حق الجماهير العربية، بين سندان الأنظمة ومطرقة الهجمة الأميركية


خالد حدادة
2011 / 7 / 22 - 15:24     

شهدت الأيام الماضية تطورات كبيرة في الشكل والمضمون، في كل العالم العربي وفيما يخص كل الحراك الثوري العربي، ما هو مشترك فيه، هو اشتداد حدة الصراع في مضمونه السياسي، كما في مضمونه الأمني، بين حركة الجماهير العربية ذات الطابع الثوري التي تستهدف تثبيت حقوق الجماهير العربية بالحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بينها وبين الهجوم المضاد الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا والأنظمة الإقليمية والعربية وفي الداخل العربي من قبل قوى سياسية مختلفة التلاوين، لم تكن أساساً في صلب تحرك الشباب العربي والتحق قسم منها فيه متأخراً لمحاولة الإلتفاف على أهداف الحراك الجماهيري ومكتسباته...

والغريب أن الكثير من السياسيين والإعلاميين العرب، وخاصة المصنفين منهم ضمن إطار الخط الوطني والقومي، يبذلون جهداً ووقتا كبيرين في استعراض واستنباط المعطيات والدراسات لإبراز اهداف المشروع الأميركي في المنطقة... يبذلون جهداً كبيراً لإثبات حقائق لا يخفيها الأميركي ولا الأوروبي نفسه، لا تجاه القضية الفلسطينية ولا السعي للسيطرة على الثروة العربية ولا يخفي يوماًً من الأيام وجهته لإعادة صياغة المنطقة وحدود كياناتها، بما يضمن أمن "اسرائيل" والسيطرة على الثروة.. لا نقلل من أهمية هذا الجهد من الناحية الفكرية والبحثية، ولكن هل هو الجهد المطلوب اليوم؟؟

الأطنان من الدراسات حول استهدافات المؤامرة قد صدرت في العالم العربي وفي العالم واية إضافة عليها ستكون في إطار تأكيد المؤكد..

نحن اليوم مدعوون للإجابة على سؤال كيف نواجه هذه المخططات، وكيف نحبط المؤامرة الأساسية، وكيف نتصدى لمحاولة احتواء أو إجهاض الحركات الجماهيرية العربية التي قدمت نموذجاً تقدمياً وديمقراطياً ووطنيا يجب الدفاع عنه وتطويره.

ومن الطبيعي ان تنطلق إجابتنا من واقع لم يعد ممكناًً تجاهله، هذا الواقع هو أن النظام الرسمي العربي القديم، ليس فقط لم يستطع مواجهة المؤامرة، بل انه وعلى مدى عقد من الزمن قد شكل القاعدة العربية لتمريرها وتسويقها..

وتنطلق أيضاً من أن الأنظمة العربية في مواجهتها للحركات الجماهيرية إنما تخدم هذه المؤامرة عن وعي لدى معظم هذه الأنظمة، وانطلاقاً من الطبيعة القمعية واللاديمقراطية، للقليل الباقي منها.. وهذه الطبيعة لدى كل الأنظمة العربية مع اختلاف مواقفها تدفعها دائماً الى استسهال المساومة مع الخارج، عوض التنازل تجاه شعوبها وإعطاء هذه الشعوب حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي التحضير معها لمواجهة التآمر الأميركي- الاسرائيلي.

أليست هذه الحقيقة هي التي أوقعت مصر منذ عهد السادات حتى الثورة الشعبية في براثن الخطط المعادية لمصالح الشعب؟ أوليست هواجس البقاء في السلطة هي التي تدفع دول الخليج الى إضاعة حق العرب في الثروة والتنمية؟ أوليست هي أيضاًً وراء التنازلات "والانفتاح" الذي طبع نظام القذافي في السنوات الأخيرة التي حاول من خلالها استرضاء الغرب وأميركا لضمان استمراره الشخصي أو الوراثي في الحكم؟

*************************

ولعل المختبر الأكثر تعبيراً عن واقع الصراع بين الجماهير العربية وأهدافها المحقة وبين الهجوم الأميركي- الغربي وحلفائه، في ظل أنظمة عربية اختلطت مواقفها الوطنية مع ممارسات القمع وغياب الديمقراطية، هو ما يجري في سوريا...

من المفيد التذكير هنا أننا وقبل بدء الحراك الجماهيري في سوريا، ومن داخلها، عبّرنا عن ثقتنا بأن ليس هنالك من مكان في العالم العربي سيكون خارج تأثير الموجة الثورية فيه.. وأكدنا أن الحفاظ على الموقع الوطني لم يعد ممكناً مع استمرار الشكل الحالي للنظام، وبالتالي دون أخذ خطوات جريئة باتجاه الديمقراطية وباتجاه الحفاظ على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب السوري. وأكدنا على أن الحل الأمني لن يساهم إلاّ في زيادة الانقسام الأهلي وبالتالي إضعاف المناعة الوطنية ووضع سوريا أمام احتمالات الحرب الأهلية التي تلبي مخططات الخارج. وحذرنا أيضاً من التنازل للخارج كحل سهل بديل عن إعطاء الحقوق الطبيعية للسوريين وسيكون هذا التنازل، كمن خسر الدنيا دون أن يكون له حظ في ربح الآخرة...

ومرة جديدة هنا، لن نغرق أنفسنا في البحث عن معطيات تؤكد وجود مؤامرة على سوريا، فالمؤامرة على العرب وحقوقهم كلهم، بل نعيد التأكيد على سؤال كيف نخرج من هذه الأزمة ونحبط المؤامرة؟

والمؤلم في هذا المجال هو الاصرار على سياسة القمع والعنف من قبل السلطة اساساًً ومن بعض المسلحين في المعارضة.. ومن يدفع الثمن هو الحركة الجماهيرية التي تحركت وما زالت من أجل حقوقها الأساسية والبديهية في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية... والمؤلم هو وجود سوريا اليوم على أبواب حرب أهلية ذات طابع طائفي بدأت بوادرها في حمص، ستزيد من أعداد الشهداء السوريين على اختلاف انتماءاتهم وستفقد سوريا مناعتها ووحدتها الوطنيتين..

وما يعمّق خشيتنا هو الاصرار على تمسك الأطراف بمواقفها، فالنظام يستنفر كل مؤسساته بما فيها الجماهيرية لرفض الاصلاحات وتعديل الدستور وإلغاء المادة الثامنة فيه وبالتالي الارتداد على نتائج اللقاء التشاوري من مؤسسات النظام نفسه ...والمعارضة مستمرة في تشتتها وضياعها وفقدانها لسقف موحد لمطالبها، وأيضاً تهميش دور الجماهير الشعبية التي تدفع الثمن في الداخل شهداء وجرحى ومعتقلين، ومحاولة جعل المعارضة الخارجية هي القيادة الفعلية للمعارضة بما يجعل الحراك خاضعاً لموجبات الخارج وليس لحقوق السوريين الطبيعية في الحرية والكرامة والعدالة...

وفي الإطار نفسه، ما يعزز قلقنا هو هذا القرار الغريب في توقيته ومضمونه حول اعتراف سوريا بالدولة الفلسطينية في حدود الـ 67 ما يؤكد خشيتنا من استسهال التنازل للخارج على حساب الحوار الداخلي وتلبية المطالب المحقة للجماهير الشعبية، بينما المطلوب اليوم هو إطلاق عملية حوار حقيقية يستكمل فيها اللقاء التشاوري قراراته بالمطالب المحقة والوطنية للمعارضة الديمقراطية التي اجتمعت في فندق سميراميس، التي رفضت التدخل الخارجي والتحريض الطائفي وأصرت على حقها بوقف القمع والاعتقال وإيقاف الحل الأمني الذي لم يعد ممكناًً استمراره دون تعريض وحدة سوريا للخطر...

**************************

أما فيما خص الوضع اللبناني فسنترك مؤقتاً الحكومة، تحاول بتعثر، الانطلاق بحركتها المكبلة حكماً بطبيعة النظام الطائفي والتحاصصي... وكذلك قيادة "المعارضة" ترسم على رمال الشاطىء اللازوردي، خطة عودتها الى السلطة على حساب الشعب والوطن دائماً..

وسنكتفي بموضوع واحد هو دعوة فخامة رئيس الجمهورية لاستئناف الحوار الوطني.. طبعاً نحن من حيث المبدأ مع كل تلاقي وحوار خصوصاً في الوقت الذي تأخذ فيه سجالات القوى السياسية الطائفية المتوترة، البلد الى احتمالات خطيرة بالتلازم مع ما يجري في العالم العربي...

ولكن هل ان "صيغة الحوار الوطني" ومواضيعها لا تزال الإطار الذي يمكنه إنقاذ البلد؟؟

إن لبنان اليوم بدأ يعيش أزمة كيان وطني على قاعدة الهريان والعفونة التي اصابت نظامه السياسي واقتصاده وبنيته الاجتماعية.. وبالتالي فإن الحوار بين القوى المؤسسة للنظام وعلى قاعدة التحاصص في القضايا والمواقف، وعلى قاعدة انقاذ النظام، ليس فقط مضيعة للوقت بل سيكون عاملا جديداًً يضاف الى عوامل الانقسام والتوتر...

نعم المطلوب اليوم هو حوار وطني حقيقي، يستهدف انقاذ الوطن ولكن عبر الاعتراف بضرورة الخلاص من هذا النظام الطائفي. لذلك فالأكثر جدوى، هو ان يدعو فخامة الرئيس، من موقعه، الى مؤتمر وطني انقاذي تشارك فيه قوى المجتمع المدني والنقابات والشباب والأحزاب والجمعيات المهنية والنساء إضافة الى القوى السياسية الموجودة في الحكومة والمعارضة، من اجل هدف واضح هو صياغة عقد سياسي يؤسس لنظام جديد، ديمقراطي علماني يحافظ على الوجود والوحدة الوطنيين... وإذا لم يدع الرئيس الى مثل هذا المؤتمر فإن قوى سياسية ديمقراطية مع النقابات والاتحادات المهنية والشبابية والنسائية مدعوة للمبادرة في هذا الاتجاه...