رحيم الغالبي , رحيل أحد شهود تاريخ الشطرة


عادل الخياط
2011 / 6 / 28 - 12:08     

رحيم الغالبي , رحيل أحد شهود تاريخ الشطرة

توطئة : معذرة عن التأخر , التأخر عن التعبير عن الفاجعة , لكن هول الفاجعة هو الشفيع كما أعتقد .

عادل الخياط
هل كانت رسالتي الأولى لـ رحيم الغالبي تُمثل جمرا ام جليدا ام ذكرى ضبابية أكلتها سنين المأساة وتقاطعات العراق الذي فرَق ولم يجمع , الذي أكل الغنيمة - الأحباب - ولم يُعوض , الذي قتل الحُلم ولم يجد له بديلا .. آه يا عراق , كم أنت جميل , وكم أنت قاسي , فهل قدرنا اننا وُلدنا فيك , أم أن أنيابك المسمومة هي التي علِقت بأذيالنا , بشرايننا لنظل مشدودين إلى ليلك الجحيمي .. فسلاما ولعنة يا عراق , سلاما على رحيم الغالبي ولعنة على من خطفوا الحُلم ولم يزالوا .

كانت الرسالة تقول : انني أتذكر الآن بالضبط ذلك الشخص الأسمر النحيف القادم من صوب الجنوب للمدينة المجهولة - الشطرة المقدسة - وهو يخطف في شارع " الكص " ويحييني بسلامه المعتاد : شلونك عادل " ولا ازال أتذكر كيف ان الشخص تحول إلى صديق دارت الأحاديث معه كثيرا في المقاهي والنوادي , بين الشطرة وبغداد .. وما ادراك ما تلك السوالف في الزمن الجميل , المُهم , ربما ليس جميلا بحدثه التاريخي الذي: حيث الحرب والمأساة , لكنه يظل من ضمن زمنية اللقاءات الحلوة المنقرضة .. وعلى ما تقدم طرحت السؤال عليه : يا ترى , هل يتذكرني ذلك الأسمر النحيل ويتذكر أحاديثه ولقاءاتي معه في السنين المنقرضة ؟ فكانت إجابته على النحو التالي : هل أنت مجنون , هل تعتقد ان ذاكرتك أشد من ذاكرات تلك الأيام وهل وهل .. لا ياصديقي , حرفيا أنا أتذكرك جيد جدا ممتاز , بالأمس فقط كنت أتحدث مع أخي " علي مزهر الغالبي عنك "

السؤال لم يكن إختبارا لذاكرة " رحيم الغالبي " . السؤال كان نوعا من إعادة الذاكرة التي من المحتمل قد سحقتها سنين العذاب والتمزق ! السؤال كان يعلن : إننا أبناء تلك المدينة , تلك المدينة بجميع تاريخها المرئي والمتواري : نحن أبناء طاحونة " حجي مجيد " وأبناء الجسر وسينما " عبود " نحن أبناء قهوة : خلف وعبيد ووحيد وعلاوي , نحن أبناء " العراكة وحجام والحشافة ومشعل الحرية , نحن أبناء نوادي الصوب الشرقي وحانات الـ " بدعة العظيمة " .. ونوادي الحي الغربي التي تكونت لاحقا .. نحن كل شيء , نحن تاريخ الشطرة بكل ذرة فيها وكل غريق إختنق بشطها الإسطوري , غريب شط الشطرة هذا , لا يتجاوز عرضه ما يقرب الثلاثين مترا وإبتلعت مياهه الغلمان والفحول والشياب على مدى السنين !! : والسؤال يا غالبي كان يقول بصراحة : كم نحن حالمون بالزمن الجميل , وكم نحن موهومون به , لكن أهم شفيع لنا في أحلامنا وأوهامنا إننا نضع دستورا للقادمين , ليس دستورا من الوهم والحلم الفنطازي , إنما من النوع الذي يقول : ان لا تغركم نرجسية الحياة , فالذي يظل فقط هو ذكرى رحيم الغالبي وأمثاله , الذكرى التي تُعبر بحرفية عن صِدق الفن في إنثيالاته التي ترصدها تلك العينات الفريدة من أمثال رحيم الغالبي , وحامد مجيد فارة , وعبد الأمير حنيش وعبد الله الجكجك , وخالد الشطري , وحسن علاوي , هل تتذكر حسن علاوي , لقد سمعت بموت حسن علاوي من رحيم الغالبي .. وعليه كان القول عن أن رحيم الغالبي هو أحد شهود تاريخ الشطرة , فالتاريخ لا يضع حروفه إلا شهوده , شهوده الأوفياء وليس المزورين .. ولكن أحد الشهود رحل , رحل بدون إستئذان كما تقول ليلى الغالبي , لكن أجمل ما قالته ليلى الغالبي : اننا ضيوف على هذه الحياة وسنرحل ذات يوم , هذا صحيح جدا , ولكن ما ثمن الدمع , سوف أقول : اني متلاطم مثل دموعكم على الفقيد رحيم , يا علي الغالبي ويا ليلى الغالبي إنني منسلخ في أحد أفلام الخرافات على الفقيد , والمصيبة الأدهى ان يكون الرحيل بهذه الصورة الغير متوقعة للقاصي والداني , ولا تقل القدر والنصيب , فلعنة السماوات على القدر إذا كان بتلك الصورة المروعة .. ومع هذا فلم تزل في خاصرتي ما أقول , ولكن ما ينفع القول في زمن الرحيل الكارثي
, هل نعلل أرواحنا بتنميق العبارات , أم ان الصمت المفزع الذي لا تكتنفه جميع ترانيم التاريخ هو الموحي الأبدي لهول الفاجعة !؟