علاقة المواطن بالعام علة ثقافية


باسم سليمان
2011 / 7 / 26 - 22:23     


كثيراً ما يستحضر التساؤل نفسه عن طبيعة العلاقة الملتبسة للمواطن بالعام، عندما يجري الحديث عن التباين بين مجتمعاتنا ومجتمعات الغرب، ويُسهب الحديث عن سوء تعاطي بعضهم مع الممتلكات العامة من مرافق ومؤسسات وحتى قوانين ناظمة لعلاقة المواطن مع البيئة المحيطة ومع الآخرين، حتى بات الكثير من المفاهيم، التي تحكم علاقتنا مع الآخر، تأخذ لدى المواطن طابعاً يشبه ذلك الذي يحكم علاقته بالملكيّة العامة والدولة التي تمثلها، لتأتي حركته تجسيداً لتلك المفاهيم المغلوطة، عبر ممارسة سلبيّة نمطية تتجلّى في عدم الحفاظ على الممتلكات العامة، وغياب الرغبة الذاتية في الالتزام بالقوانين الناظمة، والحفاظ على البيئة، والحفاظ على سلامة المرافق العامة، كما نشهد غياب التحلّي بميزة التقنين الاستهلاكي الفردي، كالتقنين في استهلاك الكهرباء والمياه، وتبرز سمة الأنانية جليّةً في كلّ مرة يتّصل فيها الأمر بعلاقة الفرد بالمجموعة، كعدم الالتزام بالدور، أو إيثار الذات على الآخر ضمن فريق عملٍ واحد، وسعيِ فردٍ من فريق عملٍ للحصول على فرصة على حساب الفريق، مثل الأداء الأناني لأفراد فريق كرة قدم الذي ينعكس على أداء الفريق بأكمله.
إنّ التلقين التربوي الخاطئ للطفل يشكّل حيّزاً كبيراً من المنظومة الذهنية المغلوطة لمفهوم علاقته مع العام، وهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن أن نستحضرها في هذا السياق، مثل المفهوم الخاطئ الذي يُمَرَّر تربوياً إلى الطفل عن دور شرطي المرور على أنّه دور رادع عقابيّ، وذلك عند القول له إنّ عدم ربط حزام الأمان يُرتّب غرامة مالية أو حجزاً، ليبدو رجل المرور والشرطة عموماً بشكل سلبي في نظر الطفل، ما يكرّس لعلاقة تخاصمية بينهما، في حين أنّه يجب القول إنّ دور الشرطي هو الحفاظ عليه من تبعات حادث مروري محتمل، كما أنّ الحديث الذي يجري مع الطفل غالباً ما يربط الاستهلاك غير المبرّر للكهرباء والمياه مع التكلفة المادية، ما يوصل رسالة خاطئة بأنّه يمكنه الاستهلاك غير المبرر للكهرباء والمياه، حيث لا يرتّب عليه ذلك تكلفةً مادية؛ كالمدرسة والمرافق العامة ومختلف قطاعات الملكية العامة، في حين أنّ المفهوم الصحيح الذي علينا إيصاله إلى الطفل يجب أن يأتي في إطار المفهوم الجمعي للمصلحة الفردية، كالقول إنه، في حال استهلاكنا الزائد، فإنّ مخزون الكهرباء والمياه يمكن أن ينضب، وسنحرم آخرين من إمكانيّة الحصول عليه، والعكس صحيح، كما أنّ مقارنة الطفل مع أقرانه يخلق لديه حالة تخاصميّة معهم، تتكرّس مع الوقت لتشكّل علاقة سلبية مع الآخرين تتّسم بالأنانية، وغياب ميزة العمل بروح الفريق، في حين أنّه، لتحفيز الروح التنافسية لدى الطفل، يجب مقارنته مع ذاته ومع أدائه في مراحل أخرى كان أداؤه فيها أفضل.
وهناك العديد من المفاهيم التي يمكن باعتمادها بناءُ المفهوم الجمعي للمصلحة الفردية لدى الأطفال، والذي يُمكِّنُنا من تأسيس علاقة إيجابيّة واعية مع البيئة المحيطة، والدور المناط بنا هو تعديل الثقافة السلوكية المجتمعية، في إطار علاقة الفرد مع العام، والذي يبدأ بالعمل على تعديل الأفكار، الذي يُفضي بدوره إلى تعديل في الأداء، ولا يمكننا تعديل الأفكار عبر الإملاءات؛ بل عبر الإقناع، وللعمل على تعديل الثقافة الملتبسة، لا بدّ من تضافر مجموعة من محاور العمل في آن واحد، ومن تلك المحاور، وفي مقدّمتها المناهج التربوية في المدارس في المرحلة الابتدائية المبكرة خاصة، باعتبار أنّ نسبةً كبيرة من المنظومة الذهنية للطفل تتشكّل في السنوات الثماني الأُوَل من العمر، ولا نغفل أنّ المناهج التربوية، التي تركّز على إقامة علاقة صحيّة وسليمة بين الإنسان وبيئته، وبينه وبين الآخر، تقتضي بالضرورة مواكبتها بكادر تعليمي مؤهل تربوياً، يؤسّس علاقةً صحيّة بين المدرّس وتلامذته تتّسم باحترام خصوصية واستقلالية الطفل، وتتمثل قواعد العلاقة الصحية الإيجابية بين الطفل والآخرين، كما أنّه لا يمكننا إغفال دور الإعلام، على مختلف صنوفه، في الإسهام في نشر ثقافة تربوية صحية، بحيث تتمكّن الأفكار من أن تتسلل عبر معظم النوافذ التي يمكن للمواطن أن يتواصل عبرها مع المحيط، إلى منظومته الذهنية لتستقر فيها بديلاً من المفاهيم المغلوطة. قد يقول بعضهم إنّ هناك ما يجب عمله أبعد بكثير من العمل على تعديل الثقافة المجتمعية لتبديل نظرة المواطن إلى ما هو عام، لنقول إنّهم مُحقُّون، ولكن تبقى تلك المهمة بالغة الضرورة، وتتطلب رعاية وطنية شاملة؛ لأنّ عملية تصويب الأفكار تبقى الخطوة المؤسِّسة لتصويب الأداء.