التغيير باعتباره فضيلة ماركسية .. مقابل الفهم باعتباره رذيلة وانتهازية برجوازية


أمير خليل علي
2011 / 7 / 30 - 22:29     

كتب ماركس في 5 مارس عام 1852 في خطاب إلى ويدماير يحدد مساهمته في الصراع الطبقي كما يلي:
"ليس لي لا فضل اكتشاف الطبقات في المجتمع المعاصر ولا فضل اكتشاف الصراع بين الطبقات. فقد سبقني إلى ذلك بوقت طويل مؤرخون برجوازيون هم من قدموا التصور التاريخي لصراع الطبقات هذا، وكذلك اقتصاديون برجوازيون هم من قدموا تركيب الطبقات الاقتصادي. أما ما أسهمت أنا به من جديد، فيتلخص في إقامة البرهان على ما يأتي:
1- أن وجود الطبقات لا يقترن إلاّ بمراحل معينة من تطور الإنتاج
2- أن الصراع الطبقي يفضي بالضرورة إلى ديكتاتورية البروليتاريا،
3- أن هذه الديكتاتورية نفسها تؤدي إلى الانتقال لإزالة الطبقات وإلى المجتمع الخالي من الطبقات." انتهى الإقتباس

يتكون هذا النص القصير الخطير، من جزئين، يخفي أحدهما الآخر، وبطريقة لن يصدقها أغلب أتباع ماركس.
فأولا:
يؤكد هذا النص أن ماركس ليس هو مكتشف صراع الطبقات. بل هو يعترف بأن الاقتصاديين والمؤرخين البرجوازيون اكتشفوا الصراع الطبقي قبله "بكثير".
ثانيا:
يحدد ماركس مساهمته في مسألة الصراع الطبقي في:
1- ربط الطبقات بمراحل التاريخ وتطور علاقات الإنتاج
2- التنبؤ بنهاية الصراع الطبقي من خلال ديكتاتورية طبقة معينة هي البروليتاريا

واضح هنا أن كل ما فعله ماركس هو تنزيل الأدوات والمفاهيم (التي اكتشفها المؤرخون والاقتصاديون البرجواز) في مسار وحيد أسميه:
التصور الاشتراكي لدى ماركس.

فكل ما فعله ماركس هو أنه أدخل مفهوم الصراع الطبقي داخل تصوره للمجتمع الإشتراكي، بحيث جعلنا نراه ينتج من المجتمع الرأسمالي.
وهذا التصوير الماركسي يصب في المسار التالي:
1- وضع سيناريو عن مجتمع بديل عن المجتمع القائم
2- توظيف المفاهيم الموجودة بالفعل والمستعارة من الفكر البرجوازي لوضع هذه السيناريو

إذن (وأعتذر عن كتابة إذاً بالنون، حتى لا تختلط على القارئ بإذا) يمكن القول أن ماركس هو مجرد "مركب" سيناريوهات تدفع بإتجاه "تغيير" المجتمع الراهن نحو مجتمع البديل، مع الإستعانة بالإستعارة من "الفهم" المتراكم بالفعل في علم الاقتصاد والتاريخ والجدل البرجوازي.
ومن هنا يمكن أن نقول أن المهمة الأساسية التي تبناها ماركس لنفسه في عام 1852 (أي حين كان عمره 30 سنة فقط) كانت تتلخص (باعترافه هو الضمني) في مهمة "تغيير" العالم، وليس حول مهمة "فهم" العالم.
فإذا أضفنا إلى ذلك ما سبق أن قمنا بتحليله في المقالات السابقة، وبخاصة بخصوص الأطروحة الحادية عشر حول فيورباخ والتي كتبها ماركس عام 1845:
"لقد اكتفى الفلاسفة بمهمة فهم العالم بطرق شتى؛ بينما الهدف هو تغيير العالم"
إذن يمكننا أن نقول أن ماركس خلال الفترة من عام 1845 (تاريخ أطروحة فيورباخ) وحتى عام 1852 (تاريخ رسالته لويدماير) أي عبر فترة سبع سنوات كاملة لم يتزعزع عن الالتزام الشديد بمهمة تغيير العالم والنفور الشديد من مهمة "فهم" العالم.

ما يتضح هنا هو أن ماركس كان مشغول فقط بوضع سيناريو أو تصور عن: كيف يمكن الانتقال من العالم الراهن إلى عالم جديد (بلا طبقات).

العجيب أن لينين يورد نص رسالة ماركس إلى ويديماير أعلاه في الفصل الثاني من كتابه "الدولة والثورة"، ويستنتج منها مثل ما أستنتجت أعلاه، فيقول لينين:

"في هذه الكلمات تيسر لماركس أن يفصح بجلاء مدهش، أول، عنا يميز تعاليمه بصورة رئيسية وجذرية عن تعاليم مفكري البرجوازية المتقدمين والأكثر عمقا، وثانيا، عن كنه تعاليمه بشأن الدولة. الأمر الرئيسي في تعاليم ماركس هو الصراع الطبقي. هذا ما يقال وما يكتب بكثرة كثيرة. بيد أن هذا غير صحيح. وعن عدم الصحة هذه تنتج، الواحد بعد الآخر، التشويهات الانتهازية للماركسية وينتج تزويرها بحيث تصبح مقبولة للبرجوازية. ذلك لأن التعاليم بشأن الصراع الطبقي لم توضع من قبل ماركس، بل من قبل البرجوازية قبل ماركس، وهي بوجه عام مقبولة للبرجوازية."

أنظر رابط كتاب لينين: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=32644

واضح هنا أن لينين أيضا يقر بأن ماركس لم يكتشف صراع الطبقات، بل اكتشفه الاقتصاد والتاريخ البرجوازي.
وأنا أورد نص لينين هنا للتأكيد على أن ما أقوله أعلاه في تحليل رسالة ماركس ليس رأيي النابع من خيالي المريض نحو ماركس، كما قد يظن أغلب الماركسيين العقائديين. بل إن لينين نفسه يشاركني الرأي.

لكن ليس هذا كل شيء!!

فصحيح أن كثير من الماركسيين الآن سيشعرون ببعض الإحباط لأن ماركس لم يكن هو صاحب اكتشاف الصراع الطبقي كما يظنون.
وصحيح أنه اقتبس أغلب مفاهيمه التي أتكأ عليها وأدواته التي استند إليها من البرجوازية، بما قد يثير علامات استفهام وتعجب بصدد تضخم اعتماد ماركس على الفكر البرجوازي في صياغة نظريته الماركسية، بحيث ربما يخامر البعض منا الشك بأن الماركسية ليست بهذه الراديكالية المضادة والمناوئة للفكر البرجوزاي، بما أنها توظف وتستعير نفس المفاهيم والأدوات البرجوازية داخلها .. إلا أن المسألة لا تنتهي عند هذا الحد ..

فلينين يستمر ويقول:
"ومن لا يعترف بغير صراع الطبقات فهو ليس بماركسي بعد، وقد يظهر أنه لم يخرج بعد عن نطاق التفكير البرجوازي والسياسة البرجوازية. إن حصر الماركسية في التعاليم بشأن الصراع الطبقي يعني بتر الماركسية وتشويهها وقصرها على ما تقبله البرجوازية. ليس بماركسي غير الذي يجعل اعترافه بالصراع الطبقي شاملا الاعتراف بديكتاتورية البروليتاريا. وهذا ما يميز بصورة جوهرية الماركسي عن البرجوازي الصغير (وحتى الكبير) العادي. وعلى هذا المحك ينبغي التحقيق من الفهم الحق للماركسية والاعتراف الحق بها."

نحن هنا أمام قفز وانتقال مدهش يمارسه لينين بحرفية سياسية عالية.
فلينين يرى أن مسألة "استعارة" ماركس من الفكر البرجوازي لا يجب أن تستوقفنا كثيرا. بل يتهم لينين من يتوقف عند هذه الفكرة (الصراع الطبقي) كثيرا، بأنه ما زال برجوازي ولم يصبح ماركسياً بعد.
ويقول لينين إن الماركسي الحقيقي هو من لا يتوقف كثيراً عند مسألة الصراع الطبقي .. بل يرى لينين أن الماركسي الحق هو من يهتم أكثر بمسألة "ديكتاتورية البروليتاريا" أكثر.
هكذا يؤيد لينين نفس مهمة تغيير العالم التي تبناها ماركس، مع عدم التساؤل أو التوقف عند مسألة: على ماذا تأسس "الفهم" الذي أنطلق منه "السيناريو الذي وضعه" ماركس عن ديكتاتورية البروليتاريا باعتبارها مرحلة ضرورية.
واضح هنا أنه لا يحدث بالمرة إثارة أي تساؤل حول "الفهم" المؤسس للسيناريو الذي وضعه ماركس. بل إن التساؤل يعد مجرد "إنتهازية" و"برجوازية" من السائل. أما الماركسي الحقيقي، فعليه ألا يسأل، بل عليه أن يندفع في إتجاه تحقيق وتنفيذ السيناريو الذي وضعه ماركس، دون أي تساؤل أو شك حتى بصدد الأصول البرجوازية لمفهوم الصراع الطبقي ذاته.
أظن أننا نجد هنا دلائل هامة رسخت في الفكر السيناريوهاتي الماركسي فضيلة "عدم التساؤل" وفضيلة الإندفاع نحو التغيير دون فهم.

ذلك أن المتسائلين والمشغولين بعملية الفهم هم انتهازيون ومن "البرجوازية" .. وما هي البرجوازية .. هي فقط طبقة عابرة تصادف أن أصحابها هم فقط من وضعوا كافة المفاهيم التي أستعارها ماركس وبنى عليها مجمل نظرياته - أو بالأجدى سيناريوهاته للمستقبل.

أمير الغندور
30/7/2011