الصومال: المجاعة ليست قدراً


أشرف عمر
2011 / 8 / 14 - 11:10     

في هذا العام، صار بالإمكان الاستدلال بأسماء بعض الدول ببعض الأحداث الضخمة التي شهدتها. فعندما نتحدث عن مصر أو تونس، يتبادر إلى أذهاننا الثورات الشعبية.. اليونان أصبحت تعني الإفلاس وخطط التقشف الاقتصادي.. أما الصومال فأصبحت مرادفاً ليس فقط للحرب الأهلية والاقتتال الداخلي، لكن أيضاً المجاعة والجفاف اللذين يهددان مئات الآلاف بالموت. الأرقام والإحصاءات مفزعة بحق، وبحسب خبراء الغذاء في العالم، فإن الصومال تشهد اليوم كارثة إنسانية حقيقية قد لا تقل شأناً عن تلك التي عاشتها البلاد في مطلع التسعينات.

مجاعة شاسعة وإغاثات هزيلة

كان تقرير سابق لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ووسط آسيا "أوتشا" كشف أن نحو 3.7 ملايين صومالي (يشكلون حوالي ثلث سكان الصومال) يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية بزيادة قدرها 35% عن ما كان عليه الوضع في بداية العام.

لكن الأمر لا يقتصر على الصومال فقط، فعلى سبيل المثال، قالت فاليري أموس -وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية- أن "أكثر من 12 مليون شخص في الصومال وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي في حاجة إلى مساعدة عاجلة"، وأضافت "إن العدد يزداد يوميا". وقد أكد المتحدث باسم برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة، بيتر سميردون، لوكالة رويترز أن "إذا لم تقدم مساعدات كافية في الشهور المقبلة فإن أجزاء من جنوب ووسط الصومال ستتعرض لكارثة شبيهة بالمجاعة التي حدثت في عامي 92-1993 وراح ضحيتها مئات الآلاف من الصوماليين".

وتهرع اليوم العديد من المنظمات الإغاثية بجانب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى العديد من الدول، إلى إرسال إغاثات إنسانية ومعونات غذائية للشعب الصومالي. ففي 1 أغسطس، أرسل برنامج الأغذية طائرة حملت عشرة أطنان من المواد الغذائية للأطفال في العاصمة الصومالية، كما سرّع البرنامج من وتيرة توزيع الأغذية في منطقة الدولو جنوبي البلاد قرب الحدود الكينية.

هذا وقد أعلنت جامعة الدول العربية أنها بصدد إعداد خريطة طريق بشأن أزمة الصومال بالتعاون والتنسيق مع الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة. كما طلب الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مؤخراً 1.8 مليار دولار لتمويل جهود الإغاثة في القرن الأفريقي التي لا تزال تتعثر.

ويشكو الكثير من المسئولين عن إرسال الإغاثات من المصاعب العديدة التي يواجهونها أثناء عملهم في الأراضي الصومالية؛ فهم يتعرضون للإطلاق الرصاص والخطف أو الاغتيال من قبل الميليشيات المسلحة التي تقاتل الحكومة في العاصمة مقديشيو ومدن صومالية أخرى. وهذا هو السبب الذي يدفع المنكوبين من أبناء الصومال للفرار إلى كينيا (1300 صومالي يومياً) في محاولة يائسة للحصول على الإمدادات الغذائية.

لكننا لا يمكن أن نفسر تلك المحنة العميقة في الصومال بعرقلة وصول المعونات الغذائية من قبل الميليشيات المتمردة. فبرغم الضخ الهائل والتمويل الضخم لجهود الإغاثة الإنسانية من قبل برنامج الأغذية في الأمم المتحدة أو من قبل العديد من المنظمات الخيرية والإغاثية، إلا أنها في الواقع تبدو هزيلة للغاية إذا ما قورنت بحجم القروض الضخمة التي تحصل عليها بعض الشركات متعددة الجنسيات لتفادي الانهيار الاقتصادي، أو بالمبالغ الطائلة التي تضخها الحكومات الرأسمالية، في أوروبا على سبيل المثال، في البنوك الكبرى لإنقاذها من الإفلاس.. هذا هو التناقض الأساسي الذي يفتح الباب أمام السؤال حول أصل الأزمة ومصدر الجوع.

تناقضات الرأسمالية

طوال الشهرين الماضيين على الأقل، تناولت الكثير من الأقلام المجاعة التي تجتاح الصومال، وانطلقت الكثيرمن التحليلات من خلفية أزمة الغذاء في العالم ككل. لكن كافة تلك التحليلات كانت محصورة في جانبين اثنين. أولهما يقوم على النظرية المالتوسية الشهيرة القائلة بأن زيادة معدلات النمو السكاني والإكثار من الإنجاب يؤدي إلى التهام كل الجهود التنموية فيما يخص إنتاج الغذاء بالأخص في البلدان الأفقر، وبالتالي فإن هذه البلدان بها الكثير من الأفواه ولم يعد هناك ما يكفي من أجل إطعامهم. زد على ذلك الجانب الآخر، ألا وهو أن التغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية من شأنها مفاقمة الأزمة من خلال تهديد بعض المحاصيل الزراعية التي لا يمكن الاستغناء عنها مثل القمح، كما حدث في أزمة الجفاف التي ضربت روسيا في النصف الثاني من 2009.

إلا أن أي من التحليلات لا يرى الصورة إلا من على السطح، فكل ذلك يتناقض تماماً مع ما تطرحه التوقعات الاقتصادية بزيادة إنتاج الغذاء في العالم. فعلى سبيل المثال، من المتوقع هذا العام أن تصل إنتاجية القمح إلى أعلى معدل في تاريخ العالم، وبالتالي فإن الأزمة ليست في نقص المواد الغذائية، ومع ذلك فإننا نشهد كارثة إنسانية عميقة في الصومال تمتد لتشمل مساحات شاسعة من القرن الأفريقي. هذا كله فضلاً عن أن إنتاجية الغذاء تتزايد باستمرار كل عام منذ 1950 وبمعدل أسرع كثيراً من معدل النمو السكاني العالمي.

ومن زاوية أخرى، فإن أي من تلك التحليلات لا يفسر الأرباح الضخمة التي تحققها الشركات الرأسمالية الكبرى المنتجة للغذاء في الوقت الذي نشهد فيه ارتفاع خيالي لأسعار المواد الغذائية عالمياً، مما يؤدي إلى ارتفاع عدد أولئك الذين يعانون من نقص الغذاء لعدم قدرتهم على شراء الكميات الكافية.

فعلى سبيل المثال، في أبريل 2008، كانت شركة كارجيل الأمريكية العملاقة والعاملة في مجال الصناعات الزراعية، قد سجلت 86% زيادة في أرباحها مقارنة بالعام السابق. وتمكنت من ذلك عن طريق احتفاظها بمخزون ضخم من المواد الغذائية من بيعها بأسعار باهظة وبأضعاف قيمتها الحقيقية. وفي الوقت نفسه ارتفعت أسعار المواد الغذائية لتصل الزيادة في العام الحالي إلى 36% مقارنة بأسعار 2010، وهكذا ارتفع عدد الذين يعانون من نقص الغذاء إلى أكثر من مليار شخص عبر العالم.

المشكلة إذن ليست قلة المواد الغذائية المتوفرة في العالم، ولكن المشكلة أن معظم الناس لا يستطيعون تحمل أسعار الغذاء المرتفعة.. المشكلة الحقيقية في النظام الرأسمالي نفسه الذي يضع أولوية الإنتاج من أجل تحقيق الأرباح وليس من أجل إشباع احتياجات البشر وإنقاذهم من المجاعات التي هي ليست قدراً على البشرية ولا على المناطق المنكوبة في العالم مثل دول القرن الأفريقي.

ولتلخيص الأمر كله، سنسنعير هنا بعض الكلمات للاشتراكي الثوري البريطاني الراحل توني كليف، في كتابه "الماركسية في الألفية الجديدة". كتب كليف: "على مدار آلاف السنين، قبل الرأسمالية، كان البشر يعيشون فقر مدقع ويموتون جوعاً لأنه لم يكن يوجد طعام يكفي الجميع. أما الرأسمالية فهي النظام الاقتصادي والاجتماعي الوحيد الذي يموت فيه الناس جوعاً لا بسبب ندرة الطعام، لكن بسبب وفرته".