تأملات / هل أتاكم حديث المعاقات !؟


رضا الظاهر
2011 / 7 / 11 - 16:32     


تأملات

هل أتاكم حديث المعاقات !؟


تحجب القضايا "الكبرى"، عادة، قضايا "صغرى" تبدو ضائعة وسط زحام أحداث جسام. هكذا هو الحال، مثلاً، عندما يحجب صراع المتنفذين على الامتيازات في ظل منهجية المحاصصات الطائفية والاثنية قضية مثل قضية معاناة النساء المعاقات.
وتشكل النساء، حسب وزيرة الدولة لشؤون المرأة في كلمة ألقتها الخميس الماضي في المؤتمر الأول للمرأة المعاقة، نسبة 40 في المائة من المعاقين الذين يبلغ عددهم مليون ونصف المليون. ومن يدري فقد يكون العدد أكبر، في بلد تزدري ثقافته السائدة الاحصاء، اذا ما أجري مسح دقيق وتفعيل للمادة 32 من الدستور التي تنص على وجوب رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة من قبل الدولة وتأهيلهم بغية دمجهم في المجتمع، وخصوصا النساء المعاقات اللواتي يعانين تمييزاً مزدوجاً، فهن، كنساء، ضحايا للثقافة البطرياركية المهيمنة، وهن، كمعاقات، ضحايا للاهمال وغياب الحقوق الانسانية.
وبينما تستمر مظاهر تفاقم الأزمة الاجتماعية العميقة متجلية، بشكل أساسي، في منهجية المحاصصات، نجد حكومة "الشراكة الوطنية" في شغل بصراع الامتيازات عن الملايين من المحرومات والمحرومين ممن تطحنهم رحى المعاناة اليومية. ولكن هذه الحكومة المشلولة تستطيع أن تجد سبيلاً الى الاعتداء الوحشي على المتظاهرين المحتجين سلمياً، كما حدث يوم الجمعة الماضي في ساحة التحرير ببغداد، مثلما تجد سبلاً لانتهاكات وفضائح من هذا القبيل وسواه، بينما تواصل مزاعمها بشأن احترام حقوق الانسان وسوى ذلك مما يدخل في باب التضليل وطمس الحقائق وتشويهها والضحك على ذقون الناس.
ومن الطبيعي أن تجد هذه الحكومة، في السياق ذاته، سبيلاً الى إسكات أصوات النساء التي تهدد أهل السلطة وامتيازاتهم وكراسيهم وسدنة الثقافة البطرياركية وعقل التخلف الذي يريد من "ناقصات العقل والدين" أن يبقين أسيرات حجاب العقل المفروض قبل حجاب الرأس المفروض حتى لو جلست الأسيرات على مقاعد برلمان أو في قاعات جامعات.
وبينما يستمر فرض أشكال من التحريم على "الحرائر"، تنضم كتائب جديدة الى جيش الأميات حيث تبلغ نسبة الأمية بين النساء 24 في المائة وهي أكثر من ضعفها لدى الرجال. وما الغرابة في أن يتعاظم هذا الجيش في ظل ثقافة التخلف السائدة ووقائع العوز والحرمان، مثلما يتعاظم جيش الأرامل وضحايا العنف الأسري والمجتمعي ؟
أيعرف متنعمو المناطق الخضراء أولئك النساء اللواتي يقفن في طوابير طويلة أمام مكبات النفايات بحثاً في أكوامها عن باقي فضلات الطعام لهن ولأطفالهن ؟ أيعلم أولياء "الديمقراطية العراقية" بمآسي الملايين من النساء الضحايا، معاقات وأرامل وعاطلات عن العمل وسجينات عبودية ... والقائمة تطول ؟ وهذا وحده يكفي دليلاً على زيف الادعاء بوجود نظام "ديمقراطي" في بلاد مبتلية بالنوائب.
أيكفي أن نذكّر المنشغلين بصراعات السلطة والمال والنفوذ بالعنف المنفلت ضد النساء، والخوف السائد في صفوفهن، والتمييز الصارخ ضدهن في سائر ميادين الحياة، والاستهانة بانسانيتهن، وتهميشهن وإقصائهن، وسوى ذلك الكثير مما يدخل في خيمة تأبيد الثقافة السائدة، ضامنة امتيازات الحكام وحاضنة استعباد النساء، والعقل المتحجر الذي لا يرى سوى دونية المرأة ويعجز عن النظر اليها الا باعتبارها، والعياذ بالله، عورة لابد من سترهها، دفعاً للبلاء الذي يتخذ، عادة، شكل امرأة !؟
الله وحده يعلم متى يكف الحكام المتنفذون عن هذه المزاعم، ومتى يشبعون من نهب، ويتوقفون عن نهج "المعارك" والخراب، ويستفيقون عائدين الى رشدهم ليروا مآسي البلاد والعباد !
كانت إبنة الشيخ أبي الزاهد المكي من العابدات الناسكات المقيمات بمكة. وكانت تقتات من كسب أبيها من عمل الخوص في كل سنة ثلاثين درهماً يرسلها اليها. فاتفق مرة أن أرسلها مع بعض أصحابه فزاد عليها ذلك الرجل عشرين درهماً. فلما اختبرتها قالت: هل وضعت في هذه الدراهم شيئاً من مالك ؟ أصدقني بحق الذي حججت اليه. فقال: نعم عشرين درهماً. فقالت: أرجع بها لا حاجة لي فيها، ولولا أنك قصدت الخير لدعوت الله عليك. فقال: خذي منها الثلاثين التي أرسل بها أبوك ودعي العشرين. فقالت: لا، إنها اختلطت بمالك ولا أدري ماهو: (تقصد لا أدري من أين كسبت هذا المال).
ماالذي يقوله وجدان متنفذين في هذه الزاهدة "ناقصة العقل والدين"، فاضحتهم بين العالمين !؟
* * *
واهم من يعتقد أن بوسع حكومة محاصصات أن تحل أزمة المعاقات او تنصف النساء، ناهيكم عن حل أزمة العراق، وهي بنيوية مستعصية.
ليس أمام النساء سوى تحويل سخطهن المتعاظم الى حركة احتجاج تصب في مجرى حركة شعبية للملايين من الساخطين، قادرة على فرض إرادتهم في الاصلاح الجذري والتغيير الاجتماعي.
ومثل هذا التغيير لابد آتٍ. فنحن نعلم علم اليقين أن دوام الحال من المحال، وان أغلال الخنوع لن تبقى قادرة على تكبيل أصوات الملايين من النساء وهي تتوحد مع أصوات الملايين من المتضامنين الساخطين ..
نحن الآن نستمع الى أناشيد التحدي من طليعيات قادرات على تقديم المثال لشقيقاتهن المكبلات، وهي أناشيد الينابيع التي ترتل لحن العبور الى ضفاف مضيئة ..