15 - 16:11     

مر أكثر من سنتين على الانتخابات النيابية في العراق والوزارة العراقية لم تشكل حتى الآن بشكلها الكامل إذ لاتزال المناصب الوزارية الأهم – منصب وزير الدفاع والداخلية – شاغرة والنقاشات تدور بين القائمتين وعلى إمتداد الزمن حول اختيار الشخص المناسب. المالكي مرتاح من هذا الوضع لأنه يمارس بالوكالة مهمات الوزيرين، دون أن يعير أي أهتمام جدي إلى أن حكومته في شبه شلل. والبرلمان نفسه، المفترض أن يراقب عمل السلطة التنفيذية ويلزمها بالالتزام بالقوانين، لم يقدم على عمل ذي أهمية لمعالجة الوضع، بل يدور في حلقة فارغة ويكتفي بأن يوجه البعض إنتقادات أو إتهامات إلى البعض الآخر من النواب. بتعبير أدق أن الهيأة التشريعية هي الأخرى عاجزة عن الاضطلاع بدورها، والثمن عن كل ذلك يدفعه الشعب العراقي وحده.
ان الفكرة التقليدية للديمقراطية البرلمانية، وأعني فكرة وجود فريق يحكم البلد على أساس أنه يمثل الأغلبية البرلمانية وفريق لا يشغل المناصب الوزارية بل يشغل كراسي المعارضة البرلمانية وينصرف إلى مراقبة سلوك وتصرفات السلطة الحاكمة، كما هو الحال في الديمقراطية – أن هذه الفكرة لاتزال متغيبة في العراق حيث الحكام ومناصروهم منغمرون في صراع حاد على السلطة وما يتعلق بها من الامتيازات. فالمالكي قد تشبث بكرسيه كرئيس للوزراء طيلة أكثر من سنة، بعد الانتخابات، فيما رضي منافسه علاوي، التواق إلى كرسي الرئاسة دون جدوى، بترقيعة منافية للدستور وللعرف الديمقراطي سميت [مجلس السياسات العليا] أي إقامة سلطة ثانية، إلى جانب مجلس الوزراء لكي يحكم الطرفان سوية، بالأحرى لكي يشل الطرفان سوية العملية السياسية، أي عملية البناء الديمقراطي في البلاد. ولا يمكن فهم هذه الترقيعة، التي ابتدعت في أربيل وبوركت في أروقة رئاسة الجمهورية في بغداد، إلا كاتفاق على تقاسم الهريسة بين الزعيمين المتنافسين وكتلتيهما البرلمانيتين. وقد برر السادة أصحاب البدعة ما قاموا به بـ [الحرص على وحدة الصف الوطني]، في حين أن ما جرى ويجري لم يمت بصلة إلى قضية وحدة الصف التي تقوم على أسس ديمقراطية وليس على تقاسم الهريسة.
وفي مجرى المناورات والارضاءات والاتفاقات المكتوبة وغير المكتوبة على تقاسم الهريسة حرص أغلب المساهمين في اللعبة على التمسك بالطائفية والعمل على تشجيعها، كما حرصوا على الاحتفاظ بالمليشيات التي لا يمكن أن تكون سوى معول هدم وتخريب للعملية السياسية الهادفة إلى بناء عراق ديمقراطي راسخ. وهكذا نجد العراق اليوم، بدلا من توفير الأمن والاستقرار والأعمار، قد بقي ساحة لنشاط المسلحين الإرهابيين من جماعة القاعدة وفلول البعث الصدامي تواصلت وتزايدت فيه التفجيرات الإجرامية داخل العاصمة وفي شتى المدن واستمر سفك الدماء البريئة. وتدل كثرة التفجيرات وتزايد الضحايا على فشل حكومة المالكي والمساندين له ليس فقط في العملية السياسية المتعثرة، بل كذلك في القيام بأبسط واجبات السلطة التنفيذية في حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم. كان يفترض أن يطرأ تحسن كبير على الوضع الأمني في البلاد بعد مرور ثماني سنوات على سقوط الطاغية التكريتي وأن تقطع العملية السياسية الرامية إلى البناء الديمقراطي شوطا بعيدا في طريقها إلى أمام، لكن المراقبين لا يجدون الكثير مما يفرح الناس ويعد بالغد الأفضل.
وإزاء هذا الوضع المتأزم المليئ بالمخاطر ترتفع أصوات الكثيرين من أعضاء البرلمان وأنصار النظام والجماعات الإسلامية من السنة والشيعة ومن مؤيدي النظام البعثي المنهار لتطالب بإنسحاب القوات الأمريكية، التي لولاها لكان صدام وأولاده باقين في الحكم اليوم. إذا كان البعض يطالب بهذا الإنسحاب بسبب من سذاجته السياسية فأن هناك كثيرين من المتعاطفين مع النظام السابق وهم يأملون من وراء الإنسحاب الأمريكي إفساح المجال الأوسع أمام مسلحي القاعدة وفلول البعث ليستولوا على الحكم ويقبروا حلم العراقيين في إقامة نظام ديمقراطي حضاري حديث. وللدول المجاورة أجندتها الخاصة. ففي طهران يريدون الإنسحاب الأمريكي بأمل أن يستولي الإسلاميون الشيعة على السلطة ويقيموا في العراق نظاما شبيها بالنظام الإسلامي الإيراني. وفي الخليج ودول أخرى يراهن الحاكمون على عودة السنة العرب إلى الحكم كما كانوا طوال القرون المتعاقبة وإستبعاد خطرين [كبيرين] أحدهما خطر ظهور عراق ديمقراطي حضاري مستقر ومزدهر والثاني خطر إقامة حكم إسلامي شيعي!! ولو كان في العراق اليوم نظام ديمقراطي مستقر لأمكن طرح قضية الإنسحاب الأمريكي في السنة الجارية أو بقائه لسنتين لاحقتين على الشعب في إستفتاء عام، لكن مقومات مثل هذا الاستفتاء غير موجود الآن. ويرى معظم المراقبين السياسيين أن الإنسحاب اليوم يترك فراغا لم تتهيأ القوات العراقية لملئه، [ولا يسهل أن تتهيأ في مستقبل قريب طالما يكون الحكام والزعماء المتنفذون على شاكلة الحاليين] وإذا إنسحبت القوات الأمريكية سريعا فأن العراق ينقسم إلى دويلات ثلاث أو أربع، وهي تقاتل بعضها في عدد من المحافظات، بضمنها العاصمة. وتكون الضحية هي الشعب بالدرجة الأولى. ولم يخجل الزعيمان، المالكي و علاوي، من التزام الصمت إزاء المذابح اليومية الرهيبة في سوريا بهدف قمع الثورة الديمقراطية، مع علمهما بأن (سوريا الأسد) كانت البوابة الرئيسية لتسلل الإرهابيين إلى العراق طوال السنوات المنصرمة. فإرضاء البعثيين بالنسبة لعلاوي وإرضاء حكام طهران بالنسبة للمالكي هو المهم وليس دعم نضال الشعب السوري ضد الحكم الفاشي.
إن أفضل ما يمكن لنوري المالكي وأياد علاوي أن يفعلا في الوقت الحاضر هو أن يعيدا النظر في السنين الأخيرة بروح موضوعية واقعية ليدركا إخفاقهما في قيادة السفينة إلى شاطئ الأمان ويستقيلا من المهمة التي لم يتوفقا في الاضطلاع بها، مهمة قيادة كتلتيهما النيابيتين المشكلتين أصلا على حسابات خاطئة، المليئتين بألوان التناقضات. وإذا لم يرق لهما ما أقترحته [ومن المؤكد أنه لا يروق لهما أبدا] فليعودا إلى اللعبة التقليدية المألوفة، لعبة حكومة الأغلبية البرلمانية ومعارضة الأقلية البرلمانية. وسيكون في مقدور العناصر الوطنية المخلصة من أعضاء البرلمان العراقي أن ينظموا أنفسهم في كتل نيابية مستقلة ويفرضوا هذا الحل أو يفرضوا إجراء انتخابات جديدة كسبيل لحل المشكلة.