تأملات / حماية من !؟


رضا الظاهر
2011 / 8 / 15 - 15:00     

تأملات
حماية من !؟


الجدل الدائر بشأن قانون حماية الصحفيين ليس خارج سياق الصراع السياسي الراهن، وهو في جوهره اجتماعي يعكس خشية سدنة الثقافة المهيمنة من حرية الصحافة والرأي والتعبير ووصول المعلومة الى الناس وتداولها، وخوف السدنة المتنفذين على امتيازاتهم من التحولات الاجتماعية التي يعمقها تمتع الصحفيين بحرياتهم الحقيقية.
فبينما رحب اعلاميون وصحفيون باقرار البرلمان قانون حماية الصحفيين الثلاثاء الماضي كان من الطبيعي أن يكشف آخرون عن ثغرات القانون، وأبدوا استياءهم من "الخطوط الحمر" التي يفرضها على الصحفيين. ودعت جهات صحفية الى عدم الرضوخ لرغبة "سياسيين" حيث سعت جهات متنفذة الى تصويت البرلمان على القانون دون اكتراث بمناشدات الاعلاميين ومطالبتهم باجراء تعديلات قبل اقرار القانون حتى يكون ضامناً لكامل حقوق الصحفيين المهنية وبينها حق الوصول الحر الى المعلومات ونشرها.
وحق لصحفيين ومعنيين أن يطالبوا بايقاف العمل بالقانون المقر وإعادة النظر في الأغلال التي يكبل بها حرية الصحافة والرأي والتعبير.
ومما يلفت الانتباه أن منظمات دولية طالبت مجلس النواب بعدم الرضوخ لرغبة الحكومة في تمرير مشروع قانون حماية الصحفيين. واعتبرت منظمات تعنى بحقوق الصحفيين إقرار القانون قراراً سياسياً تقف خلفه الكتل المتنفذة، محذرة من هيمنة الحكومة على وسائل الاعلام من خلاله، ومن "إغراء" لاستمالة نقابة الصحفيين الى جانب السلطة.
وتكشف قراءة متمعنة للقانون عن أن بعض مواده غائمة ومثيرة للالتباس، وبالتالي يمكن أن تستخدم على عكس الغرض المعلن عن تشريعه، أي لوضع "الخطوط الحمر" في سياق إسكات أصوات الصحفيين وتحريم النقد الموجة الى الحكومة وجهات معنية أخرى، بحيث يتحول القانون الى قانون لحماية الحكام من الصحفيين وليس العكس، ذلك أنه لا يمنح الصحفي حقوقه بقدر ما يمنح الدولة فرصاً لعرقلة حرية الصحافة.
ومن ناحية أخرى فان إقرار قانون حماية الصحفيين لابد أن يقترن، كما أشار البعض عن حق، باقرار قوانين أخرى بينها قانون النشر والمطبوعات وقانون حقوق المعلوماتية.
كما أن احتكار نقابة الصحفيين لكل العاملين يتعارض مع الديمقراطية التي ينبغي أن توفر، من بين فرص أخرى، امكانيات تأسيس نقابات صحفية غير نقابة الصحفيين الحالية التي لا يتوجب انضمام كل الصحفيين اليها ليكتسبوا صفة الصحفي، شريطة أن تلتزم هذه النقابات المتنوعة ببنود قانون حماية الصحفيين.
ومعلوم أن الصحفيين في بلادنا يعملون في بيئة غير آمنة على الاطلاق، وليس أدل على هذا من حقيقة أن المئات من الصحفيين كانوا ضحايا بين قتيل ومصاب ومعوق، ناهيكم عما تعرض له كثيرون من اعتقال وتعذيب وخطف وتهديد لهم ولعوائلهم، وما تعرضت وتتعرض له مؤسسات اعلامية من تضييقات وتقييدات لحرية الصحافة وتكميم لأفواه إعلاميين ومنعهم من نشر مقالات انتقادية للسلطة وتسلكات أقطابها.
ويشكل استمرار العمل بالمواد المتعلقة بما يسمى جرائم النشر في قانون لعقوبات العراقي المعدل رقم 111 لسنة 1969 خرقاً فاضحاً لمواد الدستور العراقي والتزامات العراق الدولية.
إن اصرار الحكام المتنفذين على استغلال مواد التشهير الموروثة من عهد الدكتاتورية الفاشية في رفع دعاوى مجحفة ضد الصحفيين ووسائل الاعلام لا يهدد حرية الصحافة المكتسبة بعد سقوط النظام الدكتاتوري حسب بل يلغي هذه الحرية.
ومما يثير السخط أن بعض المتنفذين، حكاماً وسياسيين، يهددون الصحفيين باللجوء الى القوانين "لحمايتهم" من "تجاوزات" الصحفيين، وهذه "التجاوزات" ليست سوى حق الصحفي في الوصول الى المعلومة ووضع الحقيقة أمام أنظار الناس.
ولا غرابة في أن يحاول مسؤولون التذرع بشتى المخاطر لتقييد الحريات والهيمنة على تدفق المعلومات وتوجيه "قانون الجرائم المعلوماتية" الوجهة التي تخدم المصالح "السياسية" الضيقة.
وفي سياق ذلك نشهد ازدواجية سلوك المتنفذين وهي تتجلى، من بين مظاهر أخرى، في الموقف من حرية التعبير، حيث تتوفر للسلطة الحاكمة فرص التضييق على الحريات بحجة الحفاظ على "المصلحة العامة" وما الى ذلك من مصطلحات حمالة أوجه.
والمشكلة، بالطبع، ليست في القوانين وإقرارها وانما في تطبيقها، إذ عادة ما يجري تطويع القوانين والقرارات حسب مصلحة ومشيئة الجهة المعنية بالتطبيق، التي تضع "خطوطاً حمراء" وتطلق تهديدات بعواقب وخيمة اذا ما تجاوز من ينظم القانون شؤونهم تلك الخطوط الحمراء على النحو الذي يرتقي الى تهديد لامتيازات أهل السلطة.
* * *
لا ريب أن العقل "المحافظ"، الخائف من حرية التعبير وعواقبها، وهو عقل مهيمن في ثقافة سائدة، هو الذي يضع الخطوط الحمر سواء في بنود القانون أو في سبل تطبيقه.
ولا ريب أن السلطة "السياسية"، التي لا تقوم على أساس الديمقراطية الحقيقية، تبحث عن مدّاحين وأبواق في مسعاها الأساسي وجوهره الحفاظ على امتيازاتها وتبرير آيديولوجيتها وتحقيق "مشروعيتها" المفككة بسبب الانفصام القائم بين الدولة والمجتمع. وفي هذا السياق تقوم مثل هذه السلطة بعرقلة الحقائق التي يسعى اليها الصحفي ليضعها في أيدي الناس.
غير أن الواقع يضيء حقيقة أن أهل الكلمة العراقية المنيرة سيواصلون مقاومة الخنوع ومسعى تحويل العقل الثقافي الى عقل دعائي يؤبد الوضع الراهن وثقافته المهيمنة.