العدد الرابع تشرين الثاني/ نوﭭمبر 2004

حوارات ماركسية
2004 / 11 / 25 - 09:33     

لغرض تفعيل الحوار ، منهجته، وتطويره،
وفي سبيل بناء قوة لليسار الماركسي
تم الاتفاق على إصدار هذه النشرة

العدد الرابع تشرين الثاني/ نوﭭمبر 2004

فهرست

1- نايف سلوم
في انفصال المهام الديمقراطية عن الليبرالية -------ص 5
2- عادل حسن
ردّ على ردّ ----------------------- ص 25
3- عدنان حوراني
رأي نقدي في "المطارحات" -------------- ص29
4- معتز حيسو
تحديدات أولية في العولمة والاقتصاد المتمحور حول الذات- ص 43


في انفصال المهام الديمقراطية عن الليبرالية(*)
( السير التاريخي )

نايف سلوم

نأخذ مباشرة هذه الملاحظة المفتاحية : "في أسباب تحول الدولة القومية الأوربية إلى دولة استعمارية تستغل غيرها من الدول والشعوب بعد أن كانت الدولة القومية مرادفة للديمقراطية والحرية" . وفي مقاربة أولية لهذا التساؤل المشروع نقتطف من كتاب ماركس "الصراعات الطبقية في فرنسا" ما يلي : " لقد قامت دكتاتوريتها(دكتاتورية البورجوازية) حتى الآن بإرادة الشعب ، ولا بد من توطيدها حالياً ضد إرادة الشعب . ووفقاً لذلك، فإنها لم تعد تبحث عن ركائزها بعد الآن داخل فرنسا ، بل خارجها ، في البلدان الأجنبية، في الغزو" . ويضيف ماركس: "إن الحرب الطبقية داخل المجتمع الفرنسي تتحول إلى حرب عالمية تتجابه فيها الأمم وجهاً لوجه" .. لم يكن في إمكان العمال عام 1848 أن يمسوا شعرة واحدة من النظام البورجوازي، حتى يكون مجرى الثورة قد أهاب بجماهير الأمة ، من فلاحين وبورجوازيين صغار، الواقفة بين البروليتاريا والبورجوازية ، ضد هذا النظام ، ضد حكم رأس المال ، وأجبرهم على الارتباط بالبروليتاريين بوصفهم أبطالاً لهم . وما كان في مقدور العمال أن يكسبوا هذا النصر إلا من خلال هزيمة حزيران الفادحـة [1848].. إن سر الثورة في القرن التاسع عشر هو تحرر البروليتاريا وكان هذا السر مدفون حتى ذلك الحين في كتابات الاشتراكيين المحرمة .. واستيقظت أوربا مدهوشة من سباتها البورجوازي " . ويضيف انجلز في مقدمة 1895 للصراعات الطبقية قائلاً : "حين لقيت انتفاضة باريس 1848 صداها في الثورات الظافرة في فيينا وميلانو وبرلين، وحين انجرفت أوربا حتى الحدود الروسية في هذه الحركة ، وحين قامت في باريس في تلك الأثناء المعركة الكبرى بين البروليتاريا والبورجوازية من أجل السلطة ، وحين تعرضت البورجوازية في جميع البلدان لهزة عنيفة من جراء نفس انتصار طبقتها بحيث ارتمت من جديد بين ذراعي الرجعية الملكية الإقطاعية والتي قلبت لتوها – فإنه ما كان يراودنا أدنى شك في الظروف السائدة وقتذاك، في أن المعركة الحاسمة الكبيرة قد بدأت، وأنه لا بد من خوض غمارها في مرحلة ثورية وحيدة ، طويلة ، متقلبة، لكنها لا يمكن أن تنتهي إلا بانتصار البروليتاريا الحاسم" وحين اصطحب المصرفي الليبرالي لافيت رفيقه دوق أورليان (لويس فيليب بونابرت) ظافراً إلى "الأوتيل دي فرانس(مقر الحكومة المؤقتة)، بعد ثورة تموز [ 1830] فقد نطق بهذه الكلمات: "إن أصحاب المصارف سيحكمون من الآن فصاعداً" " . كان من نتائج ثورة 1848 في فرنسا أنها دشنت الانتصار السياسي النهائي للبورجوازية من جهة، وإفلاسها الأيديولوجي النهائي من الجهة الأخرى حيث دفع صعود البروليتاريا كطبقة على المسرح السياسي الأوربي بالبورجوازية إلى الارتماء في أحضان الطبقات القديمة الرجعية والبائدة ضد العدو الجديد. " فالبورجوازية لا تصارع الإقطاع براديكالية نسبية إلا إذا كانت البروليتاريا ما زالت تحت وصايتها . لكن ما أن ينخرط العمال في حلبة الصراع كطبقة مستقلة حتى تسارع البورجوازية لمصالحة الإقطاع استعداداً لمحاربة الخصم المشترك الذي هو العمال كطبقة. حدث ذلك في ألمانيا 1848 عندما خانت البورجوازية ، وقد أرعبتها بعض الملامح البروليتارية الراديكالية في ثورة 1848 الباريسية ، أهداف حركتها نفسها وسارعت للتحالف مع كبار الملاكين العقاريين والأمراء الإقطاعيين ضد العمال." . كل ما سلف دفع البروليتاريا كطبقة، أي كوجود سياسي وبرنامج ديمقراطي قومي وديمقراطي سياسي، إلى وراثة كل ما هو ديمقراطي وثوري في تاريخ البورجوازية زمن صعودها 1500-1850 . لقد ورثت البروليتاريا أولياً المهام الديمقراطية والقومية، وهي أولياً ( أي بالقوة حسب عبارة أر سطو) وريثة البرنامج الديمقراطي البورجوازي زمن صعود الطبقة، كما أن الديمقراطية الاشتراكية ليست بديلاً عن الديمقراطية البورجوازية زمن صعود الطبقة البورجوازية فحسب، بل هي وريثة كل ما هو ديمقراطي في هذا التاريخ وراثة عضوية . أي لا بد من دمج كل هذا التراث الديمقراطي والثوري دمجاً عضوياً في برنامجها. لم تستطع البورجوازية الألمانية أن تكون ديمقراطية في السياسة وبشكل منسجم ، لكنها مع ذلك أنجزت وحدة السوق القومية في الإمارات الألمانية، ومعها التصنيع القومي. لقد أنجزت هذه المهمة الديمقراطية عبر تسوية توفيقية مع العناصر الإقطاعية والملكية البروسية "فبعد ثورة 1848 الفاشلة (في ألمانيا) ، توصلت البورجوازية إلى توفيق بينها وبين ملّاكي الأرض الإقطاعيين وبيروقراطية الدولة المرتبطة بهم. وكان هذا التوفيق نتيجة لضعف البورجوازية إزاء الخوف الذي يستثيره فيها نمو الحركة العمالية نمواً سريعاً وتعزيز قوتها " . يكتب انجلز: "إن البورجوازية التي أخـافها ، لا ما كانت عليه البروليتاريا الألمانية ، بل ما كانت تهدد بأن تصبحه وما كانت قد أصبحته البروليتاريا الفرنسية، قد رأت الخلاص في أمر واحد فقط، في مساومة مع المَلَكية والأرستقراطية، أيّاً كانت، حتى وإن كانت مساومة في منتهى الجبانة " . ونريد أن نقتبس مرة أخرى من لينين وهو يستشهد بمقطع من "الجريدة الرينانية الجديدة " منشور بتاريخ 29 تموز 1848 : "إن ثورة 1848 الألمانية ليست سوى صورة هزلية لثورة 1789 الفرنسية . ففي 4 آب 1789 ، أي بعد الاستيلاء على الباستيل بثلاثة أسابيع، أطاح الشعب الفرنسي، في يوم واحد، بكل الالتزامات الإقطاعية . وفي 11 تموز 1848 ، أي بعد متاريس آذار بأربعة أشهر ، تغلبت الالتزامات الإقطاعية على الشعب الألماني .. إن البورجوازية الفرنسية لم تتخل لحظة في 1789 عن حلفائها الفلاحين ؛ فقد كانت تعرف أن سيادتها ترتكز على إلغاء الإقطاعية في الأرياف ، وعلى نشوء طبقة حرة من الفلاحين مالكي الأراضي. أما البورجوازية الألمانية في 1848، فإنها خانت دون أي وخز في الضمير ، الفلاحين ، حلفاءها الطبيعيين ولا أكثر، الذين هم لحمها ودمها ، والذين بدونهم تبقى عاجزة بوجه النبلاء" ويحق هنا قول ماركس : "الملكية الصغيرة [خاصة الفلاحين] تفتش عن خلاصها في معسكر غير المالكين [البروليتاريا] " وهذا ما حدث بالضبط في روسيا إبان ثورة 1917 الاشتراكية. " فقد نالت صيغة الديمقراطية مغزى اشتراكياً. لقد أسفرت ثورة 1848 الألمانية عن بقاء الحقوق الإقطاعية، وتكريسها تحت مظهر التعويض (الوهمي) " . أما غرا مشي "فقد شدد على فشل الثوريين الإيطاليين في وضع برنامج شبيه بالبرنامج اليعقوبي خلال "النهضة" يتعلق بتحالف البورجوازية المدينية مع الفلاحين . واعتقد غرامشي أنه لغياب اليعقوبية أثر كبير على نتائج "النهضة" وعرض أسباباً كثيرة لتخلف اليعقوبية الإيطالية . وكان نجاح المعتدلين ، وفشل جماعة حزب العمل في وضع برنامج يعقوبي ، هو ما أعطى السمة الأساسية للدولة الإيطالية الموحدة ، وهي عبارة عن تسوية بين القديم (أرستقراطيو الأرض) والجديد (البورجوازية التجارية والصناعية). وقد جاء هذا الكلام ضمن ملحق بعنوان : "غرامشي و"النهضة" الإيطالية"] "*. وهنا لابد من التفريق بين المهمة الديمقراطية التي قد تكون سياسية(ديمقراطية سياسية) أو قومية (وحدة السوق القومية والتصنيع على شاكلة بلد متطور صناعياً) من جهة، وبين الديمقراطية ككلية عضوية تشمل كل المهام في انسجام على طول الخط . لم تكن البورجوازية الألمانية ديمقراطية على طول الخط، لكنها أنجزت مهمة ديمقراطية . هذا التفكك في العضوية الديمقراطية للبورجوازية إلى عناصر مبعثرة جاء على أثر صعود البروليتاريا كقوة سياسية مستقلة على أثر ثورة 1848 في فرنسا وباقي أوربا حتى حدود روسيا التي لم تستطع بورجوازيتها الليبرالية ممثلة بحزب الكاديت (الحزب الدستوري الديمقراطي) أن تنجز حتى مهمة تصنيع روسيا وإخراجها من نظام سياسي عتيق وبالي كالنظام القيصري ، ومن بنية فوقية معرقلة للتقدم الصناعي والزراعي. يكتب لينين في "خطتا الاشتراكية في الثورة الديمقراطية" 1905 : "إن البورجوازية الليبرالية التي تعرب عن أمانيها بلسان زعماء ما يسمى "الحزب الدستوري- الديمقراطي" ، لا تطالب بإسقاط الحكومة القيصرية ولا تصوغ شعار الحكومة المؤقتة ، ولا تصر على ضمانات فعلية لحرية وصحة الانتخاب التامتين لكي تكون جمعية الممثلين (الجمعية التأسيسية) ممثلة الشعب بأسره فعلاً وتأسيسية فعلاً . ففي الأساس ، تسعى البورجوازية الليبرالية .. وراء صفقة سلمية قدر الإمكان بين القيصر والشعب الثوري ، على أن تكون صفقة تمنحها ، أي البورجوازية ، أكثر ما يمكن من السلطة، والشعب الثوري، البروليتاريا والفلاحين ، أقل ما يمكن من السلطة. " . وهذا ما كان يفسر حذر لينين المنهجي تجاه البورجوازية الليبرالية اعتباراً من ثورة 1905 في روسيا. لذلك كان إنجاز تلك المهمة القومية الديمقراطية تحت قيادة البروليتاريا الروسية على أثر ثورة أكتوبر الاشتراكية 1917 . وكذلك الأمر بالنسبة إلى التصنيع الصيني وتوحيد السوق القومية لهذا البلد المتخلف وقتها، والذي أنجز أيضاً تحت قيادة البرنامج البروليتاري للطبقة العاملة الصينية وتحالفها الشعبي [حول تغير مفهوم الشعب حسب الشرط التاريخي، وحسب طبيعة الطبقة المسيطرة ، راجع مقالة ماو تسي تونغ : "حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين صفوف الشعب- 27 شباط 1957" المقالة منشورة في كراس بعنوان "أربع مقالات فلسفية"].
لا بد لنا هنا من الإشارة إلى تجربة بنك مصر كمثال نموذجي لفشل البورجوازية الليبرالية ذات الأصول الإقطاعية في إنجاز مهمة التصنيع كمهمة ديمقراطية. نقتطف من إريك دافيز في كتابه: "التحدي الكولونيا لي ، تجربة بنك مصر والتصنيع المصري 1920-1941 " . وقد ترجم الكتاب إلى العربية تحت عنوان "مأزق البورجوازية الصناعية في العالم الثالث. تجربة بنك مصر 1920-1941" يقول دافيز : "والشيء الذي يتسم بالأهمية في اندماج مصر في السوق العالمية هو أن رأس المال الأجنبي قد حقق الشرط اللازم للتصنيع المحلي ، بتوفير تراكم رأس المال لدى كبار ملاك الأراضي ، وبتسهيل الاندماج الوطني بين قطاعات الطبقة العليا ، وبخلق شريحة من الإداريين المهرة ، وبتعريف بعض عائلات ملاك الأراضي بأساليب المشروع الرأسمالي . وكانت كل هذه العمليات نتائج غير مقصودة لرغبة رأس المال الأجنبي في الوصول إلى القطن المصري، وإلى الفائض المحلي . وكانت هذه التطورات مفيدة من وجهة نظر البورجوازية الزراعية وشرائحها الأدنى التي كانت توفر أعضاء الشريحة التكنوقراطية الجديدة. إلا أن اندماج مصر في السوق العالمية كانت له آثاره السلبية الأخرى على ملاك الأراضي المصريين . وكان أهم هذه الآثار يتمثل في زيادة مديونية نسبة كبيرة من أعضاء البورجوازية الزراعية بحلول نهاية القرن التاسع عشر . لم تتخذ هذه المديونية طابع التناقض حتى تدهور ذلك التوسع السريع في زراعة القطن ، وحتى تطورت مشكلات هيكلية متزايدة الحدة في الاقتصاد العالمي . فتوقف التوسع السـريع في الأراضي الصالحة للزراعة ، وتدهور خصوبة الأرض، وانخفاض الطلب على القطن المصري ، والانهيار المالي عام 1907 ، أدت كلها إلى زيادة حدة وعي البورجوازية الزراعية بضعفها إزاء تقلبات قوى السوق العالمية . وكانت الدعوة إلى إقامة بنك وطني، بعد عام 1907 ، تعبيراً عن الوطنية الاقتصادية الصاعدة ، التي كسبت تأييداً واسعاً داخل طبقة ملاك الأراضي. وازداد نمو المشاعر الوطنية بين الطبقة العليا المصرية تأثراً بانتشار المرابين الأجانب بين الفلاحين ، وبأسعار القطن المخفضة على نحو مصطنع، التي حددتها بريطانيا العظمى خلال الحرب العالمية الأولى . وكان هذان التطوران يهددان بشكل خطير وصول ملاك الأراضي إلى الفائض . ومع تصاعد التضخم ، الذي ترك أثره على الطبقات المتوسطة الحضرية خلال الحرب، تهيأت الأوضاع لاندلاع ثورة 1919 . ... إن ثورة 1919 والحماس الوطني الذي أعقبها كانا من العناصر الرئيسية في تدعيم التراكم الرأسمالي الأولي لدى البنك، وهو ما أتاح له إقامة أولى شركاته. إن أحد أسباب فشل التصنيع المستقل في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين كان الطبيعة الاجتماعية للطبقة التي قادته . يكتب دافيز : "وعلى حين تعرضت الشرائح الدنيا من الفلاحين لتدهور شامل في مستوى معيشتها مع تقدم القرن التاسع عشر ، فإن طبقة كبار ملاك الأراضي حققت قدراً كبيراً من التراكم الرأسمالي . . ومع تركز ملكية الأراضي في أيد قليلة على نحو متزايد ، بدأ صغار الملاك يفقدون أراضيهم ؛ وغالباً ما كان ذلك يتم من خلال الألاعيب المالية للشرائح الوسطى من الفلاحين وكبار الملاك والمرابين.. وهكذا تطور قطاع واسع من العمال المأجورين " . إضافة إلى الانعطاف الهيكلي في الاقتصاد العالمي بعد أزمة 1929 المالية. ويضيف: "كان التنافس بين القوى الإمبريالية، الذي اتخذ شكل اندلاع الحرب العالمية الثانية، هو الذي أنهى مناخ الثقة في الأعمال التجارية في مصر، وأدى إلى اندفاع المودعين لسحب أرصدتهم من بنك مصر" ... ورغم أن السبب المباشر في الانهيار المالي الذي أصاب بنك مصر عند نشوب الحرب ، كان يتمثل في اندفاع المودعين لسحب أرصدتهم، فإن افتقار البنك للأموال لتلبية مطالب المودعين عام 1939 كان أيضاً من مظاهر علاقته بالطبقة الاجتماعية المهيمنة ، وهي البورجوازية الزراعية. فقد ثبت أن مساندة طبقة كبار ملاك الأراضي لبنك مصر كان سلاحاً ذا حدين. فعلى حين وفرت هذه الطبقة الجانب الأعظم من رأسمال مجموعة شركات بنك مصر، فإنها أيضاً شكلت عبئاً على البنك ، باستخلاصها قدراً كبيراً من الرشوة على هيئة "قروض" ومناصب في مجالس الإدارات ، في مقابل مساندتها المالية والسياسية." . فإذا أضفنا دور الطبيعة الاجتماعية الطبقية للدولة المصرية وقتها والقائمة على هيمنة الطبقة البورجوازية الزراعية، اكتشفنا عاملاً مهماً من عوامل انهيار تجربة بنك مصر والتصنيع المصري وقتها. وهذا ما يؤكده دافيز بالقول: "ومن الواضح أن المساندة النشطة من جانب الدولة هي شرط لازم لتطوير الصناعة في بلدان الهامش(المحيط الكولونيالي) . ونظراً للقاعدة الطبقية للدولة فترة توسع مجموعة شركات بنك مصر ، فإن مساندة الدولة كانت لها جوانبها السلبية الأخرى . " لقد التقت مصالح البورجوازية الزراعية الحاكمة مع الضغط البريطاني للحيلولة دون سيطرة الحكومة على البنك وإخراجه من أزمته المالية "إن الجهود التي بذلها البريطانيون للحيلولة دون سيطرة الحكومة المصرية على البنك الأهلي المصري ، وللحيلولة دون إقامة بنك مركزي، قد حرمت بنك مصر من ملاذ أخير للاقتراض خلال انهياره المالي عام 1939 ." ويضيف دافيز " كانت الدولة ممزقة بين السياسات المؤيدة للزراعة والسياسات المؤيدة للصناعة . ولما لم يكن بمقدور مجموعة شركات بنك مصر أن تمتص من القطن ما يكفي لإعالة البورجوازية الزراعية اقتصاديا ، فقد تعرضت الدولة لضغوط للتخلي عن مساندتها للتعريفات الجمركية الحمائية في أواخر الثلاثينات." .
لقد غزا نابليون مصر وأوربا في القرن الثامن عشر . لم يكن هذا الغزو ليظهر سوى تأخر مصر والبلدان الأوربية القارية الأخرى خاصة ألمانيا وإيطاليا . لكن الغزو لم يشكل وقتها عقبة خارجية أمام ألمانيا أو إيطاليا لاحقاً في سعيهما لتجاوز التأخر التاريخي. لكن مع ظهور الاحتكار في الرأسمالية والكولونيالية الاقتصادية، كدوافع جديدة للغزو، والإمبريالية نهاية القرن التاسع عشر بات للغزو الكولونيا لي الإمبريالي آثار أكثر حدة وإعاقة . لم يظهر الغزو هذه المرة تأخر مصر وباقي البلدان الهامشية في النظام الإمبريالي الرأسمالي ، بل بات يشكل عقبة أمام أي تصنيع محتمل في هذه البلدان . وبات مسانداً للثورة المضادة فيها تسانده طبقات اجتماعية ذات أصول إقطاعية . وقد باتت هذه الطبقات تقود الحلف الرجعي المقدس تحت إشراف النظام الإمبريالي الجديد. وكما خانت البورجوازية الألمانية في عام 1848 حلفاءها الطبيعيين(الفلاحين) دون وخز من ضمير فقد كانت طبقة الملاك العقاريين في مصر ، والبورجوازية الزراعية هي الخصم الطبيعي للفلاحين المصريين ، وبالتالي لم يكن ممكناً لهذه الطبقات أن تقود النضال الديمقراطي الفلاحي قيد أنملة نحو الأمام بعد أن منحها الشعب المصري السيادة على أثر ثورة 1919 الوطنية.
أما في سوريا فسوف نكتفي ببضع ملاحظات عن تأثير الطبيعة الطبقية للبورجوازية الليبرالية ذات الأصول الإقطاعية في عدم قدرتها على إنجاز المهام الديمقراطية الموكلة لها . يكتب فيليب خوري في كتابه : "سوريا والانتداب الفرنسي – سياسة القومية العربية من 1920-1945 " : "كانت طبقة الملاكين البيروقراطيين تشكل منذ عام 1936 ، 15.5 % من مجموع ســــكان سوريا و 57% من دخلها القومي " ص 689 ... كان طابع الوطنية الذي رعته القيادة السياسية المدينية مكيفاً بما يتلاءم مع أسلوبها السياسي وطبقتها الاجتماعية. فالوطنية عندها لم تكن أيديولوجيا ثورية ترمي إلى قلب الطبقات الاجتماعية القائمة . بالعكس، لقد كانت غايتها التجديد ؛ فالنخبة الوطنية هدفت إلى إقامة ميزان موات أكثر بين فرنسا وسوريا ، وصولاً إلى الهدف النهائي الذي هو تخفيف السيطرة الفرنسية بالتدريج. ولم يكن أسلوبها نضالاً ثورياً مسلحاً بل مزيجاً من الاحتجاجات الشعبية المتقطعة ، والدبلوماسية ، والنشاط الإقليمي والدولي . ص 684 [ قارن هذه السياسة مع سياسة حزب الكاديت الروسي] ... لقد مكّن وجود حاكم أجنبي الكتلة الوطنية من توجيه الاستياء الشعبي نحو الخارج ، بعيداً عن بنية السلطة المحلية. وفي حين ساهم هذا الأمر بوضوح في إطالة زعامة الكتلة ، فإن هناك أمراً آخر كانت له مساهمته وهو عجز مجموعات المصالح والطبقات الأدنى عن تشكيل تحد خطر لقيادتها حتى نهاية الانتداب. ص 684 ... وخلال الانتداب بدأت نزعة أخرى حملت إلى عهد الاستقلال هي رفض القيادة الوطنية السورية أن تكون الوحدة العربية هدفها الرئيسي. وكانت الكتلة الوطنية قد واجهت في منتصف الثلاثينات تناقضاً مربكاً بين الوحدة العربية والمصالح الذاتية المحلية. وفي عام 1936 ، تخلت عن المطالبة السورية بالأقضية الأربعة في لبنان من أجل التوصل إلى اتفاقية مع باريس تتيح لها تأليف حكومة. ص 686 ...
وظهر هذا التناقض المربك بالطريقة التي عامل الوطنيون بها قضية فلسطين. فخلال الثورة العربية في أواخر الثلاثينات ، لم تقدم حكومة الكتلة الوطنية إلى الكفاح الفلسطيني (وهو قضية شعبية جداً في سوريا) سوى دعم حذر كي تتلافى إفساد مفاوضات الاتفاقية مع باريس. وفي فترة لاحقة ، خلال حرب فلسطين عام 1948 ، فشلت الحكومة الوطنية ، وبسبب سذاجة سياسية وعجز إداري ، عن توفير إمدادات ملائمة للمجهود الحربي ، سواء من حيث السعي نحو تنسيق عربي أكبر أو من حيث إعداد الجيش السوري إعداداً ملائماً للقتال. ص 686 ... إن عملية التجذير السياسي في سوريا التي أطلقت خلال فترة الانتداب الفرنسي قد أرغمت قدامى الوطنيين أخيراً على فرز قواهم وتوضيح مصالحهم كطبقة تجاه قضايا سياسية حساسة . وكان يمكن لهذا الحرس القديم أن يدير دفة الاستقلال ، إلا أنه أثبت عجزه عن تصليب موقعه سواء بصورة هادئة أو بصورة تامة . وهو ما دل على أن أيامه كانت معدودة." .
نشير أخيراً إلى مسألة تغير الأساس الاجتماعي للاقتصاد السياسي وصيرورته علم البروليتاريا وتغير موقف البورجوازية من هذا العلم بعد ظهور الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبورجوازية، وميل البورجوازية إلى تصفية الاقتصاد السياسي كعلم واستبداله بالتبريرية والاتجاه الذاتي والاقتصاد السطحي والتاريخي ، وانقسام الاقتصاد السياسي إلى ماركسي وبورجوازي. إن تطوير البورجوازية للعلوم الاقتصادية التطبيقية والعلوم المساعدة من مثل القياس الاقتصادي ، والمحاسبة الاجتماعية ، وبحث العمليات، والبرمجة ، والسايبرنية الخ.. ما هي إلا حاجات مهنية تطبيقية لحسن عمل العقلانية التقنية للإمبريالية الرأسمالية. وبالرغم من أهمية هذه العلوم في حقولها الخاصة ، إلا أنها تشير إلى تفكيك البورجوازية في عصرها الاحتكاري للعقلانية البورجوازية ككلية عضوية تهتم ليس بالتقنية ومتطلباتها فحسب ، بل تهتم أيضاً بالبشر جميعاً وبحاجاتهم المادية والمعنوية. يؤدي تفكك العقلانية البورجوازية "كعقلانية ما كروية" كلية إنسانية وتقنية معاً واقتصارها على الجانب الاقتصادي المحض والتقني تحديداً إلى إغفال هذه العقلانيات البؤرية لمشكلة الاستغلال والتفاوت في الثروة والفقر . وهي تشير أيضاً إلى تخلي الرأسمالية الاحتكارية كدولة إمبريالية ورأس مال احتكاري عن المهمات التاريخية الديمقراطية كمسألة كانت من قبل عضوية لدى البورجوازية، وعن العقلانية ككلية عضوية ، واقتصار هذه العقلانية على التقنية . وكون هذه الأخيرة تعمل في سياق اجتماعي لا عقلاني فهي تصير لذلك قوة هدامة بدلاً من أن تكون قوة منتجة وبناءة . يكتب لينين في "الإمبريالية ": "الإمبريالية هي عهد الرأسمال المالي والاحتكارات التي تحمل في كل مكان النزعة إلى السيطرة ، لا إلى الحرية ونتائج هذه النزعة هي الرجعية على طول الخط في ظل جميع النظم السياسية .. يشتد بوجه خاص الظلم القومي والميل إلى الإلحاق، أي الاعتداء على الاستقلال الوطني " .. وحيث يضع المتخلفون نصب أعينهم ذلك الهدف الذي كانت ترى فيه الأمم الأوربية فيما مضى الهدف الأسمى ، أي إنشاء دولة قومية موحدة باعتبارها وسيلة للحرية الاقتصادية والثقافية ، تهدد هذه الحركة الطامحة إلى الاستقلال الرأسمال الاحتكاري في أهم ميادين الاستثمار التي تبشر بـ أزهى الآمال ؛ ولا يستطيع الرأسمال الاحتكاري الاحتفاظ بسيطرته إلا بزيادة قواته العسكرية بصورة دائمة . وهذا يعني أن من طبيعة رأس المال الاحتكاري العسكرة والإمبريالية يكتب بوخارين : " يتضمن قانون رأس المال المالي، كلاً من الإمبريالية والعسكرة. وبهذا المعنى، فإن العسكرة لا تقل عن رأس المال المالي، في كونها ظاهرة تاريخية نموذجية " ص 186 . ونضيف من جهتنا أن رشوة الطبقة الحاكمة للطبقات السفلى في البلدان المركزية وحتى تبقى هادئة " لا بد لها لتغدو أمراً ممكناً ، من الوجهة الاقتصادية، من أرباح فاحشة، احتكارية " . ونحن نتحدث عن الرشوة للطبقات السفلى في مراكز النظام الرأسمالي لأن طبيعة هذا النظام عالمية منذ ولادته. يكتب هاري ماجدوف: "والرأسمالية ، كنظام اقتصادي، لم تكن قط، مقصورة على دولة واحدة ، فقد ولدت ، وترعرعت، وازدهرت كجزء من نظام عالمي. وقد ذهب كارل ماركس إلى أن "الوظيفة المحددة للمجتمع البورجوازي ، هي إقامة سوق عالمية، بهيكلها العريض على الأقل، وبخلق إنتاج قاعدته هذه السوق العالمية "... وهكذا فإن أبعاد الدفاع عن العالم الحر تصبح عالمية" . "إن مالك السلعة يتحقق جيداً من أن الجنسية ليست سوى خاتم الجنيه. والفكرة السامية التي ينحل فيها العالم، بالنسبة إليه ، هي فكرة السوق – السوق العالمية "27
لقد بدأت الآن شعوب أوربا تستشعر أن حصتها من الثروة العالمية قد بدأت بالتآكل بفعل اعتماد السياسات الليبرالية الجديدة اعتباراً من منتصف سبعينات القرن العشرين ، وظهرت المسألة بأوضح ما تكون مع انتهاء الحرب الباردة وتفكك الدولة السوفييتية. إن عصر الرخاء والرفاه في أوربا في أفول ، ومعه عصر سيادة بلدان ما سمي بالعالم الثالث ، ومن هنا سوف نشهد نضالات شعبية واجتماعية أوسع في أوربا ، ونضالات قومية واجتماعية في البلدان الطرفية للنظام الرأسمالي .

(*) نفرق من البداية بين مفهوم الديمقراطية كأحد الأشكال الممكنة لدكتاتورية طبقة؛ أي شكل خاضع لمحتوى الذي هو الدكتاتورية الطبقية، أو الحكم الكلي لطبقة مسيطرة ومهيمنة ، بما فيها نظام حكم البورجوازية في العصر الإمبريالي, أو دكتاتورية البروليتاريا في روسيا المصابة بالمرض البيروقراطي، وبين المهمة الديمقراطية التاريخية، التي تشمل على سبيل المثال إنجاز التوحيد القومي والتصنيع والتحديث على شاكلة بلد متطور صناعياً. والتاريخ يقدم لنا طبقات لم يكن شكل حكمها ديمقراطي ، ومع ذلك أنجزت مهام ديمقراطية كالبسماركية كتحالف بين اليونكرز ملّاكي الأرض وبين البورجوازية البروسية المتأخرة والضعيفة في ألمانيا منتصف القرن التاسع عشر، وإصلاح الإمبراطور ميجي في اليابان في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، والبيروقراطية السوفييتية في الثلث الأول من القرن العشرين.



هوامش
ن زيادة . المجلد الأول معهد الإنماء العربي بيروت ط1 1983 ، ص5 .
- كارل ماركس "الصراعات الطبقية في فرنسا 1848- 1850 " ، ترجمة د. فؤاد أيوب دار دمشق 1964 ص 128 . "كل الدول العظمى بعد 1880 ،فيما عدا دولة النمسا- هنغاريا، أصبحت منهمكة في نشاط استعماري توسعي واع"[ماجد وف "الإمبريالية من عصر الاستعمار إلى يومنا هذا [1979].. ص206]
- الصراعات .. ص 110 . مرجع مذكور .
- الصراعات الطبقية ، ص 42 مرجع مذكور .
- الصراعات الطبقية – مقدمة انجلز ص 9- 10 . مرجع مذكور .
- الصراعات الطبقية – مقدمة انجلز ص 9- 10 . مرجع مذكور
- الصراعات .. ص32 . مرجع مذكور .
- ماركس- إنجلز "البيان الشيوعي" ترجمة العفيف الأخضر عن الألمانية مباشرة ، ط1 1975 ، هامش ص 78
أوسكار لانكه "الاقتصاد السياسي- القضايا العامة" ، تعريب وتقديم د. محمد سلمان حسن ، ط1 1967 ، ط4 1982 ، ص 270 .
بصدد الديمقراطية البورجوازية والديمقراطية الاشتراكية دار التقدم 1988 ص43 .
11 - لينين المختارات في ثلاثة مجلدات م1 ج 2 ص 144-145
12- الصراعات الطبقية ص 127 مرجع مذكور .
13 - لينين المختارات في ثلاثة مجلدات ص 144-145 مرجع مذكور .
* [راجع جون كاميت :"غرامشي حياته وأعماله" ص 289-290، ترجمة عفيف الرزاز ط1 1984 مؤسسة الأبحاث العربية
14- لينين "المختارات في ثلاثة مجلدات " ، ص 15-16 مرجع مذكور .
- إريك دافيز " مأزق البورجوازية الوطنية الصناعية في العالم الثالث " تجربة بنك مصر ترجمة سامي الرزاز ، مؤسسة الأبحاث 1985 ، الطبعة الإنكليزية 1983 ، ص 230-231 .
- إريك دافيز مرجع مذكور ص 231 .
- إريك دافيز مرجع مذكور ص 234
- دافيز ، مرجع مذكور ، ص233
- دافيز مرجع مذكور ، ص 236
- دافيز مرجع .. ، ص 233
- دافيز ، مرجع .. ، ص 239
فيليب خوري "سوريا والانتداب الفرنسي ، سياسة القومية العربية 1920- 1945 " ، ترجمة مؤسسة الأبحاث ط1 1997 . ص 694 .
لينين "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية " ، ترجمة دار التقدم ، ص 164
بوخارين "الإمبريالية والاقتصاد العالمي " ترجمة رجاء أحمد مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي ط1 1990 ، ص186
- لينين "الإمبريالية .." مرجع مذكور ، ص 139 .
هاري ماجدوف : الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم " مؤسسة الأبحاث العربية 1981 ص 208 . أيضاً راجع رسالة من ماركس إلى انجلز 8 تشرين الأول ، أكتوبر 1858 .
27 - ماركس "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي " ترجمة أنطون حمصي وزارة الثقافة دمشق 1970 ص 177 . يقتبس ماركس هنا من مونتا ناري في كتابه حول النقد 1863 الكلام التالي حول السوق العالمية: " تبلغ العلاقات بين كل الشعوب من الانتشار على كل الكرة الأرضية ما يمكننا، تقريباً، من أن نقول معه أن العالم أجمع قد أصبح مدينة واحدة يقوم فيها معرض دائم لكل السلع ويستطيع كل إنسان فيها أن يتمون بكل ما تنتجه الأرض والحيوانات والعمل الإنساني وأن يستمتع به بواسطة المال ، ودون أن يغادر مدينته . إنه لاختراع عجيب " [ هامش 1 من ص 199 ]. انتهى كلام مونتا ناري.




























ردّ على ردّ
عادل حسن

باعتقادي لم يطّلع صديقنا سامر خوري كفاية لا على المطارحات ولا على شروحها ولو كان فعل وتعامل معها بشكل جدي وحسّ نقد ي موضوعي لكان ابد ى ملا حظات تضيف شيئا جديداً تستفيد منه هذه المطارحات وشروحها وأظنه تعامل معها بروح فيها شيء من العدائية الغير مبررة واستند في الهجوم ، وليس النقد، على موقف مسبق وكأنها ستشكل إلغاء له. ولكن يبقى للجديد رهبته ويذكرنا موقفه هذا بقول مشهور : "الإنسان عدوّ ما يجهله. مشكلة صديقنا انه يرى الغير صحيح كما يدّعي لكنه لايتكرم علينا بايراد الصحيح ويحاول اقناعنا به .في الصفحة الأولى - الفقرتين الأخيرتين - يبدو أن صديقنا استبعد وتجاهل الد يالكتيك والجدل فقد استعصى عليه فهم ترابط اللحظات الثلاث للبعد التفسيري للماركسية . وحسناً فعل عندما اتهمنا باننا نتبنى الماركسية كضرورة تاريخية لخدمة مشاريعنا . نحن فعلاً نراها ضرورة تاريخية لطبقة عاملة عالمية وهي فلسفة هذه الطبقة باكملها للوصول بها الى مرحلة الوعي وبالتالي الهيمنة وقيادة العالم ؛ ومايورده ماخذ هو نقطة لصالح المطارحات . في بداية الصفحة الثانية وفي تساؤله عن معنى كل من العقلانية البورجوازية الكلية والعقلانية التقنية شيء مضحك . إنني أرى أن مجرد هذا التساؤل يسلبه حق النقد. فالذي يتساءل حوله ليس جديداً و إنما مصطلحات فرغ العالم ومفكروه منها . وما ذنب المطارحات إذا كان سامر لا يدري . فمثلاً ، هل الاضطهاد الطبقي الذي هو جوهر العلاقات الاقتصادية في المجتمع الرأسمالي عقلاني .؟ وهل نقول عن التقدم العلمي والتقني الذي توصلت إليه البشرية حالياً أنه لا عقلا ني .؟ نعم يمكن الدفاع عن الخطأ ، ويمكن لهذا الخطأ أن يسود في لحظة ما، لكنه لا يستمر الى اللحظة الأخرى. والصواب والخطأ أمران نسبيان وأقول لـ سامر : لا تدّعي الصواب فقد يدّعيه الآخر كذلك.
في تعليقه على المطارحة الرابعة يحتفل بإصابته لهذه المطارحة في الكعب . فلقد كان علينا ان نقول كما يريد ويرى _ ونحن معه لو كان يرى _ أليست الإمبريالية المعولمة من الإمبريالية التي هي وفق لينين أعلى مراحل الرأسمالية . فهل المراحل التي مرت بها الرأسمالية واحدة .؟ أم ان هناك فروقاً بين هذه المراحل .؟
واظنه يحقّ لنا ان نتساءل : هل تختلف الإمبريالية الأمريكية عن الإمبريالية اليابانية أو الأوربية أم أن جوهر الإمبريالية واحد .؟ وإذا ظهر تناقض ما بين هذه المراكز فهو ضمن الوحدة الكلية للنظام الإمبريالي الكلي وهل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد يفقد محتواه إذا تسمّى بذلك ؟؟ ويصبح غير إمبريالي .
في تعليقه على المطارحات لا يخفي دياب انتماءه للمد رسة الستالينية البيروقراطية وقد ماهى بين اللينينية والستالينية عندما أبعد نا قسراً عن الأولى . صد يقنا سامر مؤمن ، ولا يقبل في دينه أي ماركسي إذا لم يكن هذا الماركسي ستاليني .
في ما يتعلق باسم التجمع هو أمر مؤجل بالنسبة للمطارحات ولم يكن هناك داع لمناقشته في البداية إلا مناقشة أولية . أما عن وجود يمين ويسار فلا أدري كيف استنتج ان هذا الوجود يؤبد النظام الرأسمالي . ألم يسمع صديقنا بالجناحين اليساري واليميني للحزب البلشفي مع وضع أول خطة للتصنيع في روسيا السوفييتية سنة 1924 . اليسار ممثلاً بتر وتسكي ، واليمين ممثلاً ببوخارين حسب قول جورج لوكاش [البديل الحقيقي ص 73] في نهاية الصفحة الثالثة وبداية الرابعة يتهمنا بالتحريفية ونلعب بالنار . لماذا ؟ لا ندري . ثم يقفز بعد ها إلى الوراء إلى المطارحة الثالثة " انفصال الليبرالية عن الديمقراطية " . أما وأنه فرد الطاولة في منتصف الصفحة الخامسة فليسكب وهمه في كأسه ويحتفل بهذا الوهم لوحده . في ردّه على وراثة البروليتاريا للبرنامج الد ديموقراطي للبرجوازية الصاعدة وعن رؤيته للد ديموقراطية البورجوازية فقط سأردّ عليه بأنه مؤمن حقاً . يقدّ س ليلغي الكل دفعة واحد ة . فبرأيه ان النظام الشيوعي سوف يلغي التاريخ الذي قبله ويشكل قطيعة مطلقة معه، ولن يبقي على أية علاقة مع أي مفهوم أو نظام سابق عليه . صديقنا يؤمن بالفرو قات النوعية بين ديمقراطية المجتمع الشيوعي والد يمقراطيات السابقة له لكنه لا يؤ مــن بالفرو قات النوعية لمراحل الرأسمالية . مع الإشارة إلى أن الديموقراطية مقولة نافلة في المرحلة الأخيرة للشيوعية وبحكم تلاشي الدولة كآلة إكراه . وليسمح لنا بسؤاله : هل ستخلق البروليتاريا ديمقراطيتها من العد م ؟
أما في ردّه وشرحه للعام والخاص وعلاقة كل منهما بالآخر فإننا نقترح عليه الرجوع الى الد يالكتيك ( حبة ديالكتيك مرة باليوم قبل النوم ). لا أعلم كيف يسمح بتسمية اللينينية ماركسية، ولا يسمح بماركسية متميزة عربياً ضمن كونية الماركسية كنظرية للبروليتاريا. فماذا فعل لينين لتحمل الماركسية اسمه هل لوّنها في المصبغة. أم أنه طبقها في روسيا فاكتسبت هذه الخصوصية . ؟ ! وظهر الواقع الروسي الخاص في هذا التطبيق . ومثله سيظهر الواقع العربي والصيني وغيره . يتهمنا بالتحريفية لينسينا الخاص أو يجعلنا نتجاهله وعلينا ان نقسر هذا الخاص ليتوافق مع هذا العام (وهذا العام هو تصور ستالين وتلخيصه لـ اللينينية في كتيبات مدرسية ) وبعدها نشرب الأنخاب على هذا الإنجاز وعند ها نكون ماركسيين لينيين (ستالينيين). فأي فهم للما ركسية اللينينية هذا ؟

























رأي نقدي
في "المطارحات" التي تشكل الأساس المنهجي النظري لبناء تجمع لليسار الماركسي في سوريا.*

عدنان حوراني

الأطروحة الثانية : تتحدث عن بعدين للماركسية ، تفسيري وتغييري. ثم الحديث عن الأيديولوجيا . إن التفسير والتغيير في الماركسية وفي الواقع العملي ، حيث أن التفسير هو قاعدة التغيير. لقد فسر ماركس المجتمع الرأسمالي (حلله) واستنتج من هذا التحليل أن هناك تناقضات غير قابلة للحل ضمن إطار نمط الإنتاج الرأسمالي وبالتالي استنتج وبطريقة تحليل النظام الرأسمالي الدور الأساسي الذي ستقوم به الطبقة العاملة في تحطيم النظام الرأسمالي والانتقال إلى النظام الاشتراكي . يقول ماركس : إن إدراك العالم شرط لتغييره، وبالتالي الحديث عن البعدين يعني إمكانية الفصل بين البعد والآخر . "إن تفسير العالم هو قاعدة تغييره".
إن تعبير أيديولوجية الطبقة العاملة تعبير ليس علمياً وخاصة عندما يتم الحديث عن الأيديولوجية العضوية ، حيث يصبح التعبير أكثر إبهاماً . لقد انتهى عصر الأيديولوجيات وكان أهم اكتشاف لماركس هو إنهاء عصر الأيديولوجيات وحلت محلها المناهج Method .
برنامج ديمقراطي عضوي ماذا يعني ، وكيف يمكن لأيديولوجية [معنى أيديولوجية هو تفسير العالم وفق مسبقات معينة ] أن تعتمد على نتائج العلم التاريخي ونتائج الحوار . إن المطلوب هو تغيير تعبير أيديولوجية وعضوي لأنها خارج سياق الفهم الأولى لأن لها معنى معين فهي اصطلاح في العلم الماركسي . والثاني لأنه مبهم، ولا يضيف أي معنى للأيديولوجية .
الأطروحة الثالثة :
1- انفصال الديمقراطية عن الليبرالية
2- تحول الدولة البورجوازية الديمقراطية إلى دولة استعمارية
3- الطبقة العاملة ترث البرنامج الديمقراطي عن البورجوازية أي انتقال مهام الثورة البورجوازية الديمقراطية إلى الطبقة العاملة في أطراف النظام البورجوازي ويؤكد فشل التجربة التاريخية في قدرة البورجوازية حل مهام الثورة الوطنية الديمقراطية .
1- المقولة الأولى تتحدث عن انفصال الديمقراطية عن الليبرالية . وماذا يمكن أن يعني هذا . إنه يمكن أن يعني شيئاً واحداً فقط وهو أن النزعة الليبرالية لم تعد ديمقراطية وإذا استخدمت بهذا المعنى فإن السير التاريخي ينفي هذه المقولة تماماً . لقد أكد السير التاريخي أن الليبرالية بدأت تلتصق أكثر بالديمقراطية وهذا من أهم سمات العصر.
إن الليبرالية في مرحلة ما قبل المرحلة المعاصرة للرأسمالية كانت تعبر عن نزعة فردية تمجد الحرية الفردية وتعادي الموقف المسبق من أية قضية وبالتالي كانت في جوهرها نزعة رأسمالية لأنها تعارض مرحلة الصعود الثوري للطبقة العاملة .
أما في هذه المرحلة وبعد أن تغيرت حدود الصراع الطبقي بعد انتهاء المعسكر الاشتراكي والبدء على تعميم نمط الإنتاج الرأسمالي على الصعيد الدولي فإن الصراع لم يعد على الملكية إنما انتقل إلى مواضيع جديدة لعل أهمها الصراع على حصة العمل من منتوجه إضافة إلى مواضيع أخرى مثل الثقافات القومية والعلاقات بين الأمم وغيرها .
ولما كان الصراع لا يدور حول الملكية فإن الليبرالية تجد المناخ المناسب للنمو والتمسك بالديمقراطية لأنها وإن كانت تمثل القناع الأيديولوجي للبورجوازية ولكن ليست البورجوازية الاحتكارية وخاصة في مرحلة المنافسة بين الاحتكارات الكبرى .
ولعل أهم سمات العصر هو انفصال بعض الأجزاء من البورجوازية وخاصة الوطنية والدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه بالتحالف مع الطبقة العاملة من أجل الحفاظ على الديمقراطية .
أما انفصال الديمقراطية عن الليبرالية بمعنى أن السيطرة ذات البعد الواحد والتي عبر عنها هربرت ماركوز في سبعينات القرن العشرين فإننا نعتقد أن عملية تحدد نمط الإنتاج الرأسمالي على الصعيد الدولي يخلق مجموعة هائلة من التناقضات ستقف بوجه هذه السيطرة وعلى كل الأحوال إن هذه المعركة لم تحسم على الصعيد الدولي وخاصة إن تطور وسائل الاتصال لا تلعب دورا باتجاه واحد وهو تسهيل السيطرة فقط بل تؤدي إلى انبعاث الثقافات القومية و هذا بدوره يمكن إن يلعب دورا مهما جدا في إضعاف الميل العام للتطور نحو السيطرة ذات البعد الواحد .
أما الفكرة الثانية و التي تتحدث عن تحول الدول البرجوازية الديمقراطية القومية إلى دول استعمارية إنها تمثل تعميم غير صحيح إطلاقا على الصعيد التاريخي .
مثلا في إنكلترا وهي الدولة البرجوازية التقليدية لعب الاستعمار دورا رئيسا في تنمية الصناعة البريطانية وهذا من أهم المسائل التي كشف عنها ماركس في كتابه رأس المال .
أما تطور النظام السياسي البريطاني فقد كان يتطور باطراد باتجاه تعزيز الدولة القومية أولا ومن ثم الشكل الإمبراطوري وعلى صعيد بريطانيا نفسها من الداخل فقد كان النظام السياسي يتطور باطراد باتجاه إدخال المزيد من القوى الشعبية و دمجها بالنظام السياسي وحتى توج ذلك بإعطاء حق التصويت لكل من يحصل على الجنسية البريطانية و فوز حزب العمال البريطاني بالسلطة في ثلاثينات القرن العشرين وبالتالي فإن الربط بين كون الدولة استعمارية وكونها غير ديمقراطية و التي أعتقد أنها تستند إلى مقولة ماركس التي تقول إن شعبا يستعبد شعبا آخر ليس حرا . فإن الحرية بمفهوم ماركس هي شيء آخر غير الديمقراطية تماما إن الحرية عند ماركس ببساطة هي السيطرة على الضرورة . ونصل إلى الفكرة الثالثة و التي تتحدث عن انتقال مهام الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى الطبقة العاملة فهي تمثل من جهة عودة لنقاش موضوع حسمه ماركس في القرن التاسع عشر من جهة . وفهم خاطئ عن التحالفات عند لينين.
فمن المعروف أن ماركس وقف و بحزم ضد مقولة لاسال والتي كانت تتحدث عن الكتلة الرجعية والتي تشمل كافة الطبقات حيث أكد ماركس أن الطبقة كذات فاعلة في التاريخ ينتهي دورها عندما تصبح كعلاقات إنتاج تنتجها هذه الطبقة أو تنتج عنها عائقا أمام التطور وبالتالي تصبح بقية الطبقات ضدها مثل صراع البرجوازية البريطانية ضد الإقطاع بل وحتى نشير إلى الدور الديمقراطي والتقدمي الهام للبرجوازية البريطانية و بالرغم من كونها كانت هي المولود الأساسي لكل السياسات الاستعمارية آنذاك.
أما من ناحية فهم لينين فإنه حقا قال إن سورا صينيا لا يفصل بين الثورة الوطنية الديمقراطية البرجوازية و الثورة الاشتراكية و بالتالي فإن إنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية البرجوازية يمكن أن يتم بقيادة البروليتاريا وهو عندما يتم فإنه ينجز بطريقة حاسمة و تسهل الانتقال إلى حل مهام الثورة الاشتراكية ومن الأمور الواضحة التي تمثل فكر لينين في ذلك هو فكرة تأميم الأرض وقال: إن هذه المهمة يمكن أن تتم بطريقتين إما بالتأميم وهو البرنامج البروليتاري ويمكن أن تتم بالإصلاح الزراعي وهذا هو البرنامج البرجوازي ويمثل الحلان حلا لمشكلة الأرض في مجرى الثورة .
لقد أوضح لينين فكرته هذه وكان يرد في ذلك على بليخانوف الذي كان يؤكد على دور البرجوازية في حل مهام الثورة الديمقراطية البرجوازية بأن قال أن التاريخ يعرض على البشرية طريقان أحدهما طريق طويل يمتد لعصور كاملة وهو الطريق الذي يقترحه بليخانوف أما الطريق الثاني فهو الطريق الأقصر و الأكثر إيلاما وهو طريق الثورة و استمرارها عن طريق قيادة البروليتاريا للثورة و إنجازها لمهام الثورة الوطنية الديمقراطية البرجوازية و طرح فكرته في التحالفات الطبقية حيث قال في مجرى الثورة البرجوازية تتحالف الطبقة العاملة مع البرجوازية الصغيرة لشل تحالف البرجوازية وفي الثورة الاشتراكية تتحالف مع صغار الفلاحين لشل تحالف البرجوازية الصغيرة .
و كما نرى فإن لينين لا يناقض ماركس إنما يعبر عن نفس الفكرة بشكل تفصيلي و هو أبعد ما يكون عن فكرة الكتلة الرجعية الواحدة و التي تمثلها كافة الطبقات إزاء الطبقة العاملة .
وهذا كله في الدولة الرأسمالية و التي تمثل مركز النظام الرأسمالي. أما الحديث عن الأطراف في عصرنا هذا حيث تقول الأطروحة " أي أن هذه المهام ( الثورة الديمقراطية و الاشتراكية ) هي مهمة الطبقة العاملة و تحالفها الشعبي " .
إن عبارة التحالف الشعبي تمثل أولا زيادة في النص لا معنى لها و خاصة أن ما بعدها من كلام يلغيها عند الحديث عن الأصول الإقطاعية للبرجوازية .
أما من الناحية الثانية فما هو المقصود بالتحالف الشعبي إن الأمر كمن فسر الماء بالماء . إن كلمة الشعب هي مفهوم يعني كافة الطبقات و غالبا ما يكون مقصود به الإبهام و عدم المعرفة الاجتماعية و من المفهوم الماركسي و خاصة أن الأطروحة تعلن و بصراحة التزامها بالماركسية .
و باختصار أيها السادة إن سوريا و أطراف النظام الرأسمالي العالمي لا تشكو من فرط نمو النظام الرأسمالي إنها ببساطة تشكو من ضعف البرجوازية و الذي يؤدي إلى تذبذبها و خلق امتدادات خارجية لها لدعم موقفها على الصعيد الوطني .
إن التفكير بالثورة الاشتراكية الآن ليس أكثر من صبيانية لا معنى لها . المطلوب الآن دعم النمو الرأسمالي و لكن بطريقة أقل إيلاما للطبقة العاملة إننا نسير الآن في الطريق الأطول الذي وصفه بليخانوف وفنده لينين مالم تحدث تطورات كبرى في النظام الرأسمالي تجعل من الممكن الحديث عن حل جذري لمهام الثورة الوطنية الديمقراطية البرجوازية و الانتقال إلى الثورة الاشتراكية .
إن دمج مهام الثورتين و قيادة الطبقة العاملة لها في هذا العصر لا يمثل إلا أحلاما طفولية في هذا العصر أؤكد و أقول إن الصراع الآن على الصعيد الدولي هو حصة العمل من رأس المال و ليس موضوع الملكية .
وكحالة راهنة في سوريا إن المحافظة على القطاع العام يمثل أكثر المهمات حيوية في هذه الأيام لأسباب عديدة منها و الأساسي فيها الدور الاجتماعي و الأساسي لهذا القطاع و الدور الوطني الذي يمكن الدولة من الصمود في وجه الضغوط الخارجية الاقتصادية .
الأطروحة الرابعة : تقول الأطروحة " إن التجمع يفرق بشكل منهجي و أساسي بين الدين كتراث قومي و بيانات من جهة ، وبين التدين كوجدان حاضر و ممارسة وجدانية يومية يتوجب مراعاتها و احترامها "
و تتابع الأطروحة فترفض إقحام الدين في السياسة.
1- من المفهوم أن يكون الدين تراث قومي و لكن غير مفهوم أن يكون بيانات فماذا تعني هذه الكلمة ؟
وما هو الفرق بين أن يكون الدين تراث قومي ووجدان حاضر في ممارسات المتدين . أليس هذا التراث هو قاعدة هذا الوجدان وهل يعني رفض الدين كتراث ، رفض لهذا الوجدان؟
إن هذا الموضوع ليس غائما فقط بل هو مجرد تعابير ليس لها أي معنى و المطلوب تحديد موقف أكثر دقة من الدين .
2- الموقف من الإسلام السياسي المطلوب هو تحديد لماذا انبعث الإسلام السياسي في هذه الحقبة بالذات وعندما نراه ممثل لانحطاط نرى هل ظاهرة الثورة الإيرانية و حزب الله هي ظاهرة انحطاط ؟ هذا أولا . و ثانيا هل ممكن وضع حماس و الجهاد الإسلامي وحزب الله في سلة واحدة مع ابن لادن و طالبان و النظام السعودي. إن الموقف من الإسلام السياسي ليس دقيقا لأنه بالأساس لا يوجد تحليل لهذه الظاهرة و لغموض الموقف من الدين نجد كل التعابير غامضة .
الأطروحة السادسة: ينظر التجمع إلى المشروع القومي الصهيوني على أنه مرتبط عضويا بالنظام الإمبريالي الرأسمالي .
إن المشروع الصهيوني ليس مشروعا قوميا أيها السادة فلو كان مشروعا قوميا لكان حركة تحرر قومي وهو ما يروج له الصهاينة.
إن الصهيونية ظاهرة من الظواهر التي أفرزتها الرأسمالية من خلال تطورها وهي كمشروع ليس مرتبطا بالنظام الرأسمالي بل هو ظاهرة رأسمالية إنه النازية والفاشية لقد تغوطت الرأسمالية من فمها فكانت الصهيونية .
إن الحاضن الأساسي للصهيونية هو الدين اليهودي وليس الوجود القومي لأي شعب و ليكن واضحا أن المشاعر القومية العربية هي الحاضن الأساسي للمشروع القومي العربي و ليس الدين الإسلامي و لذلك لا يمكن الحديث عن قومية يهودية بل دين يهودي .
مع التأكيد أن الصراع ليس بين اليهود و الإسلام إنه بكل وضوح صراع ضد الصهيونية كأحد الإفرازات العنصرية للرأسمالية العالمية و بالتالي لا يمكن الحديث عن ارتباط بين الرأسمالية و الصهيونية لأن الصهيونية ببساطة هي نتاج الرأسمالية و أحد ظواهرها . وهذا باختصار شديد .
المقولة التاسعة
الفكرة الأولى : إن التغيرات الحالية في النظام الاقتصادي العالمي ليست نوعية و أما لماذا فلأن النظام الاقتصادي الحالي ما يزال يحافظ على طابعه الاحتكاري الإمبريالي مع الإشارة إلى الثورة التقنية .
الفكرة الثانية : أن الإمبريالية المعولمة أمنيا تعيد إنتاج عالمها الطرفي مخلعا و محطما و من الانخلاع تتصدر المشاريع القومية واجهة العداء للإمبريالية المعولمة أمنيا .
الفكر الثالثة : الإمبريالية المعولمة تعمم ما يسمى مرض نقص الآمال المفرط و هذا المرض ينتج السلفية الدينية التي تفجر العنف اللامنتج .
يحدد لينين مرحلة الإمبريالية بخصائص منها انتقال رؤوس الأموال من المركز إلى الأطراف و ظهور الاحتكارات الضخمة و التي تضعف الطابع التنافسي حيث يبقى القطاع التنافسي ضئيل الأهمية إلى جانب القطاع الاحتكاري إضافة إلى اندماج الرأسمال الصناعي مع رأس المال البنكي و ظهور طغمة رأس المال المالي ، وتركز الثروة بشكل لم يسبق له مثيل بيد هذه الطغمة. وفي النظام الاقتصادي الحالي فإن الأعمى فقط هو الذي لا يرى أن جميع الاستثمارات و بحدود 80% من الاستثمارات العالمية تتجه نحو المركز الرأسمالي بعكس فترة الإمبريالية وإن الأعمى هو الذي لايرى التنافس الهائل القائم بين الاحتكارات على صعيد العالم و إن ما كان احتكارا على صعيد الدولة القومية قد غدا قاعدة لقطاع تنافس هائل على الصعيد الدولي ترى هذه العوامل ألا تعني انتقال نوعي ألا يعني تحطيم نظام الاحتكار و قيام تنافس هائل بين الاحتكارات على الصعيد الدولي . ترى ألا يحقق نقلة نوعية على الصعيد الدولي . وكذلك الأرقام الفلكية للتجارة الدولية ألا تعني نقلة نوعية ثم إن الثورة التقنية و التي اعترفت فيها الأطروحة لا تعني النقلة النوعية . ترى ألا يعني الثورة التقنية تطور ثوري في وسائل الإنتاج ألا يعني تطور وسائل الإنتاج تحقيق نقلة نوعية. إن النظام الرأسمالي يدخل مرحلة جديدة من المهم دراستها و استنباط نظرية عن تطورها ومسارها وكيفية التعامل معها
أما حول الفكرة الثانية فإنه ليس من المهم أن تقول إن الإمبريالية المعولمة تعيد إنتاج أطرافها مخلعة ومحطمة بل من الضروري القول : لماذا تعيد إنتاج أطرافها مخلعة و محطمة و كيف و لماذا نعيده الآن وفي هذا الزمن وليس في زمن آخر.
أما فكرة الإمبريالية المعولمة أمنيا فهي تحتاج إلى توضيح وكيف أمنيا وما هو مفهوم الأمني وهذا كله في علم الله.
و الفكرة الثالثة والتي تتحدث عن مرض نقص الآمال المفرط . فهل هذا مرض يصيب النظام الاقتصادي العالمي وما هي جرثومته وآلية نقله و كذلك إن أصاب آمال الجماهير بالتحرر والانعتاق من ربقة النظام الرأسمالي فإن السؤال يبدو بنفس الطريقة . إن الماركسية تعلم وهذا ما حققته كثورة عالمية في التفكير هو أن لاتصف بل تحلل وتفسر وتكشف عن ميول التطور للواقع وليس فقط الوصف .
إن الحديث عن هذا المرض ليس إلا وصفا لحالة الانكسار التي تعيشها الطبقة العاملة بعد انهيار التجربة السوفيتية وليس له علاقة بالفكر إنما هو شطحة صوفية وقانا الله شرها .
في الأطروحة الحادية عشرة : ينتقد مشروع التجمع الوطني الديمقراطي في طبيعة الثورة القادمة وهو يطرح نظرية اندماج الثورتين و لا داعي للعودة لمناقشة هذه الموضوعة لأن التجربة التاريخية قد ناقشت هذا الموضوع عند انقسام الحركة الثورية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وحتى أيام ماركس مع الفوضويين إن دمج مهام الثورتين ما هي إلا موضوعة فوضوية رفضها الفكر الاشتراكي منذ زمن طويـل وأعاد إنتاجها تر وتسكي ومهدي عامل مؤخرا .
أما الحديث عن التجربة الناصرية وأنها "تجربة الشرائح العليا من الطبقة الوسطى في مواجهة المهام الديمقراطية و القومية ومسألة التحديث و التصنيع العضوي " ومرة أخرى يتم استخدام هذه الكلمة بشكل مضحك و دون أن تفيد أي معنى . إن العضوية هي المشكلة الحقيقية لهذه الأطروحات .
أما كيف ولماذا هي تجربة الشرائح العليا للطبقة الوسطى المصرية وكيف قامت هذه الطبقة الوسطى الشريحة العليا فقضت على نفسها بإجراءات التأميم الكبيرة والسياسات التي تتنافر تماما مع مصلحتها وكيف أفرزت هذه الشرائح الديكتاتورية العسكرية ولماذا كانت عسكرية وليست مثلا على النمط النازي الألماني أو الفاشي الإيطالي فهي أسئلة برسم الإجابة .
تتحدث الصفحة الأخيرة عن المصادر للماركسية لقد قصد بتحديد تلك المصادر أنها المراجع التي استند إليها ماركس ومن خلفه في تطوير علم الاجتماع أي في إجابة محددة لماذا يتطور المجتمع الإنساني
وكيف يتطور ومتى يحدث التطور وبالتالي فإن العودة إلى إنجازات الفكر البشري التي تم إنجازها في مجال الفلسفة حيث كانت أكثر تطورا في ألمانيا وعلم الاقتصاد الذي كان متطورا في إنكلترا والتجارب الاشتراكية الفرنسية وهي ليست كما هو وارد بالثورات الديمقراطية بل هي بتجارب الاشتراكيين الفرنسيين مثل فورييه وغيره من الاشتراكيين وهي ليست قطعا تجارب الثورات الديمقراطية فما علاقتها بالاشتراكية الفرنسية . وللعلم كمونة باريس تمت في عام 1871 أي فترة نضج ماركس وطباعة الكتاب الأول من رأس المال فكيف استند ماركس إلى هذه التجربة ؟
أما الحديث عن المصادر الجديدة فهو يحدد الديالكتيك الألماني وخاصة هيغل وكان هناك ديالكتيك غير هيغل يبدو أن التعبير بالاسم فقط وأين مادية فيورباخ أليست أهم أسس الديالكتيك المادي؟
أما التجارب الجديدة فهي المصدر لدراسة الواقع الحالي إضافة إلى مصادر الاقتصاد الحديث ، إن فكرة وضع مصادر جديدة هي ليست بالجديدة يوحي وكأن هناك ماركسية جديدة مع الخطأ في تحديد مصادر الماركسية التقليدية .































تحديدات أولية في العولمة والاقتصاد المتمحور حول الذّات
معتز حيسو

طرحت العولمة على بساط البحث منذ عدة سنوات , وما زالت الموضوع الأبرز على ساحة الممارسة النظرية والسياسية كحالة موضوعية راهنة تنتج بعض التناقضات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية .
وقد تم تناول موضوعة العولمة وما زال من خلفيات ثقافية ومعرفية متنوعة ومتناقضة أحياناً , فالبعض يعتبرها الخطر الأعظم المدمر للبشرية وللطبيعة , والبعض الآخر يعتبرها ضرورة تاريخية لا بد منها كصيرورة منطقية وموضوعية لتطور النظام الرأسمالي, وهي في خدمة البشرية جمعاء , ورغم كل التناقضات التي تفرزها الرأسمالية أثناء صيرورتها التاريخية, فالعولمة لا تعدو كونها شكل متطور تتمهظر فيه الرأسمالية , في المرحلة الراهنة .
واللافت أن الاختلاف في التحليل النظري والسياسي للاقتصاد المعولم , ولعولمة رأس المال , ظهر بوضوح بين التيارات والمدارس التي تعتمد التحليل الماركسي كمرجعية معرفية . وإن دلّ هذا فهو يدل على العمق والسعة النظرية , والرؤية الدقيقة المعقدة أحياناً والواضحة حيناً آخر لماركس ,في عرضه ودراسته لتطور نمط الاقتصاد الرأسمالي المعولم من لحظة تكونه وتطوره الأولى . بحيث يغدو لاحقاً النمط الوحيد المسيطر عالمياً , وإن تمهظرت هذه السيطرة وهذا الانتشار بشكل متفاوت متناسباً مع التقسيم العالمي للعمل على مستوى النظام العالمي ككل ... وترتبط بلدان المحيط بدرجات مختلفة بحركة الاقتصاد العالمي , ارتباطاً وظيفياً محددة بحركة النظام العام باعتبارها أجزاء , والجزء محدّد بحركة الكل العام في حركة تناقضيه صراعية يحدد نتائجها موازين القوى المختلفة , ونزوع رأس المال وميوله العولمية مكسراً الحدود القومية , في سياق حركة تناقضيه ضمن البنية الرأسمالية الواحدة المتكونة من مجموعة من رؤوس الأموال الفردية , وبين البنى الرأسمالية المختلفة , وبين البنى الرأسمالية من جهة والبنى التي لا تعتمد النموذج الرأسمالي من ناحية ثانية , مدمرة العلاقات الإنتاجية المتخلفة لتفرض بالتالي علاقات إنتاجية متوافقة وظيفياً مع مصالح دول المركز .
وليس عبثاً عبّر ماركس بالقول : "فبلد أكثر تطوراً من الناحية الصناعية لا يظهر لبلد أقل تطوراً منه سوى لوحة مستقبله هو " [مقدمة الطبعة الأولى لرأس المال دار التقدم ص13]. ويحكم نزوع رأس المال ميله العام لتحقيق الربح من خلال خلق القيمة والقيمة الزائدة في سياق حركة تراكمية موسّعة لتحقيق هذا الميل مهما كانت نتائج هذه الصيرورة على المستويات الاجتماعية "إذا كانت النقود تجيء إلى الدنيا وعلى خدها لطخة دم بالولادة , فإن رأس المال يولد وهو ينزف دماً من جميع مسامه من رأســه حتى قدميه " (1) " إن رأس المال يرعبه انعدام الربح مثلما قالوا أن الطبيعة تمقت الفراغ : إن ربحاً مناسباً يجعل رأس المال جريئاً , و10% تدفعه للعمل , و20% تزيد اندفاعه ,و50% تجعله طائشاً متهوراً و100% تجعله يدوس بالأقدام كل القوانين البشرية و300% لن بتورع عن ارتكاب الجرائم حتى لو عرضت مالكه لحبل المشنقة " (2) على العموم نجد أن طريقة الحماية في أيامنا هذه طريقة محافظة, بينما طريقة التجارة الحرة هي طريقة مهدمة , إنها تحطم القوميات القديمة وتدفع التناقض بين البروليتارية والبرجوازية إلى أقصاه, وهكذا تعمل التجارة الحرة لتحقيق الثورة وفي الشعور الثوري أيها السادة أصوت بجانب التجارة الحرة ."(3)
بالتأكيد لسنا بصدد التصويت للرأسمالية أو الدفاع عنها , بقدر ما هي محاولة عرض صيرورتها وميلها التاريخي العام بوصفها نظاماً اجتماعياً إنتاجياً عولمياً , رغم كل التناقضات والأزمات التي تتجلى في مراحل تطور الرأسمالية . إن النظام الرأسمالي يعمل من خلال الإنتاجية التراكمية التنافسية والتنا قضية , على خلق الظروف الاجتماعية المناسبة لتطوير ذاته وتوطيد أركانه , مدمراً كافة الحواجز والعوائق الإنسانية والطبيعية ومزيلاً ما يتعارض معه , معيداً تكيفها بما يتلاءم مع حاجاته في صيرورة حركية مستمرة تعيد بشكل دائم وحثيث إنتاج شروط توسعه المتلاحق , في المراكز الرأسمالية وبلدان المحيط , من خلال عمليات دمج تشمل كافة البلدان ,وحتى المتخلفة منها ، ضمن آليات السوق الرأسمالية، مطورة الطبقة الرأسمالية و الطبقة العاملة على كل المســتويات، و كافة الفئات ، باعتبارهما شرطان ضروريان لوجود وتطور نمط الإنتاج الرأسمالي. و موسعة بالتالي الفئات والشرائح البروليتاريه التي يزداد عددها عكسياً مع تقلص عدد الرأسماليين ، و ازدياد تمركز و احتكار الثروة من خلال آليات المنافسة الحرة، وعمليات الدمج المتناسية مع ازدياد تراكم رأس المال الكلي، المترافق و المولد للإفقار النسبي و أحياناً المطلق في حالات معينة للطبقة العاملة،مع خلق فائض إنتاجي يشكل و على نحو دوري أزمات متلاحقة و دوريه يعتبر الخروج منها تطويراً للنظام الرأسمالي القادر على التكيف و الإبداع الخلاق ، ومتجاوزاً تناقضاته من خلال تطوير القوى المنتجة ، لتتناسب مع حركة تطور وسائل الإنتاج من خلال و عبر علاقة طردية لتطور الطرفيين معاً، لتغطية حاجة الأسواق المتوسعة باستمرار خارج الإطار القومي لتحقيق معدلات ربح مرتفعة سواء بتوظيف الرساميل في العمليات الإنتاجية أو في أسواق المال أو في الاتجاهين و هذا عائد إلى حجم الرساميل أولاً وإمكانية التوظيف في مجالات التوظيف في المجالات التي تحقق مستويات ربح مرتفعة و مدى تنوعها.
ويمكن أن نحدد بدقة حركة الرأسمال المالي والإنتاجي ، وحركة تطورهما، وتراكمهما الموسع بفعل حركة ذاتية متجددة للبنية الإنتاجية الرأسمالية المتحققة عبر خلق القيمة والقيمة الزائدة الناتجة من رأس المال المتغير (م ) ومعدل الربح (ر ) الناتج عن الرأسمال الكلي.
وذلك من خلال تتبع ماركس في رسمه لحركة تطور الرأسمال عبر مراحل تطوره المتعاقبة في وحدة تركيبية من الاستمرار و الانقطاع الذي يمكن أن يتعرض له رأس مال منفرد(فردي ) في حين أن رأس المال الاجتماعي الإجمالي يظهر على الدوام هذه الاستمرارية وتظهر عمليته على الدوام وحدة الدورات الثلاث :
1- دورة رأس المال النقدي : ن ــ ب ----ج---- بَ ـ نَ حيث ج = قيمة قوة العمل + وسائل الإنتاج ن َ = ( ن+ ن )
2- دورة رأس المال الإنتاجي : ج -- بَ ــ ن ـ ب --- جَ
ج = رأس مال إنتاجي = ق ع + و ا ، جَ = رأس مال إنتاجي موسع ، ب = ق ع + و ا : "ج ---- بَ ـــ نَ ــ ب < ق ع---- جَ "
3- دورة رأس المال البضاعي : { بَ ـــ نَ ــ بَ ــ ج --- بَ } " رأس المال ك2 "
ملاحظة : ب= بضاعة ، ن = نقد، ج = رأس مال إنتاجي = قيمة قوة العمل + وسائل الإنتاج (ق ع + و ا )
جَ = رأس مال إنتاجي موسع (ج.... بَ_____ نَ____ ب [ ق ع + و ا ] .... جَ )
نَ = [ن + ن ] تحول النقد إلى رأس مال يحمل قيمة زائدة تتحول إلى رأس مال نقدي .
بَ = (ب + ب ) = بضاعة حاملة لرأس مال ازداد من حيث القيمة وهي تساوي (ب + ب )
...... = انقطاع تداول رأس المال
من الملاحظ ومن خلال الدورات الثلاث لرأس المال التي تعبر عن مراحل تطور البنى الرأسمالية :أن حركة رأس المال وبأشكاله الثلاث يميل في صيرورته إلى :
1- تحويل النقد إلي رأس مال من خلال إعادة تدويره في العملية الإنتاجية للحصول على : - معدل قيمة زائدة متزايدة باستمرار .
- معدل ربح يتزايد مع تزايد كتلة رأس المال الكلي ، وتغير التركيب العضوي لرأس المال.
2- العمل على خلق فائض سلعي باستمرار.
3- توسيع الرأسمال الإنتاجي بعد انتهاء الدورة الإنتاجية " والتي ليست منفصلة عن دورانات رأس المال الكلي المتداخل في عدة دورات في آن واحد " من خلال تحويل النقد إلى رأس مال
4- توسيع القطاعات الإنتاجية
5- الانتقال من قطاعات إنتاجية مشبعة إلى قطاعات إنتاجية أقل إشباعاً .
6- الاستثمار والتوظيف النقدي في قطاعات إنتاجية مختلفة .
إن العمل على تحديد آلية حركة النظام الرأسمالي وصيرورته العالمية تحتاج إلي الكثير من الجهد والعمل الموسع، مما استوجب التوقف عند ميلين أساسيين لحركة رأس المال , يحددان بالضرورة النزوع أو الميل التاريخي لتطور البنى الرأسمالية بشكل عام وعلاقتهما المتبادلة مع البنى المختلفة
أولاً : التراكم الموسّع :
- يميل رأس المال في حركته العامة إلى زيادة معدل الربح من خلال إعادة توظيف القيمة الزائدة في العملية الإنتاجية. وهذا التراكم المستمر لرأس المال المتزايد يفترض بالضرورة تطوير مستمر ضمن القطاع الإنتاجي للحصول على إنتاجية مرتفعة وبكلفة منخفضة عبر زيادة شدة العمل وتخفيض القوى الحية وزيادة التقنية وبالتالي الحصول على ربح مرتفع.
إن عملية تطوير وسائل الإنتاج المستمرة تقوم على تغيير وتعديل في نسبة الرأسمال الأساسي وزيادة كتلته مقابل تخفيض في كتلة الرأسمال المتغير والذي يؤثر وبشكل مباشر على تخفيض كتلة الأجور العامة , وتخفيض كلفة الإنتاج وأيضاً تؤدي عملية التطوير التقني إلى ارتفاع معدلات الإنتاج وبالتالي إغراق الأسواق المحلية.
إن عملية التطوير هذه لقطاع واحد أو مجموعة من القطاعات تصل إلى حد معين من الإشباع تستوجب توسيع القطاع الإنتاجي أو إنشاء قطاعات إنتاجية جديدة أو الانتقال إلى قطاعات إنتاجية مختلفة عن سابقه الخ..
إن التراكم المالي المتزايد وإعادة توظيفه في العملية الإنتاجية بأشكال مختلفة , أدى إلى خلق فائض سلعي استدعى رفع الحماية عن المبادلات التجارية والعمل على خلق وحدات قومية متجاوزة للحدود الوطنية التي لم تعد قادرة على واستهلاك الفائض الإنتاجي , وما نراه وبشكل ملموس إن حتى هذه الأطر القومية لم تعد قادرة على امتصاص واستهلاك هذا الفائض مما أدى إلى توسيع الأسواق لتشمل معظم الأسواق الدولية إن لم نقل كلها وبالمطلق . وتم ربط هذه الأسواق بحركة الاقتصاد للدول المركزية من خلال تقسيم دولي للعمل , وترافق هذا التوسع للأسواق مع عملية تراكم متزايدة إضافة إلى دور الدولة المتمفصل مع التطور الاقتصادي من خلال رفع الحماية والعمل على حماية حركة رأس المال " دعه يعمل دعه يمر " ثم عملت الدولة لاحقاً على التدخل في الموازنة العامة والعمل على تحجيم الآثار السلبية لرأس المال على القوى المنتجة من خلال إجراءات اقتصادية متعددة اتسمت بها مرحلة دولة الرّفاه.
ولاحقاً ومنذ نهاية السبعينات تحررت حركة رؤوس الأموال من خلال تحرير الأسواق والخصخصة والليبرالية لتصبح لاحقاً أيديولوجية اقتصادية لمعظم الاقتصاديات الرأسمالية
وليصل رأس المال في حركته إلى الحرية المطلقة وليس هذا فقط بل يمارس ضغوطاً ملحوظة على بعض الدول وقياداتها السياسية وحكوماتها لإجراء تعديلات اقتصادية وسياسية تحقق له الربح المرتفع والاستثمار المريح .
ويترافق مع توسع حركة رأس المال سواء في الإطار الوطني أو خارجه والمتأثرة بشكل مباشر بدول المركز, بعمليات إعادة هيكلية جديدة للقطاعات الإنتاجية بما يتلاءم مع حاجة الأسواق المتجددة .
إن إعادة الهيكلة لبعض القطاعات الإنتاجية في بلدان المركز تقتضي تطوير بعض القطاعات أو توسيعها أو الانتقال إلى قطاعات جديدة, والهدف من هذه العملية هو رفع معدل الإنتاج والتخلص من القطاعات الصناعية التي تشكل خللاً بيئياً, أو تحتاج إلى عمالة زائدة , أو تنتج صناعات معمرة ... والاستعاضة عنها بقطاعات فائقة التقنية ومرتفعة الإنتاجية , مقلصة استخدام القوى الحية , ومحققة أعلى معدل ربح. وضمن هذه الآلية يصبح تغيير التركيب العضوي لرأس المال أمراً ملازماً للتطور التقني.
إن عملية إعادة هيكلة القطاعات الصناعية يتطلبها التراكم الموسع والتي تنتج عن تراكم رسا ميل بحاجة إلى التوظيف , وطالما وصلت القطاعات الإنتاجية في دول المركز إلى حالة من الإشباع الجزئي فإن الخروج إلى الأسواق العالمية ضرورة تكاد تلامس الحتمية.
وتجلى ذلك من خلال بعض الحالات التي تم ذكر بعضها سابقاً . وبقيت بعض دول المركز تحتفظ بما يسمى بالاحتكارات الخمسة .
إن بقاء بعض الدول خارج الإطار الاقتصادي الرأسمالي العام لا يعني مطلقاً أن هذه السياسات الاقتصادية صحيحة , لأنه ليس المنطق البقاء خارج حركة التطور الاقتصادي العام , والانكفاء على الذات لا يعني إلا مزيداً من الانعزال والتخلف مع التأكد بأنه لا يمكن العودة في هذه المرحلة وفي المراحل القادمة إلى الخمسينات والستينات من القرن الماضي , وهذا ليس كلاماً في الهواء. فحركة التكتلات وتوسيع هذه التكتلات هو سمة من سمات المرحلة. فما نراه هو تزايد الجهود الأوربية لتوسيع الاتحاد الأوربي, والعمل على ربط الدول المتبقية خارج إطار الشراكة الأوربية بمعاهدات شراكة وأسواق مشتركة , ونلاحظ وبشكل ملحوظ الحكومة التركية وسعيها الدؤوب للانضمام إلى الاتحاد الأوربي وغيرها من الدول كثر ...
وليس هذا فقط بل يتجلى هذا أكثر من خلال السياسة الأمريكية التدخلية والتي تتمهظر أحياناً بأشكال عسكرية. وغير ذلك كثيراً من التكتلات التي تقام على المستوى الدولي , إضافة إلى حركة رأس المال التي تتصف بالعولمية والتي لم تعد قادرة حتى الحكومات في دول المركز التحكم في حركته.
- وبالتالي الحل ليس بالخروج من حركة التطور الاقتصادي المتسارع والدائب على دمج الاقتصاد العالمي بدرجات مختلفة لأسباب تخص الدول المحيطة وأخرى تخص الدول المركزية سواء كانت المندمجة في الاقتصاد الرأسمالي أو الدول التي بدأت في هذه المرحلة في الدخول في السوق العالمية بل قد يتجلى الحل ويتمهظر وفق آليات مختلفة قد تكون لها صفة العمل العالمي للرد على وضع اقتصادي معولم ليس فقط في حركة رأس المال المالي المنصرف إلى المضاربات بل في نمط العلاقات الإنتاجية ونمط الإنتاج .
وهذا لا يقتضي إلغاء التفاوت الاقتصادي بين الدول بل يقتضي العمل على تطوير البنية التحتية للاقتصاديات المتخلفة بشكل مترابط مع الاقتصاد العالمي , والعمل على خلق دور فاعل وحقيقي للنقابات العمالية والتجمعات الإنسانية والمدنية والفاعليات السياسية ... على ممارسة دورها بجدية وذلك للتخفيف من الآثار السلبية لحركة رأس المال المعولم.
ثانياً : ميل معدل الربح نحو الانخفاض.
- إضافة إلى العملية التراكمية الموسعة على المستويين السلعي والنقدي , والتي لها الدور الأساس في انتقال نمط الإنتاج الرأسمالي خارج الحدود القومية ليصبح لاحقاً نموذجاً معولماً . يظهر انخفاض معدل الربح خلال صيرورة وتطور آلية الإنتاج الرأسمالي . ولهذا العامل أيضاً دوراً أساسياً في انتقال وانتشار الرأسمالية عالمياً, وإن ظهرت بأشكال مختلفة أو متخلفة أو متفاوتة التطور ويمكننا تحديد أسباب هذا الميل بعدة أسباب :
1- ارتفاع بنية رأس المال الأساسي بالنسبة إلى الرأسمال المتغير, مترافقاً مع انخفاض كتلة العمل الحي التي تتطور طرداً مع تطور وسائل الإنتاج.
2- انخفاض أسعار البضائع وازدياد الربح الماثل في كتلة متنامية من البضائع الأرخص ثمناً ، ليس سوى تعبير عن قانون هبوط معدل الربح وتزايد كتلته العامة .
3- تباطؤ دوران الرأسمال الاجتماعي .
4- ارتفاع معدل الأجور ، وتزايد ضغط جمعيات حماية البيئة ، ومؤسسات الضمان الاجتماعي المختلفة على المستثمرين .
5- ارتفاع معدل الضرائب .
ويعمل المستثمرون وحكومات الدول الرأسمالية على إيجاد آلية لمواجهة هذا الميل ، التي يمكن تلخيصها بالنقاط التالية :
1- زيادة درجة استثمار العمل .
2- زيادة شدة العمل .
3- الانتقال من القطاع الأكثر إشباعا إلى القطاع الأقل إشباع ، أو الانتقال إلى قطاعات جديدة .
4- خفض معدل الأجور دون قيمتها الحقيقية ، وتخفيض المكافآت والضمانات الاجتماعية .
5- نمو فائض سكاني نسبي " جيش عمال احتياطي " .
6- إطالة يوم العمل .
7- تخفيض أسعار عناصر رأس المال الثابت .
8- زيادة رأس المال بواسطة الأسهم .
9- التجارة الخارجية .
10- هروب الرساميل من مناطق ذات معدلات ضريبية مرتفعة إلى مناطق ذات معدلات ضريبية منخفضة ، لتدير من تلك المناطق المصارف وشركات التأمين وصناديق الاستثمار أموال الأثرياء ، وتخلعها من قبضة وطنها الأم " كيمن ، لوكسمبورغ ، قبرص ، ليشتنشتاين .. " .
11- احتفاظ بلدان المركز للاحتكارات الخمسة وتصدير :
- الصناعات الملوثة للبيئة .
- الصناعات التي تحتاج إلى عمالة زائدة .
- صناعات ذات عمر مديد .
12- تصدير بعض الصناعات إلى دول تتمتع ببعض المواصفات التالية :
- توافر المواد الأولية وبأسعار رخيصة .
- انخفاض كلفة القوى العاملة .
- حرية حركة رؤوس الأموال .
- سوق استهلاك واسعة .
- انخفاض معدلات الضرائب .
- توفر البنية التحتيّة المناســـــبة لتوظيف رؤوس الأموال ( مصارف- كوادر إدارية – موانئ – طرق- مطارات..)
- انخفاض مستوى الضمانات الاجتماعية المترافقة مع غياب المؤسسات والنقابات الاجتماعية الفاعلة .
- حماية الدولة للاستثمارات ورؤوس الأموال .
13- إنشاء فروع للشركات الأم في بلدان المحيط التي تتمتع بالسمات المذكورة سابقاً ، مع المحافظة على إمكانية نقل هذه الفروع عند حدوث تهديد لمعدلات الربح .
ونلاحظ أن الشركات المتعددة القومية والشركات العابرة للقومية تهيمن على ثلثي التجارة العالمية مثل شركة ABB لإنتاج الآلات والتي تمتلك ألف شركة موزعة على 40 دولة ، وشركة فورد ، ومؤسسة فولكان لبناء السفن ومايكروسوفت و IBM لصناعة الكومبيوتر – وسيمنز – وجنرال موتورز .. وكل هذه الشركات وغيرها تمتلك فروعاً في بلدان متعددة وبشكل متزايد .
13- هروب الرساميل من قطاع الصناعة إلى أسواق المال والمضاربات ، ويقدر حالياً نسبة رأس المال الموظف في المضاربات بـ 80% و 20% فقط موظفة في مجال الصناعة والخدمات .. لتصل حركة الرساميل المضاربة في اليوم إلى 1.5 تريليون دولار .
هذه الظاهرة التي أطلق عليها د. سمير أمين " التمييل " والتي تمثل أحد تناقضات الرأسمال اللاهث خلف الربح الهارب من التوظيف في المجال الصناعي إلى أسواق المال عبر عملية انتقال ملكية هذه الرساميل .
يتضح مما تقدم أن المستوى الاقتصادي له الدور الأساسي في تحديد تطور البنية الاجتماعية الواحدة أو مجموع البنى.
ولا يعني هذا إنه المستوى الوحيد المحدد لتطور البنى الاجتماعية, رغم تفرده في كونه المحدد للمستويات الاجتماعية , فإن دور المستوى الاقتصادي لا يكفي في رسم صيرورة البنى الاجتماعية.
إن بقية المستويات الاجتماعية تتحدد بالمستوى الاقتصادي وتؤثر به في علاقة متبادلة التأثير ومن خلال توسطات وتشارطات تظهر ضمن البنية الاجتماعية الواحدة وبشكل يتناسب مع خاصيتها، و متحدد بحركتها بالكل العام. و يتميز المستوى السياسي بالتحديد عن باقي المستويات في علاقته بالمستوى الاقتصادي بكونه يملك القدرة على المساهمة في رسم ملامح التطور الاقتصادي و الاجتماعي ، و يتحدد بالمستوى الاقتصادي و يحدده في إطار علاته متبادلة يعبر عنها المستوى السياسي بمايتلائم بالضرورة مع المستوى الاقتصادي.
إن التطورات الجارية على المستوى العالمي و التي تتجلى بإحدى جوانبها من خلال الاندماج بين التكتلات الاقتصادية العملاقة ، وتوجه بعض الدول التي تنحو بصيرورتها للالتحاق والاندماج بإحدى التكتلات الدولية القائمة.
إن بعض هذه الدول كانت تؤسس في المرحلة السابقة نمطاً اشتراكياً ، و البعض الآخر كانت تقيم علاقة قطع مع الدول الرأسمالية المتطورة ، لكن الواضح الآن أن هذه الدول بنت اقتصادياتها بشكل يتماهى مع الاقتصاد الرأسمالي السائد في الدول الرأسمالية ، معتمدة التخطيط المركزي و ملكية الدولية . وعلى أرضية القطبية الثنائية و مع بدايات القرن الماضي و حتى بداية التسعينات من القرن. نفسه تكونت و تطورت بعض النماذج الاقتصادية و التي استفادت و بجداره من مرحلة الحرب الباردة ، و ذلك من خلال دعم إحدى القوتين. أو بشكل مستقل من خلال الاعتماد على التناقضات الاقتصادية و السياسية بين القطبين ، أو مستفيدة من الحماية للاقتصاديات المحلية .
- النموذج الاشتراكي المحقق: تمثل التجربة السوفييتية و الصينية نقطي ارتكاز لهذا النموذج إضافة إلى بعض الدول الأخرى.
لسنا هنا بصد دراسة أسباب نشوء و انهيار التجربة السوفيتية التي تداخلت فيها مجموعة من العوامل الاقتصادية و السياسية و على المستويين الداخلي و الدولي.
فقد استطاع السوفييت بناء قاعدة اقتصادية عملاقة وازت في تطورها البلدان الرأسمالية المتقدمة ‘ وتجاوزتها في جوانب أخرى.
لكن هذا البناء الاقتصادي المتطور الذي بدأ يترسخ مع انطلاق الثورة البلشفية لتتكشف معالمه لاحقا وبالتدريج مع البدء بسياسة النيب ، وتأكيد لينين بأن ما يقوم به هو من المهام البرجوازية على المستويين الاقتصادي والسياسي وليتضح لاحقاً أن ما كان يبنى في الجمهوريات السوفيتية لم يكن انتصاراً اشتراكياً بقدر ما كان يعبر عن ملكية الدولة ( رأسمالية الدولة ) ، ليتبين لاحقاً أن إلغاء القطاع الخاص لا يقود بالضرورة إلى بناء الاشتراكية بل قاد إلى ملكية دولة تعاني من سيطرة الأجهزة البيروقراطية وسيادة النزعة الشمولية للحزب الواحد ، وهيمنة الأمين العام ...
مترافقاً مع غياب الحياة الديمقراطية حتى مجيء غورباتشوف ومحاولته القيام بعملية التغيير المفاجئة ( التغيير بالصدمة ) والتي ساهمة بالكشف عن عوامل ضعف في البناء السوفييتي لتصل هذه التجربة في نهاية المطاف من خلال تشابك عوامل الضعف الداخلي وقوة وسيادة النظم الرأسمالية إلى انهيار التجربة السوفييتية ليترك هذا الانهيار أثره على معظم الدول الملتحقة بهذه لتجربة أو المرتبطة بها ، ولاحقاً على مجمل الوضع العالمي والذي تجلى في تفرد النموذج الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أما فيما يخص التجربة الصينية والتي تشكل المثال الأبرز ضمن مجموعة البلدان التي انتهجت التخطيط المركزي فقد عملت القيادة الماوية من عام 1950- 1985 على تشييد بناء صناعي يعتمد على الصناعات الأساسية والثقيلة وحققت من خلال التطور التقني معدلات نمو مرتفعة لتصل إلى 6.2% وارتفاع معدلات الاستهلاك من 2.2% عام 1952 إلى 7.4% عام 1977 واعتمدت القيادة الصينية في سياستها الاقتصادية على ملكية الدولة ، وإلغاء أشكال الاستقلالية الذاتية لقرار الوحدات الأساسية ، محاسبة مركزية لمجمل الاقتصاد كأنه مؤسسة واحدة.
وظهرت حدود النموذج الصيني بغض النظر عن مشروعه الاجتماعي بـ : تقليد النموذج التكنولوجي للرأسمالية المتقدمة الذي يحكم بروز أشكال تنظيم العمل والتربية الاجتماعية – التناقض بين القومي و العالمي فقد قامت الرأسمالية كنظام عالمي يستند إلى قانون القيمة المعولم بخلاف ما يطرح في بلدان المحيط الرأسمالي من أن الأمر يتعلق باللحاق أو التغيير .
نموذج التخطيط المركزي المتمحور حول تسريع التراكم الموسع يتحقق في فترة زمنية محددة وسيخضع إلـــــى:
1- التحول إلى تراكم كثيف شبيه بالتراكم في البلدان الرأسمالية المتطورة.
2- أو تعزيز أبعاد البناء الاجتماعي بشكل مختلف يسمح بالتقدم نحو الشيوعية.
مع بداية الثمانينات بدأت الصين بالقيام بتعديلات في سياستها الاقتصادية و بشكل تدريجي درءاً للعواقب المدمرة للبنية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية معتمدة الإصلاح أداري و المصرفي و الضريبي. و تقليص دور القطاع العام، وارتفاع معدلات مشاركة القطاع الخاص.
و بناء على هذه التعديلات وغيرها نلاحظ انخفاض ملكية الدولة من 56% إلى 41% ،انخفاض الملكية الجماعية من43% إلى 35 % ، ارتفاع مشاركة القطاع الخاص إلى 24% من الناتج الاجتماعي.
تراجع حصة الزراعة من 25% - 21%لصالح قطاع الخدمات الذي ارتفع من 24% -31 وانخفاض حصة الصناعات الثقيلة من 75% إلى 45% إضافة ألي ارتفاع نسبة التفاوت في القطاع المديني من 16% - 28% ، وفي الريف من 21% إلى 34%. بعد إجراء مجمل هذه التعديلات على السياسة الاقتصادية الصينية هل مازالت تحافظ على برنامجها الاقتصادي الاشتراكي؟
أن النتائج النهائية للتطور الصيني وميوله تتوقف على نتائج الصراع الداخلي الدائر بين القيادة السياسية و التحالف القائم بين أصحاب الرساميل و الفئات البرجوازية واصحاب الملكيات الزراعية 0 وبين الطبقات الاجتماعية المتضررة بين الانفتاح الاقتصادي و الاستثمارات الخاصة.
إضافة إلى النموذج الاشتراكي توجد بلدان أخرى استفادت و بشكل واضح من الحرب الباردة في بناء اقتصاد متطور و خير مثال على هذه البلدان اليابان التي نشأ و تطورإقتصادها بعيد عن المنافسة بين القطبين الأمريكي و السوفيتي ، و أيضاً النمور الآسيوية و التي استفادت أيضاً من المناخ السياسي للقرن الماضي ، إضافة إلى دعم الدول الرأسمالية و مستفيدة أيضا من نظام الحماية على منتجاتها في السوق العالمية ،و الظروف الداخلية المناسبة و المشجعة لاستثمار و التوظيف.
إضافة إلى البلدان التي استفادت من مرحلة الحرب الباردة في بناء اقتصادياتها و بأشكال و أنماط إنتاج مختلفة ، فان بلدان العالم الثالث و بالإجمال بقيت تعاني التخلف الاقتصادي ، وتخلع قطاعاتها الإنتاجية ، أضافه إلى التخلف الاجتماعي و انعدام الاستقرار السياسي.
أن استقرار هذه البلدان ،و التوازن الهش السائد فيها ارتبط وبدرجة كبيرة و بحالة الصراع الذي كان قائماً بين المنظومتين الاشتراكية و الرأسمالية.
بمعنى آخر إنها كانت مستقرة على أرضية التناقضات العالمية 0 إن هذه البلدان كانت عاجزة ولاسباب كثيرة عن بناء بنى اقتصادية محلية متطورة قادرة من خلالها على منافسة الصناعات الرأسمالية المتطورة ، إضافة إلى فرض نظام حماية على حدودها و منتجاتها و أسواقها ، مما أبقى معظم هذه البلدان بحالة من العزلة عن التطورات الحاصلة على المستوى العالمي. و أيضاً عانت معظمها من حالة التفكك و القطيعة البينية، فلم تكن قادرة على القيام بأية تكتلات أ, تحالفات أو العمل على التأسيس لتكامل و تمن اقتصادي تكون قادرة من خلال هذه الأشكال و الآليات مواجهة الصناعات الغربية بصناعات ذات قدرة تنافسية.
مع التنويه بأن الكثير من هذه البلدان تمتلك ميزات مناسبة لمثل هذه الأشكال التضامنية سواء منها القومية أو الإقليمية. ولكن لأسباب خاصة بكل بلد لم تقم هذه الحالات وإن كانت فإنها لا تعدو وأن تكون هشة و عابرة وتعاني جملة من التناقضات. و خضعت هذه البلدان إلى تقسيم دولي للعمل يقوم على استيراد هذه البلدان لوسائل الإنتاج و المواد المصنعة الثقيلة منها و الخفيفة، و تصدير المواد الخام الأولية و الاستخراجية و بعض المحاصيل الزراعية. إضافة إلى إن هذه البلدان وبالإجمال تعاني من تضخم المديونية الذي يؤثر سلباً على تطور اقتصاديات هذه البلدان المرتبطة و التابعة بآن واحد و بأشكال مختلفة مع القطاعات الإنتاجية لدول المركز الصناعي ، مترافقة مع جملة من التناقضات على المستوى الإداري و النظام المصرفي و التنظيم الضريبي. و الأهم من هذا و ذاك هو انخفاض مستوى و حجم التراكم للرساميل الوافدة من الدول الصناعية، وهروب الرساميل المحلية إلى بلدان المركز بغرض الاستثمار أو الإيداع أو المضاربة.
مما يؤدي إلى بقاء المشاريع و القطاعات الصناعية متخلفة ، و عاجزة عن التلاؤم مع التطور الحاصل في الدول الصناعية ، وأيضاً انعدام إمكانية توسيع هذه القطاعات مما يؤدي إلى زيادة حجم الكوارث الاجتماعية واقتصادية و المتمثلة في ارتفاع حجم البطالة ، و انخفاض مستوى الدخل ، و انخفاض القدرة الشرائية، و إعدام القدرة التنافسية للمنتجات ، مترافقاً أيضاً مع انخفاض مقدرة البنى التحتية على جذب الرساميل و الاستثمارات و تفشي البيروقراطية و سوء الإدارة ، وهشاشة الاستقرار السياسي و الاجتماعي.
بالتأكيد هذا العرض لا ينطبق على مجمل بلدان العلم الثالث لأنه بالضرورة توجد تمايزت و تباينات على مستوى تطور المستويات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، وفي درجة ترابط اقتصاديات هذه البلدان مع الدول الصناعية المتطورة. إن البعض من هذه الدول حقق مستويات من النمو جعلته قادراً على التعاطي مع تطورات الظروف العالمية الجديدة سواء الدول التي اعتمدت التخطيط المركزي أو الدول التي انتهجت التطور الرأسمالي ، مستفيدة من المناخ السياسي المناسب الذي كان سائداً في أواسط القرن الماضي، و لم تزل بعض الدول تعاني من تناقضات اجتماعية و سياسية ، وتخلف اقتصادي مع وهم لدى القادة السياسيين بأنهم يحكمون زمام السيطرة على أوطانهم و مازالوا قادرين على التكيف مع ، و تكييف السياسات الدولية لبلدان المتطورة مع سياساتهم المحلية و لا يدرون أن التاريخ لا يتكرر و أن حدث ذلك فإنه سيكون على صورة مهزلة.
وفي رد للأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي:" فبصفتهم قادة بلدانهم ، فإنهم لا يزالون يتصورون بأن السيادة الوطنية ما فتئت في أيديهم و أن بمقدورهم السيطرة على العولمة في النطاق الوطني. إن القادة السياسيين لم يعودوا يمتلكون الكثير من مجالات السيادة الوطنية الفعلية التي تمكنهم من اتخاذ القرار أو أنهم يتصورون بأنهم قادرون على حل المسائل الرئيسية. إني أقول أنهم يتوهمون ، أنهم يتخيلون ، إن هذا ليس بوسعهم. إن الإفلات من مصيدة السوق العالمية من خلال مساع وطنية مستقلة أي بمعزل عن مساعي باقي الأمم أمر غير ممكن . و لهذا السبب يتعين علينا التفكير بأساليب أخرى تنسجم مع ما نهدف إليه. فمن يريد أن يتلافى العودة إلى المشاعر القومية[ العدوانية] في الشؤون الاقتصادية يتعين عليه أن يبقى مصراً على تهذيب السوق عابرة الحدود من خلال نظام حكومي.(7)
إن الهدف من هذا التدليل لايعني الموافقة على ما يجري من جراء تحرير لأسواق و الخصخصة و اللبرلة إنما التأكيد على أن التاريخ لا يتكرر. وإن الظروف الملائمة لبناء اقتصاديات متمحورة حول الذات، و العودة إلى حماية الأسواق الو طينة ، وإخضاع الاستثمارات و التوظيفات المالية و لقانون قيمة وطني أو قومي أو إقليمي وإلى ما هنالك من سياسات اقتصادية ترى بان مازالت هناك إمكانية لإخضاع التطور العام للتطور الخاص، وأيضا بالإمكان إخضاع قانون القيمة المعولم لقانون القيمة الوطني فهو حقاً واهم .
أن هذه الإجراءات أو السياسات الاقتصادية تحاول أن تعيد إلى الأذهان إمكانية بناء اقتصادي متمحور حول الذات متناسية مع التطورات العالمية و على كافة المستويات.
إن مخاطر رأس المال المعولم لا تقتصر على الدول المتخلفة و لكن حتى الدول المتقدمة تعاني من التناقضات التي يسببها رأس المال المعولم و ما يخلفه من كوارث اجتماعية و سياسية و اقتصادية ، تهديد الرساميل العابرة للقوميات لسلطة الدولة والحكومات و تأثيرها على قراراتها المحلية. بالرغم من أن آثار العولمة على هذه البلدان أكثر كارثيه. و لكن الخطر يعم جميع البلدان التي يدخلها رأس المال المعولم و بنفس الوقت فإن الحماية من إخطار العولمة ليست بالانكفاء ضمن الحدود الوطنية أو القومية أو ما شابه ذلك بل في وسائل وطرق أخرى و سياسات اقتصادية أخرى.
إن ما نلاحظه من تطورات على المستوى العالمي لبعض البلدان التي انتهجت التخطيط المركزي أو الاقتصاد المتحور حول الذات هو الارتباط بالنموذج الرأسمالي من خلال إعادة هيكلة البنى الاقتصادية المحلية بما يتلاءم مع متطلبات السوق العالمية من تحرير السواق و اللبرلة و الخصخصة وبنفس الوقت تقوم بعض الدول بالالتحاق بالاتحادات الدولية أو التحالفات أو التكتلات الاقتصادية مفترضة إن هذه الطريقة تساعدها في التخفيف من الآثار السلبية لإعادة هيكلة بناها الاقتصادية. وأيضاً نلاحظ حالات الاندماج المتلاحقة و المتكررة للاحتكارات العالمية لتوسيع دائرة الاستثمار و رفع شدة احتكار القوى العاملة. إضافة إلى محاولات إعادة تقسيم عالمي لمناطق النفوذ من جديد على أرضية تفرد النظام الرأسمالي.
إن هذه التطورات لا تدل على انتفاء الآثار السلبية للنظام الرأسمالي. إن ما يحصل يعزز ظاهرة الاستقطاب بين دول المركز أو ضمن دول المحيط أو بين المركز و المحيط لتتجاوز نسبة الفقراء الذين يتقاسمون 1.4 % من الدخل العالمي هي 80 % و 20 % فقط من الأغنياء يتقاسمون 82 % من الدخل العالمي. إضافة إلى ظاهرة الاستلاب المتفاقمة عالمياً ، حتى المكاسب التي تحققت في دولة الرفاه تعاني الطبقات العاملة فيها من إجراءات متلاحقة لتقليص بعض الامتيازات التي تحققت سابقاً إن آثار عولمة رأس المال وتدويل الاقتصاد الرأسمالي السلبية لا تنحصر في بلدان المراكز الصناعية فقط بل يشمل أثرها معظم الدول المحيطة ، ولمواجهة هذا الخطر العلمي يجب التوقف ملياً لقراءة التغيرات العالمية ودراسة الميول التاريخية العامة للتطور الاقتصادي و بناءاً عليه يتم وضع السياسات الاقتصادية التي تخفف من التناقضات السلبية و انعكاساتها على الأوضاع المحلية.
مع الأخذ بعين الاعتبار بأن ظروف الحرب الباردة لم تعد قائمة ، و أن مجمل التطورات الجارية تتم ضمن النمط الرأسمالي و لتطويره عالمياً . و التغيير الحاصل في المناخ السياسي و الاقتصادي العام هو لخدمه وتطويرو توسيع هذا النموذج الذي ينمو بصيرورته نحو ميول عولمية بتجاه الاندماج و الدمج في الاقتصاد العالمي، و الانفتاح و التكيف مع السوق العلمية ، وهذا التطوير لايعني التسليم بما هو قائم بقدر ما يعني البحث عن آليات مختلفة لإعادة هيكلة الاقتصادات المحلية بعيداً عن ماكان متبعاً في المراحل السابقة،لغياب المناخ المناسب اقتصادياً و سياسياً . وإن الإصرار على اتباع الآليات القديمة لا يعني إلا الدمار على كافة المستويات. وزيارة العزلة .
وما يجري في هذه المرحلة يدل على انعدام إمكانية الانكفاء على الذات و الخروج عن الصيرورة العامة التي تميل إلى التوحد و الاندماج من خلال مجموعة من التجارب التي حاولت سابقاً بناء اقتصاد متمحور على الذات وفي هذه المرحلة تتخلى عن الآلية ويندرج ضمن هذه الدول " الصين الاتحاد السوفييتي وبعض دول أوربا الشرقية , ودول الخليج العربي وشمال أفريقيا , ودول الشرق الأوسط . إن جميع هذه البلدان وغيرها تميل إلى إعادة رسم سياساتها الاقتصادية التي تقود بالضرورة إلى التكيف مع الاقتصاد الرأسمالي وسياسة السوق من خلال جملة من الإجراءات الاقتصادية.
إن التوجه المتزايد للانضمام إلى التكتلات الاقتصادية يقتضي إعادة الهيكلة للقطاعات الإنتاجية لتتلاءم مع الاقتصاد العالمي الخاضع لتحرير الأسواق , والذي يقتضي أيضاً إعادة رسم السياسة الاقتصادية لهذه البلدان وتغيير نظمها الإدارية والمصرفية والضريبية , والتخفيف من دور الدولة ومن سيطرة البيروقراطية وتخفيض حدة التخطيط المركزي.
ومن الواضح ومن خلال بعض التجارب لبعض البلدان المتخلفة بأن هذه الهيكلة قد تقود إلى إفلاس بعض الشركات والقطاعات الإنتاجية , أو إغلاق هذه القطاعات ولاحقاً بيعها , والذي يؤدي بالضرورة إلى تسريح أعداد كبيرة من القوى العاملة ...
وبالتالي فإن من الضروري أن تتزامن حالات الاندماج مع الاقتصاد المتطورة وإعادة هيكلة القطاعات الإنتاجية مع سياسات اقتصادية تؤمن الحماية لهذه القطاعات ليعاد تطويرها وتحديثها لتتلاءم وبدرجة نسبية مع الصناعات المتطورة ومع سياسة تحرير الأسواق ...
هذا التوجه يشمل عولمة رأس المال وقانون القيمة , وعلاقات الإنتاج الرأسمالية العولمية من بداياتها, ولكن ظروف الحرب الباردة حدت من انتشارها وتوسعها ليتبين لاحقاً بأن هذه الدول الاشتراكية لم تكن تبني نموذجاً اشتراكياً بقدر ما كانت تساهم في بناء اقتصاد يقوم على رأسمالية الدولة.
ورغم التناقضات المعتملة في البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ... للمنظومة الاشتراكية فإنها ساهمت من خلال وجودها على قيام دولة الرفاه على أفكار كينز والتي قامت للحد من تناقضات الرأسمالية ولمواجهة المد الاشتراكي.
إضافة إلى مساهمة المنظومة الاشتراكية في دعمها المباشر للبلدان التي أقامت قطيعة مع البلدان الرأسمالية . ومع انهيار التجربة السوفييتية تصدع التوازن الدولي السياسي والاقتصادي ليكون المناخ الدولي العام مهيئاً لهيمنة النموذج الرأسمالي والذي تتضح معالمه باستمرار.
إن الميل العام لتعميم وعالمية النمط الرأسمالي بأشكاله الحالية لا يعبر عن رغبات ذاتية , بل تعبير عن ميول تاريخية ونزوع موضوعية عامة للاقتصاد الرأسمالي من خلال حركته المتوسعة أفقياً وعمودياً , والتي يعاد من خلالها إعادة تقسيم العالم وظيفياً بما يتناسب مع تصاعد نفوذ وهيمنة الدول الرأسمالية , واقتصاد السوق.
ويؤكد الاختلال في التوازن العالمي الناتج عن انهيار التجربة السوفييتية وسيادة قانون القيمة المعولم بأن الظروف الاقتصادية والسياسية التي كانت متوفرة والمناسبة لبناء الاقتصاديات المتمحورة حول الذات لم تعد قائمة . بالتالي فإن عودة التاريخ القهقري لا يعدو أن يكون وهماً . وما يحصل في هذه المرحلة من تطورات في الكثير من البلدان يؤكد بأنه لا يمكن الخروج عن إطار النمط الرأسمالي وقانون القيمة المعولم.
إن النماذج التي تأسست في القرن الماضي والتي حققت معدلات نمو مرتفعة تنمو وتنحو باتجاه الانفتاح على السوق العالمية والاندماج في اقتصاد السوق المعولم , مهدمة مرتكزات النموذج الاشتراكي مؤكدة بذلك الميول المحددة للتطور الاقتصادي وتأثيره على البنية الاجتماعية وتناقضاتها, ومحدداً آليات الصراع على المستوى الداخلي المترابط دولياً .
أما فيما يخص البلدان المتخلفة فالوضع مختلف , فإن استمرار هذه البلدان كان على هامش القوى العظمى وعلى هامش التاريخ. وبالتالي يحق لنا أن نتساءل عن دورها في هذه المرحلة . وهل بإمكانها بناء اقتصادياتها المتمحورة حول الذات. وما هي مؤشرات الإجراءات الداخلية لهذه البلدان التي تؤسس إلى ليبرالية سياسية واقتصادية ...ألا تعتبر هذه الإجراءات مقدمات للاندماج في الاقتصاد الرأسمالي. وما هي قدرات هذه البلدان على مواجهة تحديات العولمة الاقتصادية وعولمة رأس المال تحديداً . ما هو دور المؤسسات الاجتماعية والإنسانية والسياسية في مواجهة التناقضات السلبية للرأسمالية العابرة للقوميات . وهل تتمفصل هذه الحركات مع الحركات العالمية المناهضة للتناقضات الرأسمالية ليصار لاحقاً إلى تشكيل آليات مواجهة معولمة للتحديات المتمثلة في ازدياد حدة الاستقطاب والاستلاب.
هل في هذا الميل العام للتطور الاقتصادي , وفي الميول العامة لمواجهة تناقضاته العولمية , بديات تشكل لوحة جديدة من لوحات الصراع العالمي.
نعود لنؤكد أن الميل العام للصيرورة الرأسمالية المعولمة يتحدد :
1- قانون التراكم الموسع والمتجدد.
2- قانون ميل معدل الربح نحو الانخفاض.
3- تناقض الاقتصاد المتمحور حول الذات في إطاره القومي مع النموذج الرأسمالي القائم على قانون القيمة المعولم.
تسريع التراكم الموسع الذي يتم الوصول إليه في فترة محددة يصطدم في الدول التي تتبع التخطيط المركزي بـ 1- التحول إلى التراكم الكثيف المشابه للتراكم الذي يتم في البلدان الرأسمالية المتطورة 2- التحول إلى تعزيز البناء الاجتماعي والتقدم نحو الشيوعية.
-ماذا يتحقق على أرض الواقع: التراكم الكثيف والاندماج في إطار البلدان الرأسمالية المتطورة أم تعزيز البناء الشيوعي . ؟

مراجع
1- كارل ماركس "رأس المال" الكتاب الأول الجزء الأول دار التقدم 1987 ص 367- 368
2- كارل ماركس " رأس المال" مرجع مذكور الكتاب الثاني ص 368
3- ماركس بؤس الفلسفة دار اليقظة دار مكتبة الحياة ترجمة أندريه يا زجي طبعة ثانية 1979 ص249
4- رأس المال الكتاب الثاني مرجع مذكور ص 40-90
5- رأس المال الكتاب الثاني مرجع مذكور ص 91-124
6- رأس المال الكتاب الثاني مرجع مذكور ص 125-144
7- هانس بيتر مارتين و هارولد شومان "فخ العولمة" عالم المعرفة طبعة ثانية 2002 العدد 295 ص 297
8- الطريق العدد الثاني 2003 ." اشتراكية السوق " سمير أمين "
9- كارل ماركس رأس المال الكتاب الثالث منشورات وزارة الثقافة 1977 ترجمة أنطون حمصي ص 325- 366