انتخابات الآن!


حزب دعم العمالي
2011 / 8 / 12 - 08:52     

بيان للرأي العام


انتخابات الآن!
يجب القول بصوت عالٍ: الحكومة فقدت ثقة الشعب، عليها الاستقالة وإجراء انتخابات فورية. من يرغب في تحقيق برنامج اجتماعي ينبغي عليه تولّي الحكم، والطريقة الوحيدة لذلك هي الانتخابات.

لا شكّ أنّ ما بدأ كاحتجاج حول أزمة السكن، تحوّل إلى احتجاج جماهيري عامّ. سياسة الخصخصة والسوق الحرّة تمثلان اليوم أمام محكمة جماهيرية. سلّم أولويات جميع الأحزاب السياسية مشكوك في أمرها. يطالب المبادرون إلى هذا النضال نتنياهو بتغيير فوري لسياسته وبتبنّي مطالبهم الاجتماعية. نتنياهو من جانبه يراوح بين احتضان المحتجّين والتشهير بهم. لأوّل وهلة يوافق على بعض المطالب، لكنّه يوليها دلالات تتلاءم مع توجّهه الاقتصادي. يطلب من قادة الاحتجاج أن يفصّلوا مطالبهم، ليتسنّى له النظر فيها. ومن جهة أخرى يقيم لجنة وزارية لمفاوضتهم ولبلورة توصيات في مسائل الاحتجاج. إلاّ أنّ هدفه الحقيقي هو القضاء على الاحتجاج ووقف اعتصام المحتجّين.

في هذه الأثناء، اتّسعت قائمة المطالب وتحوّلت إلى برنامج يحمل طابعًا اجتماعيًا- ديمقراطيًا يمنح أفضلية لرفاهية العامل على أرباح الرأسماليين. يطالب قادة الاحتجاج بإعادة "دولة الرفاه" التي تهدّمت، كما نذكر، بشكل منهجي خلال السنوات الخمس والعشرين الأخيرة، منذ بدأ تطبيق خطّة الإصلاح الاقتصادية سنة 1985. يطالب الشباب بأن يدفع الرأسماليون نسبة أعلى من الضرائب من أجل تمويل احتياجات المواطنين. يطالبون بوقف الخصخصة وبإخراج مجالات السكن والتعليم والصحة والرفاه من معادلة الربح. تحمل هذه المطالب طابعًا أيديولوجيًا بارزًا، يناقض تمامًا أيديولوجية نتنياهو، التي تؤمن بمنح تسهيلات قصوى للرأسماليين وأقلّ قدر من الخدمات للمواطن.

حسب توجّه نتنياهو الاقتصادي، الدولة هي عبارة عن مؤسّسة غير ناجعة ومبذّرة. الرأسماليون هم فقط الذين يجيدون الإدارة السليمة عن طريق تقليص القوى العاملة والرواتب وتقليص المصروفات وإغلاق خطوط الإنتاج التي لا تدرّ أرباحًا، والأهمّ تخلّصه من الضغوط السياسية، ولذلك اعتباراته هي اقتصادية بحتة، دون علاقة بنتائجها الاجتماعية.

هذا التوجّه ليس من ابتكار إسرائيل، فقد تمّت صياغته في سنوات الستّين من القرن الماضي من قِبل البروفسور ميلتون فريدمان من جامعة شيكاغو، وتبنّاه بنصّه الحزب الجمهوري الأمريكي في عهد الرئيس رونالد ريغان. نتنياهو الجمهوري بطبعه، لم ينبنَّ مبادئ فريدمان النيوليبرالية فحسب، بل طمح في التفوّق على معلّمه.

من هنا، عندما يطالب قادة الاحتجاج نتنياهو بانتهاج سياسة مخالفة لتوجّهه، فإنّهم يُحدثون بلبلة ويُضعفون حركتهم الاحتجاجية. ما هي فائدة التوجّه إلى نتنياهو ببرنامج اجتماعي منظّم، في حين أنّ أحدًا من أفراد خيمة الاعتصام لا يثق به، ولو حتّى بسبب إخفاقاته الاجتماعية. خلال سنتين منح ائتلاف نتنياهو حرّية مطلقة للكنيست لتشريع قوانين عنصرية مسّت بأسس الديمقراطية. في الوقت الذي تحوز فيه القضية الاجتماعية على إجماع واسع، ما زالت قضية السلام والتعامل مع العرب يُحدثان شرخًا بين صفوف الجماهير، في الوقت الذي يشكّل فيه اليمين والمستوطنون الأكثرية في البلاد.

لهذا السبب اختار قادة الاحتجاج تكتيكية، فضّلوا حسبها تجاهل قضية السلام والتركيز على نقطة ضعف نتنياهو- تحالفه مع الرأسماليين. لكنّ نتنياهو لا يعاني من انفصام في الشخصية، فهو قومي يميني ومحافظ اقتصادي- أيديولوجيتان تسيران جنبًا إلى جنب بصورة طبيعية. ومثله مثل القوميين والمحافظين في العالم، نراه متحمّسًا للحرب ويكره الأجانب ويشمئزّ من الاتّحادات المهنية ويعانق الرأسماليين الكبار وينعم بكلّ طيّبات الحياة التي يوفّرونها له. من هنا تكمن قوّة الاحتجاج في ضعفه أيضًا. في الوقت الذي يعرض فيه نتنياهو برنامجًا سياسيًا واجتماعيًا متطرّفًا ودائبًا، تكتفي الحركة الاحتجاجية ببرنامج اجتماعي يخلو من موقف سياسي. بما أنّ القضايا المصيرية في إسرائيل ليست السكن أو التعليم أو الصحّة، بل ما يسمّى "الأمن"، فإنّ موقف نتنياهو هو السائد.

يحذر قادة الاحتجاج من إغضاب اليمين متوهّمين بأنّه يمكن الفصل بين ما هو اجتماعي وما هو سياسي. اليمين بخلافهم، لا يخشى من الجمع بينهما. يجب التنويه بأنّ إسرائيل ليست السويد، والحركة الاحتجاجية في إسرائيل لا يمكنها الاكتفاء ببرامج غير سياسية كمثال "النموذج السويدي". نعاني هنا من نزاع قومي واحتلال مستمرّ؛ وأكثر من مليون مواطن عربي يعانون من التمييز في كلّ مجالات الحياة. هذه أسئلة لا يمكن تجاهلها. كحال السكّان الذين يسكنون بعيدًا عن مركز البلاد، العرب أيضًا يعانون بأكبر مدى بسبب تقويض دولة الرفاه.

عميد بنك إسرائيل، ستانلي فيشر، الذي يعتبر أحد أكثر المؤمنين بالتوجّه النيوليبرالي، يعترف بأنّ القضية السياسية هي مسألة هامّة للغاية لا يمكن تجاهلها. هذا ما صرّح به مؤخّرًا عندما تحدّث عن قضية السلام والثمن الاقتصادي الباهظ لعدم وجود تسوية مع الفلسطينيين "... إذا وجدت إسرائيل نفسها بعد عقد من الزمن في حالة متردّية، فإنّ السبب يعود إلى إهمال مسألة السلام في صيف 2011 وليس إلى إهمال مطالب المحتجّين في صيف 2011." (مقابلة مع سيڤر پلوتسكر، يديعوت أحرونوت، 31.7.2011)

يجب القول بصوت عالٍ: الحكومة فقدت ثقة الشعب، عليها الاستقالة وإجراء انتخابات فورية. من يرغب في تحقيق برنامج اجتماعي ينبغي عليه تولّي الحكم، والطريقة الوحيدة المؤدّية إلى هناك هي الانتخابات. أي أنّه يجب التوجّه إلى الناخب وطلب ثقته وتفويضه للحزب الذي يحقّق برنامجًا سياسيًا. إلاّ أنّ إسقاط نتنياهو بحدّ ذاته ليس هو الحلّ. بسبب خلوّ الساحة السياسية من أحزاب يسارية اجتماعية قويّة، هناك خطر بأن يتولّى الحكم حزب كديما برئاسة تسيپي لڤني، التي تؤمن بنفس السياسة النيوليبرالية وترفض الشروط التي من شأنها أن تؤدّي إلى التوقيع على اتّفاقية سلام مع الفلسطينيين. هذه هي لڤني نفسها التي كانت شريكة هامّة في الحكومة السابقة، الحكومة التي مهّد فساد أفرادها الطريق لعودة نتنياهو من جديد.

مع ذلك، إذا أثبتت الحركة الاحتجاجية أنّ باستطاعتها إسقاط الحكومة وإجبار المنظومة السياسية على خوض انتخابات مبكّرة، فإنّها ستُثبت أنّ المواطن قادر على إحداث التغيير، الأمر الذي سيكون له أثر كبير على كلّ حكومة مستقبلية. المطالبة بإسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكّرة ليست رسالة فحسب، بل هي نقطة انطلاق نحو بلورة حركة واسعة تحمل طابعًا اجتماعيًا سياسيًا شاملاً، يكون بإمكانها كسب ثقة الجمهور. ائتلاف سياسي يدعو إلى إنهاء الاحتلال وإلى المساواة والعدالة الاجتماعية، ويُحدِث ثورة في وعي الجمهور.

كلمة أخيرة عن الثورات الديمقراطية في العالم العربي. ملايين الشباب العرب الذين أوجدوا ربيع الشعوب الجديد، يفتحون نافذة لسلام حقيقي بين إسرائيل وشعوب المنطقة. العدالة الاجتماعية لا تكفي وحدها هنا، فالامتحان هو في تعاملنا مع الشعب الفلسطيني. يتوقّع جميع المطالبين بالديمقراطية في العالم العربي، من الشعب الإسرائيلي بأن يسعى إلى تحقيق العدالة مع الفلسطينيين، كشرط لإقامة علاقات سلام واحترام متبادل. هذا هو التحدّي الكبير الذي يجب أن يواجهه المحتجّون في خيمة الاعتصام. يقوم نتنياهو بكلّ ما يستطيع من أجل تكريس الصراع القومي، لأنّ هذا الصراع هو إكسير الحياة لحزب الليكود ولليمين. يجب أن يرحل نتنياهو لتتمكّن إسرائيل من الاندماج في العملية الديمقراطية التي تمرّ على المنطقة بأسرها.

للمزيد من التفاصيل: اسماء اغبارية زحالقة 4330037-050