اليونان: سياسات التقشف والمقاومة العمالية*


أشرف عمر
2011 / 8 / 13 - 12:40     

حوار مع: نيكوس لودوس

حاوره: مارك توماس

ترجمة: أشرف عمر

الناشر: مجلة الاشتراكي الشهرية (يصدرها حزب العمال الاشتراكي البريطاني)

يحتل سؤال الإضراب العام المكانة الأبرز لدى الثوار في مصر لدفع الثورة إلى الأمام في اتجاه انتصارها. وانطلاقاً من ذلك، نقدم لكم هذا الحوار الذي أجراه الاشتراكي الثوري البريطاني مارك توماس مع رفيقه اليوناني نيكوس لودوس* للإطلاع على خبرة الإضراب العام في اليونان، حيث خاض العمال اليونانيون في العامين الماضيين اثنى عشر إضراباً عاماً احتجاجاً على تطبيق خطط التقشف التي تسعى من خلالها الحكومة اليونانية تحميل الأزمة على أكتاف العاملين والفقراء اليونانيين تطبيقاً لأجندة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

(المترجم)

اليوم، تهز موجات الإضرابات العامة أركان النظام الرأسمالي في اليونان، هذا البلد الذي يعج بالإضرابات العمالية الواسعة واحتلال أماكن العمل والاعتصامات في الميادين الكبرى، إلخ. يجري كل ذلك بينما تصب الرأسمالية العالمية كل جهودها لإنقاذ اقتصاد الدول الأوروبية من الانهيار، وذلك من خلال إلقاء عبء أكبر أزمة مالية واقتصادية للرأسمالية، منذ الحرب العالمية الثانية، على أكتاف العمال. وقد أدى ذلك بالطبع إلى اندلاع أكبر وأعمق موجة من النضال عبر أوروبا منذ هزيمة الثورة في البرتغال عام 1975. وبالتأكيد تقع اليونان في القلب من تلك العاصفة الاقتصادية المدمرة.

أما إجراءات الطبقة الحاكمة في اليونان، المدفوعة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لممارسة المزيد من الضغوط على حياة العاملين في أقصر فترة ممكنة، تلك الإجراءات تقود دولة اليونان نحو أزمة أكثر عمقاً. ويتزامن كل ذلك مع موجة غير مسبوقة من الثورات في منطقة الشرق الأوسط.

هذا الحوار مع المناضل الاشتراكي الثوري اليوناني نيكوس لودوس، يوضح لنا بجلاء أن الطبقة العاملة تمثل اليوم العمود الفقري لمقاومة خطط التقشف الاقتصادي في اليونان. ويكشف لنا ذلك كذب وزيف الادعاءات القائلة بأن الطبقة العاملة لن تعود للنضال مرة أخرى.

أما الضغط العمالي من أسفل، فقد كان هو السبب الرئيسي في دفع القيادات النقابية لساحة النضال، وأيضاً في بناء حركة قاعدية من أسفل، تتميز بدرجة أعلى من التنظيم لتطوير ودفع المعركة إلى الأمام. ولا شك أن دروس النضال في اليونان تعد ذات أهمية خاصة لكافة المناضلين ضد سياسات التقشف والاستغلال عبر العالم.

إن سرعة معدلات إجراءات التقشف الاقتصادي تبدو غير مسبوقة في تاريخ أوروبا.. كيف أثرت خطط التقشف على حياة العمال ومستوى معيشتهم؟!

ليس من السهل أن نقدر بدقة مدى تأثير هذه الخطط على حياة العمال، وذلك بسبب السرعة الكبيرة التي تُنفذ بها هذه الخطط كما ذكرت. لكن البيانات الرسمية، على أي حال، تؤكد أن نسبة البطالة قد تجاوزت الـ 16%، بينما يذكر معهد الدراسات النقابية أن نسبة البطالة تقترب بالفعل من 22%. ومعنى ذلك أن الشهور القليلة القادمة
سوف تصل فيها البطالة إلى مستوى شديد الخطورة حيث يبلغ عدد العاطلين مليون عاطل في بلد لا تتعدى كثافته السكانية 11 مليون مواطن.

من ناحية أخرى، لا يفوتنا أن نذكر هنا أن متوسط الدخل القومي اليوناني قد انخفض بنسبة 15% هذا العام. وإذا كان هذا الانخفاض غير متكافئ على القطاعات المختلفة في الصناعة، فإن الكثير من العمال يعانون أكثر من غيرهم نتيجة لذلك. كل ذلك بالإضافة إلى الهجوم الشرس على الخدمات العامة مثل قطاعي الصحة والتعليم على سبيل المثال.

هناك الكثير من المستشفيات التي لا تعمل بسبب تخفيض ميزانية قطاع الصحة في اليونان. وفي الكثير من المستشفيات الأخرى، ينصح الأطباء مرضاهم بشراء الأدوية وكل ما يستلزمه العلاج قبل مجيئهم للمستشفى. أما عن التعليم الجامعي، فحدث ولا حرج؛ فالكثير من كليات الجامعات تم إغلاقها بالفعل، مثلما حدث مع كلية الهندسة المعمارية في أثينا.

الأمر نفسه يحدث في المحليات، حيث تشكو المحليات من عدم القدرة على أداء مهامها، حتى أنهم غير قادرين على جمع القمامة. وبشكل عام فإن الصورة لا تنم إلا على تدمير شامل في قطاعات الخدمات العامة.

في رأيك، كيف تغير المزاج الجماهيري خلال العام ونصف السابق، أي خلال عمر الحكومة الراهنة في السلطة؟

لقد تغير المزاج الجماهيري بشكل كبير خلال الشهور السابقة. وعلى سبيل المثال، عندما أجرت إحدى أكبر شركات الإعلام الكبرى استطلاع رأي حول خطط التقشف، وجدوا أن 87% من المشاركين في الاستطلاع رأوا أن خطط التقشف تقود البلاد إلى طريق خاطئ. بينما يظن 7% فقط أن البلاد تسير في الطريق الصحيح عبر خطط التقشف.

كما عبر 88% من المشاركين في الاستطلاع عن استيائهم من الطريقة التي تسير وفقها الديمقراطية في اليونان. لذا فالأمر أكبر من افتقار حزب العمال اليوناني والحكومة مصداقيتهم السياسية. كما أن أغلبية اليونانيين يظنون أن النظام السياسي بكل مؤسساته لا يعملون في خدمة المجتمع.

وكشف نفس الاستطلاع أن 92% من اليونانيين محبطين من الحكومة وغير واثقين فيها، لكن 88% منهم يشعرون بالإحباط وعدم الثقة من المعارضة اليمينية المتمثلة في حزب الديمقراطية الجديدة. وعندما سُئل الناس عن الحل، كان 10% فقط موافقين وواثقين أن خطط التقشف تبدو طريقاً لحل الأزمة الاقتصادية، بينما وافق 60% على ضرورة إيجاد حل آخر، وكان 26% واثقين في ضرورة مغادرة منطقة اليورو وقطع الصلات مع صندوق النقد الدولي، وطرح حلول مختلفة تماماً. ولا يدل كل ذلك إلا على أن تغير كبير قد حدث لدى أغلبية من الجماهير، بالإضافة أننا لدينا أغلبية ذات شأن (26%) تريد نظام من نوع مختلف تماماً.

هل نستطيع أن نقول أن اليونان تشهد اليوم بداية لأزمة في نظام الديمقراطية البرلمانية؟

لو كان الموقف الحالي قد بدأ منذ سنين قليلة سابقة، لكان الحل أسهل كثيراً من خلال إجراء انتخابات برلمانية جديدة. لكن اليوم فإن خوض انتخابات جديدة لا يمكن أن يفضي إلى أي حل؛ فكما تُظهر استطلاعات الرأي، ليس هناك أي من الأحزاب الكبيرة يمكن أن يحصل على أغلبية لتنفيذ خطط التقشف. لذلك، فهم يعترفون بأن أغلبية المواطنين ضد خطط التقشف، لكن لكنهم في نفس الوقت يصرون على المضي قدماً في التقشف الاقتصادي. لذا فهذه الأزمة تضرب بعمق في أساس الديمقراطية البرلمانية ذاتها.

في الأشهر العشرين السابقة، شهدت اليونان 12 إضراباً عاماً. كيف تطورت حركة الإضرابات إلى الأمام بهذا الشكل؟ وكيف تغيرت العلاقة بين القيادات الرسمية للنقابات البيروقراطية وبين القيادات العمالية القاعدية خلال ذلك؟

في البداية لابد أن نذكر أن تلك النقابات البيروقراطية تقع تحت سيطرة قيادات وأعضاء حزب العمال اليوناني الحاكم. وعندما تم انتخاب الحكومة، منذ حوالي عام ونصف، كان من أهم مواضع قوتها هو أن كان بإمكانها استخدام نفوذها العملاق في النقابات الرسمية البيروقراطية لإيقاف الإضرابات العمالية. وبالإضافة إلى ذلك، كان قادة النقابات أنفسهم يقولون أنهم لن ينظموا إضرابات ضد الحكومة.

لكن ما حدث طوال تلك الفترة الطويلة الماضية، منذ انتخاب الحكومة وحتى الآن، جاء على العكس من كل ذلك؛ فلقد شهدنا أكبر سلسلة من الإضرابات العمالية في تاريخ اليونان، وهكذا فقد هبت الرياح بما لا تشتهيه السفن -وأقصد هنا بالطبع الحكومة والقادة البيروقراطيين للنقابات.

جاء الإضراب العام في 5 مايو 2010 ليمثل الإضراب العام الأكبر في اليونان. لكنه، وبعد انتهاء الإضراب، كان من المتوقع أن تنحسر الحركة العمالية وتتجه نحو الهبوط، وكان ذلك بسبب إطلاق الحكومة حملة بوليسية عنيفة لترويع المضربين والمتظاهرين. لكن النتيجة لم تكن سوى العكس؛ فقد اتجهت قطاعات متنوعة من الطبقة العاملة نحو استخدام سلاح الإضراب ضد تطبيق خطط التقشف في القطاعات التي تعمل بها.

وكانت المحصلة أن الحركة العمالية قد دفعت قادة النقابات أنفسهم للدعوة لإضرابات عامة في فترات متقاربة للغاية (كل شهر أو شهرين طوال العام ونصف السابق). وكل إضراب عام كان يعني تراكم المزيد من الخبرة النضالية لدى القطاعات المتفرقة من الطبقة العاملة التي تستجيب لدعوة الإضراب العام وتشارك فيه وتعمد إلى إقامة صلات وثيقة وشبكات من التواصل فيما بينها أثناء الإضراب. لذا فقد كانت هناك حالة من الشد والجذب بين القادة النقابيين الذين اضطروا -تحت الضغط- للدعوة لإضرابات عامة، وبين شبكات من العمال المناضلين الذين يسعون لدفع الحركة إلى الأمام وتنظيم المزيد من الإضرابات والاعتصامات، إلخ.

وإذا ما عقدنا مقارنة بسيطة بين الإضراب العام في 5 مايو من العام الماضي، والإضراب العام الأخير في 15 يونيو من هذا العام، فإننا سنلاحظ بسهولة أن إضراب يونيو 2011 لم يكن مجرد إضراب عام، بل كان هناك الكثير من القطاعات المختلفة للعمال الذين يسعون لدفع الحركة إلى الأمام عبر الإضراب العام، وذلك عن طريق تنظيم المزيد من الإضرابات في أماكن عملهم، كما ظهر في الأسابيع القليلة الماضية. لكن الأمر برمته لا يعني أن القيادات النقابية البيروقراطية قد اختارت أن تتوجه يساراً وتقود الحركة العمالية، لكنها دعت ونظمت الإضرابات تحت ضغط شبكات قوية من العمال المناضلين المنظمين.

إلى جانب الإضرابات العمالية، كيف ترى المسيرات الهائلة في الشوارع وحركات احتلال الميادين الكبرى والاعتصام بها، إلخ؟ تتحدث وسائل الإعلام دوماً عن "جيل الفيس بوك"، لكن هل هذه التحركات يتم تنظيمها فقط عن طريق الإنترنت؟ وما هي العلاقة بين هذه التحركات والحركة العمالية المتصاعدة في اليونان؟

هذا الوصف ليس دقيقاً على الإطلاق. فالأمر أكبر كثيراً من مجرد دعاية أو تحريض على الفيس بوك أو على شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت. وقبل وقت قصير، أصدرت نقابة العاملين بالمحليات بياناً لتأييد التحركات الشبابية والاعتصام بالميادين الكبرى، داعين إلى المزيد من الإضرابات في الفترة المقبلة، كما ذكر بيان النقابة أن المظاهرات والاعتصامات في الشوارع والميادين هي نتاجاً لسلسلة الإضرابات العملاقة طوال العام الماضي.

وهذا صحيح تماماً، فالمسيرات والمظاهرات في العاصمة وغيرها من المدن هي نتيجة مباشرة لمشاركة أغلبية المواطنين في نضالات العام الماضي، لكنهم اليوم لا يقنعون بمجرد التظاهر في الشوارع، ويريدون المزيد. ولا يمكن أن ينكر أحد أن المسيرات الهائلة التي نشهدها اليوم ومظاهرات ميدان سنتاجما بوسط أثينا، استكمالاً لنضال عام كامل مضى.

هل التجمعات الجماهيرية الحاشدة والأشكال التنظيمية التي تخلقها الجماهير أثناء نضالها، بكل ما تتضمنه من نقاش وصياغة قرارات والتصويت عليها، تعكس الأزمة العميقة للديمقراطية البرلمانية، حيث يضيق الناس ذرعاً بالنظام السياسي القائم؟

بالطبع، هذا صحيح تماماً، فالناس يذهبون إلى المظاهرات والاعتصامات في الميادين الكبرى، وأثناء التجمع يشعرون أنهم قادرين على قول ما يريدون دون قيود، كما يشعرون بأهمية ما يقولون وتأثيره. وعلى الصعيد الآخر، لا يشعرون بأي مساحة متاحة لهم في النظام السياسي القائم الذي لا يكترث بهم وبمطالبهم. أما النقابات والاتحادات، على سبيل المثال، فهي لا تزال فاعلة ويمكن من خلالها أن يعبر الناس عن آرائهم وأن ينظموا ما يشاءون للدفاع عن مطالبهم، ليس في أماكن العمل وحسب، إنما أيضاً في الجامعات والمدارس، إلخ.

ولا شك أيضاً أن ما تمارسه الجماهير من ديمقراطية في التجمعات بالميادين الكبرى، هو استكمالاً للديمقراطية في أماكن العمل والجامعات، إلخ.

ماذا عن القوى على يسار حزب العمال الحاكم (الحزب الشيوعي اليوناني، جبهة مناهضة الرأسمالية)، هل يمكن أن تشرح لنا بإيجاز كيف تتفاعل هذه القوى مع الأزمة الراهنة، وما هي تاكتيكاتها لمواجهة خطط التقشف؟

النقطة الإيجابية في الأمر كله، هو أن كافة القوى اليسارية، الحزب الشيوعي اليوناني وجبهة مناهضة الرأسمالية وأيضاً الحركة الفوضوية، تقف ضد خطط التقشف بشكل كامل، وهذا في غاية الأهمية كي لا يستسلم الناس إلى الحل الذي تطرحه السلطة القائمة ألا وهو اللجوء إلى صندوق النقد الدولي. لكننا نستطيع أن نقول أن لدينا يسار ينحاز إلى مطالب وحركة الجماهير في اليونان.

لكن هذا لا يعني أن قوى اليسار متوحدة بشكل كامل في النضال، بل أن هناك عدد من المشاكل التي لا يمكن أن نتغافل عنها في استراتيجية بعض قوى اليسار، ويمكننا أن نقسم هذه المشاكل على مستويين: الأول هو فهم طبيعة الأزمة وأسبابها وبالتالي طرح بديل جديد للمجتمع الرأسمالي القائم. والمستوى الثاني هو استراتيجية وتاكتيكات النضال في المصانع وأماكن العمل وغيرها.

هناك عدد من فصائل اليسار، مثل الحزب الشيوعي اليوناني وكذلك الكتلة التي انفصلت عنه مؤخراً، يرون أن الأزمة الراهنة هي نتاج مباشر لتطبيق سياسات الليبرالية الجديدة في أوروبا وليس بسبب النظام الرأسمالي ذاته، وهكذا يجادلون أن الاتحاد الأوروبي كان بإمكانه تفادي الأزمة إذا اتبع سياسات من نوع آخر، وبالتالي فهم يضعون رهانهم على إمكانية تحول سياسات الاتحاد الأوروبي بحيث تصبح أكثر تقدمية في الفترة المقبلة. هذه في الحقيقة هي الخلفية التي ينطلقون منها، وهذا ما يجعلهم شديدي التردد في طرح مطالب تهدد النظام الرأسمالي ككل، مثل الامتناع عن سداد الديون أو مطلب تأميم البنوك الكبرى، إلخ.

النقطة الأخرى، هو تشاؤمهم المبالغ فيه فيما يخص التحركات العمالية العملاقة التي تشهدها البلاد، ففي كل خطوة كبيرة للأمام يجادلون دائماً بأنها ليست كافية للبناء عليها أو للدعوة إلى خطوات تصعيدية أخرى. لذا لم نجد لديهم أي درجة من الجدية في تطوير الشبكات القاعدية فيما بين العمال المناضلين في أماكن العمل، بل أنهم يتدخلون في الحركة بمنطق أننا بحاجة إلى المزيد، والدعوة إلى الإضرابات العامة لن تجدي نفعاً إذا لم نشهد تغييرات مهمة في الوضع "السياسي" للبلاد. وهكذا فإنهم لا يضعون رهانهم الأول على الضغط بواسطة الإضرابات العمالية، بل على إحداث تغييرات سياسية بعدها قد تكون للإضرابات العمالية تأثيراً.

ومن جانب آخر، فإن جبهة مناهضة الرأسمالية (وهي المجموعة الأصغر بين فصائل اليسار في اليونان، والتي ينتمي لها حزب العمال الاشتراكي)، تضع رهانها الأول على الإضرابات العمالية العامة، وبالتالي فهي تحاول بكل ما أوتيت من قوة دعم ومساندة الإضرابات ودفع الطلائع العمالية في كل إضراب وخلق شبكات للتواصل بينهم. ومن زاوية أخرى، فنحن نحاول أيضاً تقديم إجابات أكثر تماسكاً للتساؤلات المطروحة حول الأزمة اليوم، فهي ليست أزمة معزولة أو فريدة من نوعها، أو حتى مجرد نتاجاً مباشراً لسياسات خاطئة، بل هي نتيجة للرأسمالية نفسها، لذا فعلينا الهجوم على النظام الرأسمالي ذاته.

ماذا عن مسألة الديون؟ ما هي الحلول التي تراها مناسبة للتعامل؟

المطلب الأول في اليونان هو أن نتوقف نهائياً عن دفع الديون، وأن نلغي تلك الديون تماماً. هذا المطلب في غاية الأهمية، إذ أن الحكومة اليونانية تجادل بأن عدم سداد الديون لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي سوف يجعلها غير قادرة على دفع الأجور والمعاشات، إلخ. أمام نحن فلدينا إجابة أخرى على التساؤلات حول سداد الديون، ألا وهي أننا يجب أن نتوقف عن سداد الفوائد لأصحاب البنوك الكبرى؛ فالحكومات المتعاقبة في اليونان طوال العقدين السابقين قد سددت ما يعادل 600 مليار يورو كفوائد لأصحاب البنوك الكبرى. وهذا يعني أننا قد سددنا قيمة القرض الأساسي (دون حساب الفوائد) لمرتين، لذا يجب علينا أن نتوقف عن سداد المزيد من الديون.

مطلب آخر لا يقل أهمية، ألا وهو تأميم البنوك؛ ويرجع هذا المطلب لسبب رئيسي، وهو أننا إذا امتنعنا عن سداد الديون، فإن الكثير من البنوك اليونانية ستتجه إلى الإفلاس، إذ أن جزء كبير من تلك الديون تعود إلى تلك البنوك نفسها. وهكذا فإن هناك حاجة فعلية إلى تأميم تلك البنوك لأنها ستفلس عاجلاً أم آجلاً فور الامتناع عن سداد الديون. وفي نفس الوقت، فإن إحدى أكثر الخطوات إلحاحاً عند تأميم البنوك هو أننا يجب أن نحدد الديون التي سيتم تسديدها والديون التي سنمتنع عن سدادها، وهذا سيحدث فقط عندما يسيطر العاملون والمنتجون على هذه البنوك، وأن تجري عملية التأميم نفسها بأيديهم.

الكثير من النقابات -حتى تلك التي لا يسيطر عليها اليسار المناهض للرأسمالية- ترفع هذه المطالب وتتبناها عن ظهر قلب. والأمر أصبح مثاراً بشدة حتى في الجرائد والصحف السائدة التي صارت تنشر الكثير من المقالات والأعمدة التي تتناول هذه المطالب وتدعي أنها غير قابلة للتحقيق. وبالرغم من كل ذلك تبقى "جبهة مناهضة الرأسمالية"، والتي يعد حزب العمال الاشتراكي اليوناني جزءاً منها، هي الجبهة السياسية الوحيدة التي ترفع هذه المطالب بوضوح.

وماذا بشأن عضوية اليونان في الاتحاد الأوروبي؟

في بيان له، ذكر محافظ البنك المركزي الأمريكي الأسبق، آلان جرينسبان، أن اليونان في طريقها للانهيار. لكن إذا كانت أشهرت اليونان إفلاسها، فهذا يعني أنها ستترك الاتحاد الأوروبي بشكل فوري. وهذا الاحتمال ليس بسيطاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي. لكن إذا تناولنا الأمر من جانب النضال العمالي والجماهيري، فإذا نجح الضغط الجماهيري في إجبار الحكومة على إلغاء الديون وتأميم البنوك، فإن اليونان في هذه الحالة لن يكون أمامها أي اختيار سوى فقدان عضوية الاتحاد الأوروبي أيضاً.

وأخيراً، ماذا عن الخطوات القادمة في النضال في رأيك؟

تجري الآن نقاشات مكثفة في الكثير من النقابات للدعوة لإضراب عام لمدة 48 ساعة خلال الأسابيع القادمة، وستكون تلك هي المرة الأولى التي تشهد فيها اليونان إضراباً عاماً لمدة يومين. وبالإضافة إلى ذلك، تدعو نقابة العاملين بقطاع الكهرباء لإضرابات عامة متتالية، يستمر الواحد فيهم لمدة 48 ساعة. وفي نفس الوقت يدعو عمال المحليات إلى تنظيم إضراب يتوازى مع احتلال قاعات المجالس المحلية، إلخ. وهكذا فإن النضال في اليونان سيشهد فقزة كبيرة إلى الأمام خلال الأسابيع القليلة القادمة.

أما المجهود الأساسي الذي نبذله فيتركز على دعم هذه الإضرابات العمالية، والحرص الشديد على ضرورة خلق شبكات اتصال بين العمال مواقع العمل المختلفة، وذلك حتى لا تبقى القطاعات العمالية المختلفة بمعزل عن بعضها أثناء النضال. كما أن علينا أيضاً أن نلعب دور تضامني مع الإضرابات العمالية وأن نسعى لنقل ديمقراطية الميادين لمواقع العمل نفسها، كي يستطيع العمال السيطرة والتحكم في مجريات الأمور أثناء الإضراب.

لدينا مثال هام على ذلك، نسعى لتعميمه في الفترة القادمة. كان العاملون في البنوك، حين ينظموا إضراباً عن العمل، يعمدون إلى تعطيل الأقسام المختصة بسداد الديون للاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، بينما يستمرون في العمل في الأقسام الأخرى المسئولة عن صرف المعاشات والأجور، إلخ، حتى لا يتسبب الإضراب في تعطيل مصالح أي من قطاعات الجماهير. هذا ما نحتاج إلى نقله وتعميمه في قطاعات أخرى مثل الكهرباء والموانئ والاتصالات وغيرها. وهكذا يمكن أن نصف كيف تكون السيطرة العمالية على وسائل الإنتاج أثناء الإضراب العام.

* تم نشر الحوار لأول مرة في مجلة "الاشتراكي" الشهرية - يصدرها حزب العمال الاشتراكي البريطاني، عدد يوليو 2011.

* نيكوس لودوس: عضو قيادي بحزب العمال الاشتراكي اليوناني، والحزب هو جزء من التيار الاشتراكي الأممي.