لماذا يجب علينا أن نرفض الكونفدرالية


ابراهيم حجازين
2011 / 8 / 2 - 07:31     

لابد أن ننظر دوما للعلاقة الأردنية الفلسطينية بمنظارين منظار اللحظة الراهنة والظروف التي تحيط بها والهدف الكامن وراء هذا طرح مشاريع الكونفدرالية أو أية مشاريع تصفوية أخرى، والمنظار الثاني مستقبلي يحدد العلاقة بين الشعبين الشقيقين في إطار وحدة تشكل رافدا لوحدة قومية إن كان على صعيد الإقليم أو الوطن العربي. ومن هنا وبالنظر إلى المخططات والأطماع الصهيونية في المنطقة فقد يتمثل طرح الكونفدرالية بمشروع نصفية القضية الفلسطينية وتقويض الهوية الفلسطينية نهائيا وإلغاء وجود الكيان الأردني الذي تخطط إسرائيل ومن ورائها الولايات لتعميم صيغة الكانتونات في المنطقة فما تسعى له هاتان الدولتان في النهاية هو تدمير المنطقة وتمزيقها تحت هيمنة وكلاء إقليميين محليين وبرأس إسرائيلي. هذا ما تعنيه الدعوة للكونفدرالية الأردنية الفلسطينية اليوم وهي دعوة مكشوفة تتناقض والمصالح الوطنية المباشرة للأردن وتعمل على تصفية حقوق الشعب الفلسطيني نهائيا وتضع الأساس لعصر أمريكي أخر على صعيد المنطقة.
عام 1993 أعلن بجدية أحد مهندسي اتفاقية وادي عربة الكبار من الجانب الرسمي الأردني في إطار التسويق للاتفاقية ولإقناع الشعب الأردني الرافض لها بها ، أن مشروع الوطن البديل كما أسماه قد دفن بهذه الاتفاقية إلى الأبد .أي أن ذلك المسؤول قال بالبنط العريض أن المخطط الإسرائيلي لإلغاء الأردن وطرد الشعب الفلسطيني من أراضيه قد طوي إلى الأبد . بالطبع هذا التصريح لم يجد ما يسنده على الأرض طوال الفترة منذ توقيع الاتفاقية وحتى يومنا هذا.
حينها دعا البعض وخاصة من كتاب الصحف اليومية إلى تبني الكونفدرالية بين الأردن والفلسطينيين حتى قبل إعلان الدولة الفلسطينية كبادرة خير من الجانب العربي ولتسهيل عملية المفاوضات ومثل هذا الإعلان كان يحمل في طياته توجها نحو التمهيد لتنفيذ الإستراتيجية المعادية على حساب الأردن وفلسطين والمنطقة العربية خاصة وإنها كانت تأتي على خلفية العدوان الأمريكي على العراق عام 1991والبدء بالترويج لبداية القرن الأمريكي والنظام العالمي الجديد. كما روج آخرون للكونفدرالية على سبيل إيجاد حل واقعي للقضية الفلسطينية لأن إسرائيل لن تقبل بإنشاء دولة فلسطينية أي أن الواقعيين العرب الذين تنطحوا لقيادة المرحلة والتنظير للسياسات الأمريكية كانوا مستعدين مبكرا لتقديم التنازلات وهو النهج الذي استحكم على أكثر من صعيد في إدارة الشؤون الداخلية والخارجية للدول العربية الأمر الذي أوصلها إلى حالة الضعف الذي تعاني منه وفرض على شعوبها التحرك لأخذ زمام المبادرة بحراك ديمقراطي يبشر يرفض هيمنة تلك النخب المتنفذة.
في تلك السنوات القاسية في ظل الهزائم التي مني بها العرب بعد العدوان الأمريكي الأول على العراق.ظن ذلك البعض المتنفذ انه آن الأوان لواقعية تتضمن تنازل العرب عن حقوقهم وأمانيهم القومية التاريخية والقبول بأية حلول يطرحها عليهم أعدائهم، أوصلهم ذلك إلى الدرك الذي وصلوا إليه اليوم مدافعين عن المشاريع الأمريكية في المنطقة ومنفذين لسياساتها ضد شعوبهم وأوطانهم .
جوبهت تلك الأطروحات من قبل الأردنيين والفلسطينيين وقواهم الوطنية الأصيلة بالرفض. لكن ومع وضوح الصورة اليوم وتكشف التوجهات الحقيقية لإسرائيل برفض استحقاقات ما سمي بعملية السلام والتي تتضمن الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود عام 1967 ومناوراتها لمزيد من الشرذمة للهيمنة والسيطرة على المنطقة بالتنسيق مع حليفتها الولايات المتحدة واستمرارها ببناء المستعمرات لفرض الأمر الواقع. تطل علينا مشاريع بمسميات أو توجهات مختلفة أو عبر منافذ جديدة ومحاولات تهجير للفلسطينيين وخلط الأوراق وبث سموم الفرقة والتعصب الإقليمي وزرع اليأس بحل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الشعب الفلسطيني خاصة حقه غير القابل للنقض في العودة إلى وطنه فلسطين الذي اخرج منه خلال حرب عام 1948.
يلاحظ المراقبون أن أطروحات الكونفدرالية يأتي في ظل وصول العملية التي سميت بالسلمية إلى أفق مسدود بسبب السياسات الأمريكية والإسرائيلية الوحشية والمكشوفة في المنطقة خاصة وأن الشعوب العربية تدرك اليوم ضرورة التخلي كليا عن النهج الذي ساد منذ أن وقع السادات اتفاقيات كامب ديفيد.
ولهذا فإن الحديث عن الكونفدرالية أو الفدرالية أو أي شكل وحدوي اليوم في توقيته وظروفه وتناقضاته العربية والإقليمية والدولية حديث خطير جدا ومجروح ومجرد التفكير فيه في نطاق العلاقة الأردنية الفلسطينية ناهيك عن الترويج أو القبول به له يصب في مصلحة الحل الإقليمي الذي تسعى إليه الولايات المتحدة في المنطقة، بهذا المعنى فإن الكونفدرالية في ظروف التمزق والفتنة والشرذمة وغياب الأنظمة الديمقراطية وحرية الشعوب العربية في تحديد مستقبلها تعتبر عملية مقصودة لتكريس هويات مقزمة ووصفة للحروب الأهلية.
أن مجابهة الكونفدرالية هي مسألة صراع قومي على مستوى الوطن العربي والمنطقة ضد المخططات الأمريكية التي اتخذتها وصفة لتطبيقها بدءا من العراق مرورا بكل دولة عربية بهدف تمزيقها وشرذمتها خاصة في ظل الأحداث في ليبيا واليمن والانفصال في السودان. وعلى صعيد الأردن يصبح من الضروري أن يتم تأسيس نهج سياسي صلب لمجابهتها، ولابد من إتباع سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وخارجية تختلف عما انتهج حتى الآن والذي أضعف قدرة الدولة على مجابهة الضغوط التي عانت منها الدول والحكومات العربية للسير في ركاب السياسات الأمريكية وأوصلتنا إلى ما وصلنا له من ضعف وشرذمة .
النهج الذي ندعو له هو بديل عن ذلك الذي اتبع منذ ما قبل أواسط عقد التسعينيات واستمر حتى اليوم متمثلا بنهج "الليبرالية الجديدة" الذي أوصل البلاد إلى الأزمات التي تعيشها من مزيد من انكشاف الأمن القومي والوطني وتزايد الفقر وتهميش الفئات المدينية الوسطى واستفحال التوترات الداخلية وانتشار التطرف على أصنافه وانهيار دور الدولة الاجتماعي بما فيه تردي النظام الصحي وبوادر انهيار النظام التعليمي والتربوي وتشظيه المجتمع إلى ما هب ودب من هويات الجديدة، بل وانكشاف تهافت وفساد وعدم قدرة القطاع الخاص الذي سوق كبديل للقطاع العام لإدارة الاقتصاد الوطني، عداك عن تهميش القوى والأحزاب السياسية والاستيلاء على القرار في الدولة من خلال تجويف المبدأ الدستوري الذي ينص على أن الشعب مصدر السلطات وتزوير الإرادة الشعبية عبر انتخابات مفبركة.
لذا فعلى الصعيد الداخلي فالسياسات المطلوبة لنجاح المجابهة تتطلب استعادة الوحدة الوطنية الداخلية وتعزيزها لتضم كافة المواطنين وصهرهم في نسيج وطني واحد يستند للمواطنة ومواجهة التشظي الجهوي والإقليمي والطائفي والعشائري من خلال ترسيخ أساس الديمقراطية الحقيقية وليس المزيفة، ويتطلب الأمر أيضا بناء حياة برلمانية حقيقية وأصيلة ذات دور أساسي في اتخاذ القرار لا كما حاصل حتى اليوم . ولنجاح ذلك لابد من إجراء تعديلات دستورية ذات مضمون ديمقراطي والتأسيس لحياة سياسية قائمة على التعددية السياسية وإقرار قوانين ديمقراطية تنظم الأحزاب والانتخابات النيابية والبلدية وقانون للصحافة والنشر يضمن حرية الرأي والتعبير..
وعلى الصعيد الاجتماعي يجب أن تعود الدولة ضامن للحد الطبيعي لحقوق المواطنين في العيش الكريم، وذلك من خلال استعادة الدولة لدورها المراقب شعبيا عبر المؤسسات المنتخبة في توجيه الاقتصاد والإشراف على الخدمات الاجتماعية التي كفلها الدستور وشرعة حقوق الإنسان.ولتحقيق ذلك يجب وضع حد لتغول الفئات الطفيلية التي استولت على القرار وفرضت قوانين وقوانين مؤقتة في غياب المؤسسات التمثيلية أحيانا وفي غياب التمثيل السياسي الحقيقي الأحيان الأخرى .
إذا كانت مجابهة المشاريع التصفوية في المنطقة على غرار الكونفدرالية تحتاج لمثل هذه الإجراءات على الصعيد الداخلي، فلا يقل عنها أهمية العمل على صعيد المنطقة وخاصة فلسطينيا ، لأن استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وتوحيد الصف الفلسطيني وإعادة نهج المقاومة أصبح ضرورة قومية أيضا في مواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة . فأي انتصار فلسطيني على طريق استعادة حقوقه الوطنية وفي مقدمتها إقامة دولته على أرض فلسطين المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس يشكل خط دفاع عن الأردن ويبعد عنه شبح الكونفدرالية على الطريقة الأمريكو-إسرائيلية والعكس صحيح فكلما تراجع الوضع الفلسطيني وازداد التمزق في النسيج الوطني لهذا الشعب الصامد كلما استطاع أعدائه تحقيق مشاريعهم وخاصة تلك المتعلقة بالكونفدرالية أو غيرها من مشاريع تصفوية كخطوة لإشعال نار الحروب الأهلية في المنطقة تمهيدا لتحويلها إلى كانتونات طائفية قبائلية وحمائلية وما شابه .
ومن هنا يصبح من مصلحة الأردن الإستراتيجية أن يعمل بجد لاستعادة وحدة الصف الفلسطيني على أساس المشروع الوطني الفلسطيني المقاوم للتصدي لسياسات العدو الإسرائيلي من جهة وتعميق الوحدة الوطنية الأردنية على أساس البرنامج الوطني المقاوم لكافة المشاريع الاستعمارية وعلى أساس تعميق الديمقراطية وترسيخ حقوق الإنسان ورفع المستوى المعيشي والاجتماعي للشعب الأردني. وبعد ذلك أي بعد الاستقلال الفلسطيني سيقرر الشعبين بإرادتهما الحرة شكل الوحدة المناسب لعلاقاتهما.