من الثابت تاريخيا، أن الحلم الشيوعي كان موجودا قبل ظهور الماركسية، بزمن طويل. فقد جاءت إرهاصات هذا الحلم (الشيوعي) في جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة ويوتوبيا توماس مور. ثم ظهرت بشكل أقوى قبيل ظهور ماركس مباشرة لدى توماسو كامبانيلا و اليعقوبيين أمثال بابيف ومارات، ثم سان سيمون وأوين وفورييه وكثيرين غيرهم، ممن سماهم فريدريك إنجلز بالاشتراكيين الطوباويين - طبعا ليتسنى له وصف ماركس بأنه اشتراكي علمي.
ماذا تعني كلمة "علمية" في الإشتراكية "العلمية"؟
ويؤكد إنجلز (ويوافقه جميع الماركسيين)، على أن جميع التصورات الإشتراكية السابقة على ماركس إنما هي "طوباوية" خيالية. وأن ماركس هو الوحيد الذي قدم تصور علمي للإشتراكية.
لكن دعونا نفكك معنى "العلمية" التي يقصدها إنجلز هنا.
إن كل تعنيه كلمة "علمية" في وصف الماركسية هو فقط تقديم تصوير أو سيناريو عقلي منطقي مقبول عن التحول من الرأسمالية إلى الإشتراكية إلى الشيوعية.
فالعلمية (عند الماركسيين) إنما تعني أن التصور الذي يقدمه ماركس (للإشتراكية) يتميز بأنه سيناريو مخطط ومقبول من ناحية التصور "العقلي" النظري.
دور هيجل:
فلنعد هنا إلى هيجل، ولنتذكر جميعا فحوى مقولة "هيجل" الهامة:
"كل ما هو واقعي فهو عقلي وكل ما هو عقلي فهو واقعي"
وهذه المقولة الخطيرة تعني:
• أن كل ما يمكن تصوره عقليا فهو بالتالي قابل لأن ينوجد واقعيا • وأن كل ما ينوجد واقعيا، هو بالتأكيد قابل للتفسير العقلي.
من هنا تصور ماركس (ومن حوله) أن تحقيق الشيوعية يمكن أن يتم طالما تمكن من وضع "تصور عقلي" عنها.
وهذه يفسر بالضبط فحوى مقولة ماركس (التي حللناها في المقالة السابق): أن الفلاسفة أنشغلوا بفهم العالم، بينما المهمة المطلوبة هي تغيير العالم.
وما قصده ماركس هنا هو:
أنه لا يجب على الفلاسفة الإنشغال بمهمة التفسير العقلي الهيجيلي للواقع، بل ينبغي عليهم
الإنشغال بمهمة التصور العقلي لواقع بديل عن الواقع الراهن
هذا بالضبط هو ما فهمه ماركس من مقولة هيجل أعلاه. فقد أيقن ماركس أنه لو استطاع تقديم "تصور عقلي" عن الإشتراكية، فإن ذلك يعني بالتأكيد أن هذا التصور العقلي، يمكن له أن يصير (وفق مقولة هيجل) أمرا واقعا بلا جدال.
وبهنا يصبح ماركس أكثر هيجيلية من هيجل نفسه.
لذا فإن أغلب من تعاملوا مع تصورات ماركس، نسوا أنها محض "تصورات عقلية"، وليست بالضرورة تصورات "واقعية" استشرافية للمستقبل. وذلك لأنهم جميعهم (وإلى الآن) ما زالوا واقعين تحت تأثير مقولة هيجل السحرية (إن كل ما هو عقلي فهو واقعي).
عصر نشأة الخيال العلمي:
لم يلتفت أحد إلى ظاهرة دالة نشأت في نفس عصر ماركس.
وأقصد بها بداية تبلور نمط جديد من الكتابة "التصورية" الجديدة التي تنطلق وتعتمد على ذات الفرضيات التي تبلورت في مقولة هيجل أعلاه التي تبناها ماركس. هذا النمط الجديد من الكتابة التصورية التخييلية هو نمط روايات الخيال العلمي.
فروايات الخيال العملي تقوم على وضع سيناريوهات وتصورات تخييلية عقلية (لا واقعية) عن المستقبل وعن عوالم أخرى مختلفة بديلة عن العالم الواقعي الراهن. وهذا يتفق بالضبط مع تأويل مقولة هيجل التي تبناها ماركس بطريقته الخاصة، ثم تبناها كاتبو الخيال العلمي بطريقتهم الخاص.
ومن المدهش أن تتزامن نشأة الخيال العلمي مع نفس زمن وصول الهيجيلية إلى قمتها وبداية ظهور الماركسية. ففي نفس هذا الزمن كتب كل من ماري شيللي وجول فيرن ولويس ستيفنسون وبرام ستوكر رواياتهم الخيالية العلمية. وفي نفس تاريخ ولادة ماركس وإنجلز بدايات القرن التاسع عشر ولد جيل جديد بكامله من كتاب قصص الخيال العلمي التي تميزت عن ما سبقها بأن المحتوي "العقلي" فيها أكبر من المحتوى الإسطوري، بشكل يتفق مع مقولة هيجل، ومع محاولات ماركس
وقد نشرت في عصر ماركس وإنجلز عديد من قصص الخيال العلمي الجديدة، مثل:
فرانكشتاين لمارس شيللي عام 1817 حول العالم في ثمانين لجول فيرن يوم عام 1872 دكتور جيكل ومستر هايد لستيفنسون عام 1886 دراكولا لبرام ستوكر عام 1890 آلة الزمن لويلز 1895
يعني هذا أن القرن التاسع عشر كان بحق عصر تطوير روايات الخيال العملي، تتفق مع التصور الهيجيلي "العقلي" (حيث العقلي يصير واقعا).
وتميزت رويات الخيال العلمي العقلي الهيجيلي تلك بأنها قطعت مع ما قبلها.
فقد سبقها بالطبع روايات خيال علمي أخرى، مثل رواية دانيال ديفو "روبنسون كروز" عام 1719، وروايات جوناثان سويفت عن "رحلات جاليفر" 1726، والتي نشرت في القرن السابق على ماركس، والتي اختلفت عن الروايات المنشورة في عصر ماركس، بأنها تقدم تصورات عن عوالم "إنحطاطية" تقع في "ماضي" المرحلة الرأسمالية.
بينما تميزت روايات الخيال العلمي الجديدة (في عصر ماركس)، بأنها تقدم عوالم "تقدمية" تقع في "مستقبل" العصر الراهن (لهؤلاء الكتاب).
فقد تميز القرن الذي عاش فيه ماركس بأنه العصر الذي قفزت فيه رويات الخيال العلمي من محاولة "فهم" الماضي، لتنتقل إلى محاولة تصور "المستقبل". أي أن أسلوب روايات الخيال العلمي الجديدة في عصر ماركس تميز بأنه قفز من "الرجعية الماضوية" نحو "التقدمية المستقبلية".
وبذلك تغير معنى كلمة "العلمي" في مجمل الثقافة الأوروبية. بحيث صار "العلمي" يعني "العقلي". وهذه مسألة محسومة ومعروفة في الفكر الأوروبي منذ "ديكارت" وسبينوزا وكانط. حيث يعني "العلمي" عند جميع هؤلاء "العقلي".
لكن "هيجل" كان هو أول من أوصل هذا التصور إلى قمته القصوى في مقولته: أن "العقلي هو واقعي"، وليس فقط "علمي".
وهنا أصبح "العقلي" لدى هيجل وفي مجمل الفلسفة الألمانية هو بالضبط: علمي = عقلي = واقعي.
وفي هذه المعالدة الهيجيلة يصبح:
علمي = عقلي = واقعي
(حيث المقصود هنا بالواقعي ليس الواقعي الراهن الحالي، بل هو الواقعي البديل أو المؤجل أو القابل للتحقق في المستقبل طالما أنه مستوف شرط العقلية).
الاستنتاج:
ونتيجة لكل ما سبق، يمكننا بكل عقلانية وتاريخانية أن ندرج التصورات الماركسية حول سيناريو تحقق الإشتراكية والشيوعية في المستقبل ضمن كوكبة سيناريوهات قصص الخيال العلمي.
نعلم ان هيغل على انجازاته العظيمة في الديالكتيك الا انه ينتمي الى المدرسة المثالية . فقد حاول ان يثبت بان الفكرة المطلقة اثناء تطورها الديالكتيكي الذاتي (التغريب) تنعكس او تتجسد في البداية في طبيعة ميكانيكية ، ثم كيميائية ، ثم عضوية ( حياة ) ، ثم في وعي بشري ،من اجل ان تصل في نهاية المطاف الى وعي الذات من جديد عبر التعرف على نفسها في منجزات الانسان ( الفكر ، الفن ، الدولة ..الخ ) . والفكرة المطلقة هنا تتطابق مع نفسها بالكامل في كل مراحل هذه الرحلة . من هنا كان التطابق لديه بين العقلي والواقعي وبالعكس . وهنا بالضبط يتوقف الديالكتيك عنده عن العمل ، فالدولة في اعلى سماتها تصبح عنده الدولة البروسية ،والفكر في اعلى ذرواته هو فلسفة هيغل نفسه .
إرسال شكوى على هذا التعليق
149أعجبنى
كارل ماركس قلب هذه المعادلة عندما اقام اليالكتيك على اسس مادية - الوجود المادي هو المحدد للوعي ، دون ان يتطابق اي منهما مع الآخر ، والوعي هو انعكاس ذاتي للواقع الموضوعي . الوعي اذا هو وسيلة الانسان في عملية المعرفة ، واذا كان مصدر المعرفة الممارسة (الفعل) ، ومعيار صحة هذه المعرفة في نفس الوقت ، فلا تعارض بين المعرفة (الفهم) والفعل (التغيير) . بل ديالكتيك مستمر، فكل منها يفترض الآخر، الى ما لا نهاية .
إرسال شكوى على هذا التعليق
119أعجبنى
فلا تعارض بين المعرفة (الفهم) والفعل (التغيير) . بل ديالكتيك مستمر، فكل منها يفترض الآخر، الى ما لا نهاية
لكن هناك مسألة في هذا الديالكتيك تتعلق بوجود اختلاف طفيف يتعلق بين الفهم وبين التغيير - ربما لم ينتبه لها كثيرون
وهي أن الفهم (في مسألة الخطة) غالبا ما تكون متعلق ومعتمدة على العوامل الذاتية بشكل حصري، وبخاصة عندما نتحدث عن خطة طوباوية
فأنا مثلا أستطيع تخيل الجنة دون أن تكون لي أي تجارب سابقة عنها
أما في حالة التغيير فالمسألة مختلفة جدا
ذلك أن التغيير لابد أن ينجدل فيه عنصر الذات مع عنصر الموضوع، ومن المستحيل أن يتم تغيير بمعزل عن الموضوع الواقعي الملوس
لكن هذه الاستحالة غير مطلوبة في مسألة الفهم
وذلك لأن الفهم يتعلق بالقدرات الذاتية المتراكمة من الماضي، ويمكن أن تنقطع تماما أي صلة لها بالحاضر أو المستقبل .. وهذا تحديدا ما نجده في أغلب الأصوليات المعاصرة
أما التغيير فيتعلق بالمستقبل وبالملموس اللذين يضعا قيودا وجدلية مختلفة عما في حالة الفهم التي لا تتعلق لا بالمستقبل ولا بالملموس
وبهذا يصبح من الخطأ دياليكتيكيا عمل مساواة أو مماهاة بين الفهم وبين التغيير
وهذا تحديدا هو الخطأ الذي بدأه المعلق أ. رفيق المهدي في تعليقه رقم 27 على مقالي قبل السابق .. وهو نفس الخطأ الذي اتبعه فيه أ. عذري مازغ في تعليقه رقم 11 على مقالي السابق
حيث افترض كلاهما أنه طالما نحن بصدد الجدل، فإن الفهم والتغيير في جدل إلى ما لانهاية، أكما تقول أنت، ما يعني أن كل منهما يفترض الآخر.
وهذا التصوير يتناسى أن الجدل هي عملية متصاعدة لا تحدث بين أنداد متساوية أو متوزانة بل تحدث بين أطراف مختلفة بحيث يتصاعد الجدل بها إلى مستوى جديد بحركة مثلثية .. ولا يبقى عن نفس المستوى السطحي للنقيضين
وهذا ما أظنه يحدث بين الفهم (الخطة الشيوعية) وبين التغيير (تطبيق الخطة الشيوعية على الواقع) .. فلحظة وضع وبلورة الخطة هي لحظة الفهم لضرورة تغيير واقع قائم .. لكن تأتي بعد ذلك لحظة تطبيق الخطة التي تنفصل فيها عملية الممارسة عن عملية الفهم الذي أصبح قد تم تجاوزه تماما بمرور الزمن وصعود الجدل إلى مستوى مختلف عن المستوى التي تبلورت فيه الخطة أساسا
هذا بالضبط ما كنت اعنيه عندما قلت ان الممارسة العملية (والوقع الموضوعي) هو اساس ومصدر المعرفة ، وفي نفس الوقت معيار صحة (موضوعية) هذه المعرفة ، ومصدر اغنائها من جديد . هذا بالضبط مايميز ماركس عن سابقيه بشكل عام والكلاسيكيين الالمان بشكل خاص بما فيهم هيغل نفسه . وما دمنا كما يبدو متفقين على علاقة ودور الممارسة العملية بالنسبة للفكر (علاقة ديالكتيكية وليس تطابق) ، وهو ما تقول به نظرية المعرفة الماركسية ، فماذا يتبقى من حائل بيننا وادراك المغزى المعرفي العميق ( قبل السياسي ) في موضوعة ماركس الحادية عشر عن فويرباخ ، وانتقاده للفلاسفة لاكتفائهم بتامل وتفسير العالم دون تغييره .
إرسال شكوى على هذا التعليق
102أعجبنى
هذا بالضبط ما كنت اعنيه عندما قلت ان الممارسة العملية (والوقع الموضوعي) هو اساس ومصدر المعرفة ، وفي نفس الوقت معيار صحة (موضوعية) هذه المعرفة ، ومصدر اغنائها من جديد . هذا بالضبط مايميز ماركس عن سابقيه بشكل عام والكلاسيكيين الالمان بشكل خاص بما فيهم هيغل نفسه . وما دمنا كما يبدو متفقين على علاقة ودور الممارسة العملية بالنسبة للفكر (علاقة ديالكتيكية وليس تطابق) ، وهو ما تقول به نظرية المعرفة الماركسية ، فماذا يتبقى من حائل بيننا وادراك المغزى المعرفي العميق ( قبل السياسي ) في موضوعة ماركس الحادية عشر عن فويرباخ ، وانتقاده للفلاسفة لاكتفائهم بتامل وتفسير العالم دون تغييره .
إرسال شكوى على هذا التعليق
144أعجبنى
السيد الغندور لا يهمه التدقيق في المفاهيم كل ما يهمه تشابه الكلمة ولا يهمه مدلولاتها وهنا هو مثل القذاقي الذي قال ان الديمكراسي فكرة عربية وتعني ادميين يجلسون على الكراسي. فالواقع الهيغلي ليس هو الواقع الماركسي، الواقع عند هيغل هو عالم الافكار فلا وجود لواقع دون وجود فكري يسبقه، اي مثلما قال ديكارت افكر اذن انا موجود. فلا وجود دون الفكرة. وبالتالي كل ما هو عقلي اي فكري اذن هو واقعي اي ان الفكرة تحقق صيرورتها في الواقع وكل ما هو واقعي هو فكري اي كلما نراه ما هو الا واقع الفكرة وليس واقعا ماديا بينما الفكر والعقل عند ماركس ليس الا نتاجا للمادة اي دون مادة لا يوجد فكر. وهنا لا معنى لجملة السيد الغندور: من هنا تصور ماركس (ومن حوله) أن تحقيق الشيوعية يمكن أن يتم طالما تمكن من وضع -تصور عقلي- عنها. اذ لو كان هذا ما اعتقده ماركس كما يقول الغندورلاصبح ماركس مثاليا وليس ماديا ولما بذل جهابذة الفلاسفة المثالين جبارة لتفنيد الماركسية فلسفة ومنهج كما اجد ان محاججة السيد الغندور بامثلة الخيال العلمي التي ساقها هي محاججة تهبط بمقالته الى مستوى فكاهي يشبه اغاني شعبولة, مع الاعتذار
إرسال شكوى على هذا التعليق
109أعجبنى
أ. مالوم كل ما تقوله عن الإختلاف بين ماركس المادي وهيجل المثال صحيح ودقيق
لكن هناك مشكلة واحدة وهي أنك تقوله لي أنا بينما هذا بالضبط فحوى مقالي
أعنى أنه من المفترض أن تتوجه بفكرتك هذه التي هي أيضا فكرتي إلى ماركس نفسه وتسأله لماذا سقط في مثالية هيجل رغم كل ما كتبه عن الفرق بين ماديته ومثالية هيجل
لكنك أ. مالوم فضلت أن توجه سؤالك لي. أتعرف لماذا؟
لأنك لا تصدق أن ماركس وأتباعه يمكن أن يقعوا في هذا الخطأ الجسيم ثم يأتي العبد الفقير أمير ويكتشفه هكذا بكل بساطة.
إذن لابد أن الخطأ عند أمير وليس عند ماركس العظيم
هذا اسمه إنكار.. فأنت فهمت فكرة المقال تماما لكنك تستعظم أن يسقط فيها ماركس وألا يكتشفها أحد منذ هذا التاريخ.
أستاذي .. نعم ماركس أخطأ وأنتم تعاميتم عن خطأه لأنه بالنسبة لكم لا يخطئ .. بل من يكتشف خطأه هو المخطئ
إرسال شكوى على هذا التعليق
146أعجبنى
انا لم اتفق معك ولم اختلف في كل شئ . اتفقنا فقط على دور الممارسة العملية وعلاقتها الديالكتيكية بالفكر ( وليس تطابقهما الكامل كما عند هيغل - العقلي = الواقعي) . اولوية الواقع الموضوعي - وبالتالي الممارسة العملية- على الفكر هو في صلب نظرية المعرفة الماركسية . فماذا يدعوك بعد هذا وذاك لان تفسر الموضوعة الحادية عشر على انها دعوة للاشتغال بالسياسة دون الفكر من جانب ماركس ، وانت تعترف بدور الممارسة،وبالتالي وبشكل غير مباشر بمغزى الموضوعة المعرفي فيما سبق .
إرسال شكوى على هذا التعليق
104أعجبنى
إن ما ينقص وجهة النظر التي يطرحها الكاتب هو تذكّر ديالكتيك العلوم الطبيعية حيث منها جاءت السمة العلميّة وليس من الواقعيّة أو العقليّة كما يسميها السيد الكاتب وفي الماركسية هناك فرق بسيط ومهم بين جدلية أو ثنائية المنطقي والتاريخي وبين ما يسميه السيد الكاتب بالعقليةوالواقعية أؤكّد أن السمة العلمية في النظرية الماركسية جاءتهامن المادية الجدلية ومن أحكام المنطق الجدلي في العلوم الطبيعية قبل تطبيقاتها في المضمار التاريخي وإن التمعن بالمقولة الفلسفية( المنطقي-التاريخي) لا تفضي إلى أن كل ما هو منطقي هو تاريخي ولا العكس إذ أن الآلية الجدليّة وفق قوانين (إيكل) الثلاث (وحدة وتصارع المتناقضات -وقانون التراكم الكمي يفضي إلى تحول نوعي-وقانون نفي النفي أو نقض النقيض ) هي التي تتحكم في العلاقة الجدلية ضمن أية مقولة فلسفيةوجاءت تلك القوانين عبر التحليل العلمي للعلوم الطبيعيةثم استخدمت في التحليل التاريخي ولهذا سميت بالفلسفة العلمية وليس لأي سبب آخر رجاء تقبلوا وافر تقديري
إرسال شكوى على هذا التعليق
140أعجبنى
أنه لا يجب على الفلاسفة الإنشغال بمهمة التفسير العقلي الهيجيلي للواقع، بل ينبغي عليهم. الإنشغال بمهمة التصور العقلي لواقع بديل عن الواقع الراهن.
هذا التفسير أ. الغندور ليس واضحاً تماماً فماركس لم يقصد (التصور العقلي لواقع بديل) كما تقول مفسراً. وإنما قصد تثوير الفلسفة وجعلها سلاحاً في يد الطبقة العاملة يمكِّنها من تغيير الواقع الاقتصادي (القائم) لا (المتَصوَّر) بالقوة والعنف. إن الطبقة العاملة حين تعي أن الرأسمالية هي سبب شقائها، ستنتفض وتعمل على التخلص منها، هذه هي الفكرة. وإذا كان لنا أن ننتقد ماركس هنا، فإننا مع الأسف لن نجد سوى فكرة (الثورة والعنف) ننتقده عليها. ثم إنك ربطت بين هيغل وماركس ربطاً كان أقرب إلى التعسف منه إلى الإنصاف. هيغل يعزو تطور المجتمع البشري إلى الإنسان وقدراته النفسية والفكرية، أما ماركس فيعزو تطور المجتمع البشري إلى القوانين الاقتصادية ومنها الصراع الطبقي الذي تحدثنا عنه طويلاً. وشتان ما بين الفريقين! يؤسفني أن أقول لك: إنك لم تكن موفقاً في مقالتك هذه
إرسال شكوى على هذا التعليق
111أعجبنى
فربما أذكر هنا الرأي الهام لكثير من الفلاسفة الأساسيين الذين لا يرون في الماركسية سوى تنزيل لهيجل على المادية لا أكثر
فلولا هيجل ما وجد ماركس .. وليس العكس
لذا فلا أظن أن إنجاز ماركس أو -علميته- تكمن بالمرة في المنطق الجدلي .. لأن هذا ببساطة هو إنجاز هيجل وليس لماركس فضل فيه كبير
لكن أظن أن إنجاز ماركس هو في -محاولة الربط- بين المادية والملموس والجدل
وهي المحاولة التي تبلورت في كتابه -الأيديولوجيا الألمانية-
ولا أرى لماركس إنجاز في المنطق الجدلي .. بل مجرد اقتباس والتزام وتسيس لمنطق هيجل .. وهو ما طفح بشكل واضح في كتابي إنجلز أنتي دوهرنج وديالكتيك الطبيعة .. اللذين هما مجرد ترجمة أو إجترار أو نسخة شعبية لمنطق هيجل .. لا أكثر
فعلمية ماركس أظنها بالتالي تكمن في -محاولة الربط- بين هذه العلوم الهيجيلية وبين نظائرها الفرنسية (الفكرة الشيوعية) .. ونظائرها الإنجليزية - الإقتصاد السياسي
وبهذا ربما كان ماركس -رابط- ومحفز catalyst بأكثر مما هو فيلسوف أو مفكر أصيل .. وهو ما يبدو في تحليلنا لمقولة التغيير فوق الفهم
إرسال شكوى على هذا التعليق
96أعجبنى
رد الكاتب-ة
التسلسل: 17
العدد: 261181 - أ. نعيم إيليا بين التفسير و التصوير
أعترف بأنه ربما خانني التعبير في الجملتين اللتين اقتنصتهما أنت من المقال - ولك الحق
وأرجو المعذرة على هذه الضحالة من طرفي
فما قصدته في الجملة ليس -التصور- بل التصوير- .. ولتعد قراءة الجملتين والعبارة كما يلي
وما قصده ماركس هنا هو: أنه لا يجب على الفلاسفة الإنشغال بمهمة (التفسير) العقلي الهيجيلي للواقع - الراهن بل ينبغي عليهم. الإنشغال بمهمة (التصوير) العقلي لواقع (بديل) (غير) الواقع الراهن.
هذا هو بالتحديد ما قصدته .. والفرق هو بين تصور وتصوير
فأنا أضع التصوير في مقابل التفسير
لأن ما قدمه ماركس هو تصوير لواقع بديل .. ولم يقدم تغيير .. وإن كان التصوير هو مرحلة تقديم سيناريو للتغيير .. وهذا ما قصده ماركس
ألا ينشغل الفلاسفة بتفسير الواقع الراهن بل أن ينشغلوا بتصوير واقع جديد
أما الفرق الذي تراه بين ماركس وهيجل .. فليس على هذه الدرجة من الاختلاف كما تظن
تقول: فماركس لم يقصد (التصور العقلي لواقع بديل) كما تقول مفسراً. وإنما قصد تثوير الفلسفة وجعلها سلاحاً في يد الطبقة العاملة
وفي رأيك أ. نعيم كيف قام ماركس: بتثوير الفلسفة وجعلها سلاحاً
هل حول الكلمات إلى أسلحة .. بالطبع هذا تصوير مثالي
كل ما فعله ماركس هو أن قدم -تصورا- عن التغيير
هذا هو بالضبط ما يعنيه: تثوير الفلسفة وجعلها سلاحاً
وليس أكثر من هذا
فأكثر الفلاسفة حديثا عن المادية لا يستطيع أن يحول كلماته إلى مواد أو إلى أسلحة ملموسة
بل المادية هي في أساسها مجرد -فكرة- فلسفية على الورق لا تتحول إلى مادة بمجرد أن نكتبها ونحلف أغلظ اليمين عليها
كل ما قدر عليه ماركس هو تقديم تصور للتغيير دون تضييع الوقت في تفسير بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه كما فعل هيجل - كما ظن ماركس
ماركس كان مشغول بالتغيير من خلال تقديم تصور عن هذا التغيير .. ولم يكن مثل عنترة ابن شداد عندما ظن أن بمقدوره رفع الأرض إن وضعوها فوق عتلة
ولذا خاطب ماركس في مقولته الفلاسفة .. ولم يخاطب السياسيين .. ولم يخاطب حتى العمال (إلا في مقولة: اتحدوا .. التي قصد بها إتحدوا لتنفيذ التصور الذي أقدمه) .. تحياتي
إرسال شكوى على هذا التعليق
109أعجبنى
انت تعتقد بان ماركس في الموضوعة الحادية قد ظهر متناقضا مع منهجه لا لشئ الا لانه دعى الى ممارسة السياسة بشكل مبكر مما اضر بالفكر ، وابتكر الشيوعية على غرار قصص الخيال العلمي اسوة ببعض معاصريه من الادباء . افتراضات تبحث عن اسس منطقية كافية فلا تجد سوى التطير (المتخفي) من سقوط الاتحاد السوفيتي سندا . وليكن، لكنه لايجب ان يكون عبر التماس السهولة على حساب الموضوعية ، وهو ما لا اتمناه لك .
إرسال شكوى على هذا التعليق
108أعجبنى
من المؤكد أن المنطق الجدلي تم بلورته بشكله الحالي على يد الفيلسوف العبقري (إيكل)ولكن حيث أن إيكل كان رجل دين أو متدينا فقد أولى الفكرة المطلقة أولوية في الآلية الجدلية الكامنة لكن أهم ما قام به ماركس هو أن قلب الأمر فأعطى أو اعتبر المادة هي التي لها الأولويّة في المحفز الجدلي للصراع وواصل هذا بالإهتمام بمادية فيورباخ وراجع الفكر الفلسفي وهو كما يعلم الكاتب الكريم مثله مثل كل المعارف الإنسانية عبارة عن تراكم لأعمال جمهرة من المفكرين ونعني أنه مثلا في المقولة الفلسفية(الشكل والمضمون )يرى إيكل أن الأولوية للشكل وهي التي تحرك تطور وتقدم ورقي الإداء الفني لكن ماركس قلب الآية واعتبر أن المضمون هو الأول ورغم ذلك فما أراه بتواضع أن العلاقة الجدلية تعني تبادل التأثير وبذلك لا فائدة من البحث في الأولويّة لأن أي تقدّم في الشكل أو المضمون سينعكس على تقدّم الأداء في المتضاد الآخرومن ناحية أخرى يرى كثيرون أن فضل ماركس يتركز في قلب الجدليّة إلى أولويّة المادة على الفكرة ثم في توحيد الفلسفة الألمانية (المنطق الجدلي خصوصا)بالإقتصاد الإنكليزي بالإشتراكيّة الفرنسيةليخرج بالإشتراكية العلميّةالماركسية
إرسال شكوى على هذا التعليق
109أعجبنى
أود أن أضيف إلى أن منجزات ماركس لا تنحصر في قلب الفلسفة وجعل الأولوية للمادة على الفكرة وهو ما تمت الإشارة إليه بل استنباط أو وضع قانون فائض القيمة في الإقتصاد وهو الجانب الذي أوضح بالأرقام أحقية وطليعية الطبقة العاملة وبرهن على حقها الضائع ،كما أنه جرّد من ناحية أخرى الإشتراكيّة الفرنسية من الأفكار الخيالية والطوباويّة ووضعها بالإستناد إلى نظرية فائض القيمة أفكارا عمليّة وممكنة التطبيق على الأقل بموجب ما كانت عليه أحوال الفكر العلمي أيامها من جانب آخر ليس العلم هو التجريب بل هناك كتاب ذو نفع كبير يوضح الفرق بين الفكر التجريبي والماديّة وهو الماديّة ونقد الفكر التجريبي إذ أن الماديّة هي كما قلنا أولويّة المادة على الفكرة وهذا أمر اعتبر انقلابا في الفكر الفلسفي بحق على أنني كما أسلفت لم أعد بكل تواضع متحمسا له بسبب المنطق الجدلي نفسه إذ أنها المقولة الأساسبة للفلسفة وبذلك نجد بكل تواضع أيضا أن ثنائية الفكرة والمادة تنطوي على تبادل التأثير بينهماكما أن لعلوم الطبيعة قولُ في هذا من منجزات علوم الفلك وأصل تكون الكون وسوى ذلك
إرسال شكوى على هذا التعليق
144أعجبنى