الرهان الخاسر...


باسم سليمان
2011 / 7 / 31 - 02:34     


عندما تصبح مصلحة الأوطان هي البوصلة التي يسترشد ويهتدي بها أبناء الوطن في تبني مواقفهم السياسية، لا يعد حينها ثمة ما يفضي إلى خلافات جوهرية على الخيارات الوطنية، وعندما تعبر الأوطان أزماتها لن تعود هناك رهانات على ربح فريق وخسارة آخر، بل يصبح الرهان الوحيد على خسارة الوطن أو ربحه، وانطلاقاً من ذلك يمكن القول أن رهان الجميع يجب أن يكون على ربح الوطن، ولو حمل هذا الرهان في بعض طياته ما قد يوحي بخسارة فريق أو ربح آخر، يجب أن يبقى الرهان على ربح الوطن، فلو ربح الوطن ربح الجميع وبخسارته لم يعد لأحد ما يمكنه أن يربحه. ورغم جلاء هذه الحقيقة جلاء تاماً، نرى أ ن بعضهم لا ينفك عن الدعوة إلى إسقاط النظام السياسي، بما تحمله مثل تلك الدعوات من مخاطر على مقومات الدولة وكيانها، ولم يعد الأمر لدى غالبية السوريين في تبني مواقفهم السياسية متصلاً بالتمسك بنظام سياسي دون آخر، بل ينطلقون في تحديد خياراتهم السياسية من أرضية الحفاظ على الاستقرار القائم الذي يمثل أولوية الأولويات بالنسبة إلى المجتمعات، ولا يعني أن المجتمعات يمكنها أن تكتفي باستقرارها الناجز فحسب، بل لا يمكن للاستقرار أن يكتمل في أي مجتمع ما لم ينعم أفراده بمقومات سياسية تتحقق فيها كينونتهم وتعطيهم حقوقهم كاملة غير منقوصة في المواطنة. وانطلاقاً من وعي المجتمع السوري بأن النظام السياسي قد أخذ على عاتقه إنجاز عملية التغيير السياسي الذي ينشده المجتمع والذي يشكل حاضنته النهضوية الوحيدة للخروج من الأزمات التي يعانيها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، نرى أن شريحة واسعة من السوريين قد عملت على التعبير عن رأيها في تأييدها لخطى ناظم الدولة السياسي عبر دعم خطى الإصلاح، سواء المنجزة منها أم تلك التي في طريقها نحو أن تكون ناجزة، كما أن الطبيعة الإنسانية عموما تجعلنا نرجح أن ما يطلق عليه «الشريحة الصامتة» إن وُجدت، لا يمكن لها أن تنضوي خارج إطار تلك الشريحة من المجتمع التي تتبنى خيار الإصلاح على أرضية استمرار الاستقرار والانتقال الهادئ والمستقر إلى البيئة الجديدة للحياة السياسية السورية التي ينشدها الجميع إلا قلة، ومن أسف أن نقول، إن بعضهم ممن كان نخبوياً بمعايير الحسابات التقليدية قبل أن تسلبه نخبويته تلك النخب الجديدة المكونة من مختلف الشرائح المجتمعية الوطنية التي لطالما اتسمت بوضوح الرؤية والتعبير المباشر عن مواقفها متجاوزة عصبياتها الإيديولوجية والذاتية وقد حزمت خياراتها الوطنية باتجاه تغيير بنية الحياة السياسية نحو تحقيق حياة ديمقراطية مكتملة الملامح، دون أن تتبنى خيار البناء على أرضية الخراب وانطلاقاً منه، هذا الخيار الذي لا يمكن أن يقبله منطق العقل البشري، ومع ذلك نرى «نخباً» تسعى جاهدة لتبنيه دون أن تتمكن من تقديم بديل له سوى ما يمكن أن يزيد من تقويض الاستقرار ويفضي إلى أزمة مفتوحة على الخراب والفوضى وتقويض مقومات الدولة التي يربطها بعضهم بالناظم السياسي للدولة، وانطلاقاً من معادلة الربط تلك يسعى هؤلاء إلى خراب الدولة طالما أنها ستؤدي إلى استهداف الناظم السياسي في تجاوز غير عقلاني لحقيقة أن الرهان على ربح الوطن وليس ربح المعركة على النظام السياسي، ما يجعل دوافع هؤلاء تبرز مجدداً على السطح من قبيل تلك المتصلة منها بأبعاد ثأرية أو إيديولوجية أو رغبة في تكسب سلطوي أو ارتباط بأجندات خارجية، ويسهم هؤلاء من خلال مواقفهم ورهاناتهم الخاسرة على إسقاط الدولة في إضاعة الفرصة التاريخية في تحقيق مفهوم المواطنة، ويبقى القول إن الربط بين إسقاط الناظم السياسي للدولة وبين إسقاط مقومات الدولة نفسها ليس طرحاً غير واقعي، بل هو في صلب الواقع وذلك لغياب البديل السياسي كلياً، دون أن ننسى أن ذلك يعود إلى غياب الحياة السياسية ولكن في ذات الوقت، علينا أن نستذكر أن الناظم السياسي للدولة نفسه يعمل على توفير الأرضية المناسبة لمشروع إصلاحي وطني سياسي يدعو فيه بشكل واضح وصريح إلى مشاركة الجميع، ما يشكل فرصة تاريخية من أسف يعمل بعض من نخب على إضاعتها، وكلما شعر هؤلاء بشيء من قوة وفرتها لهم المتغيرات الجديدة التي قد قدمها النظام نفسه، نراهم يفكرون في استثمارها في تعزيز عملية المواجهة مع النظام والدولة، في اعتماد مبدأ «تعزيز المواجهة يعزز القيمة المضافة للأشخاص « بدلاً من الانخراط في المشروع الوطني للإصلاح بكل ما يحمله هؤلاء من تحفظات، في إضاعة لفرصة تاريخية يتحملون وزر إمكانية عدم تحقيقها ويبقى السؤال، ماذا لو كان ناظم الدولة قد اختار خيار المواجهة والاستمرار في ما هو قائم، بما أنه ممسك بمقومات الدولة ومؤسساتها وفي مقدمتها العسكرية منها ؟